فتِح الأسبوع على وعدٍ جديد بولادة وشيكة للحكومة العالقة منذ نحو شهرين على حلبة «حرب الأحجام»، المحتدمة بين القوى السياسية. وعدٍ رسَم الكثير من علامات الاستفهام حول ما أوجَب إطلاقه، وحول «الأساس الإيجابي» الذي ارتكز عليه، خصوصاً أنه سقط على مشهد حكوميّ مقفَل بعقَد مُستحكمة تستفحل على مدار الساعة، ولم تجد سبيلاً إلى فكفكتها بعد، إلّا إذا كان هذا الوعد الجديد عنواناً لجهد مضاعف ومكثّف قرّر الرئيس المكلّف سعد الحريري أن يبذله خلال الأيام المقبلة.
عملياً، لا جديد في الصورة الحكومية سوى نيّات يجري التعبير عنها بين حين وآخر، ولكن بلا ترجمة فعلية تُتبع الاقوال بأفعال تدخل الحكومة الضائعة حتى الآن، الى غرفة الولادة. وفي هذا الجو المقفل، بادَر الرئيس المكلف سعد الحريري الى حَقن مسار التأليف بجرعة تفاؤلية بقرب ولادة الحكومة خلال 15 يوماً.
واذا كان الرئيس المكلف، اكتفى بهذا الوعد المقتضب، فإنّ أوساطاً قريبة منه اكدت لـ«الجمهورية» انّ «ما كان ليقول ما قاله لو لم يكن واثقاً من كلمة يقولها، ومن هنا فإنّ الاسبوعين المقبلين حاسمان على صعيد التأليف، هناك عمل حثيث سيحصل، وستخبر النتائج عن نفسها بنفسها، ويؤمل ان تظهر الايجابيات في القريب العاجل».
على انّ هذا العمل الحثيث، سيدور بطبيعة الحال ضمن ما بات يُعرف بحلقة التعقيدات التي تبدو انها أصلب من ان تتمكن جهود الحلحلة من أن تخترقها.
وخصوصاً العقدة الاساس، والتي وصفها بري بـ«أم العقد» القائمة بين «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية». وبحسب المعلومات، انه اذا كانت جهود الحريري على خط «القوات» قد شهدت بعض الليونة من قبلها، الّا انّ الترقّب حالياً هو لِما سيتوَلّد عن التواصل المنتظر بين الرئيس المكلف ورئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل.
إلا ان اجواء مطبخ التأليف، تشير الى عدم نضوج اللقاء، وإتمامه عالق بين تفسير يقول بأنّ اللمسات الاخيرة توضع لعقده قريبا، وتفسير آخر يقول بأنّه عالق عند عدم توافر ظروف نجاحه حتى الآن.
وبحسب المعلومات، فإنّ الامور جامدة عند ما انتهت اليه بعد لقاءي الحريري مع رئيس حزب القوات سمير جعجع، والنائب السابق وليد جنبلاط. واللافت فيها الليونة التي أبدتها «القوات اللبنانية»، عبر استعدادها للتجاوب، وطبعاً ضمن ما يؤكد موقعها وحجمها والنتائج التي أفرزتها الانتخابات.
وتشير المعلومات الى انّ التعقيد زاد اكثر، مع عدم تجاوب باسيل مع اقتراح – قيل انّ «القوات» لا تمانعه – يقول بإسناد 4 حقائب وزارية لـ«القوات». مع كلام تسرّب من بعض زوايا التيار يعتبر انّ حصة «القوات» هي دون الاربعة وزراء. وربما هذه العقدة هي التي دفعت رئيس القوات الى القول: «اننا لم نغادر نقطة الصفر لكي نقول اننا تقدّمنا او تأخرنا».
ويبدو انّ العقدة الدرزية تفاعلت اكثر، بعد صدور اصوات هجومية من محيط التيار في اتجاه جنبلاط، الذي اكدت اوساطه لـ«الجمهورية»: «لا علاقة لأحد بالتمثيل الدرزي خارج البيت الدرزي، وليعرف كل طرف حجمه ويقف عنده».
وقالت: «الكرة ليست في ملعبنا، بل في ملعب الرئيس الذي عليه ان يقنع حزبه بالتواضع. هناك مشكلة عميقة جداً بيننا وبين التيار، والسبب انّه مُصرّ على ان يبقى في الماضي، ويتصرف على هذا الاساس. نحن أقفلنا تلك الصفحة بالمصالحة، ونقتدي بالطائف كعنوان للحفاظ على لبنان، ونلتزم به نصاً وروحاً، هكذا نفهم الطائف ويبدو انهم يفهمونه بطريقة اخرى»
جنبلاط لـ«الجمهورية»
على أنّ الاشتباك بين التيار والحزب الاشتراكي توسَّع من الحصّة الدرزية في الحكومة إلى ملف عودة النازحين. حيث اعتبَر جنبلاط أنّ عودة القِسم الاكبر منهم متعذّرة في ظلّ وجود القانون رقم 10، محذّراً من الوقوع في الأفخاخ التي ينصبها البعض.
وردّاً على إعلان باسيل عن قُرب عودة الحياة السياسية والاقتصادية إلى طبيعتها بين لبنان سوريا، اعتبَر جنبلاط أنّ أصحاب هذا الطرح يَستقوون بالظروف التي ساعدت بشّار الأسد على استعادة درعا، للعودة إلى أيام الماضي، ثمّ يكلّمونك عن السيادة والاستقلال.
وعمّا إذا كان يعتقد أنّ من مسؤولية الحكومة المقبلة أن تبحث في ما إذا كان يتوجّب عليها خوضُ حوار مع الحكومة السورية؟ أجاب جنبلاط: هناك طرَف هو «التيار الحر» لا ينتظر الحكومة أو غيرَها، بل إنه يرسِل منذ فترة طويلة وزيراً إلى دمشق بانتظام كلّ اثنين.. لقد استملكوا الدولة اللبنانية واستولوا عليها.
برّي: أم العقد
وعلى الرغم من حماوة العقدة الدرزية، فإنّ الرئيس بري لا يرى انّها من النوع الذي يمكن أن يستعصي على الحل وإيجاد مخارج لها، لكنّ المشكلة الأكبر في رأي رئيس المجلس، والتي ما زالت ثابتة على خط التفاقم، هي بين «القوات» و»التيار»، حيث تبرز ما يمكن أن يسمّيها بري «أم العقد».
وإذ أشار بري الى «محاولات جَرت لحلحلة هذه العقدة الا انها فشلت». رد على كلام الحريري عن ولادة الحكومة خلال اسبوعين، وقال: «اتمنى ان تولد الحكومة اليوم قبل الغد، وبعد اسبوع وليس بعد اسبوعين. المهم ان تولد في القريب العاجل».
وعمّا اذا كانت ثمّة ايجابيات ملموسة على خط التأليف، قال بري: حتى الآن لا يوجد اتفاق على شيء، وانا لا ارى شيئاً ايجابياً، بل لم أر شيئا ايجابياً، لأننا منذ اسبوعين وحتى الآن لم «نضرب ضربة منيحة»، بمعنى اننا لم نتقدم اي خطوة.
أضاف: قالوا إنني متفائل بولادة وشيكة للحكومة، لقد قوّلوني اموراً لا علاقة لي بها. قالوا اني متفائل بولادة الحكومة وانا لا دخل لي بهذا التفاؤل لا من قريب او من بعيد. أكون متفائلاً في حالة واحدة وهي ان ألمس بيدي، وحتى الآن لا ألمس اي ايجابية، وليس في يدي ما يدفعني الى التفاؤل والقول إنّ الاجواء ايجابية، فلننتظر فربما نرى إيجابيات.
ورداً على سؤال، قال بري: «جلسة التشاور النيابي حول الاسباب التي تؤخر تشكيل الحكومة ما زالت قائمة، اليوم سيتم انتخاب اعضاء اللجان النيابية لإطلاق عجلة المجلس النيابي، وسأنتظر اسبوعاً مثلاً او فترة قصيرة، حتى اذا ما تَعثّر تشكيل الحكومة خلالها، فإنني سأبادر الى الدعوة الى هذه الجلسة التشاورية، التي قد تكون عاملاً مساعداً ومحفّزاً على التعجيل بالتشكيل وكسر حلقة المماطلة والتعطيل».
باسيل وبكركي
الى ذلك، علمت «الجمهورية» أنّ باسيل اتصل أمس بالبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، الذي عبّر لباسيل عن رغبته في تأليف الحكومة سريعاً وتسهيل مهمة الرئيس المُكلّف.
وكشفت مصادر بكركي لـ«الجمهورية» أنّ الراعي شدّد لباسيل على «دور كل طرف في المساهمة في تسهيل مهمة التأليف»، واعتبر «أنّ المسؤولية الكبيرة تقع على عاتق الحريري لكي يشدّ يده في هذا الإطار». وأشارت إلى أنّ «باسيل كان متجاوباً، ولديه الإرادة والرغبة في تسهيل التأليف، وليس هاوياً وَضع عقد وعراقيل»، وأكدت أنّ حديث الراعي مع باسيل «سيُستكمل لاحقاً».
وقالت المصادر: إنّ بكركي تعتبر أنّ من يُسهِّل تأليف الحكومة اليوم يكون «أم الصبي»، وإلّا سنشكّ في أمر الجميع، لأنّ الوضع لا يتحمّل الإنتظار، وأنّ هناك حلولاً ترضي الجميع، لكنها تتطلّب قليلاً من التواضع والتنازل والتضحية».
خريطة اللجان
من جهة ثانية، يعقد المجلس النيابي اليوم جلسته الانتخابية الثانية، بعد الأولى التي انتخب فيها هيئة مكتبه في 23 أيار الماضي، وتخصّص جلسة اليوم لتأسيس ما يعرف بـ«المطبخ التشريعي»، بانتخاب اعضاء اللجان النيابية، وهذا يعني إطلاق العجلة المجلسية والانطلاقة الفعلية للولاية المجلسية.
ويفترض ان تكون جلسة اليوم التي سيترأسها بري، قصيرة نسبياً، خصوصاً انّ التوافق المُسبق بين القوى السياسية على اختلافها، والذي حكم وضع مسودة اللجان، قد لا يطيل أمد الجلسة لأكثر من ساعة، وربما أقل من ذلك بكثير.
واللافت في خريطة اللجان، أنّ رئاساتها توزّعت بشكل اساسي على الكتل الكبرى في المجلس: كتلة الحريري، كتلة بري، كتلة «حزب الله»، كتلة لبنان القوي، وكتلة جنبلاط، حيث جاءت على النحو الآتي:
– لجنة المال والموازنة: النائب ابراهيم كنعان (لبنان القوي) رئيساً، والنائب نقولا نحاس (كتلة ميقاتي) مقرراً.
– لجنة الادارة والعدل: النائب جورج عدوان (القوات اللبنانية) رئيساً، والنائب نواف الموسوي (حزب الله) مقرراً.
– لجنة الشؤون الخارجية والمغتربين: النائب ياسين جابر (كتلة بري) رئيساً، النائب آغوب بقرادونيان (لبنان القوي) مقرراً.
– لجنة الاشغال العامة والنقل والطاقة والمياه: النائب نزيه نجم (المستقبل) رئيساً، النائب حكمت ديب (لبنان القوي) مقرراً.
– لجنة التربية والتعليم العالي والثقافة: النائب بهية الحريري (المستقبل) رئيساً، النائب اسعد درغام (لبنان القوي) مقرراً.
– لجنة الصحة العامة والعمل والشؤون الاجتماعية: النائب عاصم عراجي (المستقبل) رئيساً، ولم يتم التوافق بعد على إسم المقرر.
– لجنة الدفاع الوطني والداخلية والبلديات: النائب سمير الجسر (المستقبل) رئيساً، النائب انور الخليل (كتلة بري) مقرراً.
– لجنة شؤون المهجرين: النائب جان طالوزيان (القوات) رئيساً، النائب محمد نصرالله (كتلة بري) مقرراً.
– لجنة الزراعة والسياحة: النائب ايوب حميد (كتلة بري) رئيساً، النائب قيصر المعلوف (القوات) مقرراً.
– لجنة البيئة: النائب مروان حمادة (اللقاء الديموقراطي) رئيساً، النائب قاسم هاشم (كتلة بري) مقرراً.
– لجنة الاقتصاد الوطني والتجارة والصناعة والتخطيط: النائب نعمة افرام (لبنان القوي) رئيساً، النائب علي بزي (كتلة بري ) مقرراً.
– لجنة الاعلام والاتصالات: النائب حسين الحاج حسن (حزب الله) رئيساً، النائب طارق المرعبي (المستقبل) مقرراً.
– لجنة الشباب والرياضة: النائب سيمون ابي رميا (لبنان القوي) رئيساً، النائب علي المقداد (حزب الله) مقرراً.
– لجنة حقوق الانسان: النائب ميشال موسى (كتلة بري) رئيساً، النائب رولا الطبش (المستقبل) مقرراً.
– لجنة المرأة والطفل: النائب عدنان طرابلسي (سنة المعارضة) رئيساً، النائب بولا يعقوبيان (مقرراً).
– لجنة تكنولوجيا المعلومات: لم يحسم أمر رئيسها ومقررها بعد. على أن يتمّ ذلك خلال الجلسة اليوم.