تكرّ اليوم سُبحة الاستحقاقات النيابية والحكومية، فتُنجَز الأولى بجلسة مجلس النواب الجديد الذي يبدأ ولايته اليوم بجلسة تنعقد برئاسة دولة الرئيس ميشال المر بصفته أكبرَ الأعضاء سنّاً، فينتخب الرئيس نبيه بري رئيساً بأكثرية ساحقة في ولايةٍ هي الثامنة له منذ توَلّيهِ رئاسة المجلس منذ العام 1992. كذلك سينتخب النائب إيلي الفرزلي نائباً لرئيس المجلس بأكثرية كبيرة، ثم ينتخب هيئة مكتبه واللجان النيابية رؤساءَ وأعضاءَ ومقرّرين. على أن تبدأ إثر هذه الجلسة التحضيرات العملية للاستحقاق الحكومي، بدعوةٍ يوجّهها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون إلى الاستشارات النيابية الملزمة لتسمية الرئيس الذي سيكلّفه تأليفَ الحكومة الجديدة، ويُنتظر أن يكون الرئيس سعد الحريري، والمرجّح أن يتمّ التكليف مطلع الأسبوع المقبل. وعلمت «الجمهورية» أنّ الاتصالات ناشطة في مختلف الاتجاهات، وستبلغ ذروتها خلال الأيام المتبقّية من هذا الأسبوع لإنجاز كلّ الترتيبات المتعلقة بالتكليف والتأليف الحكوميَين، حيث إنّ هناك شِبه إجماع لدى غالبية القوى السياسية على الإسراع في تأليف الحكومة، على رغم المخاوف من تعثّرِ هذا الأمر، نتيجة التنافس والاختلاف المنتظر حول توزيع الوزارات على القوى التي ستشارك في الحكومة التي ستكون «حكومة وحدةٍ وطنية».
بعدما طلب رئيس الجمهورية من الحكومة الاستمرارَ في تصريف الأعمال ريثما تشكَّل حكومة جديدة، ينتقل الحدث السياسي ظهر اليوم الى ساحة النجمة لمتابعة وقائع أوّل جلسة للمجلس المنتخب وانتخاب بري رئيساً له، وكذلك انتخاب نائبِه وهيئة مكتب المجلس. ومساءً، تتجه الانظار الى القصر الجمهوري في بعبدا حيث يقيم عون الإفطار الرئاسي الرمضاني السنوي الذي دُعيَ إليه اركان الدولة ورؤساء الطوائف المسيحية والإسلامية والوزراء والنواب الجدد ورؤساء البعثات الديبلوماسية والقنصلية والموظفين الكبار.
إنتخاب برّي
فبناءً على دعوة وجّهها رئيس السنّ النائب ميشال المر، تُعقد في مجلس النواب في الثانية عشرة من ظهر اليوم جلسة لانتخاب بري ونائبِه وهيئة مكتب المجلس. وكان المر قد حضَر أمس إلى ساحة النجمة لتوجيه الدعوات، ليغادر بعدها من دون الإدلاء بأيّ تصريح. وبدا بري منشرحاً وهادئاً، وهو يتابع آخِر مواقف القوى السياسية من هذا الاستحقاق.
وتجنَّب بري، الواثقُ في الفوز برئاسة المجلس، الخوضَ في لعبة الأرقام وعددِ الأصوات التي قد ينالها، مفضّلاً تركَ الامورِ تأخذ مجراها الطبيعي والديموقراطي في الجلسة اليوم. وقال بري لـ«الجمهورية» إنّه أعدّ كلمةً سيلقيها في المجلس بعد الإعلان عن النتيجة، موضحاً «أنّها ستتضمّن الشكر وبعضَ المسائل الأساسية المتصلة بالمرحلة المقبلة». وأضاف مبتسماً: «المهم إنّو ما ينشّف ريقنا (في إشارة إلى الصيام)».
وعمّا إذا كان يتوقّع أن يكون المجلس الجديد مُنتجاً، أجاب بري: «هذا ما أسعى إليه، ولذلك أنا متحمّس لانتخاب النائب إيلي الفرزلي في موقع نيابةِ الرئيس، لأنّه صاحب خبرة وتجربة ويمكن أن يساهم في آلية التفعيل.»
وعن أثرِ العقوبات الاميركية ضد «حزب الله» على تأليف الحكومة الجديدة، قال بري: «مِن حقّ «حزب الله» أن يكون له حضورٌ وازن في الحكومة المقبلة كمّاً ونوعاً، شأنه شأن أيّ طرفٍ سياسي فاعل، وفي نهاية المطاف هو موجود في مؤسسات الدولة اللبنانية وليس في الكونغرس الأميركي حتى توضَع عليه فيتوات أو شروط».
إجتماعات الكتل
وقد حفلت ساعات ما قبل الجلسة باجتماعات متلاحقة للكتل النيابية، أظهَرت نتائجَها أنّ تصويت غالبيتها جاء لمصلحة بري، فيما ترَك بعضُها الحرّية لأعضاء الكتلة أو الاقتراع بورقة بيضاء. وحظيَ انتخاب بري بدعمِ كلّ مِن كتلة «التنمية والتحرير»، وكتلة «المستقبل» التي لن تنتخبَ النائب إيلي الفرزلي لنيابة المجلس. كذلك تُصوّت لبري كتلة «اللقاء الديموقراطي». وقال النائب السابق وليد جنبلاط الذي زار رئيس الحكومة سعد الحريري أمس إنه «مِن أجل صداقتِه مع الرئيس نبيه بري سيسمّي الفرزلي لنيابة رئاسة المجلس مع تركِ حرّيةِ الاختيار لأعضاء «اللقاء». وأعلنَت كتلة «الوسط المستقل» النيابية برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي إنتخاب بري.
أمّا «تكتّل لبنان القوي» برئاسة الوزير جبران باسيل فترَك الحرّية لأعضائه للتصويت بالطريقة التي يختارونها، إمّا بالورقة البيضاء أو التصويت لبري لرئاسة مجلس النواب. ورشّح «التكتل» النائب إيلي الفرزلي لمنصب نيابة رئاسة مجلس النواب.
تجدر الإشارة الى أنّ تكتل «الجمهوريّة القويّة» باستثناء النائب المنتخب قيصر المعلوف، سيصوّت في انتخابات رئيس مجلس النواب بورقة بيضاء.
دعم الحريري
وبعد إنجاز الاستحاق النيابي، تبدأ مرحلة الاستشارات الرئاسية الملزمة لتكليف الحريري تشكيلَ الحكومة. وعلمت «الجمهورية» أنّ عون ينتظر أن يتبلّغَ من مجلس النواب تركيبة الكتل النيابية تمهيداً لدعوة هذه الكتل الى الاستشارات على هذا الأساس بدءاً من الإثنين المقبل ولفترةٍ تمتدّ ليومين على الأقلّ، فتركيبة اللوائح الكبيرة قلّصت مواعيد الاستشارات.
وردّاً على التساؤلات بتأخيرِ الإستشارات إلى الإثنين على رغم الحديث عن استعجالها في الأوساط السياسية، قالت دوائر القصر الجمهوري لـ»الجمهورية»: «إنّ العطلة الرسمية الممتدة من الجمعة الى الإثنين المقبل دفعَت الى تأجيل هذه الاستشارات، فالخميس لا يكفي لإجرائها ومِن بعده يصادف يوم الجمعة عطلة رسمية، ولذلك ستوجَّه الدعوة الى هذه الاستشارت من الإثنين المقبل وفقَ جدول سيَجري تحضيرُه فور إنجاز مجلس النواب تركيبة الكتل النيابية وإبلاغها رسمياً إلى القصر الجمهوري».
وكانت كتلة «المستقبل» النيابية قد تبنَّت تسمية الحريري لتأليف الحكومة. كذلك أكّد جنبلاط من «بيت الوسط» مساء أمس أنّ «اللقاء الديمقراطي» يتّجه نحو تأييد الحريري لرئاسة مجلس الوزراء.
بدوره، تبنّى «تكتّل لبنان القوي» تسمية الحريري لرئاسة الحكومة. وقال باسيل: «من الطبيعي أن يتبنّى «التكتل» تسمية الحريري، وما قيل بأنّ التسوية الرئاسية تتضمّن تسميته بشكل دائم غير صحيح، بل مرتبط بنتائج الانتخابات».
«الحزب» يسهّل أم يعقّد؟
في الموازاة، أوضَحت مصادر سياسية لـ»الجمهورية» أنّ الحريري لا يريد تجاوز «حزب الله» في التأليف، على رغم العقوبات والتعقيدات، فهو يدرك أنه لا يستطيع تجاوُز الحزب. إلّا أنّها سألت في الوقت نفسه: «بعد أن يكون الحريري قد واجَه بصدره العقوبات وقال للجميع بأنّ الوحدة الداخلية أهمّ مِن أيّ شيء آخر، هل سيأخذ «حزب الله» في الاعتبار التضحية التي يقدّمها له الرئيس المكلّف من خلال تأمين غطاءٍ شرعي لسلاح غير شرعيّ ضِمن الحكومة، فيسهّل له مهمّته عبر تشكيل حكومةٍ بنحوٍ لا تظهَر فيه بأنّها حكومة بأسماء نافرة، وبحقائبها، وببيان وزاريّ يتلاءم مع الظروف الإقليمية ومع العقوبات الاميركية، ومع الجو الأميركي ـ الإيراني المتشنّج؟ وبشكل لا يظهَر فيه بأنّ الحزب هو من يديرها؟
أم أنّ تصريحات قادة الحزب ووزرائه ونوّابه بأنّ الحزب سيَدخل إلى الحكومة «بنحو قوي وفاعل ووازن» وسيشارك بوزراء فاعلين، هو الوجهة»؟
في هذا الوقت، أكّد الحريري أنّ هناك قراراً بالإسراع في تشكيل الحكومة، وأنّ «العقوبات على «حزب الله» لن تؤخّر عملية التشكيل، لا بل إنّها قد تسرّع ولادة الحكومة».
وفي إفطار لجمعية متخرّجي المقاصد، قال الحريري إنه «إعتباراً من الغد، يدخل البلد مرحلة الإعداد لورشةٍ نيابية وحكومية جديدة، وأهمّ بندٍ على جدول أعمال المرحلة الجديدة هو كيف نواصل سياسة حماية الاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي». وأضاف: «العالم كلّه ينتظر منّا قرارات جريئة، وهو قد فتحَ أمامنا طريقاً يجب علينا أن نكمِلها، والبداية تكون بتشكيل حكومة، قادرة تنقل البلد من شعارات الإصلاح الإداري والمالي والاقتصادي إلى قرارات في الإصلاح الإداري والمالي والاقتصادي. وهذا الأمر يتمّ من خلال التعاون مع المجلس النيابي الجديد، والمهم هو أن تتوقف المزايدات والنكايات السياسية وأن نضعَ مصلحة البلد ومصلحة الناس قبل كلّ مصلحة أخرى».
وتابع الحريري: «إنّنا نرى المنطقة كيف تغلي وما يحصل في سوريا، وجميعنا سمعنا عن بدعة القانون الرقم عشرة الذي صَدر في سوريا، وهذا القانون لا وظيفة له إلّا منعُ النازحين السوريين من العودة إلى بلادهم، وهو يهدّد مئات آلاف النازحين بمصادرة أملاكِهم إنْ لم يعودوا خلال مهلة معيّنة. هذا القانون يعنينا نحن في لبنان لأنه يقول لآلاف العائلات السورية: «إبقوا في لبنان». صحيح أن لدينا مسؤولية تجاه الأخوة النازحين، ولكن علينا مسؤولية أيضاً تجاه بلدنا، وهذا الأمر يفرض علينا أن نحميَ البلد من الهزّات الخارجية، وأنا على ثقة بأنّ البلد قادرٌ على تجاوزِ المصاعب على رغم الكلام العالي، الذي لا يقدّم ولا يؤخّر».
الراعي لـ«الجمهورية»
في هذا الوقت، دعا البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي عبر «الجمهورية» إلى «استعجالِ تأليف الحكومة للانصراف إلى معالجة مشكلات الناس». وأوضَح أنه بَحث مع رئيس الجمهورية خلال زيارته له أمس الأوّل في بعبدا، موضوعَ تأليف حكومةِ وحدةٍ وطنية، مشدّداً على أنّ وجهاتِ النظر كانت متّفقة في هذا الشأن.
وأكّد الراعي أنّ «زيارة فرنسا طبيعية وتأتي بعد انتخاب الرئيس إيمانويل ماكرون رئيساً للجمهورية». وشدّد على «أنّ العلاقات بين لبنان وفرنسا، وبين البطريركية المارونية وفرنسا مميّزة جداً ونعمل على تعزيزها». (التفاصيل ص 4)