بين التطوّرات الخطيرة في الوضع السوري واحتمالات توجيه ضربة عسكرية أميركية غربية للنظام وحلفائه، وبين «الفيتو» الروسي الجيّد الذي أحبَط مشروع القرار الأميركي ـ الغربي الذي كان سيمهّد لهذه الضربة، ما يجعل المنطقة على فوهة بركان يمكن أن ينفجر في اي وقت، بهتَ المشهد الداخلي المحيط باستحقاق الانتخابات النيابية ويتفرّع منه تقصّي نتائج مؤتمر «سيدر» وسُبل ترجمته عملياً.
فقد تصدّرت التطوّرات الدولية في شأن الأزمة السورية واجهة الأحداث السياسية، في ظلّ تصعيد اميركي وبريطاني وفرنسي ضد روسيا، وتصعيد أميركي غير مسبوق ضد سوريا ترافَقَ مع بدء الرئيس الأميركي دونالد ترامب وفريقه للأمن القومي دراسة سيناريوهات ضربةٍ عسكرية محتملة فيها، بعد اتّهامها باستخدام الأسلحة الكيمياوية في «دوما»، وهو اتّهام ردّت عليه دمشق بتوجيه دعوة رسمية لمنظمة حظر الأسلحة الكيمياوية الى التحقيق في هذا الاستخدام.
وحملت الساعات الماضية جملة معطيات تؤشر إلى خطورة الوضع واقترابه من العمل العسكري، ولعلّ أبرزها:
• إلغاء ترامب جولته على أميركا اللاتينية، وذلك بغية الإشراف على الضربة الأميركية في سوريا ومتابعة التطوّرات حول العالم، على حدّ ما أعلنت المتحدثة باسمِ الرئاسة الاميركية سارة ساندرز، في وقتٍ ذكر مسؤول أميركي أنّ ترامب «يَعقد اجتماعات مكثّفة، وأنّ القرار في شأن الرد على هجوم «دوما» قد يتّخَذ في أيّ لحظة».
• إعلان رئاسة الوزراء البريطانية في بيان أنّ ترامب والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي اتفقوا على أنّ المجتمع الدولي «عليه الرد من أجل منعِ استخدام الأسلحة الكيمياوية حول العالم». وقال بيان للبيت الأبيض إنّ ترامب وماي «لن يَسمحا» بمواصلة الهجمات الكيمياوية في سوريا.
• الحرب الديبلوماسية في مجلس الأمن بين روسيا والولايات المتحدة بعد مطالبة واشنطن التصويتَ على مشروع قرار لتشكيل لجنة تحقيق لتحديد المسؤول عن الهجمات الكيماوية في «دوما»، الأمر الذي ترفضه موسكو التي أبلغت إلى مجلس الأمن أنّها ستطرح مسوّدتَي قرارَين في شأن سوريا للتصويت، لأنّها لا تتفق مع النص الأميركي.
• إعلان صحيفة Stars and Stripes الأميركية، أنّ مجموعة ضاربة من الأسطول الحربي الأميركي، وعلى رأسها حاملة الطائرات «هاري ترومان»، تتّجه إلى البحر الأبيض المتوسط. وأوضَحت هذه الصحيفة أنّ المجموعة الضاربة ستنطلق اليوم من قاعدة «نورفولك» البحرية (بولاية فرجينيا) في اتّجاه أوروبا والشرق الأوسط.
• إعلان صحيفة «وول ستريت جورنال» أنّ مدمّرة أميركية أُخرى قد تدخل البحر المتوسط في الأيام القريبة المقبلة، وذلك بالإضافة إلى المدمّرة «USS Donald Cook» الموجودة حالياً فيه. ونَقلت هذه الصحيفة عن مسؤولين أميركيين في مجال الدفاع قولهم: «توجد شرق البحرِ المتوسط مدمّرة «USS Donald Cook» الصاروخية، ويمكنها المشاركة في أيّ ضربة على سوريا. ومن المفروض أن تصل مدمّرة «USS Porter» إلى هذه المنطقة بعد أيام عدة».
من جهتها نَقلت صحيفة «Washington Examiner» عن مصدر في البنتاغون أنّ المدمّرة «USS Donald Cook» غادرت الاثنين ميناء قبرص وأبحرَت في اتجاه سوريا، مشيرةً إلى أنّ السفينة مزوّدة 60 صاروخاً مجنّحاً من طراز «توماهوك».
• إعلان مبعوث الرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط ميخائيل بوغدانوف، عن استدعاء سفير إسرائيل في موسكو غاري كورين إلى مقرّ وزارة الخارجية للبحث في الأوضاع المتدهورة في الشرق الأوسط. وقال بوغدانوف إنه سيُجري محادثات مع كورين، وأضاف: «نحن دعوناه فقط للحديث عن سوريا. الوضع هناك متحرّك ويتطوّر سريعاً».
• إستمرار تهديدات إسرائيل ضد إيران، حيث جدّد وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان التأكيد أنّها «لن تسمح لإيران بترسيخ أقدامها في سوريا، مهما بلغَ الثمن، ولا يوجد لنا خيار آخر». وقال خلال زيارته قاعدةً عسكرية في الجولان السوري المحتلّ: «قبولنا ببقاء الايرانيين هناك كالقبول بالسماح لهم بشَدِّ الخناق حول رقابنا». وأكّد أنه لا يَعرف من قصَف القاعدة الجوّية السورية «تي فور».
الإنتخابات
وفيما المنطقة تغلي على صفيحٍ ساخن، يَغرق لبنان في يومياته الانتخابية وتفاصيلِها الممِلّة، في وقتٍ أعلنَ وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق إنشاءَ «غرفة عمليات مركزية» خاصّة بالانتخابات مقرُّها في مبنى الوزارة، ومهمّتُها التنسيق بين مختلف غرف عمليات القوى العسكرية والأمنية لمواكبة العملية الانتخابية.
وأكّد المشنوق للسفيرة الأميركية إليزابيت ريتشارد أنّ «التحضيرات في وزارة الداخلية باتت شِبه مكتملة لإجراء الانتخابات النيابية، بمراحلها كافّة، وأنّ الوضع الأمني مستقرّ وممسوك»، ورأى أنّ «لبنان يتّجه إلى ازدهار ملحوظ بعد مؤتمر سيدر».
بدورها، شدّدت ريتشارد على «ضرورة حياد لبنان والمحافظة على استقراره في ظلّ التصعيد الحالي في المنطقة»، واعتبَرت أنّ «من الضروري استثمار المساعدات والقروض والهبات الدولية من مؤتمر «سيدر» في تعزيز الاستثمارات بما يَخدم استقرار اللبنانيين وازدهارَ اقتصادهم، وبما يعود بالفائدة على الشعب اللبناني كلّه، ضِمن حزمةِ الإصلاحات المطلوبة وتعزيز الشفافية»، وجدّدت التزامَ بلادها «دعمَ لبنان والأجهزة الأمنية».
ريفي
وفي المواقف، اعتبَر اللواء أشرف ريفي «أنّ الانتخابات هي استفتاء على سيادة لبنان، وعلى مواجهة التطبيع مع النظام السوري، الذي سيفرض على لبنان، في حال نالَ «حزب الله» وحلفاءُ النظام الأكثرية، وفي حال استمرّ الخائفون من «حزب الله» والمستسلِمون له في سياسة استغباء الناس والتذاكي عليهم».
وقال ريفي لـ«الجمهورية»: «إنّ التسجيلات التي بثّتها قناة «الجديد» لشقيق المرشّح على لائحة تيار «المستقبل» محمد القرعاوي، تُشكّل إثباتاً على أنّ القرعاوي حليف عضويّ للنظام السوري، وبالتالي إذا كان الرئيس سعد الحريري يَعلم بذلك فهذه مصيبة، أمّا إذا كان لا يعلم فالمصيبة أعظم».
وأضاف: «لقد طالبوا الناس بدعمهم لأنّهم يواجهون لوائح النظام السوري و»حزب الله»، فأتت لوائحهم ملأى بودائع النظام في عكار والبقاع. فإذا كانوا منسجمين مع أنفسِهم، عليهم سحبُ هؤلاء المرشحين منها، لأنّ علامات استفهام كثيرة تُطرَح حول الهدف مِن ضمِّهِم إليها».
وإذ أكّد ريفي «وجود مخاوف من أن يكون فوزُ هؤلاء المرشّحين مقدّمةً للتطبيع مع النظام السوري»، سأل: «هل هناك سعيٌ لدى البعض الى هذا التطبيع؟ وهل هناك خطة لاستدراج عروض للمشاركة في إعمار سوريا في ظلّ حكمِ الأسد؟ وهل صحيح انّ شركات بدأت تُنشَأ لهذا الغرض؟».
من جهةٍ ثانية، دعا ريفي رئيسَي الجمهورية والحكومة «إلى سحبِ سفير لبنان المعيّن حديثاً في دمشق وطردِ السفير السوري من لبنان، على خلفية استهدافِ النظام السوري «دوما» بالسلاح الكيماوي»، وقال: «لم يكن يَجدر بالرئيس الحريري خصوصاً أن يوافقَ على تعيين السفير اللبناني، والمطلوب منه اليوم بَعد جرائم النظام، طرحُ سحبِ السفير اللبناني، وإقران كلامِه الانتخابي بالأفعال».
الكنيسة لا تتدخّل
في غضون ذلك أكّد البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي أنّ «الكنيسة لا ولم ولن تتدخّل في تزكية أسماء مرشّحين من هنا أو من هنالك»، وأوضح أنّ «زيارة المرشحين للصرح البطريركي لا تعني إطلاقاً دعمَ البطريرك لترشيحهم». وقال إنّ «البطريرك الماروني كان ولا يزال وسيبقى على مسافة واحدة من جميع المرشحين، وما يهمّه فقط هو التزامهم، في حال وصولِهم الى المجلس النيابي، بدورهم الأساسي في التشريع والمراقبة والمحاسبة».
وأضاف: «سَمعنا من المشرّعين كلاماً عن أنّهم غير مقتنعين بهذا القانون، الذي قبْل تطبيقِه بدأت تظهر الاعتراضات عليه. نحن على مسافة واحدة من الجميع، ونأمل أن يأتي المجلس الجديد بوجوه جديدة، وأن يكون على مستوى آمال الشعب اللبناني المرهَق من الظروف الاقتصادية التي يمرّ بها».
«سيدر»
إلى ذلك، تُواصِل اللجان الفنّية اتصالاتها المشتركة من أجل وضعِ العناصر التقنية لطريقة توزيع القروض والهبات التي تقرّرَت في مؤتمر «سيدر». وقد اتّضَح أنّ هذه القروض مرتبطة ليس بالإصلاحات في لبنان فقط، بل بالنزاهة والشفافية. وعُلِم أنّ الدول المانحة ستراقب عن كثب دفاترَ الشروط والمناقصات وفضَّ العروض، وستدرس مدى فائدة المشاريع التي تُقدّمها الدولة اللبنانية.
وفي المعلومات أنّ الوفد اللبناني العائد من باريس تبَلّغَ صراحةً أنّه لكي تأتيَ نتائج «سيدر» هذه المرّة مغايرةً لنتائج باريس 1 و2 و3، على السلوك اللبناني أن يتغيّر أيضاً.
واستضافَ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في قصر الإليزيه في باريس أمس ملكَ المغرب محمّد السادس ووليّ العهد السعودي الأمير محمّد بن سلمان ورئيس الحكومة سعد الحريري الذي يَعقد اليوم مؤتمراً صحافياً للحديث عن نتائج مؤتمر «سيدر».
وفي وقتٍ أكّد ماكرون أنّ «لدينا رغبةً مشتركة مع السعودية لدعمِ لبنان»، قال الأمير محمد بن سلمان حول الملف السوري: «مستعدّون للعمل مع حلفائنا في أيّ عمل عسكري في سوريا إذا تطلّبَ الأمر». مضيفاً: «لا نريد أيّ تصعيد للوضع في المنطقة».
البواخر مجدّداً
وفي هذه الأجواء ينعقد مجلس الوزراء قبل ظهر غدٍ الخميس في قصر بعبدا وعلى جدول أعماله 55 بنداً، أبرزُها البند الرقم 27 الخاص بعرضِ وزارة الطاقة والمياه لـ«الإجراءات المتوجّب اتّخاذها في أسرع وقت ممكن لإنقاذ قطاع الكهرباء»، وهو ما يوحي بأنّ ملف استئجار البواخر المنتِجة للطاقة عاد إلى الضوء من خلال مجلس الوزراء قبل أن تنتهي المشاورات الجارية وراء الكواليس سعياً إلى التوافق على هذه الصفقة مع الشركة التركية المصنِّعة لها، بهدف الوصول إلى أيّ نتيجة إيجابية.
وعلى جدول الأعمال بندٌ يتّصل باقتراح قانون يرمي إلى تعديل المادة 50 من قانون العمل اللبناني التي ترعى عقود العمل عموماً وسط تساؤلات عمّا إذا كان التعديل المقترَح يتصل بنتائج مؤتمر «سيدر» وتوسيع قاعدة العمل للنازحين وغير اللبنانيين الموجودين على الأراضي اللبنانية. وعلى جدول الأعمال أيضاً طلبُ وزارة الخارجية والمغتربين المشاركة في مؤتمر «بروكسل 2» لمساعدة لبنان على تحمّلِ أعباءِ النزوح السوري المقرّر بين 23 و 26 نيسان الجاري.
لا عفو عاماً
على صعيدٍ آخر، وفيما كانت الأجواء تشير إلى قربِ اتّخاذ قرار بموضوع العفو العام (رئيس الجمهورية عن المبعدين قسراً إلى إسرائيل، رئيس مجلس النواب عن المطلوبين في بعلبك ـ الهرمل، رئيس الحكومة عن الموقوفين الإسلاميين)، علمت «الجمهورية» أنّ هذا الأمر قد صُرف النظر عنه في الوقت الراهن لأنّ دونه تعقيدات تحتاج إلى وقتٍ للحلحلة، وهناك أطراف أساسية في البلد فضّلت عدم السير في هذا الملف تحت ضغطِ الوقت قبل الانتخابات. وكذلك فإنّ هذا الملف يحتاج إلى آليّةٍ قانونية بَعد توافقٍ سياسي تامّ ستكون ملقاةً على عاتق الحكومة والمجلس النيابي الجديدين.