مصادر في «حزب الله» لـ«الجمهورية»: «ايران اتخذت قرارها بالرد
باق من الزمن 19 يوماً على انتخابات 6 ايار، وعلى طريقها لا يجد المواطن اللبناني ما يمنعه من الترحّم على هذا الاستحقاق ونَعي التمثيل الصحيح والصورة الجميلة التي حلم بها للبنان بعد هذا التاريخ، فيما يكاد بعض النافذين في السلطة يجاهرون بلا خجل بنسف حلم الانتقال بالبلد الى واقع سياسي سليم، بتمثيل برلماني سليم أيضاً يعبّر عن توجهات المواطنين وارادتهم، وليس تمثيلاً مزوّراً بالمال والرشاوى ومُصادراً بالضغوط والارتكابات. وعلى مقربة من لبنان، لم يخرج الميدان السوري من دائرة الرصد وترقّب مجريات الاحداث فيه بعد الضربة الاميركية ـ البريطانية ـ الفرنسية لمراكز النظام، خصوصاً انّ المعلومات الواردة من هذه المنطقة تتحدث عن استعدادات لفتح جبهات جديدة يحضّر لها النظام وحلفاؤه بعد السيطرة على الغوطة الشرقية، فيما تشهد الجبهة الايرانية ـ الاسرائيلية توتراً شديداً، بعد اعتراف اسرائيل باستهداف مركز ايراني في قاعدة «تيفور» الجوية في سوريا قبل ايام. أعقبه إعلان طهران عزمها الرد على الغارة، الذي فرض حالاً من الاستنفار داخل اسرائيل، مقروناً بإعلان ضباط رفيعي المستوى في الجيش الاسرائيلي بأنهم يأخذون التهديد الايراني على محمل الجد.
صار الترحّم على مرحلة ما بعد الانتخابات النيابية واجباً، بعدما حرف النافذون في السلطة المسار الذي يفترض ان يسلكه هذا الاستحقاق نحو تجديد الحياة السياسية في لبنان، وأدخلوه في مغارة محترفي الاحتيال السياسي، والمبدعين في الارتزاق الانتخابي، وفي المتاجرة بمشاعر الناس وتوجهاتهم، والمصابين بالفجع المزمن على السلطة ومغانمها، متجاوزين بذلك الصرخات التحذرية المتتالية، خصوصاً من البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي ومتروبوليت بيروت وتوابعها للروم الارثوذكس المطران الياس عودة، بوجوب الذهاب الى استحقاق انتخابي نظيف خال من الشوائب يتمتع فيه الناخب بحريته في اختيار من يراه أهلاً لتمثيله في الندوة البرلمانية، وعاملاً على تنقية الدولة واداراتها من الفساد الذي اصبح مادة للمتاجرة خصوصاً من فئة من النافذين تدعو الى مكافحته ليلاً ونهاراً فيما هي منغمسة فيه من رأسها حتى اسفل قدميها.
وتكاد البورصة الانتخابية تعجز عن اللحاق بمسلسل الارتكابات اليومية التي يقوم بها أزلام النافذين واتباعهم في مختلف الدوائر الانتخابية، والناس تشهد على أداء هؤلاء الذين يقدمون خلاله ألواناً مختلفة من الضغوط والافتراء على المواطنين. وثمّة حديث في اوساط الناس عن مئات الشكاوى الى المخافر والمراجع الامنية والقضائية حول الارتكابات التي يقوم بها ناشطون في بعض التيارات والاحزاب، وبعض النواب الذين ينتمون الى تيارات سياسية محسوبة على مراجع عليا، وخصوصاً في جبل لبنان.
يتزامن ذلك، مع اندلاع «حرب الماكينات» في اكثر من دائرة انتخابية، بدءاً من بيروت وصولاً الى الشمال، حيث تزايدت في الآونة الاخيرة وتيرة اعمال الشغب التي تفتعلها ماكينات السلطة، برعاية مباشرة من اصحاب مراكز وزارية ومواقع رفيعة في السلطة، وبإدارة ميدانية من عناصر بعض الاجهزة الامنية، ومن دون ان تحرّك الجهات المعنية في الدولة ساكناً حيال ما يجري.
وبحسب معلومات «الجمهورية» فإنّ «حرب الماكينات» لها وجه آخر، يتمثل بالمعارك داخل البيت الواحد، اذ انّ أداء بعض الماكينات وتحديدا في بيروت وجبل لبنان وصولاً الى الشمال، يعكس حالاً من عدم الثقة بالنتائج التي قدرتها الاستطلاعات الانتخابية، حيث تتركز المعارك على «الصوت التفضيلي» الذي بات يشبه «الصوت التفريقي» للوائح وتشتيتها، بحيث يسعى كل مرشح ضمن اللوائح الى إنقاذ نفسه ومحاولة الاستحواذ على العدد الاكبر من الاصوات التفضيلية على حساب زملائه في اللائحة، وخصوصاً لوائح النافذين في السلطة، التي اشتمّت فيها رائحة خطورة على بعض المرشحين النافذين، الذين يخشون من احتمال سقوطهم في الاستحقاق، ولذلك لجأوا الى ممارسة الضغوطات، المقرونة بدفع أموال طائلة لشراء «التفضيلي». وعلم في هذا الاطار، انّ احد المرشحين المتمولين، بالشراكة مع احد الوزراء، يحضّر لشحنات خارجية من الناخبين، تستقدمهم من بعض دول الخليج، وقد رصد لذلك مبالغ طائلة.
أنا قرفان!
ورفض رئيس أحد الأحزاب «كل هذا المشهد المقرف»، وذكّر عبر «الجمهورية» بما قاله عند إعداد قانون الانتخاب «بأنّ هذا القانون سيخرب البلد، فأصرّوا عليه، وها هي النتيجة، أقزام تقرر وتشكل لوائح وتبيع المقاعد فيها بملايين الدولارات – بين هلالين – لجهابذة الزمن الجديد ولمجموعة من المفكرين والخبراء في السياسة والقانون والدستور والتشريع، وسيتحفوننا بإنجازاتهم في المجلس النيابي الجديد».
واضاف: «عيب هذا الذي يجري، لقد فقدوا الحياء، شوّهوا السياسة، شوّهوا البلد، ويريدون تشويهه اكثر في زمن سلطتهم وحكمهم، حقيقة انا «قرفان»… الجماعة ما بيستِحو، لصوصية سياسية على مَد عَينك والنظر، شو بعد في لبنان؟ تاريخ لبنان كان حافلاً بالرجال الرجال بالكبار، سواء التقيت معهم في السياسة او اختلفت، ولكن مع الاسف يريدون تحويله الى بلد الصغار».
أين عون؟
وانتقد مسؤول كبير في فريق 8 آذار «الفجع الذي يتحكّم بالبعض، وبطريقة غير مسبوقة». وقال لـ«الجمهورية»: «يريدون ان يسرقوا تمثيل الناس عينك عينك… كنّا قد راهنّا خلال اقرار القانون الانتخابي على حيادية الدولة وخصوصاً وزارة الداخلية التي يفترض ان ترعى الانتخابات بشيء من العدالة والشفافية ووفق القانون. وبناء على ما نسمع ونرى، يبدو اننا خسرنا الرهان، ناهيك عن التسخير الفاضح لكل قدرات وإمكانات وزارة الخارجية في خدمة ترشيح وزيرها جبران باسيل، اضافة الى جولاته ومؤتمراته الخارجية التي ثَبت للقاصي والداني انها انتخابية جملة وتفصيلاً، وعلى حساب الدولة اللبنانية، وقد تمّ إبلاغ ذلك الى مراجع رفيعة في الدولة الّا انها بَدت وكأنها لا تريد ان ترى. صحيح انّ الوزير ينفي ويقول انّ اموال المؤتمرات ليست من مال الخزينة، الّا انّ ما نعرفه من حقائق ووقائع يؤكد عكس ما يقوله».
وتوقف المسؤول نفسه «عند الزيارة الموسمية التي قام بها باسيل قبل ايام الى بعض مناطق الجنوب، والتي استَفزّت ابناء هذه المنطقة، ليس بحضوره اليها، بل في خطابه الحربي الذي أطلقه في قرى مسيحية أعطت مثالاً على مدى تاريخ لبنان على اجتماعها بعيش واحد ومصير واحد مع محيطها، اذ لم يكن مفهوماً ابداً إبعاد الخطاب التحريضي الذي أطلقه، وتجييش ابناء هذه القرى ضد محيطهم، وصولاً الى تهديدهم بعدم فتح ابواب وزارته امامهم في حال لم ينتخبوا مرشحي «التيار». هذه سابقة خطيرة لم يعهدها لبنان بأيّ من السياسيين. وحسناً فعل ابناء تلك المنطقة بالردّ عليه ورفض التهديد والتحريض. لا نقول لباسيل تراجَع، بل نسأل: «أين عمه؟ وما قام ويقوم به نضعه برسم رئيس الجمهورية ميشال عون».
المنطقة: التوتر يتزايد
إقليمياً، اذا كانت آثار الضربة الاميركية ـ البريطانية ـ الفرنسية ما زالت مطروحة على بساط التقييم والنقاش حتى على موائد الدول التي شاركت فيها، حول ما استهدفته وما حققته والخطوات التالية لها، دخلت المنطقة في مدار تطور آخر تمثّل بارتفاع وتيرة التوتر بين ايران واسرائيل، على خلفية استهداف اسرائيل لمركز ايراني في قاعدة تيفور السورية.
المعلومات الواردة من الميدان السوري، تتحدث عن زيارات عسكرية لمسؤولين ايرانيين كبار في «الحرس الثوري» الى سوريا، ومن بينهم قائد «فيلق القدس» اللواء قاسم سليماني. وجاءت الزيارة بعد التهديد الايراني بالرد على الهجوم الإسرائيلي على مطار التيفور العسكري وأسفر عن مقتل 14 شخصاً، 7 منهم من قوات «الحرس الثوري».
ورصدت بالتوازي مع ذلك، حركة غير اعتيادية في المناطق التي تقع تحت النفوذ الايراني في سوريا، بالتزامن مع اجراءات احترازية وبالغة الشدة اتّخذت بشكل ظاهر، في وقت اعلنت موسكو انها تنظر الى الضربة الاسرائيلية على قاعدة تيفور، كحدث شديد الخطورة، قد يفتح الامور على مصاعب كبيرة.
المعلومات التي تناقلتها وسائل الاعلام العالمية تحدثت عن وضع خطير احتمالاته مفتوحة. واللافت في هذا السياق انّ المستوى العسكري الاسرائيلي يتعاطى مع هذه الاحتمالات بجدية بالغة، وهو الامر الذي دفع الى اعلان الاستنفار ترقّباً للرد الايراني.
قلق روسي
وقال ديبلوماسي روسي لـ«الجمهورية»: «روسيا رفضت الضربة الثلاثية على سوريا، باعتبارها تفاقم من الصراع في المنطقة ويدخلها في مخاطر كبرى لا يسلم منها أحد، وهي ترفض بقوة الغارة الاسرائيلية على قاعدة تيفور. هذا العمل نراه عاملاً مؤججاً للصراع ولا نستطيع ان نتكهّن باحتمالاته. موسكو قلقة، لا نستطيع ان نؤكد او ننفي احتمال الرد الايراني، لكنّ الوضع خطير جداً».
«حزب الله»
وذكّرت مصادر في «حزب الله» بما قاله أمينه العام السيد حسن نصرالله عن انّ الغارة الاسرائيلية هي محطة مفصلية، ما بعدها غير ما قبلها. وقالت لـ«الجمهورية»: «ايران اتخذت قرارها بالرد، وجرى التأكيد على ذلك على لسان القادة الايرانيين الذين قالوا انهم سيردون في الزمان والمكان المناسبين، إيران لا تستطيع الّا ان ترد، ونحن على يقين من انها سترد، لأنّ عدم الرد سيثبت انّ اسرائيل تمكنت من فرض قواعد اشتباك جديدة مع ايران، وسيطلق يدها مجدداً للقيام بعمليات واستهدافات مماثلة.
وبالتالي، لا نستبعد ان يتم هذا الرد في وقت ليس بعيداً، ونتوقع ان يتم الرد في سوريا او من سوريا. وبحسب معلوماتنا يريد الايرانيون ان يكون الردّ موجعاً لاسرائيل، وكما شيّعت ايران ضحايا الغارة السبعة، يجب على اسرائيل ان تشيّع جنودها ايضاً».
وفي السياق، قال مرجع سياسي لـ«الجمهورية»: «يبدو انّ الغارة العسكرية ضد سوريا لم تحقق المراد منها، ولم تُرض اسرائيل، فلجأت الى تمرير ضربة عسكرية ضد مركز ايراني تحت غطاء الضربة الثلاثية».
اضاف: «ما ينبغي لَحظه هو انّ الغارة على المركز الايراني، تأتي على مقربة من شهر ايار، وهو الشهر الذي سيحسم فيه دونالد ترامب موقفه من الملف النووي الايراني، ما يعني انها ضربة تهدف الى خلق واقع جديد لدفعه الى تنفيذ وعده بالانسحاب من الاتفاق، هذا في وقت ما زال هذا الاتفاق خاضعاً للنقاش في واشنطن، ويغلب عليه موقف البنتاغون الذي أعلن قبل فترة قصيرة انّ في هذا الاتفاق مصلحة لواشنطن».
وأضاف: «الوضع يبعث على القلق، واحتمال تدهوره وارد في اي لحظة، انا اعرف الايرانيين، هم جدّيون، وألزموا نفسهم بالرد، وأعتقد انّ السوريين والروس قد ابلغوا بذلك، اضافة الى حلفاء ايران في لبنان، وتحديداً «حزب الله».
وقال: «انّ تدهور الاوضاع، فيما لو حصل، معناه انّ الازمة السورية دخلت في مرحلة جديدة، وانّ المنطقة معها على باب تحولات خطيرة انطلاقاً من الميدان السوري. صورة المنطقة حالياً تقع على برميل بارود، وما أخشاه ان نكون حالياً في مرحلة الهدوء الذي يسبق العاصفة».
وخَلص الى القول: «وضع المنطقة كله في خطر، وفي لبنان يجب علينا دائماً وأبداً ألّا نأمن من الغدر الإسرائيلي».