أسبوع حكومي جديد يقفل على تفاؤل بلا تأليف، ووعود سياسية على تنشيط حركة الاتصالات لعلها تفك صواعق التعقيدات التي ما زالت مزروعة في طريق الحكومة. وذلك في وقت ما زال البلد تحت تأثير الصدمة التي أحدثتها المبادرة الروسية لإعادة النازحين السوريين، ولكن من دون معطيات ملموسة تحدد الاتجاه الذي ستسلكه هذه المبادرة، ومدى التغطية الدولية لها.
لبنان الرسمي على كل مستوياته يتفاعل إيجاباً مع المبادرة الروسية، وقد عبّر عن ذلك صراحة رئيس الجمهورية ميشال عون الذي أبلغ أمس ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة بيرنيل دايلر كاردل ترحيبه بهذه المبادرة التي قال انها تؤمن عودة 890 الف نازح سوري من لبنان الى بلدهم، وكذلك من رئيس المجلس النيابي الذي امل أن تشكّل المبادرة فاتحة لعودة سريعة للنازحين، معتبراً انّ زيارة الوفد الروسي الى لبنان تشكّل منعطفاً هاماً في مصير الازمة السورية الدامية، مع تشديده مجدداً على فتح القنوات مع الدولة السورية، وكذلك من الرئيس المكلف سعد الحريري الذي تعكس أوساطه تأييده الكامل للمبادرة وبلوغ الهدف المنشود منها.
جنبلاط يقصف
على انّ اللافت للانتباه، هو الموقف الناري الذي أطلقه رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، وشَنّ فيه هجوماً قاسياً على روسيا بقوله: لا نريد أن يُضحّى بالدروز ولا نقبل أن يمروا على أجسادنا في لبنان أو في سوريا، فنحن لسنا الشيشان. هذه رسالتي لأصدقائي الروس ليحافظوا على ما تبقّى من شعرة معاوية.
بالأمس جاء إلى لبنان رسول روسي، لقد بقيت هناك شعرة معاوية بيننا وبين روسيا ولكن نريد من هذه العلاقة ضماناً لأهل الجبل بأن يبقوا في الجبل وأن لا يستخدمهم بشار الأسد وقوداً من أجل مآربه الشخصية… ليتني أملك السلاح لأتوجّه معكم للقتال إلى جانبكم يا أبناء جبل العرب».
الى ذلك، وعلى أهمية اللقاء الروسي ـ اللبناني الذي عقد تحت عنوان مبادرة اعادة النازحين السوريين، قالت مصادر ديبلوماسية لـ«الجمهورية»: انّ افكاراً معمّقة صارت في حوزة الجانب اللبناني.
لبنان قبل الاردن
واشارت المصادر الى انّ المبادرة، وإن كانت تشمل الجانبين اللبناني والاردني، الّا انها قد تصل في تطوراتها الى تقديم الجانب اللبناني على الاردني، وهذا معناه انّ الكرة قد رميت في الملعب اللبناني ليكون جاهزاً لهذا الاحتمال في اي لحظة. وبالتالي، تحضير الارضية اللازمة والاجراءات اللوجستية التي تجعل من ملف النازحين في لبنان جاهزاً للتنفيذ.
واولى هذه الاجراءات هي قيام الجانب اللبناني بإعداد ملف كامل متكامل يتضمّن إحصاء دقيقاً وواضحاً للعدد الحقيقي للنازحين، وتحديدا دقيقا لعدد النازحين لأسباب أمنية، والنازحين لأسباب اقتصادية وغيرها، وتحديد الاماكن التي قدم منها كلّ نازح.
حيث لا يوجد رقم دقيق حتى الآن جرّاء العشوائية التي اعتمدت حيال هذا الامر، اضافة الى الإرباك الذي يُحدثه خروج ودخول سوريين من لبنان واليه، مع أنّ الكثير منهم مسجّل تحت خانة نازح، هؤلاء يجب تحديدهم بدقة ايضاً. وتجدر الاشارة هنا الى انّ المهمة هذه موكلة الى الامن الذي بدأ عملاً حثيثاً في هذا المجال، وبالتعاون من الهيئات المحلية والبلدية في كل أماكن انتشار النزوح السوري.
واكدت المصادر الديبلوماسية انّ من اهم أسباب نجاح هذه المبادرة، واي عمل يصبّ في خدمتها، هو تحصين التجاوب اللبناني معها بموقف سياسي جدي وموحد قولاً وفعلاً، وقبل كل ذلك إخراج الملف برمّته من بازار المزايدات السياسية.
الّا انّ المصادر لفتت الانتباه الى انه لا يمكن إنجاح المبادرة، على الرغم من اهميتها القصوى، من طرف واحد، اي من الطرف الروسي وحده، بل يجب ان يكون هناك غطاء دولي واضح، بالتوازي مع دور اميركي مباشر وفاعل.
علماً انّ رد الفعل الغربي بمجمله هو مؤيّد لعودة النازحين، وكذلك الحال في الامم المتحدة، فضلاً عن بعض الدول التي بدأت تعبّر عن رغبتها في المشاركة في عملية العودة، وآخرها مصر، على حد ما أعلنت وزارة الدفاع الروسية أمس.
وبرز في كلام المصادر، الحَذر الذي أبدَته حيال التفجير الارهابي الذي ضرب منطقة السويداء في سوريا، والذي تزامنَ مع بدء الحديث عن المبادرة الروسية.
وقالت: حتى الآن لم تتوفر قراءة لخلفيات هذا الاعتداء الارهابي، فقط هدفه التشويش على ما يحصل في الجنوب السوري والتطورات الميدانية المتلاحقة فيه، وقد يكون مرتبطاً بالتشويش على المبادرة. حتى الآن لا يمكن الجزم بكلا الأمرين لكنّ الواضح هو انّ الروس طرحوا مبادرة، والاميركيون في أجوائها، والاوروبيون هم الاكثر حماسة واستعداداً للتعاون مع الروس في هذا المجال.
تحركات ديبلوماسية
الى ذلك، وبعد ساعات على انتهاء زيارة الوفد الروسي للبنان، تحركت الدبلوماسية الغربية والعربية وممثلياث المؤسسات الأممية في لبنان، وسجّلت حركة ناشطة لبعض السفراء بين المقرات الرسمية والمراجع المعنية بعيداً من الاضواء من أجل استكشاف المبادرة وتفاصيلها والظروف التي دفعت اليها.
وعلى هذه الخلفيات رصدت حركة السفير الفرنسي برونو فوشيه الذي زار امس القصر الجمهوري في بعبدا، قبل ان يزور المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم الذي التقى ايضاً السفير السوري في بيروت علي عبد الكريم علي ربطاً بملف النازحين. حيث نقل الأخير الى اللواء ابراهيم استعداد دمشق للمساعدة في هذا المجال، مشيداً بالجهد الذي يبذل سواء من الجانب اللبناني او من الجانب لإعادة النازحين.
وعلمت «الجمهورية» انّ السفير الفرنسي سعى الى استكشاف واستطلاع شكل ومضمون الآلية المقترحة من الجانب الروسي لعملية اعادة النازحين، وموقف لبنان منها، وعلى ايّ مستوى ستشكل لجنة التنسيق المشتركة مع الجانب الروسي وهل سينضمّ اليها الجانب الأميركي؟ وهل من أطراف اخرى يمكن ان تنضَمّ اليها، في إشارة غير مباشرة الى دور النظام السوري في هذه الآلية.
الحريري ينتظر
حكومياً، يُنتظر مع عودة رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل الى لبنان، أن تنقشع الغيوم اكثر حول مستقبل التأليف، وذلك من خلال لقائه المرتقب مع الرئيس المكلف، والذي سيأتي تتمة للقاء عون ـ الحريري قبل ثلاثة ايام.
وفيما اكد بري أمام زواره انّ «البلاد بحاجة ملحّة الى حكومة جديدة تنقذ الوضع الاقتصادي من التدهور وتضع حدّاً لهذا القلق العارم الذي ينعكس سلباً على المواطنين»، لم يطرأ جديد نوعي على خط التأليف، يترجم جو التفاؤل الذي أشاعه الرئيس المكلّف في اجواء التأليف.
فالساعات الماضية بَدا فيها المشهد الداخلي محافظاً على الوتيرة العالية من التفاؤل، لكنه ليس من النوع الذي يمكن ترجمته الى وقائع ملموسة بعد، خصوصاً وانّ ايّاً من المسؤولين لم يحدد بوضوح الأسس التي يرتكز اليها هذا التفاؤل.
وبحسب مواكبين لاتصالات الحريري، فإنها المرة الاولى منذ تكليفه، التي يرتفع فيها منسوب التفاؤل النظري الى حد افتراض انّ الحكومة صارت قاب قوسين او أدنى من الدخول الى غرفة الولادة، لكن لم يبرز الحريري بعد كيفية تسييل هذا التفاؤل على خط التأليف.
عين التينة
وبحسب أجواء عين التينة، فإنّ كل هذا المناخ التفاؤلي يبقى بلا اي قيمة إذا ظل في إطاره النظري ولم يدخل حيّز الترجمة والتطبيق على ارض الواقع في اسرع وقت ممكن. وهذا لسان حال الرئيس بري الذي يشدد على التعجيل بالحكومة، مع لحظ انه ليس في اليد شيء ملموس حتى الآن».
واللافت على الخط الحكومي، هو النقاش الجاري في المقرّات السياسية والحزبية والرسمية وبصوت مسموع حول اللقاء الاخير بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف، سعياً للتأكد ممّا اذا كان هذا اللقاء قد زرع النطفة التي ستؤسّس الى ولادة حتمية للحكومة وفي وقت قريب.
وبحسب المعلومات التي سيقت في هذا النقاش، يتبيّن انّ اولى نتائج لقاء الرئيسين، كان كسر الجليد بين الشريكين في تأليف الحكومة، وتبادل الحرص على أن تبقى العلاقة بينهما بمنأى عن التأثر بأيّ تباينات يمكن ان تطرأ على طريق التأليف، وخصوصاً في محيطيهما القريب او البعيد».
وإذ تلاحظ مصادر المعلومات توازي ما سمّتها «عودة الانسجام بين الرئيسين»، مع اشاعة إيجابيات أطلقها الرئيس المكلف، ويمكن اعتبارها مفتعلة حتى يثبت العكس، وهي ستتبيّن حتماً في اللقاء المرتقب بين الحريري وباسيل».
مخرجان للحل
وكشفت مصادر المعلومات عن مخرَجين جديدين يجري الحديث عنها في الاوساط القريبة من الرئاستين الاولى والثالثة، وهو ما دفع جهات سياسية مثل «القوات» الى الحديث عن بصيص نور بدأ يظهر في أفق التأليف، وجهات أخرى الى القول انها بدأت تتلمّس جدية في بلورة مخارج».
ولم تستبعد مصادر المعلومات ان يكون الحريري قد عرض المخرجين على رئيس الجمهورية في لقائهما الاخير، وهو ينتظر ان يلقى الجواب عليهما، ربما من لقائه مع باسيل، حيث يقوم الاول على صيغة حكومية ثلاثينية بتوزيعة مراعية للوحدة الوطنية وبتمثيل يعتبر الحريري انه افضل الممكن ويراعي كل الاطراف المكونة لهذه الحكومة، مع المحافظة فيها على حضور لـ«القوات» بـ4 حقائب وكذلك لجنبلاط بالحقائب الدرزية الثلاث.
وامّا المخرج الثاني، فيقوم على صيغة حكومية من 24 وزيراً مراعية ايضاً للوحدة الوطنية وبتمثيل يراعي كل الاطراف، والنقطة الجوهرية في هذه الصيغة انها تزيل العقد الماثلة حالياً في طريق التأليف خصوصاً الدرزية حيث يحصر التمثيل الدرزي لجنبلاط بوزيرين، ويُنهي العقدة السنية على نحو يخصّص رئيس الجمهورية بوزير سني، فيما يخّصص الحريري بـ4 وزراء سنّة الى جانبه من حصة تيار المستقبل.
توزيع أدوار
يأتي ذلك، في وقت عكست أجواء أحد المقرّات الرئاسية أجواء تفيد بأنّ تفاهماً جرى بين عون والحريري حول توزيع الأدوار والإتصالات، بحيث يتولى الرئيس الحريري حلّ مشكلة التمثيل الدرزي مقابل ان يتولى رئيس الجمهورية حل مشكلة تمثيل القوات اللبنانية.
وبحسب هذه الاجواء فإنه متى حصل لقاء الحريري – باسيل ستتوضّح الصورة. فإن نجح الحريري بحل العقدة الدرزية يمكن الانتقال الى البحث في توزيع الحقائب وفق التصنيف المثلّث الذي جرى التفاهم بشأنه وتوزيعها بين الحقائب السيادية والأساسية والعادية فوزراء الدولة.
وكان زوّار رئيس الجمهورية قد كشفوا لـ«الجمهورية» انّ الرئيس عون لا يرى انّ هناك مشكلة حول توزيعة الحقائب المسيحية. واذا نجح العاملون على خط مساعي التشكيل الى معالجة عقدتي التمثيل الدرزي وما يسمّى بتمثيل «سنّة 8 آذار»، فهو يتعهّد بحل ما يسمّى بمشكلة حقائب القوات اللبنانية.