بات القاسم المشترك بين القوى السياسية هو استعجال القانون الانتخابي، الّا انّ ذلك لم يقترن حتى الآن بترجمة جدية لهذا الاستعجال يمكن البناء عليها لتوقع ولادة قانون انتخابي جديد في المدى المنظور. وفي هذا المناخ تدور عجلة الاتصالات بوتيرة سريعة ولكن بلا نتائج ملموسة حتى الآن، إنما لا ينفي ذلك احتمال ظهور الضوء الانتخابي في ايّ لحظة، بالنظر الى عامل الوقت الذي يزداد ضغطه، واكثر من ذلك الى تَهيّب من الدخول في المحظور الذي يضع لبنان في مهبّ الاحتمالات. واذا كان خطاب الامين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله أمس، قد قارب الانقسام الانتخابي بدعوة متجددة الى الحوار واستنفاد كل المهل الزمنية توصّلاً الى قانون، فإنه أشار في المقابل الى تطور على الحدود اللبنانية ـ السورية تَمثّل في ما يشبه إعلان نهاية معركة الجرود من الجهة اللبنانية، وسحب عناصره منها، بما قد يفتح الطريق لعودة النازحين السوريين اليها، وترحيل مسلحي «النصرة» و«داعش» كمقدمة لإنهاء ملف عرسال وجرودها.
في هذه الاجواء، تلقّى رئيس الحكومة سعد الحريري دعوة من السعودية للمشاركة في القمة العربية – الاسلامية – الاميركية المزمع عقدها في المملكة في 21 ايار الجاري، نقلها اليه القائم بأعمال السفارة السعودية وليد البخاري باسم الملك سلمان بن عبد العزيز.
وبمعزل عن هذه القمة التي حدّد البخاري هدفها «بالعمل على تأسيس شراكة جديدة لمواجهة التطرف والارهاب، وتأسيس وتعزيز قيم التسامح والقيم المشتركة للعيش الافضل لمستقبل أجيالنا في المنطقة العربية»، الّا انّ طريقة توجيه الدعوة للمشاركة، وإن كانت في الشكل تُعدّ لفتة ايجابية تجاه لبنان، ولكن في المقابل، شابتها ما وصفها مراقبون التباسات وما هو اكبر من خطأ او خلل ديبلوماسي وبروتوكولي فادح ومستهجن من العديد من المراجع الرسمية والسياسية، خصوصاً انّ القمة ستعقد على مستوى الرؤساء والملوك، والبديهي في مستوى التمثيل هذا، أن توجّه الى رئيس لبنان وليس الى اي مسؤول لبناني آخر.
وبالتالي، فإنّ رئاسة الجمهورية هي الباب الذي يجب ان تعبر منه الدعوة لمشاركة لبنان، ولرئيس الجمهورية ان يقرّر إن كان سيشارك شخصياً او يُنيب عنه مسؤولاً آخر في الدولة اللبنانية.
وبحسب المراقبين، انه اذا كان مردّ هذا الخطأ الى انّ القمة هي اسلامية، فهذا الامر تَنفيه القمم الاسلامية السابقة، والتي كان رئيس الجمهورية المسيحي للبنان، في مقدمة المشاركين فيها، وأكثر من ذلك، كانت مشاركته محلّ ترحيب وتمايز إيجابي.
وفي وقت أثارت الدعوة تساؤلات حول طريقة توجيهها، وحرّكت الديبلوماسية اللبنانية لمحاولة الوقوف على إجابات وتوضيحات حول هذه الخطوة
وأبعادها، لم يستبعد ان تشهد الفترة الفاصلة من الآن وحتى موعد القمة تصحيحاً لهذا الخطأ، عبر توجيه دعوة الى رئيس الجمهورية.
وهو أمر اعتبره المراقبون انه لا يقلّل من حجم الخطأ الذي وقع، الّا اذا كانت الدعوة شخصية الى الحريري، من دون غيره من المسؤولين اللبنانيين، فهنا الأمر يختلف، ويتصل بالسؤال عن موقع لبنان في القمة ومشاركته فيها أو عدمها.
وفي انتظار ما قد يَستجدّ في هذا الموضوع، فإنّ المراقبين يرصدون موقف رئيس الحكومة من هذه الدعوة وكيفيه تعاطيه معها. وما اذا كان سيلبّي هذه الدعوة، في حال لم يتلقّ رئيس الجمهورية دعوة سعودية للمشاركة في القمة، ام انه سيقرر عدم المشاركة، ولكلتا الحالتين ارتداداتهما، في رأي المراقبين إذ إنّ قرار الحريري بالمشاركة قد يصطدم مع رئيس الجمهورية، وامّا عدم المشاركة فقد يؤدي الى إحراجات له مع «أهل القمة» والمشاركين فيها. وتجدر الاشارة هنا الى انّ معلومات ترددت عن انّ الحريري لم يردّ على الدعوة بعد، وانه بصدد التشاور حولها مع رئيس الجمهورية.
الملف الإنتخابي
إنتخابياً، يبدو انّ القوى السياسية قررت النأي بالملف الانتخابي عن الصخب الاعلامي، والدخول الى النقاش الجدي والهادىء في الغرف المغلقة، لعلّ هذه الطريقة تمكّن هذه القوى من التوافق على قانون جديد قبل نهاية ولاية المجلس النيابي في 20 حزيران المقبل.
واذا كان العنوان الاساس للنقاشات والاتصالات الجارية هو رفض التمديد، بالتوازي مع حديث جدي عن ضرورة فتح دورة استثنائية لمجلس النواب بعد 31 ايار الجاري تبقي المجلس في حال جهوزية لتلقّف أيّ صيغة توافقية وإقرارها ضمن المهلة المحددة.
ومع تأكيد تلك القوى على اختلافها على ضرورة الوصول الى قانون، وآخره ما أكّد عليه السيد نصرالله، في خطاب ذكرى اغتيال القيادي مصطفى بدر الدين بأنّ «هناك أملاً حقيقياً في الوصول الى قانون انتخاب جديد»، وشدد على الحوار، داعياً الى تهدئة الخطاب السياسي واستنفاد كل الفرص الزمنية للوصول الى قانون».
بري
في هذا الوقت، إلتقى رئيس مجلس النواب نبيه بري مع نصرالله في استعجال الوصول الى قانون، وقال أمام زوّاره: «على رغم التباين الحاصل لا نستطيع القول انّ الامور مقفلة والابواب «مسكّرة»، فقد تظهر إيجابيات في اي لحظة. لا اقول ذلك لأنني أملك معطى ما، لكن نحن في لبنان».
وإذ اشار بري الى مسار النقاشات العالق بين الايجابية والسلبية، لأنه يشهد صعوداً وهبوطاً وتوافقاً على امر أحياناً ثم اختلافاً عليه حيناً آخر، قال: «النقاشات تجري هكذا، وبالتالي يجب ان نخرج من هذه الحالة».
وختم بري: «حذّرت وما زلت أحذّر كل الفرقاء من المنحى الطائفي المدمّر والذي خبرنا كلنا نتائجه الوخيمة، ومع الأسف أقول إن استمرّينا على هذا المنحى فكيف ستكون هناك قيامة للبنان؟
إتصالات
وسجّل شريط الاتصالات الانتخابية اجتماعاً عُقد في وزارة الخارجية ضمّ الوزير جبران باسيل ونائب «القوات اللبنانية» جورج عدوان وانضمّ اليه النائب ابراهيم كنعان. وسبقه لقاء في السراي الحكومي بين الحريري وعدوان، بحضور مدير مكتب رئيس الحكومة نادر الحريري.
وعلمت «الجمهورية» انّ اجتماع الخارجية كان تنسيقياً حول الموضوع الانتخابي، وقد وضع عدوان كلّاً من باسيل وكنعان في جو اتصالاته مع الحريري ومع الوزير علي حسن خليل، مع الاشارة الى أنّ عدوان التقى مطوّلاً النائب وليد جنبلاط في كليمنصو.
وتحدث عدوان عن «إحراز تقدم في الساعات الثماني والاربعين الماضية، داعياً الى وقف التراشق الإعلامي والتحلّي بالتفاهم والهدوء، فيما اكد نادر الحريري انّ الأمور غير مقفلة، موضحاً انه لم يَنع الطرح التأهيلي بل «قلتُ بوضوح إنّ هناك أفرقاء في البلد يعارضونه».
ملف الكهرباء
وفي ملف الكهرباء، يبدو انّ الخلاف حوله يتفاقم أكثر فأكثر، وجديده ما أعلنه بري أمام زواره أمس: «كل واحد يشتغِل شِغلو، الامور ليست فالتة، وأي مسؤول ايّاً كان، ليس ربّ الكون». يأتي ذلك في وقت اوضح وزير الطاقة سيزار ابي خليل بعد اجتماع لجنة المال والموازنة حول هذا الملف أنه لن يتم تأمين الكهرباء خلال الصيف إلّا عبر خطة إنقاذية تتضمّن معامل جاهزة لا تتطلب وقتاً للبناء، أي المعامل العائمة.
واكدت مصادر وزارة الطاقة لـ«الجمهورية» انّ الاجتماع كان ايجابياً، كان هناك حشد نيابي وتميّز بوجود أشد المعارضين لخطة الكهرباء ولسياسة وزير الطاقة الذي قدّم شرحاً قانونياً وادارياً وتقنياً ومالياً، بَدّد المغالطات التي كانت لديهم وكانت النتيجة جيدة. كما شرح قانونياً وادارياً وتقنياً ومالياً وضع خطة الكهرباء».
الجميّل
الّا انّ رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل قال لـ«الجمهورية» انّ وزير الطاقة «لم يأت بجديد الى اللجنة، بل كرّر تبريرات اعلامية وتلطّى بقرار الحكومة حول خطة الكهرباء. لم يجب عن الاسئلة والاستيضاحات المتعلقة بالاتفاق المسبق مع الشركة المؤجّرة للبواخر ولا عن الجدوى الاقتصادية لاستئجارها ولا عن مبررات الكلفة المرتفعة للايجار بالمقارنة مع دول أخرى».
واعتبر الجميّل انّ نقاشات لجنة المال «لم توفّر الدعم النيابي للخطة كما أقرّتها الحكومة، وانّ الحزب سيستمر بمعارضته بالاستناد الى معطيات علمية ووثائق لم يجب الوزير على أيّ منها، وسيمضي قُدماً في بذل كل الجهود الممكنة لإسقاط هذه الصفقة وتصحيح الاسلوب الحكومي المعتمد لإصلاح قطاع الكهرباء الذي يَستنزف الخزينة منذ عشرات السنوات».