ككل عطلة عيد، يغرق البلد بالتمنيات، وتُعلّق الآمال على انّ ما بعدها سيحمل انفراجاً ينقل البلد من ضفّة الى ضفّة، ويغلّب منطق تسهيل تأليف الحكومة على منطق تعطيلها، الذي أطاح حتى الآن ثلاثة اشهر من المراوحة في مدار السلبية والأبواب المغلقة.
عشيّة كل عطلة، وكما هو الحال مع عطلة عيد الاضحى، التي يبدو انها أطاحت ما تبقى من ايام شهر آب، تتبارى المستويات في إطلاق وعود جديدة، توحي وكأنّها ستنتشل حبة الرمل الحكومية الضائعة في الصحراء السياسية الغارقة في رمال الكيدية، ومزنّرة بصواعق الأحجام والشروط ومطالب التعجيز والاستئثار.
«شهر ايلول طرفه بالحكومة مبلول»؛ وعد جديد أطلق في الساعات الماضية من قبل مستويات سياسية معنية بمطبخ التأليف، مفترضة ان مرحلة ما بعد عيد الاضحى ستحمل حتماً تغييراً في مقاربة ملف التأليف، بعدما اصطدمت الاطراف السياسية جميعها بالحائط المسدود، وبعجزها على بناء مساحات مشتركة في ما بينها، وكذلك بعجزها على فرض منطقها وإرادتها على بعضها البعض.
وبالتأكيد اذا ما صدق هذا الوعد ووجد طريقه ليفرض أمراً واقعاً جديداً يشهد انطلاقة حكومية على ارض توافقية، فهذا معناه انّ القوى السياسية بدأت تشعر، ولو متأخرة، بأنّه آن الأوان للكفّ عن لعبة تضييع الوقت من عمر البلد، الّا انّ هذا الوعد، وفي ظل الذهنية الآسرة لملف التأليف، شأنه شأن سلسلة الوعود التي سبقته في مراحل عديدة، وخصوصاً تلك التي تلاحقت منذ تكليف الرئيس سعد الحريري تشكيل الحكومة في أيار الماضي، وحتى اليوم، ثبت أنّها مفتقدة للأساس المتين الذي يمنحها قدرة التطبيق وإقران القول بالفعل.
والواضح انّ هذا الوعد، هو أقرب الى التمني، من الوعد الجدي. ذلك أنّ صورة التأليف جامدة حالياً عند توقّف عجلة الإتصالات في ايّ اتجاه، والأفق مسدود بالكامل، يؤكده إقرار المستويات السياسية على اختلافها بأنّ التأليف لم يعد في نقطة الصفر، بل تراجع الى ما دونها، ولم يصل حتى الى المربّع الاول، اي مربّع بدء التفكير ببناء الهيكل الحكومي.
عون: لا للمراوحة
هذه الصورة تراها بعبدا في منتهى السلبية، وينقل عن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون تأكيده المتكرر في ما مفاده انه من غير المقبول استمرار هذه المراوحة القاتلة، وبقاء الوضع على ما هو عليه، لأنّ من شأن ذلك أن يفتح الباب على تداعيات قد لا يملك البلد قدرة احتوائها، فضلاً عن تأثيراتها المسيئة للعهد، وفرملة اندفاعته نحو الاصلاح المنشود او تقييدها، ووضع البلد على سكة الخروج من الازمات التي تعصف به.
الحريري: لحكومة قريباً
موقف رئيس الجمهورية هذا، يتقاطع مع ما يعبّر عنه الرئيس المكلف من حماسة لانتشال حكومته من قلب التعقيدات المانعة لها. وعلى ما ينقل مقربون فإنّ الحريري مُدرك لحجم الآثار السلبية التي تترتب على تأخير الحكومة، وما زال يراهن على إمكانية تحقيق الاختراق المطلوب في حائط التأليف في أقرب وقت ممكن، وتشكيل حكومة التصدي للملفات والتحديات التي تواجه البلد.
وبحسب هؤلاء، فإنّ الحريري يخالف الجو السائد بأنّ أفق التأليف مقفل بالكامل، خصوصاً أنّه قطع اشواطاً مهمة على طريق توليد حكومته، ومحركاته تعمل بروية وهدوء لبلوغ الغاية المرجوة، فهناك أمور كثيرة قد أنجزت وتمّ التوافق حولها، وتبقى بعض التفاصيل التي ما زالت تحتاج الى بعض الجهد. ومن هنا فهو يعوّل على نتائج الاتصالات التي سيجريها، بعد العطلة، لعلّه يتمكن من إكمال بناء «البازل الحكومي»، الّا انّ الشرط الأساس يبقى في تجاوب الاطراف السياسية مع مسعاه.
وتبعاً لذلك، أمل الحريري «في ان تتكلل الجهود والمساعي المبذولة لتشكيل حكومة جديدة بالنجاح في أقرب فرصة ممكنة، فتعبّر عن تطلعات اللبنانيين وتحقق أمانيهم بانطلاق عجلة الدولة والنهوض بالوطن نحو الأفضل».
وتوجّه الحريري بالتهاني إلى اللبنانيين عموماً والعرب والمسلمين خصوصا ًبحلول عيد الأضحى المبارك، «سائلاً الله سبحانه وتعالى أن يعيده على الجميع بالخير والأمن والأمان، وقد انحسرت غمامة الحروب والأزمات الحادة التي تشهدها العديد من الدول العربية الشقيقة».
بري: الوقت يضيع
وبين موقفي الرئيسين عون والحريري، تبرز الدعوة المتكررة لرئيس مجلس النواب نبيه بري الى «إخراج البلد من حالة الضياع السياسي، الذي يضيّع الحكومة ويبقي السلطة التنفيذية مستقيلة من واجباتها في إنعاش لبنان سياسياً واقتصادياً ومعيشياً، وهو أمر يزيد استمراره من تعرّض البلد لمخاطر على كل المستويات».
وإذ يعبّر بري أمام زواره عن «انّ كل دقيقة تمر من دون حكومة، تزيد من الكلفة والعبء على الناس»، وينقل عنه قوله انه ما زال يأمل في بروز إيجابيات جدية تحلّ العقد وتولد حكومة تضع حداً لحال الشلل الذي يعاني منه البلد على كل المستويات».
يشار الى انّ بري سيتناول الموضوع الحكومي في خطابه الذي يلقيه في الاحتفال الذي تقيمه حركة «أمل» في بعلبك إحياء لذكرى تغييب الامام موسى الصدر، من زاوية الحَثّ على إتمام هذا الاستحقاق وضرورته، وعدم القبول بتضييع المزيد من الوقت وصرفه من دون طائل. وهو كان قد مهّد لذلك بتأكيده في احتفال كشّافة الرسالة على رفض «سياسة حرق الوقت وترك البلد من دون مسؤولية، ولا سلطة تنفيذية».
تصلّب
وفي محاذاة الاجواء الرئاسية، يستمر دوران العقدة الدرزية في مدار التصلب الجنبلاطي حيال التمسّك بكامل الحصة للحزب التقدمي الاشتراكي، من دون بروز إمكانية حلحلة لها بين الحزب الاشتراكي والتيار الوطني الحر وفريق رئيس الجمهورية. وكذلك الامر بالنسبة الى عقدة تمثيل «القوات اللبنانية» المُستحكمة بينها وبين التيار، وهو الامر الذي عاد رئيس حزب «القوات» سمير جعجع الى ترسيم حدود الموقف النهائي حياله، وأعلن أمس: «سنحصل على حصّة وازنة في الحكومة، وستكون لنا إمكانيّة أكبر للتأثير في مجريات الأحداث بالرغم من أن «تنّين الشرّ» سيقاوم حتى آخر رمق، وسيحاول منع الحملة التي نقوم بها من أجل تبييض صورة لبنان».
قراءة تشاؤمية
هذه الأجواء، تلخّصها قراءة سياسية «حيادية»، ألقت على مسار التأليف ظلالاً تشاؤمية، اعتبرت انّ «التأليف محبوس في لعبة «قلوب مليانة»، بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، وبين التيار والحزب الاشتراكي، وبعلاقة أصبحت غير مستقرة بين بعبدا وبيت الوسط. وبغموض يشوب موقف «حزب الله» وموقعه من هذه المسألة، وإن كان هناك من يتهم الحزب بأنه يتخفّى خلف موقف التيار ورئيس الجمهورية.
وبحسب هذه القراءة، فإنّ هذه الاطراف المتصادمة تتسلّح بنتائج الانتخابات النيابية باعتبارها وَفّرت لكل طرف ثقلاً تمثيلياً في مجلس النواب يريد ان يصرفه في الحكومة بالحصص والحقائب التي يريدها، وكل هذه الاطراف تقطع الطريق على بعضها البعض وتتسلح بمقولة واحدة مفادها: «لن نسمح أبداً بإطاحة موازين القوى التي أفرزتها الانتخابات، والتي يجب ان تترجم في الحكومة مهما طال الزمن».
في ظل «لعبة التشاطر» هذه، تضيف القراءة التشاؤمية، تُمارِس أطراف التأليف لعبة حافة الهاوية، وتتحيّن الفرصة للالتفاف على بعضها البعض بشروط ومطالب وعقد غير قابلة للحل، وهذا معناه انّ الطريق الى حكومة شراكة محفّر وغير سالك ابداً، وبالتالي لا إمكانية لولادة حكومة متوازنة، كما لا إمكانية لولادة حكومة من طرف واحد، ولا لحكومة أكثرية، خصوصاً انّ لمثل هذه الحكومات عدة محاذير ومخاطر قد تدفع البلد الى مجهول أخطر.
وبحسب هذه القراءة فإنّ الخلاف ليس فقط على الحقائب والاحجام او على توازنات الحكومة، بل هو ايضاً على أجندة هذه الحكومة في المرحلة المقبلة والسياسة التي ستنتهجها، خصوصاً انّ هذه الاجندة قد تكون متخمة بعناوين وملفات محلية وإقليمية حساسة، ليست محل اتفاق حولها بين القوى السياسية بل هي على طرفي نقيض منها، ولا جهوزية لأيّ طرف في ان يماشي الطرف الآخر او يسير وفق توجّهه او يشاركه نظرته الى تلك الملفات.
ولذلك كل هذه الاطراف تشد الحبل في اتجاهها وتسعى لبناء جدران حماية حولها، وتمارس في الوقت نفسه «لعبة انتظار» وضوح الصورة من حول لبنان لتبني على الشيء مقتضاه، ولكن من قال انّ لعبة الانتظار هذه هي لمصلحة هذا الطرف او ذاك؟
وتخلص القراءة التشاؤمية الى انه في ظل نظرتين متناقضتين وتوجّهين متضاربين، فإنّ تأليف الحكومة سيبقى معطلاً الى أمد بعيد، وعلى وجه التحديد الى حين ان تسلّم كل الاطراف بحالة الاستعصاء، وتقرر المشاركة في إحداث نقلة نوعية في مقاربة ملف التأليف، والتفكير بوسيلة اختراق جدي في جداره من خارج المتداول بين أيدي الاطراف المتصارعة حالياً».
باسيل ولافروف
من جهة ثانية، اكد لبنان وروسيا تطابق وجهتي نظرهما في ما يتعلق بعودة النازحين. جرى التأكيد على ذلك، خلال زيارة وزير الخارجية جبران باسيل الى موسكو أمس، ولقائه نظيره الروسي سيرغي لافروف.
وفي مؤتمر صحافي مشترك بين الوزيرين عقب محادثاتهما، أعلن لافروف «انّ روسيا تعارض التدخل الأجنبي في شؤون لبنان الداخلية، وانها تنظر إلى استقرار لبنان كأساس للتوازن في المنطقة، مشدداً على ضرورة ألّا يصبح لبنان رهينة للتدخل الخارجي ومشكلة اللاجئين السوريين. مشيراً الى انه بحث مع باسيل في مسائل متعلقة بفرَص عودة النازحين إلى بلدهم وكيفية العمل معاً لتحقيق هذا الهدف.
بدوره، قال باسيل: «انّ المبادرة الروسية هي أول مبادرة دولية لعودة النازحين، ولذلك لبنان يؤيّدها بالكامل. مشدداً على أنّ لبنان مع العودة السريعة والآمنة للنازحين السوريين من دون اي ربط بين العودة والحل السياسي. واضاف: تحدثنا عن فتح تواصل مباشر بين الخارجية اللبنانية والخارجية الروسية ومؤسسات البلدين لتحويل المبادرة الروسية الى الناحية التنفيذية، والتي شكّلت الغطاء السياسي والمعنوي للتشجيع على العودة».
وأكد باسيل أهمية ان يكون لبنان منصة لإعادة إعمار سوريا، لافتاً الى أنّ التعاون الاستراتيجي بين لبنان وروسيا ضروري لهذه الغاية.