يبدأ اليوم الأسبوع الانتخابي الأخير استعداداً لـ«الأحد الكبير» في ختامه، حيث سيكون يوم الانتخابات في طول البلاد وعرضِها. ويُنتظر أن يخوض المرشحون بلوائحهم المختلفة جولاتهم وحملاتهم الانتخابية الأخيرة قبل أن يلتزموا وقفَ إطلاقِ الكلام تنفيذاً للقانون الانتخابي الذي يقضي بتوقّفِ الحملات الإعلامية والإعلانية والانتخابية قبل 48 ساعة من موعد فتحِ صناديق الاقتراع. ولاحَظ المراقبون ما يرافق الخطابَ السياسي المتشنّج من تعدّدِ المخالفات والارتكابات والخروجِ على كلّ القوانين التي ترعى العملية الانتخابية التي جُنّدت لها كلّ القدرات السلطوية والإمكانات المتوافرة لدى أهلِ الحكم خدمةً للوائح السلطة. وتخوّفوا من استغلال السلطة جلسةَ مجلس الوزراء الأسبوعية هذا الأسبوع لإمرار دفعةٍ جديدة من التعيينات الإدارية بغية استثمارها تعزيزاً للوائح أهلِ السلطة قبَيل فتحِ صناديق الاقتراع.
أقفِل أمس اليومُ الانتخابي الطويل في القارّات الأوروبية والأميركية والأفريقية والأسترالية، ليُفتحَ اليوم في لبنان أسبوعٌ انتخابيّ حارّ مع بدءِ العدّ العكسي لاستحقاق السادس من أيار في ظلّ استنفارٍ سياسي وشعبي غيرِ مسبوق.
وتوقّعت أوساط سياسية عبر «الجمهورية» ارتفاعاً ملحوظاً في سخونة الخطاب السياسي من اليوم وحتى 7 الاثنين المقبل، اليوم التالي للانتخابات، وذلك بغية استثماره انتخابياً وتعبئة الناخبين.
وأملت أن تبدأ في 7 أيار مرحلة جديدة بحيث ينتظم الجميع في حوار لتأليف حكومة وفاق وطني. إلّا انّ المصادر توقّعت حصول تعقيدات في الملف الحكومي من شأنها تأخير تأليف الحكومة في السرعة اللازمة، مشيرةً الى أنّ التأليف قد يستغرق أشهراً، في ضوء التصعيد السائد في الخطاب السياسي وتعريجِ بعض اصحابِه على رأيهم في الحكومة المقبلة وإعلانِ طرفٍ سياسي رفضَه أن يأخذ الطرف الآخر حقيبة معيّنة، واعلان الآخر أنه سيرفض أن يأخذ غيره حقيبة معينة. وبذلك يضع كثيرون من الآن العصيّ في دواليب الحوار المفترض لتأليف الحكومة».
في هذا الوقت، أبدى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ارتياحَه لمسار الانتخابات في بلدان الانتشار، والإجراءات التي رافقتها، خصوصاً لجهة معالجة بعض المسائل التي بَرزت خلال عمليات الاقتراع، فيما اعتبَر وزير الداحلية نهاد المشنوق أنّ العملية الانتخابية التي لم تخلُ من الشوائب الصغيرة التي عولجَت، «ليست فخراً لوزيرَي الخارجية والداخلية، بل هي فخر لجميع اللبنانيين».
في حين أكّد «حزب الله» بلسان عضو مجلسه المركزي الشيخ نبيل قاووق «تأييد عملية اقتراع المغتربين، على الرغم من أنّ هذا الإنجاز كان ناقصاً، ولم يكتمل بسبب سياسة الترهيب السعودية التي حالت من دون مشاركةِ المندوبين والمؤيّدين للحزب وحركة «أمل» في الانتخابات هناك». واعتبَر أنّ «هذه الانتخابات منتقصة قانونياً وديموقراطياً، ونحن سَكتنا عن حقّنا لكي نسهّل عملية الاقتراع وحِرصاً على إجراء الانتخابات وعلى الوحدة الوطنية».
في الموازاة، قال مراقبون لـ»الجمهورية»: «إنّ اقتراع المغتربين لم يبدأ مع هذا العهد ولا مع وزير الخارجية جبران باسيل، بل هو مطلب قديم منذ الستّينات لإعطاء المغتربين حقّ الاقتراع وردّ الجنسية لهم. لكنّه يأتي الآن في سياق تغيير قانون الانتخاب ونتيجة التوافق الوطني، وقبول كلّ الاطراف بهذا الحقّ، بعدما صار الاغتراب من كلّ الطوائف ولم تعد له هوية طائفية وحيدة، وهذا يُعدّ إنجازاً لأنه يعيد تواصلَ المغتربين الوطني، وليس السياحي، مع لبنان، فيتحمّسون أكثر للدفاع عن قضاياه في الدول التي ينتشرون فيها. إلّا أنّ المحاولات مستمرّة لاستغلال البعض هذا الأمر وتوظيفه انتخابياً».
وحسبَ هؤلاء المراقبين، «فإنّ خطوة اقتراع الانتشار هي خطوة عملية، لكنّ نسبة المقترعين لن تبدّلَ في نتائج الانتخابات، ومن اقترَع هم المغتربون الجُدد الذين ينتخبون عادةً في لبنان، وإنّ نسبة قليلة من المغتربين القدامى شاركت في العملية الانتخابية.
وقالت مصادر وزارية لـ«الجمهورية»: «إقتراع المغتربين هو خطوة جريئة تحصل للمرّة الاولى، وهي من أهمّ عوامل استقطاب المغتربين وجذبِهم الى الوطن، لأنّ، تاريخياً، النظرة الى الاغتراب كانت على أنه مصدر مال، أمّا اليوم فتبدّلت مع مشاركة المغتربين في الحياة السياسية فعلياً. أمّا من حيث التطبيق فكان يمكن أن يكون افضل، أي أن تكون نسبة مشاركة المغتربين مرتفعة اكثر. ومردُّ ذلك الى أنّهم لم يكونوا على ثقة بأنّ الدولة ستذهب بهذه الخطوة الى النهاية بعدما جرت محاولات في حكومات سابقة ولم تبلغ نهاياتها.
وما زاد الأمرَ صعوبةً هو انّه حتى الذين سجّلوا أسماءَهم للاقتراع لم يقترعوا كلّهم لوجود نقصٍ في الحوافز، فهم لم يَشعروا بأنّهم يستطيعون التغيير والتأثير، ولم يَشعروا بأنّ قانون الانتخاب أو المرشّحين يعكسون تطلّعاتهم، لذلك اقتراع الانتشار خطوة يجب أن يتمّ التحضير لها باكراً».
من جهةٍ أخرى تترقّب الأوساط السياسية والإعلامية ما ستكون عليه نسبة الشكاوى من بلدان الاغتراب، وتحديداً ما جرى من خروق خلال فترة «الصمت الانتخابي». وقالت هذه الأوساط إنّ تحديد هذه الخروق ينطلق من التثبتِ من المخالفات الإعلامية والسياسية في ضوء التحذير الذي اطلقَته هيئة الإشراف على الانتخابات في تعميمها على وسائل الاعلام كافة طالبةً اليها التنبّه الى مرحلة الصمتِ الانتخابي التي سبَقت انتخابات المغتربين اللبنانيين الجمعة الماضي وأوّل أمس في البلدان العربية والأميركيتين وأوروبا، والتي حُدّدت قبل 24 ساعة على فتحِ الصناديق في هذه البلدان.
ولفَتت المصادر الى انّها سجّلت بعض المخالفات التي سيُنظر بها لاحقاً، مشيرةً الى انّ المذكّرة التي صدرت عن الهيئة في 25 نيسان الجاري دعَت وسائلَ الإعلام الى «تحاشي إجراء دعاية أو نداء انتخابي مباشر، باستثناء ما يَصعب تفاديه من صوت أو صورة لدى التغطية المباشرة لمجريات العمليات الانتخابية ولجهة اقتصار تغطيتها هلى نقلِ الوقائع الانتخابية».
وقالت مصادر هيئة الإشراف على الانتخابات لـ»الجمهورية» إنّها «وثَّقت مئآت المخالفات بوسائل عدة، ولا سيّما تلك التي تقدَّمَ بها مرشّحون أو تلك التي تمّ توثيقها بوسائل أخرى». مشيرةً الى «انّ كلّ هذه المخالفات ستشكّل مضمونَ التقرير النهائي الذي سيُرفع الى كلّ مِن رئيس الجمهورية ورئيسَي مجلس النواب والحكومة والمجلس الدستوري خلال مهلة شهرٍ تلي إقفالَ صناديق الاقتراع.
خطاب باسيل
داخلياً، احتدمت المنافسة الانتخابية تحت عناوين مختلفة وسط التراشق بالاتّهامات. ووصَفت مصادر سياسية معارضة خطابَ رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل بأنّه «خطاب ضائع» يقوم على قاعدة «لكلّ مقام مقال»، وتختلف لهجتُه وعناوينه عند كلّ جولة، فيهاجم من الجنوب رئيسَ مجلس النواب نبيه برّي، في وقتٍ يُهادن من بعبدا «حزب الله «ـ حليف برّي. ويعلِن عند إبرام التفاهم مع «القوات» أنّ هذا التفاهم يَطوي صفحة الحرب، لكنّه اليوم وفي كلّ خطاب يذكّر «القوات» بمراحل هذه الحرب.
كذلك ندّدت المصادر بخطاب باسيل «التقسيمي» ومنطقِه القائم على قاعدة «هون إلنا وهونيك إلكُن» و»مثلما احترمناكم في صيدا كسُنّة فاحترِمونا كمسيحيين في جزّين».
وانتقدت أداءَ «التيار» وتحالفاته «المصلحية الضيّقة «، وقالت: «تستطيع أن تُبرِم تحالفات مصلحية، لكن عند انتهاء الانتخابات لا تستطيع القول إنكَ لا تنتمي الى الطبقة السياسية التي تتحالف معها، وإنكَ خارج هذه الاصطفافات. فلا أحد يُجادلك في تحالفاتك، الجدال هو حول ما كنتَ تقوله بأنك حزبُ تغيير وفِكر تغييري».
كذلك انتقدت «ترشيحَ «التيار» أشخاصاً على لوائحه يتمتّعون بحيثية ماليّة، وترشيحَ أشخاصٍ من خارج «التيار» سيَأكلون الأصوات التفضيلية من صحنِ مرشّحي «التيار» الملتزمين وسيَفوزون على حسابهم في مناطق عدة كزحلة والكورة وزغرتا».
وإذ تحدّثت المصادر عن وجود «خلافات داخلية حادّة وبارزة لم نكن نشهَدها سابقاً»، لفَتت «الى أنّ كلّ بيت سياسيّ سارَ مع «التيار» عوَّموه، كالمرشّح ميشال معوّض والنائب رياض رحّال الذي لم ينتخِب العماد عون رئيساً للجمهورية، واشتهر عنه أنه كان أبرزَ الشتّامين لعون، وكلَّ مَن عارَضه يرفضه ويحاول إلغاءَه وإقفالَ بيتِه السياسي، كما فعلَ مع الرئيس ميشال المر الذي انتخَب عون».
«التيار» ـ «أمل»
وكان منسوب التصعيد بين حركة «أمل» و«التيار الوطني الحر» في دائرة صور الزهراني، قد ارتفع، بما ينبئ بأن لا عودة الى العلاقة الطبيعية بين الطرفين. وتَمظهَر هذا التصعيد في قول بري «إنّ هناك من يحاول اليوم أن يسلكَ طريق تدمير فكرةِ لبنان ورسالته وتجربتِه عبر سيّاحٍ انتخابيّين، أحدُهم «يبرغت» اليوم في دائرتنا، ويتكلّمون عن حرّية تلة مغدوشة ونسوا من حرَّرها». فيما ردّ باسيل قائلاً: «إذا كانوا يريدون منعَنا عن مقعدٍ نيابي فلا يمكنهم منعُنا من التعبير عن رأينا، ونقول من الجنوب… الفساد لا يعيش مع التحرير والمقاومة».
«التيار» ـ «المردة»
وانسحبَ التصعيد بين بري وباسيل على خط «التيار الوطني الحر» ـ «المرَدة». فبَعدما اعتبَر باسيل من زغرتا «أنّ مَن واجَه الهيمنة والتسلّط في لبنان، ليس كثيراً عليه ان يواجهَها في زغرتا ليكسرَها ويعود التوازن».. قال: «سيكون لنا نائب في زغرتا، ونعمل لنائبين، إذا لم يكن هذه المرّة ففي المرّة المقبلة ».
وقال رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية خلال مهرجان انتخابي في بنشعي: «حين اقتضَت مصلحة بعضِهم جاؤوا إلى ساحتنا، وقد يقولون اليوم: «إنّنا نستعيد حقوقاً، ولكنْ لا تنسوا أنّهم هم بأنانيتهم من فرّطوا بحقوقِنا». وأكّد «أنّ وعود الانتخابات تزول مع الانتخابات ونهجَ الصدق يبقى كلّ العمر». وحذّر «من أنّ الخطاب العنصري، الخطابَ التقسيمي، الخطاب الطائفي يخسَر فيه الجميع، والمسيحيّون يخسرون اكثر من الجميع».
ريفي
في غضون ذلك، قالت أوساط اللواء أشرف ريفي لـ»الجمهورية» إنّ «المؤشرات الانتخابية في طرابلس وعكار والبقاع وبيروت تؤكّد «أنّ النتائج في 6 أيار ستكون مدوّية»، وتوقّعت «أن تكون نسبة التصويت مرتفعة جداً، خصوصاً لدى فئة الشباب التي تشارك للمرّة الأولى، وهي نسبة كبيرة وتنشُد التغيير».
وأكّدت «أنّ مزاج الناس مخالف تماماً لحملات الدعاية والتهويل التي تمارَس، وقد بدا ذلك جليّاً خلال المهرجانات الحاشدة التي أقامتها لوائح «لبنان السيادة» في الشمال». وأشارت إلى «أنّ البيئة السنّية على وجه التحديد تستعدّ لتغييرٍ كبير بعدما خَذلتها قيادتُها، وهي ستصوّت تحت عناوين: منعُ «حزب الله» وحلفائه من اختراق البيئة السنّية، والمطالبة باستعادة حضورِها القوي في الدولة، ومواجهة الفساد ورفعُ الحرمان عن مناطقها».