يبدو أنّ قرار رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بوقف انعقاد مجلس النواب لشهر محلُّ ترحيب لدى مختلف القوى السياسية، خصوصاً وأنه نزَع فتيلاً هدَّد بانزلاق البلد إلى اشتباك سياسي مفتوح على شتّى الاحتمالات. وبدا من المواقف أنّ كلّ القوى متهيّبة من الدخول في أيّ اشتباك يؤدّي إلى توتير غير مبرّر للواقع الداخلي، خصوصاً أنّ لبنان ما زال ينعم بفترة أمان وبشكل استثنائي، خلافاً لكلّ المحيط المتفجّر من حوله.
إعتبَر البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، في حديث إلى برنامج «كلام الناس» مع الزميل مرسيل غانم عبر المؤسسة اللبنانية للإرسال، أنّ التمديد اغتصاب للسلطة.
وشكرَ البطريرك رئيس الجمهورية على مساعيه لإنقاذ الوضع في لبنان. وإذ أكّد «أنّنا لن نقبل بالتمديد، وهذا اغتصاب للسلطة»، معتبراً أن «لا سببَ للتمديد مجدّداً ولا ظرفَ استثنائياً في هذه المرحلة، وهذا جرم في حال وقعَ الأمر، وسنأخذ موقفاً منه»، وأعلن «أنّنا نقبل بالتمديد التقني ولو سَنة وأكثر إذا ارتبط بقانون جديد».
وقال: «لا أرضى بإلغاء المسيحيّين المستقلّين، وهذا يتحمّله الجميع وليس الثنائية المسيحية»، مشيراً إلى «أنّنا نريد قانوناً انتخابياً يحافظ على الجميع ويُبعِد الإلغاء والإقصاء، ونتخوّف من عدم التوصل إلى قانون هذا الشهر، لذلك نُناشد الجميع التحرّك»، سائلاً: «إذا كنّا لم نشهد ولادةَ هذا القانون خلال 12 عاماً، فهل يمكن ولادته خلال شهر؟».
ولاحَظ أنّ «القانون النافذ هو الستّين، ومَن أطلق النيران عليه هم أنفسُهم الذين يريدون التمديد، وفي هذه الحال يجب العودة إليه»، مضيفاً: «بين الفراغ والستّين، فلتتمّ الانتخابات على أساس الستّين».
تهيُّب الاشتباك
إلى ذلك، قالت مراجع سياسية لـ«الجمهورية» إنّ خطوة عون، معطوفةً على التهيّبِ السياسي من الاشتباك، عزَّزت المسؤولية نحو الذهاب الحتمي إلى قانون تحت عنوان «مضى الذي مضى، والآن ممنوع إضاعة الوقت».
وتوقّعت «أن يُصار قريباً، وربّما خلال ساعات، إلى إطلاق ورشة اتّصالات مفتوحة بعد عيد الفصح تأخذ أشكالاً ثنائية وثلاثية أو موسّعة للبحث في قانون الانتخاب بدءاً من المشروع التأهيلي بانتخاب مذهبي على أساس القضاء ومن ثمّ انتخاب نسبي بعد أسبوعين على أساس المحافظات العشر».
لكنّ المراجع مع المتابعين للملفّ الانتخابي لا تُوافق القائلين بالحسم المسبَق لشكل القانون التأهيلي، خصوصاً وأنّ آراء الاطراف ليست متطابقة حوله، ولا سيّما لناحية حجم التأهيل وماهيته، أي أوّل فائز يتأهل أو أول فائزين أو أول ثلاثة فائزين.
حتى الآن هذه النقطة لا يبدو أنّها محلّ توافق. إضافةً الى أنه لم يُعرف ما إذا كان سيحسم اعتماد الصوت التفضيلي أو عدمه في المشروع الذي سيكون قيد الدرس، ما يعني انّ المشاورات قد لا تكون بالسهولة التي يمكن أن تُيسّر ولادة قانون قريباً كما يتمنّى الجميع.
علماً أنّ مواقف اعتراضية صدرَت على عجَل رفضاً لهذا القانون، وهنا يسجَّل اعتراض جنبلاط الذي غرّد بالقول: «إثنان وأربعون عاماً لاحقا يا له من عقل مريض يطلّ علينا بقانون انتخابي يفرز ويفرّق بدل أن يقرّب ويَجمع».
وأتبَع تغريدته بإيفاد النائب وائل ابو فاعور الى عين التينة، حيث اجتمع مع الوزير علي حسن خليل، ثمّ التقى بري ناقلاً رفضَ السيرِ بهذا القانون التأهيلي «المخالف للدستور»، على حدّ تعبير جنبلاط. كذلك نقلَ تحفّظ «القوات» على هذا القانون، وهو كان محلّ مشاورات قواتية – قواتية، وكذلك بين نواب «القوات» ونواب من كتَل حليفة، بالإضافة الى ما بين «القوات» و«التيار الوطني الحر».
ثمن التأجيل
وقالت مصادر نيابية معنية بالملف الانتخابي لـ«الجمهورية» إنّ عملاً جدّياً سيَحصل للوصول الى قانون انتخاب خلال شهر، وكما أنّ الوصول الى قانون ممكن، كذلك عدم الوصول، لأسباب عدة وأهمّها موقف جنبلاط الذي اعلنَ رفضَه التأهيل، وكذلك «القوات» التي ترفض النسبية الكاملة، وهناك ايضاً تيار «المستقبل» الذي يبحث في الصوت التفضيلي للتأهيل (أوّل فائزَين أو أول 3 فائزين).
وقالت المصادر إنّ عون «أثبتَ أنه قويّ ومستعد لاستعمال صلاحياته، وقد منع أربعة أمور: الفراغ والتمديد والستّين والشارع. لكن حتى الآن الشارع موجود خلف الستار، والتمديد حاصل حتماً، لكن بإخراج صدور قانون انتخاب جديد، وقانون الستّين لا يزال احتياطاً في حال فشلَ المعنيون في التوصل الى قانون انتخابي جديد، أمّا الفراغ فهو الوحيد الذي تمّ القضاء عليه حالياً».
إلّا أنّ المصادر دعت في المقابل الى وجوب تقدير موقف بري الذي نزَع صاعقَ التحدّي واعتبَر خطوةَ عون ممارسة ديموقراطية والتزَم بالتأجيل، وقالت: على رغمِ تقدّمِ المشروع التأهيلي فإنّ ذلك لا يلغي السؤال: ماذا سيكون ثمنُ التأجيل؟ هل قانون المختلط المعدّل أم النسبية الكاملة معدّلة الدوائر؟
برّي
وقال بري الذي تلقّى أمس اتصالاً هاتفياً من رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل، أمام زوّاره: ما حصَل يفترض أن يضع الجميع أمام مسؤولياتهم في الوصول الى قانون في أقرب وقت ممكن. أضاف: «هذا الشهر يفترض ان يكون شهر الحسم بموضوع الوصول إلى قانون.
الآن هناك صيغة تتقدّم على غيرها في التأهيل، وهذا الأمر من الطبيعي أن يخضع للنقاش. ينتهي بتُّه خلال هذا الشهر ويكون قطفُ الثمار في جلسة 15 أيار المقبل.
ما قبل قرار عون
وشكّلت الساعات السابقة لإعلان عون خطوتَه الأخيرة ما يُشبه خلية نحلٍ لتدارُك حصولِ الاشتباك السياسي وعدمِ انزلاق البلد إلى الأسوأ، ويسجَّل في هذا السياق جهدٌ كبير بَذله رئيس الحكومة سعد الحريري مع القوى السياسية، بدءاً برئيس الجمهورية وكذلك مع بري وأيضاً مع جنبلاط.
الدافع لهذا التحرّك هو بروز تأكيدات مسبَقة بأنّ عون جدّي في استخدام حقّه المنصوص عليه في المادة 59 من الدستور. وبرَزت في هذا السياق ايضاً، مشاورات مكثّفة بين «حزب الله» والتيار الوطني الحر وعلى مستويات رفيعة.
وفي المعلومات أنّ الحريري اتّصل ببري ظهر يومِ الأربعاء وعرَض معه الوضع المستجدّ، مشيراً إلى أنه يبذل كلّ الجهد للوصول الى قانون يطفئ فتيلَ التوتّر السياسي القائم (خصوصاً أنّ البلد في هذا الوضع كان يَغلي في ظلّ التحضيرات الشارعية التي أعدّ لها «التيار الحر» و«القوات»). وتمنّى الحريري على بري وجوبَ أن يساعده في تليين موقفِ جنبلاط حيال قانون الانتخاب، فيما بري أكّد أنه بموضوع جنبلاط واضح.
بعد ذلك مباشرةً لوحِظت حركة اتصالات «مدروسة» لبعض المراجع الحكومية السابقة مع مراجع وقوى سياسية أثارت فيها موضوع إشراك رئيس الحكومة في التوقيع الى جانب توقيع رئيس الجمهورية على كتاب وقفِ انعقاد مجلس النواب متسلّحةً بالمادة 54 من الدستور.
وتَردَّد في هذا السياق أنّ جانباً من زيارة الحريري إلى بعبدا صبَّ في هذا الاتّجاه، لكن ما بدا واضحاً أنّ عون لم يكن مع هذا الرأي، بل أصرّ على أنّ هذا الأمر من صلاحياته، ومِن هنا بَعث بكتاب وقفِ الانعقاد الى بري مذيَّلاً بتوقيعه وحدَه فقط. استناداً إلى ما تنص عليه المادة 59 التي تحصر هذا الحق به وحده.
وقرابة الثالثة بعد الظهر، وبعدما تيقَّن بري بأنّ عون عازم على المنعِ، عكفَ على إعداد بيانه الذي تلقّفَ فيه «إيجاباً» موقفَ عون. وانتظر الى ما بعد رسالته.
في هذه الأثناء وبعد وقتٍ قصير تلقّى بري اتصالاً من وفد تكتّل «الإصلاح والتغيير» برئاسة النائب ابراهيم كنعان يطلب فيه موعداً للقائه في سياق الجولة التي قام بها. إلّا أنّ بري كان في هذا الوقت يَرأس اجتماعاً سياسياً موسّعاً لحركة «أمل»، الأمر الذي حال دون إتمام هذا الموعد.
وبعد الاجتماع انتقل بري إلى منزله في عين التينة لأخذِ استراحة قصيرة، منتظراً صدورَ موقف عون، الذي ما إن انتهى حتى سارَع رئيس المجلس إلى ملاقاته بتوزيع بيانه وتحديد موعد الجلسة في 15 أيار المقبل. وما إن أعلِنَ بيان بري حتى اتّصل به البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي الذي هنّأه على موقفه وتداوَلا بالشأن الانتخابي.
وتوجَّه الراعي إلى بري بالقول: «أنا لم أنتظر من دولتك إلّا خطوات لمصلحة لبنان دائماً». وفي معرض الحديث ايضاً عن القانون توجّه بري إلى الراعي قائلاً: «يا غبطة البطريرك، إذا كان قانون الانتخاب لن نستطيع أن نصل إليه في وضعِنا الحالي فكيف هو الحال إذا دخلنا في الفراغ، وكيف يمكن أن نصل إلى دستور جديد في حال الذهاب إلى مؤتمر تأسيسي»؟
الجدير بالذكر أنّ المشروع التأهيلي ليس طرحاً جديداً، إنّما هو من الطروحات التي سبقَ لـ«التيار الحر» وبري أن اتّفقا عليه منذ فترة بعيدة، إلّا أنّ هذا المشروع وكما يقول أحد المراجع لم يعُد كما كان نتيجة ما تعرّضَ له من أخذٍ وردّ وتباينات، إذ إنّه عندما طرِح للنقاش كان كـ«المقانق»، إلّا أنّ بعضهم جعلوه خنزيراً.
«الكتائب»
وفي المواقف، قال مصدر كتائبي مسؤول لـ«الجمهورية»: «إنّ الحزب لم ولن يغيّر ثوابته من موضوع قانون الانتخاب، فهو سيَحكم على أيّ قانون بالاستناد إلى عاملين:
1- وحدة المعايير على صعيدَي الناخبين والمرشحين
٢– صحّة التمثيل وشموليته وضمان التعددية على المستويَين الوطني والطائفي».
وأضاف المصدر «إنّ الحزب ينظر إلى حصته النيابية من خلال هاتين القاعدتين وليس من خلال أيّ صفقة سياسية جانبية، وهو يَعتبر أنّ حقوقه تتأمّن من خلال وحدة المعايير والقواعد الضامنة لصحّة التمثيل، وبعد ذلك فإنه كفيل بأنّ صدقيتَه في التعاطي مع الرأي العام وأداءَه الشفّاف وتنظيمه الحزبي وتحالفاته وتعاونَه مع المجتمع المدني ستعطي النتائجَ المرجوّة في صناديق الاقتراع».
وأكّد المصدر أنّ الكتائب «ستبقى كما كانت منذ بداية معركة قانون الانتخاب، متمسّكةً بالمبادئ الديموقراطية، وهي غير مستعدّة لأيّ مساومة في هذا الشأن، لا سيّما لناحية وحدة المعايير التي على أساسها تؤيّد أيّ مشروع أو ترفضه».