نافذة الأمل في تشكيل الحكومة المستعصية، وحدها مقفلة بحواجز ومطبّات تَحول دون العثور على الشيفرة السرّية لفتحِ قفلِ مغارة التأليف. وأمّا سائر النوافذ الداخلية فمفتوحة على الاشتباك السياسي، انطلاقاً من اهتزاز العلاقات السياسية بين معظم الجبهات السياسية، لعلّ أبرزها بين التيار الوطني الحر و»القوات اللبنانية» جرّاء التصدّع الذي شاب «تفاهم معراب»، وبات أشبَه بـ»تفاهم من طرف واحد»، بعدما بدا أنّ «التيار» نأى بنفسه عنه. وكذلك بين بعبدا وبيت الوسط ومِن خلالهما بين تيار المستقبل والتيار الوطني، بعدما برزَت عثرات واضحة في العلاقة بينهما، وتباينات ورؤى مختلفة على خط تأليف الحكومة، كان أبرزها البيان الرئاسي الأخير حول صلاحيات رئيس الجمهورية في ما خصَّ تأليف الحكومة. والذي أحيطَ بتساؤلات حول موجباته والغاية منه وكذلك حول هوية من دفعَ إليه في هذا التوقيت بالذات.
حكومياً، يُنتظر أن يقوم الرئيس المكلّف سعد الحريري بزيارة اليوم إلى القصر الجمهوري ولقاء رئيس الجمهورية العماد ميشال عون.
وفيما لم تطفُ على سطح المشهد الداخلي أمس، أيّ مؤشرات إيجابية توحي بأنّ حركة التأليف بدأت تسلك المسارَ الجدّي نحو توليد الحكومة، تردّدت معلومات تفيد بأنّ الحريري سيحمل الى بعبدا اليوم، مسوّدة حكومية جديدة، منقَّحة في بعض جوانبها عن المسوّدة التي سبقَ وعرَضها الاسبوع الماضي على رئيس الجمهورية، ولم يُكتب لها أن تخرق جدار التعقيدات الماثلة في طريق التأليف.
الأجواء الرئاسية تؤشّر إلى مقاربة هادئة لكلّ المسار الحكومي، مرتكزة في جانبها الأساسي، على الثوابت الحاسمة التي جرى التأكيد عليها في البيان الرئاسي الاخير، والتي كان لا بدّ من التأكيد عليها، لتصويب المسار، في الاتّجاه الصحيح.
وعلى هذا الأساس، بحسب هذه الأجواء، فإنّ رئيس الجمهورية، ينتظر ما سيحمله اليه الرئس المكلف. ويأمل أن تطغى الإيجابية على كلّ هذا المسار، بما يؤدّي إلى ولادة الحكومة في القريب العاجل.
إحتمال قائم.. لكن ضعيف
إلّا أنّ عاملين في مطبخ التأليف، لم ينفوا أو يؤكّدوا وجود مسوّدة ثالثة، بل أبقوا تقديم مسوّدة ثالثة في خانة الاحتمال القائم لكنّه ضعيف، وخصوصاً أنّ الحريري سبق ان قدّم مسوّدة حكومية الى رئيس الجمهورية، وما زال ينتظر الردّ المباشر عليها من قبَله، وإن كان الردّ على هذه المسوّدة قد صَدر بشكل غير مباشر في الإعلام، وفي مواقف التيار الوطني الحر، وكذلك في البيان الرئاسي الصادر أمس الاوّل عن رئيس الجمهورية.
إيجابية حريرية
وعلمت «الجمهورية» أنّ وقعَ البيانِ الرئاسي لم يكن مريحاً في بيت الوسط، وأثيرَت حوله علامات استفهام وتساؤلات، وحرّك اتصالات في شأنه على اكثر من مستوى سياسي. وعلى رغم سلبية البيان فإنّ الحريري، وكما يقول مقرّبون، سيزور بعبدا اليوم بروحٍ إيجابية ومنفتحة، وهو مهّد الى هذه الايجابية في الاتصال الذي أجراه أمس مع رئيس الجمهورية وتوافقا فيه على اللقاء اليوم.
وبمعزل عن وجود مسوّدة جديدة، أو عدمه، أكّدت أوساط الحريري لـ«الجمهورية» استعجال الرئيس المكلف على بلوغ غايته سريعاً جداً. وخصوصاً أنه يَستشعر دقّة وضعِ البلد وخطورة الأزمة التي يعانيها، وهذا ما يستوجب الذهابَ الى حكومةٍ تعمل فوراً، فكلّ يوم تأخير يزيد من الأضرار، ومِن حجم الخطر المحدِق بالبلد ولا سيّما حيال الوضع الاقتصادي.
وبحسب أوساط الحريري، فإنه ماضٍ في مهمته، والمشاورات التي أجراها في الفترة الاخيرة، أكّدت أنّ الامور غير مقفَلة، خلافاً للجوّ الذي شاع في البلد عن طريق مسدود، بل بالعكس، ثمّة نوافذ كثيرة مفتوحة ويؤمل عبورها سريعاً، وهذا ما سيُصار الى بحثِه بين الرئيس المكلف ورئيس الجمهورية.
«الاشتراكي»: فليتواضعوا
وإذ أكّدت الأوساط أنّ تأليف الحكومة حتميّ، من دون أن تحدّد المدى الزمني لذلك، قالت اوساط اشتراكية لـ«الجمهورية»: إنّ المشكلة ليست عندنا، بل هي في مكان آخر. خصوصاً وأنّنا نعتبر أنّ الحصة الدرزية الثلاثية للحزب التقدمي الاشتراكي قد تمّ حسمها بشكل نهائي.
واستغرَبت الأوساط ما تردَّد من كلام عن إدراج الحزب التقدمي ضِمن جبهة سياسية تضمّه مع تيار المستقبل والقوات اللبنانية في مواجهة العهد، ووصَفته بـ«كلام سخيف لا في مكانه ولا في موقعه». وقالت: معادلة وليد جنبلاط الدائمة هي الشراكة والتواصل مع الجميع، والشراكة الكاملة والدائمة والثابتة مع الرئيس نبيه بري وعلى هذا الأساس نتحرّك، مع التذكير بأننا عندما عرِض علينا في فترةٍ ما، أن نكون في جبهة ضدّ العهد رفضنا.
لأننا انطلاقاً من معادلة الشراكة والتواصل مع الجميع نرفض ان ندخلَ في اصطفافات أو محاوِر، لأننا مقتنعون بأنّ البلد لا يُحكم إلّا بالتوازنات، ولا يُحكم بفريق واحد دون سائر الآخرين، فضلاً عن انّ الميثاقية لا تنطبق فقط على فريق بعينِه بل هي تنطبق على الجميع من دون استثناء.
وردّاً على سؤال عن إمكانية ولادة الحكومة في وقتٍ قريب قالت الأوساط: الحلّ سهلٌ جداً، فليتواضعوا، وعندها تتشكّل الحكومة فوراً.
برّي في إجازة
في هذه الأجواء، حزَم رئيس مجلس النواب نبيه بري حقائبَه وغادر في زيارة خاصة الى اوروبا.
وقبَيل مغادرته عكسَ بري استياءً بالغاً ممّا آلَ إليه وضع التأليف، وتعثّره غير المبرّر بعقَدٍ تنبت هنا وهناك، في وقتٍ أنّ الملِحّ هو التعجيل في تشكيل حكومة إنقاذية.
وقالت أوساط بري لـ«الجمهورية» إنه توسَّم خيراً الأسبوع الماضي وكان يأمل أن تولد الحكومة أواخر ذاك الاسبوع، لكنّه فوجئ بتراجع الامور من دون ايّ مبرّر مقنع. أضافت المصادر: إنّ بري تواصَل مع الجميع قبل مغادرته، وحثَّ على التعجيل بالحكومة، معيداً التنبيه الى أنّ وضع البلد متردٍّ حتى لا أقول في أسوأ حالاته، خصوصاً على المستوى الاقتصادي، إضافةً الى الكمّ الهائل من الأزمات التي توجب مقاربة حكومية فاعلة على كلّ المستويات.
وأشارت المصادر إلى أنّ أسوأ ما هو حاصل في هذه الايام، هو المشهد الذي يقدّمه اللبنانيون للخارج ويَظهرون فيه «مطنّشين» وغير عابئين بحالِ بلدهم، فالعالم يريد ان يساعدهم بينما هم يبدون وكأنّهم لا يريدون ان يساعدوا انفسَهم. فثمّة اندفاعة دولية في اتّجاه دعمِ لبنان وخصوصاً في الموضوع الاقتصادي، والمثال الأخير في زيارة المستشارة الالمانية انجيلا ميركيل الى لبنان، وجاءت تبحث عن السبل التي تدعم فيها لبنان، وخصوصاً في الاقتصاد، والتخفيف من الأعباء عن كاهل اللبنانيين، فعلى الأقلّ أن نقلّد الأجانب الذين يهتمون بلبنان أكثر ممّا يهتمّ اللبنانيون به.
تفاهُم.. لا تفاهُم؟
على أنّ جولة استذكارية للمسار الذي سَلكه تفاهم معراب منذ لحظة إعلانه وحتى اليوم، تُظهر الكثيرَ من المطبّات التي اعترَته، وكانت السببَ الاساس في دفعِه الى حافة السقوط على ما هو عليه حالُه اليوم، إلّا أنه على الرغم من الكدمات السياسية الواضحة في جسم هذا التفاهم، فإنّ اللافت للانتباه في الساعات الماضية كان «الحرص المشترك» من قبَل الطرفين على اعتبار التفاهم أنه مازال على قيد الحياة.
«التيار»
وقالت مصادر التيار الوطني الحر لـ«الجمهورية»»: «إنّ «التيار» احترَم كلَّ التفاهمات التي أبرَمها مع سائر الاطراف السياسية في لبنان، حتى النهاية. وليس عنده أيّ ميلٍ لنقضِ هذه التفاهمات، كذلك ليس من شيَمِه فعلُ ذلك. نحن متمسكون بالمصالحة المسيحية، ونعتبر انها تحققت ولا عودة الى الوراء. وما قاله الوزير جبران اسيء فهمه، وبالتالي المسألة ليست مسألة نعي اتفاق معراب، ولكن نقول ان الاتفاق لم يحترم في الفترة السابقة وبالتالي لم يسهّل الطريق لاتفاق حكومي اليوم، ولكن هذا لا يسقط المصالحة ولا التفاهم. اضاف: المطلوب ان يكون التفاهم متكاملا وليس مجتزأ.
«القوات»
من جهتها، أكّدت مصادر «القوات» لـ«الجمهورية» أنّ مبارة جعجع «بإعلان الهدنة السياسية والإعلامية مع «التيار» ولو من طرف واحد وإيفادُ الوزير رياشي الى قصر بعبدا قد فعَلت فعلها ووضَعت الأمور في نصابها مجدّداً وأكدت أنّ تفاهم معراب ما زال قائماً وأنّ الأمور تهتزّ لكنّها لم تسقط ولا يمكن أن تسقط».
وأوضحت أنّ مبادرة الأمس قامت على 4 عناصر أساسية:
1- «القوات» تلتزم بتفاهم معراب وبالمصالحة وتتمسّك بهما إلى أبعد الحدود وحتى النهاية.
2- التباينات السياسية قائمة وستبقى قائمة، وبالتالي لا يجوز عند كلّ منعطف وضعُ التفاهم على الطاولة للتشكيك به أو للتراجع عنه، فالتباينات شيء والمصالحة ترتقي إلى الثوابت التي لا يجب عند كلّ منعطف ومحطة إعادة النظر بها.
3- «القوات» حريصة على صلاحيات رئيس الجمهورية وعلى دوره ومهامّه، وكلّ كلام خارج هذا السياق لا يمتّ الى الواقع والحقيقة بصلة.
4- «القوات» منفتحة على تبادل الأفكار وتدوير الزوايا في الموضوع الحكومي وعلى التواصل من أجل الوصول الى الحكومة العتيدة انطلاقاً من الثوابت التي أفرَزتها الانتخابات، وبالتالي هناك عدة أفكار يمكن ان تؤدي الى ولادة الحكومة ولا يجوز لأيّ طرف التمسّك بفكرة محددة، فتبادُل الافكار والاقتراحات يؤدّيان الغرَض المطلوب لكنّ الأساس هو الخروج من دائرة التمسّك بوجهة نظر محدّدة لأنّ المخارج موجودة والأساس هو أن تكون النيّات سليمة. ونيّات «القوات» سليمة تجاه العهد والبقاء شريكةً أساسية في كلّ المرحلة الرئاسية فهي شريكة في التسوية وفي انتخاب الرئيس عون، وتريد الاستمرار بهذه الشراكة حتى النهاية».
وفي المعلومات حول لقاء رئيس الجمهورية بوزير الإعلام موفداً من جعجع، أنّ رئيس القوات بَعث برسالة تؤكّد حِرص القوات على العهد وحماية تفاهمِ معراب، وأنها لم تكن يوماً في معارضة رئيس الجمهورية. وطيلة عمل الحكومة الأولى للعهد لم يعارض وزراء القوات الرئيس، وإنّ التباين الذي كان قائماً كان محصوراً بأداء بعض وزراء التيار ونتيجة ممارساتهم في بعض الملفات الأساسية التي طرِحت، وهي معارضة لم تقتصر على وزراء القوات اللبنانية، فحلفاء الرئيس عون وآخرون كانت لهم نفس الملاحظات، لا بل فإنّ بعضهم ذهب أبعد من ذلك، وفي أداء وزراء «حزب الله» في ملفات الكهرباء والطاقة ملاحظات أكثر تشدّداً من القوات اللبنانية.
وعلمت «الجمهورية» أنّ رئيس الجمهورية ردَّ على نظرية «حِرص القوات على العهد وحماية تفاهمِ معراب»، قائلاً إنه كان من الواجب تكريس هذه النوايا بمواقف وزراء القوات في الحكومة السابقة، ووقفِ كلّ المحاولات التي جرت لعرقلةِ بعض الملفات الأساسية التي كانت في أولويات العهد، والتي ساهموا في عرقلتها. مؤكّداً على أهمّية التراجع عن هذه السياسة للحفاظ على التفاهمات السياسية التي أوصلتنا الى هذه المرحلة.
وفي الشقّ الحكومي، علمت «الجمهورية» أنّ عون أكّد أنّ الحديث عن الحقائب مفتوح، وأنّ توزيع المقاعد الحكومية بات محكوماً بمعادلة فرضَتها نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة وأنّ الحديث عن معادلات سابقة لم يعُد له مكان. وإنّ الحديث عن مقعد نائب رئيس الحكومة بات وراءَنا، وأعادَ التذكير بمضمون البيان الذي عمَّمه مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية أمس الاوّل. وهو أمر لا يخضع إلى أيّ نقاش بعد اليوم متمنّياً إقفالَ النقاش بشأنه.
بوتين وبولتون
دوليًّا، عبّر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمس عن أمله في أن تشكّل زيارة جون بولتون مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي دونالد ترامب «خطوة أولى» نحو تحسين العلاقات الثنائية وسط توتّر بين موسكو والغرب.
ويزور مستشار الأمن القومي الأميركي المتشدّد موسكو للتحضير لقمّة بين الرئيسين الاميركي والروسي يحتمل أن تُعقد الشهر المقبل في أوروبا.
ولفت بوتين بعد ذلك «آسفاً إلى أنّ العلاقات الروسية الاميركية ليست في افضل حال»، عازياً الوضع إلى «النزاع السياسي الداخلي الحاد في الولايات المتحدة».
الى ذلك، قال ترامب ان لقاءه وبوتين قد يتم في هلسنكي عقب قمة حلف شمال الأطلسي في بروكسل يومي 11 و12 تموز.