IMLebanon

مانشيت:إيجابيات الأقوال تصطدم بسلبيات الأفعال.. وجعجع في بعبدا قريباً

أسبوع جديد ينطوي بكلام متكرّر عن إيجابية بدأت تلفح مسار التأليف، مقرونة بوعد متجدد من قبل طبّاخي الحكومة بأنها ستبصر النور في القريب العاجل، وما يُحكى عن عقبات ومطبّات وتعقيدات، ليس من النوع المُستعصي على الحل والعلاج.
ما هو طَاف على سطح المشهد السياسي، يعكس انّ الايجابية المحكي عنها، هي مفردة، تقدّمها القوى السياسية المعنية بتأليف الحكومة، كنتيجة لحركة الاتصالات التي تسارعت في الساعات الاخيرة، ولا سيما اللقاء الاخير بين رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف سعد الحريري، اضافة الى المشاورات المكثفة التي يجريها الرئيس المكلف على خَطّي معراب وكليمنصو.

وكذلك كنتيجة لحركة الاتصالات على خط العلاقة بين التيار الوطني الحر و«القوات اللبنانية» التي وصلت في توتّرها في الآونة الاخيرة الى حدّ وضع «تفاهم معراب» المعقود بين الطرفين أمام خطر السقوط.

وفي ظل الهدنة السياسية التي أدّت الى تراجع ملحوظ في وتيرة السجال السياسي بين طرفي التفاهم، اكدت مصادر معنية بعلاقة «القوات» و«التيار» لـ«الجمهورية»، وضع علاقة الطرفين في غرفة العناية الفائقة، من خلفية صيانة الوضع المسيحي، وثمّة محاولات جدية لإعادة لحم ما انكسر بينهما ونزع فتائل التوتر السياسي بينهما، وتحدثت عن دور مهم لرئيس الجمهورية ميشال عون في هذا الاتجاه، مع رئيس حزب «القوات» سمير جعجع خلال لقاء يجمعهما في وقت قريب.

وقالت مصادر القوات لـ«الجمهورية» انّ فكرة زيارة جعجع الى بعبدا قائمة، الّا انّ موعدها لم يتحدد بعد، وثمّة تحضيرات ضرورية لا بد منها لإتمام هذه الزيارة التي ستحصل في أي وقت.

وامّا على صعيد حركة التأليف، فيبدو انّ الأمور سائرة الى عطلة حدّها الادنى عشرة ايام، ما يعني انّ الاسبوع المقبل هو اسبوع ميّت حكومياً، خصوصاً انّ الرئيس المكلف على أهبة القيام بزيارة خاصة تستمر أياماً عدة. على ان تشكّل عودته، التي يفترض ان تتواكَب مع عودة رئيس مجلس النواب نبيه بري من زيارته الاوروبية، نقطة لإعادة إطلاق محركات التأليف بوتيرة جديدة.

وبحسب المعلومات، فإنّ لقاء بعبدا بين عون والحريري، الذي أعاد ترسيم العلاقة بين الرئيسين في دائرة الايجابية التي عبّر عنها الرئيس الحريري بتأكيده الالتزام بالتسوية الرئاسية، حَدّد مكامِن العقد والمطبّات التي يفترض تبديدها، وتمّ وضع آلية لمقاربتها.

وأشارت مصادر معنية بحركة التأليف الى انّ أيّاً من الامور لم يحسم بعد، وكلها قابلة لإعادة النقاش حولها، سواء ما يتصل بالعقدة الدرزية التي يؤكد الاشتراكيون انها حلّت، او العقدة السنية التي تعالت بالأمس اصوات متجددة بألّا ينحصر التمثيل السني في الحكومة بتيار المستقبل، او ما يتّصل بحجم تمثيل «القوات» ونوعية الحقائب التي ستسند إليها.

واللافت للانتباه هو التقاء التيار والقوات والحزب التقدمي الاشتراكي على الحديث عن إيجابية، فالتيار بحسب أوساطه يؤكّد من جهة على البيان الرئاسي الاخير لرئيس الجمهورية، ولا فيتو من قبله على منح القوات حقيبة سيادية. وامّا الحزب الاشتراكي فينطلق من تأكيد الايجابية ممّا تعتبره مصادره بأنّ موضوع التمثيل الدرزي قد حسم نهائياً، ولم يعد هناك وجود لأيّ عقدة. وامّا «القوات» فتعكس مصادر لـ»الجمهورية» انّ المناخ صار ايجابياً، وانه يمكن القول إننا دخلنا في مرحلة تفكيك العقد. لا نستطيع ان نقول انّ الامور انتهت، لكن على ما يبدو النيّات إيجابية.

وإذ فضّلت مصادر القوات الدخول في تفاصيل ما يجري بحثه معها، تحدثت معلومات عن فكرة مطروحة لمنح القوات 4 وزارات، إحداها سيادية وتحديداً وزارة الدفاع، حيث لا يوجد أي فيتو او ممانعة من اي طرف سياسي، سواء «حزب الله» او غيره، على منح هذه الحقيبة للقوات التي يمكن ان تشكّل تعويضاً لها عن موقع نائب رئيس الحكومة. ولم تسبعد مصادر معنية بهذا الأمر ان تكون القوات قد أُبلغت بموقف «حزب الله» هذا عبر قنوات صديقة.

وامّا سائر الحقائب القواتية، فكشفت مصادر التأليف انّ البحث لم يحسم بعد هوية الحقيبة الخدماتية التي ستسند الى القوات، بعدما سحبت حقيبة الصحة من يدها ومُنحت لـ»حزب الله». وفيما تردد انّ القوات تطالب بالاشغال، أكدت المصادر انّ هذه الحقيبة تقع حالياً في نقطة تجاذب بين رغبات العديد من القوى السياسية بها، وخصوصاً تيار المردة، والحزب التقدمي الاشتراكي الى جانب القوات.

على انّ اللافت للانتباه في هذا الجو الايجابي، صدور موقفين بارزين الاول لجعجع والثاني للأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله، والجامع المشترك بينهما انهما لم يقاربا مسار تأليف الحكومة بالإيجابية المَحكي عنها.

جعجع

أكّد جعجع «أنّ «القوات» تحترم جميع الأحزاب والتيّارات والتلاوين السياسيّة التي تحفل بها السّاحة اليوم، ولا تسعى لإقصاء أحد أو لإلغاء دور أحد، وكلّ ما تطالب به هو أن يحترم الغير حضورها ويكفّ عن محاولات عزلها وتطويقها».

وقال: «إنّ العمليّة الدستوريّة التي تشكّل الحكومة بموجبها، يجب ان تتلاقى وتتكامل مع الإرادة الشعبية التي تجسّدت في صناديق الاقتراع، لا أن تكون وسيلة للقَوطبة عليها او شَلّها او تقييدها». لافتاً إلى انّ «وجود «القوات» في الحكومة ليس من أجل أن تتنعّم بالمناصب وإنّما من أجل تحقيق ما ينتظره الرأي العام منها. لذا، لن نقبل بأنّ نُقايض وجودنا في الحكومة بسكوتنا عن الهدر وقلة الإنتاجيّة والفساد، لأنّ وجودنا هو أصلاً لمكافحة الفساد وليس لحصد المواقع».

وتابع: «اذا كنّا نتمسّك بتفاهم معراب فليس من اجل تشكيل ثنائيات او ثلاثيات او رباعيات في الساحة المسيحية، إنما من اجل إشاعة جو من الاستقرار والتفاهم داخل المجتمع، على أن يتمّ تعميمه على مستوى الوطن. نحن مع «أوعا خيّك» وللآخر، ولكنّنا أيضاً مع «أوعا سيادة الدولة»، و«أوعا مصالح الناس»، و«أوعا الهدر» و«أوعا الفساد» و«أوعا لقمة عيش الفقراء». إنّ معارضتنا للهدر والفساد والصّفقات المشبوهة، لم تكن موجّهة ضدّ وزير بعينه أو فئة سياسيّة.

نصرالله

بدوره، اعتبر نصر الله «انّ المشكلة الحقيقية التي حالت حتى الآن دون تشكيل الحكومة هي ضياع المعايير. فيجب أن يكون هناك معيار واحد وواضح يتمّ على أساسه تشكيل الحكومة، وعلى الجميع أن يلتزم بهذا المعيار.

وقال: في موضوع المعايير يجب ان يحصل التزام دقيق بنتائج الانتخابات، وإلّا سيطالب «حزب الله» بالتفاهم مع رئيس المجلس النيابي بزيادة حجم وزرائنا، لأنّ حجمنا في مجلس النواب يتم تمثيله بأكثر من 6 وزراء.

ودعا الى الإسراع في تشكيل حكومة وحدة وطنية، قائلاً: «اذا هناك أحد ما في مكان ما يُراهن على تغييرات معينة في الوضع الاقليمي لمصلحته، فهو يخطئ لأنّ التطورات في سوريا واليوم في جنوب سوريا تميل لصالحنا وليس لصالحهم». وأوضح: «انا لا أتهم الرئيس المكلّف في هذا الاطار، بل أتّهم آخرين يراهنون على التغيّرات».

وشدّد على إشراك الجميع من دون استثناء، وقال: انّ ميزة لبنان أنّ الحكومة اللبنانية، بمعزل عن عدد الحقائب، لا تعتبر مثل بقية الدول مجلس قيادة للبلد. وبالتالي، إنّ مشاركة الآخرين، ولو بوزير دولة، تعني المشاركة. وذلك بسبب تنوّع البلد وتركيبته التي تستوجب ان تمثّل الحكومات الجميع، في أوسع تمثيل مُمكن.

قراءة متشائمة

على انه مقابل الإيجابية التي تمّ ضخها على سطح المشهد الداخلي، هناك قراءة متشائمة لمرجع سياسي، قال فيها: إنّ نظرة معمّقة الى مسار التأليف والمشاورات التي تجري بين القوى السياسية، تظهر ان ليس في حوزة طبّاخي الحكومة دليل حسّي ولَو بسيط، أو مادة صلبة يمكن الركون اليها للقول إنّ لهذه الايجابية التي يجري ضخّها في الاجواء، مَعنًى، وانّ حبل التعقيدات الطويل قد قُطع، وبدأ الوصل الجدّي لخيوط التأليف بذهنية التفاهم والتنازل والموضوعية، بعيداً عن الذهنية السياسية المعقّدة التي تعطّل كل هذا المسار، والتي تبدأ وتنتهي عند شهوة الحكم والاستئثار والتسلّط.

أضاف المرجع: هذه الايجابية، سواء أكانت جدية ام ظاهرية، تسبح في بحر التجاذبات السياسية والشهوات المحتدمة على تقاسم جبنة الحكومة ومغانمها وملذّاتها، ولا تعني اللبنانيين الذين لا همّ لهم سوى إخراجهم من سحن المعاناة المتعددة الوجود والالوان الذي يُحبَسون خلف قضبانها. فالناس تشكو ممّا آلت اليه أحوالهم، التي هي انعكاس لحال بلدهم المهترىء على كل المستويات، حتى صار وكأنه يعيش بالصدفة ويتنفّس رغماً عنه، فيما تستفحل السموم القاتلة التي تنخر جسمه اقتصادياً ومالياً واجتماعياً ومعيشياً وبيئياً، ناهيك عن الفلتان السياسي الذي يضرب عميقاً في التخاذل والاستلشاء، وهنا الباعث والمسبّب الأساس لكل تلك السموم، وأخطرها الفلتان الاخلاقي الذي يُرهب الناس بالتسيّب وفوضى اللصوصية والسرقات والجرائم في كل مكان.

واكد المرجع «أنّ أسوأ عناوين الفلتان هي افتقاد الناس للراعي الصالح الذي يضع همومهم وأولوياتهم فوق كل اعتبار. وانّ من يفترض ان يشكو الناس إليه، هو المَشكو منه، الذي يبدو انه يعيش في كوكب آخر يصمّ آذانه إلّا عن مصالحه، ويحقق رغباته التي يريدها لنفسه فقط، ومن بعده الطوفان».

ويخلص الى القول انه «في ظل هذا الوضع، وفي ظل العقلية القائمة أيّ حكومة ستتشكّل، وفي ظل هذا الوضع يصبح الكلام عن إيجابية أشبَه بنكتة سخيفة، فضلاً عن انّ لهذه المُفرَدة حكاية طويلة وقديمة مع اللبنانيين، الذين اعتادوا سماع هذه الاسطوانة بين حين وآخر، واكد لهم تكرارها انّ هذا النوع من الايجابية، ما هو سوى تعبير كلامي يَستبطن الهروب الى الأمام من الفشل، الغاية منه نَثر غبار في الاجواء الداخلية لحجب الرؤية عن حقيقة انّ الأمور ما زالت في مربّع السلبية.