IMLebanon

مانشيت:سالكة نيابياً وصعبة حكومياً… ومجلــس الوزراء يعقد جلسته الأخيرة

ترسّخ مناخ من التوتر والحذر الشديدين نتيجة تردّدات مشهدية الاحتفال الاميركي ـ الاسرائيلي بتدشين مقر السفارة الاميركية في القدس أمس، بعد نقلها من تل أبيب، وتأكيد الرئيس دونالد ترامب أنّ القدس «عاصمة حقيقية لإسرائيل». وارتفع منسوب القلق من تداعيات هذه الخطوة التي تَلت انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي الايراني، والخوف من تأجيج النزاعات في المنطقة، كون افتتاح السفارة تزامَن مع ذكرى النكبة التي فجّرت غضباً فلسطينياً عارماً ومواجهات مع القوات الاسرائيلية سقط فيها ما يربو على 52 قتيلاً و2400 جريح برصاص إسرائيلي من جهة، وكذلك تزامن مع إعلان الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصر الله «مرحلة جديدة في سوريا بعدما كُسرت الهيبة الإسرائيلية»، مؤكداً أنه «لا يمكن لإسرائيل الاعتداء على سوريا من دون مواجهة رد أو عقاب»، وكشفه انه تمّ إبلاغها «أنّ تجاوز الخطوط الحمر سيؤدي إلى الرد بقصف ثانٍ في قلب فلسطين المحتلة». وفيما سارع العالم الى إطلاق دعوات لممارسة اقصى درجات ضبط النفس وتقرّرت جلسة طارئة لمجلس الأمن الدولي حول غزة اليوم، جدّد لبنان رفضه إعلان القدس عاصمة لإسرائيل، ورأى رئيس الحكومة سعد الحريري في نقل السفارة الاميركية الى القدس «خطوة تضع كل المسارات السلمية في المنطقة أمام جدار مسدود»، واعتبر وزير الخارجية جبران باسيل انّ ما جرى «سيقوّض عملية السلام في الشرق الأوسط»، فيما دعا النائب وليد جنبلاط الى فتح «كل الحدود للسلاح، وستعود فلسطين».
في غمرة هذه التطورات، ظلّ لبنان منشغلاً باستعداداته للاستحقاقين النيابي والحكومي. وفيما تدل كل المؤشرات الى أن الاستحقاق الاول، اي انتخاب رئيس مجلس نواب ونائبه وهيئة مكتب المجلس، سيمر بسلالة ومرونة، فإنّ هذا الوصف لن يسري بطبيعة الحال على الاستحقاق الثاني، اي تأليف الحكومة، ولو انّ التكليف لن يكون صعباً، إذ أنّ الكباش السياسي بين مختلف الاطراف مستمر، ما سيؤثر حكماً على عملية التأليف، خصوصاً انّ استعراض أحجام الكتل النيابية التي أفرزتها نتائج الانتخابات مستمر ومتواصل.

في هذا الوقت، لفت امس تأكيد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون انه «بموجب القانون السابق كان يتمّ تشكيل حكومات اتحاد وطني، فيما يمكن بموجب القانون الجديد ان تتشكّل حكومة اكثرية وبقاء المعارضة خارجها اذا رغبت».

من جهته، إستعجل «حزب الله» تأليف الحكومة، واعتبر السيّد نصرالله انّ «المصلحة الوطنية في لبنان هي من خلال تشكيل الحكومة من دون اي تأخير، وان تكون حكومة حقيقية تستطيع ان تَفي بوعودها». وشدّد على أنّ موضوع انتخاب الرئيس نبيه بري رئيساً لمجلس النواب محسوم، مستبعداً حصول خلاف على موضوع انتخاب نائب رئيس مجلس النواب.

علاقة «التيار»ـ «القوات»

في غضون ذلك ظلت تداعيات الانتخابات، لوائح وتحالفات ونتائج، تتفاعل في الشارع المسيحي وتنعكس سلباً على علاقة «التيار الوطني الحر» مع حزب «القوات اللبنانية»، ما يرسم أكثر من علامة استفهام حول مصير «تفاهم معراب»، خصوصاً بعد تصويب رئيس «التيار» الوزير جبران باسيل على رئيس «القوات» سمير جعجع عشيّة الدخول في الصمت الانتخابي الاعلامي وخلال مهرجان تكتل «لبنان القوي».

ولوحظ انّ رئيس «القوات» سمير جعجع، وبعد ايام على اعتماده سياسة النأي بالنفس عن مواقف باسيل، غمز أمس من قناته لكن من دون تسميته، مكتفياً بالقول: «إنّ ثعالب الصفقات متربّصة وتتحرّك في كل إدارات الدولة بغية اقتناص المال من هنا أو هناك، فيما الشعب يعاني من سوء الأوضاع المالية والإقتصادية المتردية».

وأوضحت مصادر «القوات» لـ«الجمهورية» انها آثرت عدم الرد على باسيل «انطلاقاً من اقتناعها بأنّ مواقفه تنتمي الى مرحلة الانتخابات، سواء في خضمّ الاستعداد لها او عشيّتها او بمفعول رجعي متّصل بها، نتيجة شعوره بالتفاف مسيحي واسع حولها، لكننا نعتقد انّ رئيس الجمهورية و«التيار» و«القوات» حريصون على عدم العودة الى مرحلة القطيعة السياسية او الى مرحلة ما قبل «تفاهم معراب»، وقد دَلّت المواقف التصعيدية في ذروة الانتخابات الى انّ أقصى ما يمكن ان تصل اليه الامور هو الاشتباك السياسي مع باسيل، امّا في ما يتعلق بالمصالحة و»تفاهم معراب» والتواصل السياسي، فلا يمكن ان يعود الوضع الى ما كان عليه سابقاً، فللطرفين مصلحة سياسية في التقاطع حيث يجب.

دخلنا بعد الانتخابات في مرحلة جديدة تستدعي تواصل الجميع استعداداً لها، وتحديداً على المستوى الحكومي حيث لا مصلحة للعهد في أن تكون قوى لها حضور وازن نيابياً وشعبياً خارج إطار مرتكزاته الاساسية من اجل انطلاقة متجددة مع الحكومة. فـ«القوات» شريك اساسي في التسوية التي أوصلت عون، وكذلك شريك أساسي في كل هذه المرحلة الجديدة، فضلاً عن انّ الانتخابات أفرزت ثنائية واضحة المعالم لا يمكن القفز فوقها او تغييبها او تحجيمها او محاولة إحراجها لإخراجها.

المصلحة الوطنية العليا تستدعي من «التيار» و«القوات» ان يكونا جنباً الى جنب في هذه المرحلة على رغم من اختلافهما في طريقة إدارة الشأن العام وممارسته، او في بعض المقاربات الاستراتيجية المتّصلة بالبعد السيادي، فأيّ انطلاقة للعهد يجب ان ترتكز على القوى الاساسية التي قامت عليها التسوية.

وبالتالي، لا مصلحة في محاولة إخراج اي فريق سياسي وازن، لأنّ اي محاولة من هذا النوع ستضعف هذه المرحلة الجديدة كثيراً فيما المصلحة العليا تقتضي أن تكون كل القوى في توجّه واحد لدفع الدولة الى الامام. كذلك، فإنّ استبعاد «القوات» او تحجيمها غير ممكن نسبة الى حجمها النيابي وشبكة علاقاتها السياسية الداخلية، وللتوازن الذي تؤمّنه على المستوى السيادي داخل الحكومة. فمن مصلحة الجميع المشاركة تحت سقف التسوية السياسية القائمة».

مجلس وزراء

وفي هذه الاجواء، يعقد مجلس الوزراء في قصر بعبدا، جلسة يفترض ان تكون الاخيرة قبل ان تصبح الحكومة مستقيلة مع انتهاء ولاية المجلس النيابي الحالي وبداية ولاية المجلس المنتخب في 21 من الجاري، الّا اذا قرر المجتمعون استكمال جدول الاعمال الطويل والذي يتضمن بنوداً دسمة، في جلسة أخرى تُعقد قبل انتهاء ولاية مجلس النواب وصيرورة الحكومة مستقيلة تصرّف الأعمال.

ويضم جدول أعمال الجلسة 83 بنداً، أبرزها البنود 79 و80 و81 وتتعلق بملف الكهرباء، وهي: عرض وزارة الطاقة التعديلات اللازمة على النموذج الحالي الاولي لعقد شراء الطاقة المنتجة من الرياح مع الشركات الثلاث، وهو بند كان المجلس قرره في 2 تشرين الثاني 2017. الإجراءات الواجب اتخاذها في أسرع وقت لإنقاذ قطاع الكهرباء، وقد تمّ تأجيل بحثها في 26 نيسان الماضي، وعرض دفتر شروط محطات استقبال الغاز السائل.

ويبحث المجلس كذلك في اقتراح قانون لإلغاء الامتحانات الرسمية للشهادة المتوسطة، وفي إعطاء تراخيص لعدد من الجامعات الخاصة أبرزها الترخيص لجامعة القديس جاورجيوس في بيروت، وهو البند الذي تمّ تأجيله من الجلسة السابقة قبل الانتخابات، بسبب اعتراض بعض الوزراء عليه، في اعتبار انه غير متفق عليه داخل الكنيسة الارثوذكسية.

واستبعدت مصادر وزارية «ان يقرّ ايّ بند من البنود المختلف عليها في هذه الجلسة، في اعتبار انها تأجّلت، والحكومة في أوج عملها، فكيف الحال وهي تودّع اليوم». وأوضحت لـ«الجمهورية انّ البنود التي ستُقرّ هي بنود ملحّة، لا يستفيد منها اي فريق سياسي على حساب فريق آخر، خصوصاً انّ الاشتباك السياسي قد ازداد حماوة بدلاً من ان يتراجع بعد الانتخابات».

المجلس الدستوري

من جهة ثانية، قال المجلس الدستوري رأيه أمس في الطعن الدستوري الذي تقدّم به 10 نواب بدستورية قانون الموازنة العامة للعام 2018، فأبطلَ 7 من مواده من دون أن يمس سير العمل بالموازنة عملاً بمبدأ المصلحة العامة التي جَنّبت المجلس قراراً يمكن ان يؤدي الى تجميد العمل بها وشَلّ بعض المؤسسات وضرب مكتسبات بعض القطاعات، لا سيما لجهة ما يتصل بسلسلة الرتب والرواتب وإعطاء القضاة 3 درجات، ووقف ما استعادوا من حقوق على مستوى صندوق التعاضد رغم تعليق العمل بالدوام الجديد في المؤسسات الرسمية والعودة الى النظام السابق ما قبل التعديلات الأخيرة المتّصلة بزيادة ساعات العمل اليومية، ووقف الداوم يوم الجمعة عند الحادية عشرة من قبل الظهر، وتجميد العطلة القضائية وفق الصيغة الجديدة التي قالت بها الموازنة.

وفي تفسيرها للقرار، قالت مصادر دستورية لـ«الجمهورية» ان المجلس «قام بعمل دستوري كبير وعلى درجة عالية لتصويب الأداء الحكومي، كما جمّد العمل بقانون الضرائب ليرسي قاعدة أساسية عند إقرارها في المرحلة المقبلة وفق قواعد دستورية شاملة وعادلة». ولفتت الى انّ المواد التي جمّدت او أُبطِلت لا تمس جوهر الموازنة.

وتوقف رئيس لجنة المال والموازنة النائب ابراهيم كنعان، عبر «الجمهورية»، عند نقطتين بارزتين في القرار وهما:

«أولاً: ردّ المجلس معظم مواد الطعن من الفصلين الاول والثاني والبابين الثالث والرابع بما فيها الطعن بالمادة ٨٧ المتعلقة بقطع الحساب، والذي شكّل احد ابرز ركائز الاستغلال الانتخابي لدى الطاعنين، ولا سيما منهم حزب الكتائب.

ثانياً: ردّ المجلس للمادة ٤٩ من حيث الشكل لا المضمون، إذ جاء من ضمن ردّه لـ ٦ مواد اخرى اعتبرها تتعلق بقوانين ادارية وتنظيمية وخاصة، كقانون تملّك الأجانب والقوانين الادارية والتنظيمية المتعلقة بنظام الموظفين، ومواقيت عملهم وكذلك الانظمة الاخرى المتعلقة بالسلطة القضائية، ولا علاقة للمادة 49 لا بتوطين ولا بتجنيس.

وبالتالي، أنهى المجلس حفلة الاستغلال الانتخابي التي طبعت حملة البعض الانتخابية، خصوصاً في ما خَصّ المادة ٤٩. وذكّر كنعان في هذا الإطار بتوصيات لجنة المال منذ ٢٠١٠ الى ٢٠١٨، والتي طالبت بعدم حشر مواد كهذه في الموازنة. وقال: «لو صدر هذا القرار قبل الانتخابات لكان وَفّر على الرأي العام والمراجع المعنية الكثير».

تجدر الاشارة الى انّ المواد المبطلة هي:

– المادة 14، وتنصّ على حق مجلس الوزراء تعيين الهيئات الناظمة ومجلس إدارة المؤسسات العامة خلال 6 اشهر من تاريخ نشر القانون. وطلب إعداد قانون خاص بهذا الشأن خارج نطاق قانون الموازنة.

– المادة 26، وتتضمن السماح للمكلفين بإجراء تسوية ضريبية وتسوية اوضاع المكلفين بضريبة الدخل من 2011 حتى 2016 ضمناً، منعاً للتمادي في ارتكاب المخالفات تمهيداً للتسوية.

– المادة 35، تتعلق بإمكانية مالك العقار تسوية المخالفات المرتكبة على عقاره لأنه يشجّع على التمادي بارتكابها ايضاً.

– المادة 43، وفيها إلغاء عدد من المؤسسات العامة والمصالح المستقلة، وترك الموضوع في حال وجود قرار بتشريعه بقانون خاص خارج قانون الموازنة.

– المادة 49، التي تمنح كل أجنبي او عربي يشتري وحدة سكنية في لبنان إقامة، واعتبرها المجلس الدستوري كأنها لم تكن، خصوصاً انّ المجلس كان قد جمّد العمل بها مسبقاً فور تسلّمه الطعن.

– المادة 51، تنص على تعديل دوام العمل الاسبوعي من 32 الى 34 ساعة، والعودة الى الدوام السابق كما أقرّ قبل التعديل الأخير.

– المادة 52، تتعلق بالعطلة القضائية من دون المس بمكتسبات القضاة بالدرجات الثلاث وصندوق التعاضد.