تتواصل الجعجعة في قانون الانتخاب على كل المستويات ولكن لا طحين حتى الآن، فيما بدأت تتلبّد في الأجواء السياسية سحب سود تتحول رمادية أحياناً بفعل موقف ايجابي من هنا وآخر من هناك. ولكنّ الواضح بعد سحب اقتراح رئيس مجلس النواب نبيه بري المزدوج لقانون الانتخاب ومجلس الشيوخ انّ الامور عادت الى المربّع الاول، في ظل تَهيّب الجميع وخوفهم من الدخول في نزاع سياسي عنيف يعيد خلط الاوراق. لكن بين القوى السياسية من لا يزال يراهن على خرق في لحظة ما يمكن ان يعيد الجميع الى طاولة البحث الجدي عن قانون انتخاب يُنقذ الاستحقاق النيابي والبلاد من خطر الفراغ الذي لا تحمد عقباه.
بعد تحديد رئيس مجلس النواب نبيه بري 29 أيار الجاري موعداً جديداً لجلسة التمديد النيابي، وبعد تهاوي المهل الدستورية تباعاً، لم ترتفع سحب الدخان الابيض في السماء الانتخابية بعد، وظل القانون العتيد الشغل الشاغل للجميع وقد تواصلت في شأنه الاتصالات واللقاءات، في محاولة لإيجاد المخرج الملائم قبل استنفاد المهل.
وسط هذا المشهد، عَمّ التفاؤل أرجاء قصر بعبدا بالوصول الى حلول قريبة على رغم التجاذبات. فيما اعتصمت عين التينة بالصمت مجدداً بعد إعلانها سحب اقتراح رئيس مجلس النواب حول قانون الانتخاب ومجلس الشيوخ، من دون ان تقفل باب الانفتاح على البحث مع الافرقاء السياسيين في اي افكار جديدة تطرح في شأن قانون الانتخاب. امّا الرابية فأكدت انّ الطرح التأهيلي «قائم حتى إيجاد بديل».
وشهدت معراب تنسيقاً ثنائياً مسيحياً، فيما شهدت كليمنصو لقاء اشتراكياً ـ «قواتياً»، في وقت هاجم حزب الكتائب الطبقة السياسية داعياً إلى التصويت على قانون انتخاب، وإجراء الانتخابات بدل تضييع الوقت.
«التكتل»
وفيما غاب ملف قانون الانتخاب عن بيان كتلة «المستقبل» النيابية بعد اجتماعها أمس برئاسة الرئيس فؤاد السنيورة، أكد رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل «اننا لا نريد قانون العد بل نريد قانوناً يكون المعيار فيه هو الخصوصيات والديموقراطية التوافقية، وإلّا فلتكن المواطنة الكاملة»، مُبدياً أسفه لما قيل عن إسقاط طرح مجلس الشيوخ، وشدّد على «انّ طرح التأهيلي قائم حتى إيجاد البديل». واعتبر أنّ «هناك خللاً في تمثيل المسيحيين في النظام»، مطالباً بتصحيحه، وقال: «هذا اسمه ميثاقية وليس طائفية».
الأجواء المشحونة
وقال عضو «التكتل» النائب آلان عون لـ«الجمهورية»: «دخلنا في سكون إنتخابي بعدما سقط اقتراح مجلس الشيوخ الذي سُحب من التداول على رغم أنه كان فرصة واعدة ونوعية لإنقاذ الوضع، وإجراء إصلاح حقيقي للنظام السياسي». وللأسف، إنّ الرجوع عن هذا الطرح أعادنا الى المربّع الأول من النقاشات. وما سيجري منذ الآن حتى ١٩ حزيران، هو عملية «عضّ أصابع» وسَير تدريجي نحو الهاوية، إلّا إذا حصلت صدمة إيجابية توقِظنا من هذا السبات».
وأضاف عون: «في كل الحالات، يجب أن لا يذهب قانون الإنتخاب ضحيّة التجاذبات السياسية في ملفّات أخرى كما يحصل الآن. وطالما انّ الأجواء مشحونة بهذا الشكل، فهناك استحالة للوصول الى اتفاق، وستمرّ الأيام تباعاً حتى الوصول الى المحظور». وختم: «قانون الانتخاب ليس ملك أحد، بل هو بمثابة عقد وطني بيننا كلبنانيين وبمقدار ما يحقّق شراكة حقيقية بين المكوّنات اللبنانية، بمقدار ما يؤمّن انصهاراً وطنياً حقيقياً وليس فقط بالشعارات والأقاويل».
«الفول والمكيول»
من جهتها، قالت مصادر «القوات اللبنانية» لـ«الجمهورية» إنها «لن تستسلم للصعوبات الموجودة، لأنّ أسهل خيار هو التخلّي عن المسؤولية وترك الأمور تنزلق نحو الأسوأ، فيما مساحات التوافق ممكنة ومتاحة خلافاً للأجواء السائدة، بل انّ الأمور باتت أقرب ممّا يتصوره البعض، ولكن لا يمكن القول «فول قبل ما يصير بالمكيول».
واشارت الى انه «على رغم التكتّم الذي تحرص عليه حرصاً على إنجاح المساعي التي يبذلها النائب جورج عدوان، إلّا انها تؤكد انّ البلد أمام مسارين: مسار الفشل الذي يدفع لبنان نحو الفوضى، ومسار النجاح الذي يُفضي الى انفراج سياسي ويؤدي الى مزيد من تحصين الاستقرار».
وأضافت: «انّ هناك ما يكفي من الوعي السياسي لحَضّ كل القوى السياسية على دفع الأمور باتجاه إقرار القانون الذي يصحّح الغبن المتمادي ويكرّس العدالة والمساواة تطبيقاً لاتفاق الطائف». ورأت «انّ إنجاز قانون الانتخاب يشكل إنجازاً وطنياً وسيكون على رئاسة الجمهورية صناعة وطنية للمرة الأولى منذ اتفاق الطائف».
واعتبرت «انّ رَمي المسؤوليات لا يفيد في هذه المرحلة، فيما الأساس هو المساهمة في الورشة الانتخابية من اجل الوصول إلى القانون العتيد». وكشفت «انّ اللقاءات البعيدة عن الاضواء اكثر من ان تعدّ وتحصى من اجل بلوغ الهدف المنشود».
دعم جوّي للجيش
وفي هذه الاجواء، برزت أمس رسالة دعم أميركية للجيش، تشدد على فصل المسار الأمني عن التأزم السياسي، وتمثّلت بزيارة قائد القوات الجوية في القيادة الوسطى الأميركية اليوتنان جنرال جيسري هاريجيان على رأس وفد لقائد الجيش العماد جوزف عون، حيث تمّ البحث في تعزيز العلاقات بين جيشي البلدين.
وفي هذا السياق، كشف مصدر عسكري رفيع لـ«الجمهورية» أنّ «هاريجيان الذي يزور لبنان دوماً، أكّد لعون استمرار الدعم الأميركي للجيش، وطمأن الى أنّ طائرات «السوبر توكانو» ستسلّم للبنان في الوقت المتّفق عليه، على أن تدعمه واشنطن بالطائرات المروحية كلما سمحت الفرصة، وهذا الدعم لن يتوقف أبداً».
وشدّد هاريجيان على «أنّ مسألة فتح لبنان حرباً لتنظيف الجرود من «داعش» وأخواتها مسألة لبنانية، وعندما يقرّر الجيش فتح مثل هكذا معركة فإنّ واشنطن ستمدّه بالسلاح المطلوب، كذلك اعتبر أنّ انتشار الجيش على الحدود الشرقية هو مسألة لبنانية بحتة، وأمر يتعلّق بتكتيك الجيش وأهدافه الاستراتيجية».
ومن جهة ثانية، لفت المصدر الى أنّ «الأميركيين يستعملون مطار رياق لمصلحتنا وليس لمصلحتهم، والطائرات المحمّلة بالذخيرة ستظل تهبط فيه، وهذا موضوع غير قابل للمزايدة».
العقوبات الأميركية
وفي ما يتعلق بالعقوبات الأميركية، توجّه وفد نيابي الى واشنطن يضمّ النائبين ياسين جابر ومحمد قباني والمستشار الاعلامي لرئيس مجلس النواب علي حمدان وسفير لبنان في واشنطن انطوان شديد، في زيارة تستمر اسبوعاً، وعلى جدول أعمال الوفد مواعيد مع شخصيات من الكونغرس ومجلسي الشيوخ والنواب والادارة الاميركية.
واذا كان محور الزيارة هو عقوبات اميركية مصرفية على شخصيات لبنانية، فإنّ مصادر الوفد قالت لـ«الجمهورية» انّ الزيارة تأتي استكمالاً للمهمة التي بدأها الوفد النيابي العام الماضي للبحث في سبل تعزيز العلاقة اللبنانية ـ الاميركية خصوصاً بعدما أنجز لبنان التشريعات المالية اللازمة التي يمكن القول إنه أصبح فيها مطابقاً للمعايير الدولية المصرفية والمالية.
وسيطلب الوفد عدم اتخاذ تدابير تصعيدية لجهة العقوبات، خصوصاً انّ لبنان يتمتع بمساعدات كبيرة من الحكومة الاميركية للقوات المسلحة وعلى رأسها الجيش اللبناني.
واذا كانت الولايات المتحدة ـ بحسب المصادرـ تُبدي حرصاً دائماً على الأمن والاستقرار في لبنان فإنه في مقابل هذا الحرص يجب الّا يكون هناك منحى آخر معاكساً، وهذا ما سيبلّغه الوفد الى الأميركيين. وأوضحت انّ هذه الزيارة هي الثانية على التوالي بتكليف من رئيس مجلس النواب، وتهدف الى تشكيل نواة للجنة صداقة نيابية لبنانية ـ أميركية.