في موازاة إطلاق الاستراتيجية الأميركية الجديدة للتعامل مع إيران والتي يعلنها اليوم وزير الخارجية مايك بومبيو، بعد انسحاب بلاده من الاتفاق النووي وتضييقِها ودولَ الخليج العقوبات على إيران و«حزب الله»، يبدأ لبنان من اليوم «الأسبوع الكبير» وينطلق خلاله المسار النيابي والحكومي الجديد على وقع نتائج قانون الانتخاب النسبي، ما يؤسس لمرحلة جديدة، يُعوّل معها على انطلاقة جديدة في الحكم وإدارة المؤسسات. وفي الموازاة لوحظ أنّ الرياض بدأت تحرّكاً داعماً للاستقرار في لبنان تمشّياً مع المرحلة الجديدة التي دخلها، وتمثّلَ بزيارة الموفد الملكي السعودي المكلّف الملفَّ اللبناني نزار العلولا بيروت، حيث جال أمس في وسط العاصمة مشجّعاً السعوديين والخليجيين على المجيء إلى لبنان والاصطياف فيه هذا الصيف.
فقد خرقت مشهد ما بعد الانتخابات زيارةُ العلولا بيروت مشاركاً في الإفطار الذي اقامه القائم بأعمال السفارة السعودية في لبنان وليد البخاري مساء امس الاوّل في اليرزة على شرف رئيس الحكومة سعد الحريري. وعلمت «الجمهورية» انّ العلولا لم يعقد أيّ لقاءات سياسية بعد في بيروت، وقد ادّى الصلاة أمس في المسجد العمري في بيروت ثمّ تجوّل في وسط المدينة تشجيعاً للرياعا السعوديين والخليجيين عموماً على الاصطياف في لبنان.
وقال العلولا لـ«الجمهورية» إنّ «ما جمعه الافطار من قيادات وشخصيات سياسية لبنانية كان أمراً إيجابياً، وحضور الاشقّاء اللبنانيين فيه شرّفَ المملكة العربية السعودية التي تتمنّى دوماً الخير والاستقرار للبنان». وتمنّى حصول مبادرات خليجية أُخرى في هذا الصدد بما يعزّز العلاقات اللبنانية ـ السعودية واللبنانية الخليجية عموماً.
ولاحظت اوساط ديبلوماسية سعودية أنّ السفير القطري علي بن حمد المري سيقيم إفطاراً اليوم دعا اليه شخصيات وقيادات لبنانية، وذلك في خطوة تأتي غداة الافطار السعودي، وقالت لـ»الجمهورية» إنّ المري «يتتبع خطوات العلولا ويلاحقه كلّما زار بيروت، الى درجة انّه شوهِد جالساً في لوبي فندق فينيسيا قبل اسابيع يراقب خطوات العلولا والطاقم الديبلوماسي السعودي، وذلك اثناء العشاء الذي كانت السفارة السعودية قد أقامته قبل اسابيع إثر افتتاح جادة الملك سلمان على شاطئ وسط بيروت».
العلولا و«الحزب»
وكان البخاري قد اقامَ السبت إفطاراً رمضانياً في اليرزة تكريماً للرئيس سعد الحريري، في حضور العلولا ولفيف مِن القيادات والشخصيات اللبنانية. وأكّد العلولا على هامش الإفطار، رداً على سؤال حول ما يُحكى عن «فيتو» سعودي على مشاركة «حزب الله» في الحكومة، «أنّ تشكيل الحكومة شأن لبناني لا نتدخّل فيه». ومن جهته شدّد الحريري على «أنّ دول الخليج العربي وقفت مع لبنان في أصعب الظروف، ولم تعمل في أيّ وقت على التدخّل في شؤوننا الداخلية، والمطلوب منّا في المقابل أن ننأى بأنفسنا عن التدخل بشؤون الدول الشقيقة، وأن نعتبرَعروبة لبنان خطاً أحمر لا يصحّ الخروج عنه».
«الحزب»
أمّا «حزب الله» فقال بلسان الشيخ نبيل قاووق «إنّ رغبة السعودية المعلَنة والمبيتة، هي أن لا يدخل «حزب الله» إلى الحكومة اللبنانية الجديدة، ولكن الأيام المقبلة ستثبت أنّ النظام السعودي أعجزُ وأضعف من أن يمنع «حزب الله»، من أن يكون في الحكومة بوزراء فاعلين، وأنّ «حزب الله» سيدخل إلى الحكومة بشكل قوي وفاعل ووازن». واتّهم السعودية «بالعمل على تشكيل تكتّل نيابي لمواجهة المقاومة ومحاصرتِها وإضعافها واستنزافها».
الشامسي والبخاري عند المر
في غضون ذلك ووسط الاستعداد لترجمة نتائج الاستحقاقين النيابي والحكومي عملياً بدءاً من هذا الأسبوع بانتخاب رئيس مجلس النواب ونائبه وهيئة مكتبه ومن ثمّ البدء بورشة التكليف والتأليف الحكوميين» بَرزت بعد ظهر أمس زيارة السفير الإماراتي الدكتور حمد سعيد الشامسي والقائم بالأعمال السعودي وليد البخاري النائبَ ميشال المر في دارته في الرابية بعد ظهر أمس، وذلك في حضور رئيس مؤسسة الإنتربول نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية والدفاع السابق الياس المر.
وقال البخاري لـ«الجمهورية»: «أتينا لنُقدّم التهاني لدولة الرئيس ميشال المر على فوزه في الانتخابات النيابية، ولنُلقيَ التحية عليه، وهو عوّدنا على هذا التواصل الجميل، وهو أهلُ الوفاء ونحن من أهل الوفاء له دائماً وأبداً، المملكة والإمارات إلى جانبه».
بدوره قال الشامسي لـ«الجمهورية»: «أتينا لنهنّئ دولة الرئيس ميشال المر في حضور دولة الرئيس الياس المر، إذ تربطنا علاقة متينة، ويهمّنا اليوم هذا التواصل، وأن نكون دائماً قريبين من «أبو إلياس» أنا وسعادة السفير السعودي. علاقتُنا تاريخية من أيام الشيخ زايد، وحالياً الملك سلمان، علاقةٌ لها جذورها وعلاقة تاريخية ومستمرّة». وأضاف: «هذا التواصل مهمّ، وإن شاء الله سنرى كيف سيكون هذا التواصل في المرحلة المقبلة، ونحن من أهل الوفاء، اليوم استقبلَنا في الرابية وإن شاء الله بَعد العيد يستقبلنا في بتغرين».
أسبوع نيابي ـ حكومي
وفي المسار النيابي ـ الحكومي، تنتهي منتصف ليل اليوم الاثنين، ولاية مجلس نواب العام 2009 والممدد له ثلاث مرات. كذلك تودّع حكومة «استعادة الثقة» اليوم الاخير من عمرها بجلسة تعقدها في قصر بعبدا برئاسة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بجدول أعمال من 59 بنداً من بينها ما هو مرتبط بملف الكهرباء، قبل ان تتحوّل غداً الثلثاء حكومة تصريف اعمال.
أمّا المحطة الابرز فستكون في مجلس النواب بعد غدٍ الاربعاء، مع جلسة انتخاب رئيس المجلس النيابي الجديد، بناءً لدعوة سيوجّهها رئيس السنّ النائب ميشال المر، علماً أنّ رئاسة هذا المجلس باتت محسومة للرئيس نبيه بري، وكذلك انتخاب نائبه وهيئة مكتب المجلس.
وفور انتخابه رئيساً للمجلس مجدداً، سينتقل بري من مقعده النيابي الى المنصّة الرئاسية لإدارة الجلسة المخصصة لانتخاب نائبه لولاية كاملة تمتد أربع سنوات.
وتتكثّف في الساعات المقبلة الاتصالات واللقاءات قبل ان تطلقَ الكتل النيابية ترشيحاتها. وفي هذا الإطار تعقد كتلة «الجمهورية القوية» اجتماعاً عصر اليوم لتحديد موقفِها من الاستحقاقين النيابي والحكومي، علماً انّها رشّحت النائب أنيس نصّار لنيابة رئاسة مجلس النواب. وينتظر أن يحددّ كلّ من تكتل «لبنان القوي» وكتلة «المستقبل» غداً الثلثاء موقفَهما من هذا الاستحقاق.
جنبلاط
أمّا رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط فأعلنَ بعد زيارته عين التينة أمس انّ «اللقاء» سينتخب بري رئيساً للمجلس». وقال: «ومن ثم ندخل الى موضوع الحكومة، وهناك لكلّ حادث حديث».
وسألت «الجمهورية» جنبلاط عن سبب دعمه لانتخاب إيلي الفرزلي نائباً لرئيس المجلس رغم أنه كان خصماً انتخابياً للحزب التقدمي الإشتراكي في البقاع الغربي، فأجاب: «علاقتي مع الرئيس نبيه بري فوق كلّ اعتبار. الانتخابات النيابية أصبحت خلفنا، وأنا أقف إلى جانب خيار الرئيس بري في نيابة رئيس المجلس». وأضاف: «لكن لستُ وحدي من يقرّر، وعند السادسة مساء غدٍ (اليوم) سيعقد «اللقاء الديموقراطي» بحلّته الجديدة اجتماعاً تشاورياً وأنا سأحاول الدفع في اتجاه تأييد الفرزلي».
الحريري – جنبلاط
على صعيد آخر، كشَفت مصادر «بيت الوسط» والحزب التقدمي الاشتراكي لـ «الجمهورية» أنّ اللقاء الذي كان منتظراً امس بين الحريري وجنبلاط لم يحصل كما كان متوقّعاً، لأنّ الإتصالات التي اجريَت لترتيب هذا اللقاء، بحسب المصادر، لم تؤدِّ إلى النهاية المرجوّة حتى ساعة متقدّمة من ليل امس.
توازياً، قالت مصادر أخرى عليمة لـ«الجمهورية» إنّ الاتصالات لن تتوقف عند هذه المحطة، وهي قائمة ومستمرة على رغم الخطوة التي ابعدت اللقاء، أو كانت سبباً في تأخيره والتي سجّلها أمس جنبلاط عندما اعلنَ انّه سيتمنّى على «اللقاء الديموقراطي» إنتخابَ الفرزلي رغم المواقف الرافضة التي عبّر عنها الحريري علناً وقبله نوّابُ الحزب التقدمي وقادته الذين ما زالوا يضعون الفرزلي على «لائحة أصدقاء النظام السوري» في لبنان.
المسار الحكومي
وما إن يُسدل الستار على الاستحقاق النيابي، سيُفتح ملفّ الاستحقاق الحكومي بدءاً بالتكليف ثمّ التأليف، حيث ستتّجه الأنظار من الخميس الى الاستشارات النيابية الملزمة التي سيجريها رئيس الجمهورية تمهيداً لتكليف الحريري تشكيلَ الحكومة العتيدة، فيما لا تبدو طريق التأليف أنّها ستكون سهلة في ظلّ التعقيدات الخارجية والمتمثلة بالعقوبات على «حزب الله»، وشهية الاستيزار المرتفعة لدى بعض القوى السياسية في الداخل وما يرافقها من رفعِ البعض سقفَ شروط التفاوض.
في هذا الوقت، قال النائب سليم عون لـ«الجمهورية» إنّ «تسمية الحريري لا إلتباسَ فيها، لكن لا نريد أن نكلّف رئيساً للحكومة ويعجز عن التأليف. من الضروري جداً أن نعرف «لوين رايحين» وأن لا تكون خطواتنا في المجهول».
وأكّدت أوساط تكتل «لبنان القوي» أنه حتى ما قبل ساعات من إجتماع أعضائه «: فإنّ الأمور قد تكون قابلة للأخذ والردّ، خصوصاً في ما يتعلق برئيس المجلس ونائبه، والأمر رهن تطوّرِ الاتصالات السياسية، لأنّ الأمور مترابطة نيابياً وحكومياً»، مشيرةً الى «الأهمّ، وهو أنّ أيّ قرار سيتّخذ سيتمّ الالتزام به ولن يَخرقه أعضاء التكتل».
إلى ذلك، تحدّثت المعلومات عن وجود توجّهٍ داخل «التيار الوطني الحر» لإنشاء «جبهة وطنية» موسّعة داعمة للعهد تتخطّى مقر مكتب «التكتل» في سن الفيل الذي اتّخذ قراراً بأن لا يضمّ فقط نوّابه ووزراءَه الحاليين، بحيث انّ «الجبهة» ستضمّ وزراء ونوابَ «تكتّل التغيير والإصلاح» السابقين والطاقم الوزاري والنيابي الحالي وشخصيات حليفة ترشّحَت على لوائح «التيار» في الدوائر ولم يُكتب لها الفوز وشخصيات حليفة للعهد. (راجع ص7)
الراعي
وفي المواقف، لفتت أمس النبرة العالية التي تحدَّث فيها البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي مع المسؤولين، حيث أكّد أنّ «النيابة والوزارة ليست ملكاً لكم، بل هما ملك الشعب، فيجب عليكم ممارستها بهذه المسؤولية، فيما بلادنا تعاني من أزمات داخلية كبيرة، والمنطقة الشرق أوسطية تشتعل من حولنا، وتُنذر بانفجار جديد».
ولفت الى أنّ «الإنتخابات انتهت، ومعها كلّ الكلمات التي جرحت وأساءت وفرّقت، بات من واجب القوى المسيحية العمل على بناء وحدتِنا الداخلية على أسس من المحبة والحقيقة، من أجل خيرِ لبنان وكلّ شعبه بمختلف مكوّناته»، معتبراً أنّ «باتّحاد المسيحيين يتّحد الشعب كلّه حول ما يشكّل الدولة القادرة والمنتجة. وهذا أمرٌ معروف تاريخياً ومطالَبٌ به من محبّي هذا الوطن. فلا يمكن الرجوع إلى الوراء».
وأضاف: «نقول لمجلس النواب ولحكومة اليوم وغداً: إنّنا أمام حالة طوارئ اقتصادية ومالية تستدعي النهوضَ ومكافحة الفساد. لا يمكن أن نستمرّ في النهج العادي القديم. فكلّ الدول الداعمة للبنان في مؤتمرات روما وباريس وبروكسل تنظر إلينا، وتنتظر من المسؤولين السياسيين إجراءَ الإصلاحات التي تعالج حال الطوارئ هذه بحيث تولد الثقة بالمسؤولين وبلبنان لدى هذه الدول».
ورأى الراعي أنّ «الشعب قال كلمته في الانتخابات النيابية، وفقاً للقانون الجديد، فينتظر أن يقول نواب الأمة كلمتهم في شأن تأليف الحكومة الجديدة، واضعين أمام ضمائرهم المسؤولةِ حالَ الطوارئ التي ذكرناها، بحيث تزيلُ الكتل النيابية كلَّ العقبات المرتبطة بالمصالح الشخصية والفئوية، فتتألّف الحكومة الجديدة بالسرعة القصوى. وهذا عنصرٌ أساس لتوليد الثقة».