عنوانان يتصدّران المشهد السياسي: الأوّل دولي ـ إقليمي يتمثّل في استمرار هبوب رياح الحرب على سوريا، على رغم فرملة الاندفاعة الأميركية في تنفيذ ضربة عسكرية، في وقتٍ بَرز إجماع لبناني رسمي على رفضِ استباحة الأجواء اللبنانية. أمّا العنوان الثاني فمحلّي ويتمثّل في استمرار التحضيرات الانتخابية وما يرافقها من مخالفات يومية لقانون الانتخاب وعودة التوتّر حول ملفّ الكهرباء بين مكوّنات الحكومة. وعلى وقعِ قرعِ طبول الحرب، تحلّ اليوم الذكرى 43 لاندلاع الحرب الأهلية عام 1975، فيما لبنان ما زال يعاني من أزمات عدة ساهمَ بعضُها في اندلاع تلك الحرب المشؤومة آنذاك، وعليه، ظلّت الساحة اللبنانية تعاني من نزاع سياسي وتدخّلاتٍ أجنبية وانتشار السلاح غير الشرعي.
بدا للمراقبين أمس أنّ المواقف الأميركية الملتبسة من الضربة في سوريا تكشف أحد أمرين: إمّا أنّ هناك تبايناً بين مراكز القرار الاميركي، أي بين البيت الابيض ووزارة الدفاع (البنتاغون) حيال فائدة الضربة الآن قبل انتهاء التحقيقات في شأن الجهة التي استعملت السلاح الكيماوي في «دوما».
وإمّا انّ واشنطن تريد ان تستعيد سلاح المفاجأة الذي أفقدتها إياه تصريحات الرئيس الاميركي دونالد ترامب حين اعطى الانطباع بأنّ الضربة ستحصل في خلال الـ24 أو الـ48 ساعة الماضية، ما دفعَ بالاطراف المستهدَفين في سوريا إلى اتخاذ الاحتياطات والحمايات الضرورية.
وكان ترامب، بعدما هدّد بشنّ ضربةٍ على سوريا مستخدماً «صواريخ جميلة ذكية ونظيفة»، ودعا روسيا الى الاستعداد، أطلّ امس في تغريدة جديدة قال فيها إنّ الضربة الأميركية «قد تتمّ قريباً جداً أو ربّما بعد حين».
ورأى المراقبون في هذه الفوضى التي تلفّ المواقف الاميركية، ولا سيّما منها موقف ترامب الاخير، أنّها تكشف عدم وجود استراتيجية واضحة من الآن، لا حيال الضربة في سوريا، إنّما حيال ما بعد الضربة كذلك.
إتصالات ديبلوماسية
في موازاة هذا الواقع، كشَفت مصادر ديبلوماسية لـ«الجمهورية» عن وجود اتصالات جدّية ديبلوماسية وعسكرية بين موسكو وواشنطن لمعالجة الوضعِ السوري، بنحوٍ يَسمح بإنقاذ «ماء الوجه» لكلّ مِن أميركا التي اكّدت انّها ستضرب، ولروسيا التي اكّدت انّها ستردّ.
وأفادت معلومات ديبلوماسية مساء امس، أنّ المفاوضات حقّقت تقدّماً، إذ إنّ الجانب الروسي تفهَّم الموقف الاميركي وطرَح أفكاراً تعويضية تتناوَل موقفَ اميركا تجاه روسيا في ملفات أخرى، خصوصاً في جزيرة القرم وأوكرانيا. وعُلم في هذا الإطار انّ المحور الاميركي ـ البريطاني، وبدرجةٍ أقلّ الجانب الفرنسي، مصمّم على توجيه ضربةٍ الى سوريا ولكن بعد ان يَحسم «البنتاغون» الجهة التي استَعملت السلاح الكيماوي.
وفي محاولةٍ لتطويق التصعيد الاميركي، توجّهت لجنة من منظمة حظر الاسلحة الى سوريا لتكشفَ حقيقة استعمال الكيماوي في دوما. وعلمت «الجمهورية» من مصادر ديبلوماسية انّ واشنطن حدّدت 48 ساعة للّجنة لكي تعطي النتائج، لأنّ، حسب الإدارة الاميركية، المعلومات تؤكّد «أنّ النظام استعملَ هذا السلاح بنسبة 80 في المئة»، وتعتقد الإدارة أنّ الـ 20 في المئة لا يتطلّب اكثرَ من ساعات على الارض للتأكيد الحاسم، خصوصاً أنّ واشنطن تفضّل، في حال حصول الضربة، ان تتمّ قبَيل القمّة العربية المقررة الاحد المقبل أو عشيتها، وبالتأكيد قبل لقاء ترامب والرئيس الكوري الشمالي. وهناك من يتحدث عن رغبة اميركية في ان تنعقد القمّة ويتضمّن بيانُها دعوةً الى معاقبة من استعملَ السلاح الكيماوي.
ويرى مراقبون أنه مهما تكن التصريحات المتناقضة، فإنّ التحالف الدولي لا يستطيع إلّا ان يضرب في سوريا، ويبقى ان يُعرَف من ينبغي ضربُه، لأنه إذا كان التحالف والامم المتحدة متّفقان على انّ استعمال الكيماوي خط احمر يستحقّ العقاب فمعنى ذلك انّ الضربة حتمية مع فارقٍ وحيد، هو أن توجَّه هذه الضربة للطرف الذي استعمل هذا السلاح.
إسرائيل
في جانبٍ آخر، أفادت معلومات ديبلوماسية لـ«الجمهورية» أنّ إسرائيل أبلغَت إلى الطرفين الاميركي والروسي انّ عدم معالجة التحالف الدولي للوضعِ السوري سيَدفع اسرائيل الى اتّخاذ إجراءات أحادية في الوقت المناسب. وذكرت هذه المعلومات «أنّ ما يهمّ اسرائيل ليس قوات النظام تحديداً، إنّما القوات الايرانية و«حزب الله» في سوريا».
طبارة
ودعا سفير لبنان في واشنطن سابقاً رياض طبارة الى ترقّبِ نتائجِ المفاوصات التي تجري تحت الطاولة بين واشنطن وموسكو للبحث في سُبل الخروج من هذه «الزنقة»، وقال لـ«الجمهورية»: «لذلك نسمع تصريحات متناقضة للرئيس ترامب». ولم يستبعد حصول ضربة أميركية «حتى لو نجَحت هذه المفاوضات»، ومؤكداً انّ الضربة هذه إذا حصلت «ستكون أكبرَ من الضربة السابقة مع بنك أهداف أوسع».
جلسة مكهربة
وعلى الرغم من أنّ هذه التطورات الإقليمية والدولية كانت تستأهل أن يترفّع المسؤولون الى مستوى الخطر والقلق وتأجيل سجالاتهم، لم تمرّ جلسة مجلس الوزراء على خير، فتكهرَبت مجدداً عند طرحِ البند 27 والمتعلق بعرض وزير الطاقة لـ«خطة إنقاذ قطاع الكهرباء» والذي أثقله مساء الأربعاء بـ«كيلواطات» إضافية مكهربة من خلال إدراج 13 بنداً، لا يقلّ واحد فيه خلافاً عن الآخر.
بدأت الجلسة بإجماع وانتهت بانقسام كبير. فالإجماع أتى على رفضِ استباحة الأجواء اللبنانية للاعتداء على أيّ دولة عربية ورفعِ شكوى الى مجلس الأمن ضد الانتهاك الاسرائيلي للسيادة اللبنانية. وانتهت الجلسة على مشادّةٍ كلامية حادة بين الوزيرين علي حسن خليل وجبران باسيل هي الأولى بينهما بالمواجهة المباشرة منذ استفحال الأزمة بين «التيار الوطني الحر» وحركة «أمل».
وعلمت «الجمهورية» أنه عند طرحِ ملفّ معمل ديرعمار ٢ فتح النقاش حول مبلغ الـ TVA والذي تدور حوله شبهات. إذ طرَح رئيس الحكومة سعد الحريري صيغةً متّفقاً عليها مع وزير الطاقة ووزير الخارجية على ان يحوّل عقد الشركة المتعهدة الى B.O.T واقترَح تفويض وزيرَي الطاقة والمال التفاوضَ على هذا الأمر.
عندها تدخّلَ وزير الطاقة ليطرَح أنه يطلب أن يؤكّد مجلس الوزراء قراره عام 2013 بتلزيم الشركة، معتبراً أنّ العقد لا يتضمّن قيمة الـTVA البالغة 50 مليون دولار.
عندها تحدّث خليل، وقال: «لم أكن أريد أن أفتح الموضوع بالتفصيل، لكن بما أنّ هناك إصراراً على الاستمرار في الخطأ لا بدّ من التوضيح انّ كلّ الكلام السابق عن تحميل وزارة المال تعطيلَ مشاريع الكهرباء وعدم دفعِ الاموال هو غير صحيح ومجافٍ للحقيقة، وأنّ فريق رئيس الجمهورية قد أخفى عنه الحقائقَ وهي أنّ ديوان المحاسبة وافقَ في احدِ غرفِه على العقد من دون ان يحسم مسألة الـ T.V.A وعندما تقدّمت الوزارة بحجز نفقةٍ بقيمة مبلغ الـ T.V.A ورفعَته الى ديوان المحاسبة رفضَ الامر، واعتبَر انّ مبلغ الـ 50 مليون دولار هي ضمن العقد الاساسي ولا يجوز ان تدفع مرّتين. وبعد رفض وزير الطاقة تتفيذ الامر، رفعَ الحريري الطلب الى الهيئة العامة لديوان المحاسبة طالباً حسمَ الموضوع فجاء قراره بإجماع رؤساء الغرف ورئيس الديوان يرفض دفع T.V.A واعتبارها من ضِمن العقد فتخلّفَ الوزير المعني ايضاً عن التنفيذ وبدأ مع فريقه بتحميل مسؤولية الخَلل والفشل لوزارة المال».
وهنا قال خليل لرئيس الجمهورية: «أطلب منك أن تراجع الملف الذي أمامك وإذا لم يكن هذا صحيح بكامله أنا أتحمّل المسؤولية، وانتبه الى الذين يقدّمون لك معطيات مغلوطة».
هنا تدخّل باسيل وكرّر تأكيد موقفِه المعلن أنه متحصّن بقرار مجلس الوزراء وموافقةِ ديوان المحاسبة على العقد وأنه يُحمّل المسؤولين في نتائج التحكيم للّذي قال إنّه «يفتخر أنّه أوقفَ كهرباء»، مشيراً الى وزير المال.
عندها قاطعه خليل وقال: «أنا أفتخر بأنّي أطبّق القانون والاصولَ، وقلتُ هذا وأقوله كلّ يوم، لن اسمحَ بأن يمرَّر من وزارتي أمور خارج الاصول». فقال باسيل: «كيف يمكن ان تسرقَ أموال الـTVA».
عندها قاطعه خليل وقال: «من سألَ هو الخبير. أنت محترف في السرقة ومحترف في مخالفة الأصول لغايتك الشخصية، ولن أتراجع امامكم في هذا الأمر».عندها رفع رئيس الجمهورية الجلسة وطلبَ رئيس الحكومة أن لا يخرج هذا الأمر إلى الاعلام وأن يقال انّ لديه موعداً كما هو بالفعل، ولهذا رفِعت الجلسة.عندها تقدَّم خليل من رئيس الجمهورية وقال له: «أنا متمسّك بكلّ كلمة قلتُها وأعتذر منكَ لأنّ صوتي ارتفع».
جولات انتخابية
وسط هذا المشهد، تستمرّ جولات المسؤولين الانتخابية. وعلمت «الجمهورية» أنّ المنطقة الجنوبية الحدودية تشهد زيارتين لكلّ مِن الحريري وباسيل، وتحمل هاتان الزيارتان اللافتتان في التوقيت والمغزى دلالاتٍ سياسية قبل نحو 24 يوماً من إجراء الانتخابات النيابية في 6 أيار المقبل.
الزيارة الأولى سيقوم بها الحريري اليوم الى قضاء مرجعيون – حاصبيا. وعلى رغم أنّها زيارة لرئيس حكومة، إلّا أنّها تهدف إلى حضّ الأهالي على الاقتراع لدعمِ مرشّحِ تيار «المستقبل» عماد الخطيب عن المقعد السنّي في قضاء شبعا، على لائحة «الجنوب يستحق» غير المكتملة والمدعومة من التيارَين «الأزرق» و«البرتقالي»، والمُنافسة للائحة «الأمل والوفاء» المكتملة، المدعومة من حركة «أمل» و«حزب الله» والتي تضمّ النائب قاسم هاشم ابن بلدة الخطيب.
أمّا الزيارة الثانية للقضاء نفسِه، التي بقيَت طيَّ الكتمان وبعيدةً من التسريب الإعلامي، فهي التي ينوي باسيل القيامَ بها غداً ويبدأها بافتتاح مكتب لـ«التيار» في بلدة حبوش – النبطية. ويتوجّه منها الى مرجعيون للقاء كوادر «التيار»وعناصره لشدّ العصبِ الانتخابي ودعمِ مرشّحيه على اللائحة التي جمعَته بـ«المستقبل»، والتي تضمّ مرشّحيه في قضاء النبطية مصطفى بدر الدين وهشام جابر، وأربعة مرشّحين آخرين في قضاءَي بنت جبيل ومرجعيون.
ويُركّز «التيار» على إعطاء الصوت التفضيلي في القضاء للمرشّح عن المقعد الأرثوذكسي الرئيس السابق لصندوق المهجّرين شادي مسعد في مواجهة مرشّح الحزب السوري القومي الاجتماعي عن المقعد نفسِه النائب أسعد حردان.
ويسعى التياران الأزرق والبرتقالي إلى إحداث خرقٍ في المقعدين السنّي والأرثوذكسي وإسقاط النائبين هاشم وحردان، إلّا أنّ الماكينات الانتخابية لحركة «أمل» و«حزب الله» تركّز جهودَها على رفعِ الحاصل الانتخابي من خلال الاقتراع بكثافة للائحة «الأمل والوفاء» في دائرة الجنوب الثالثة التي تضمّ أقضية النبطية، بنت جبيل ومرجعيون – حاصبيا، وذلك لسدِّ أيِّ ثغرةٍ تُمكّن التيارين الازرق والبرتقالي من تحقيق أيِّ خرق.
أمّا «أمل» و«حزب الله» فيشدّدان على أنّ يوم الاقتراع في 6 أيار هو «محطةُ استفتاءٍ على خيار المقاومة والتنمية»، ويَعملان على تحقيق «فوز ساحق» بغية تحقيقِ أهداف عدة، منها:
تمكُّنُ تحالفِ «أمل» و«حزب الله» من فرضِ قوتِه في انتخابات رئاسة المجلس النيابي. وسعيُ هذا التحالف إلى فرضِ قوته في تشكيل الحكومة المقبلة، من خلال كتلة نيابية وازنة.
وقالت مصادر مواكبة لزيارة الحريري لمنطقة حاصبيا لـ»الجمهورية» إنّه سيصل الى مرجعيون عند الثالثة عصراً، وينتقل الى ساحة حاصبيا والسراي الشهابية ومِن ثمّ خلوات البياضة، ثمّ الى شبعا، كفرشوبا، كفرحمام، الهبارية وراشيا الفخّار.
وقالت مصادر جنوبية لـ«الجمهورية» إنّ «التيار» الذي افترَق في صيدا – جزين عن «المستقبل» يحاول مبارزةَ حركة «أمل» في ساحتها الجنوبية.
وذكر معنيّون بالعملية الانتخابية لـ«الجمهورية» أنّ هيئة قضاء النبطية في «التيار» ستفتتح مكتباً انتخابياً غداً في بلدة حبوش، ما يدلّ على محاولات «التيار» لاستفزاز حركة «أمل» في عقر دارها.