IMLebanon

الجمهورية: الحكومة تنجو بالتأجيل من ثلث التعطيل… ولبنان يتمسَّك بالرعاية الأممية للترسيم

 

فيما فشلت مهمة الوسيط الاميركي ديفيد ساترفيلد الهادفة الى إطلاق مفاوضات لبنانية ـ اسرائيلية برعاية أممية لترسيم الحدود البرية والبحرية، نجا لبنان أمس من قطوع سياسي خطير يضاهي خطورة ما جرى في الجبل قبل أيام ولم تنتهِ ذيوله فصولاً بعد. وتمثّل هذا القطوع بالإشارة السلبية التي وجّهها «التيار الوطني الحر» عبر اجتماع لوزرائه، تزامن مع توافد الوزراء الى السراي الحكومي لحضور جلسة مجلس الوزراء قبل تأجيلها. وقد قرأ البعض في خطوة «التيار» هذه تلويحاً باستخدام ورقة «الثلث المعطل» لتطيير الحكومة أو لتعطيلها، الامر الذي تلقّاه رئيس الحكومة سعد الحريري بسلبية، قبل ان تستدرك الاتصالات، التي جرت على مستويات عدّة الأزمة، وتنتهي بتأجيل جلسة مجلس الوزراء الى غد الخميس، على ان تنعقد في القصر الجمهوري لدرس ذيول ما حصل، ويُفترض ان تسبقها مشاورات حثيثة لتهدئة الاوضاع سياسياً، خصوصاً بعدما بدأت أمنياً تطرق أبواب المعالجة. وفي هذا الوقت، يُنتظر أن ينعقد اليوم لقاء بين رئيس الحكومة سعد الحريري ورئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط في عين التينة برعاية رئيس مجلس النواب نبيه بري وحضوره، والذي أكّدت اوساطه «انّ الضرورات الداخلية على كل المستويات تحتّم الهدوء السياسي وعدم التوتير».

 

أجمعت الأوساط السياسية المختلفة، على أنّ الحريري حسناً فعل بإرجاء جلسة مجلس الوزراء أمس، فلو انعقدت لكان عرّض الحكومة للسقوط، إما بسبب استقالة أكثريتها، وإما بسبب إقدامه هو على تقديم الاستقالة ردًّا على تحدّيه في عقر صلاحياته.

وقد عكس الحريري هذا الواقع الحكومي تلميحاً من دون تصريح، حين قال «أنا من يتحدّى ولا أحد يستطيع أن يتحدّاني ومن يضع «فيتو» أضع عليه «فيتوين».

وقالت مصادر وزارية، «إن جو الوزراء كان مضطربًا ومشحونًا الى درجة كان يصعب السيطرة على المواقف المتصلبة. وتأكيدًا لذلك، حاول رئيس الحكومة قبيل اتخاذ قرار بتأجيل الجلسة جسّ النبض لعقد اجتماع بين الوزراء أكرم شهيب ووائل أبو فاعور وصالح الغريب، لكن مساعيه لم تتكلّل بالنجاح».

ولم يخفِ الحريري استياءه الشديد من ترؤس الوزير جبران باسيل اجتماعاً لوزرائه (ثلث الحكومة) في الوقت نفسه الذي كان يُفترض أن تبدأ فيه جلسة مجلس الوزراء في السراي الحكومي. واعتبرت مصادر وزارية «أنّ باسيل توخّى من هذا الاجتماع توجيه رسالة إلى المعنيين داخليًّا وخارجيًّا مفادها، أنّ مصير الحكومة هو في يده ويد حلفائه، الأمر الذي يُضعف التسوية الرئاسية وهيبة رئيس الحكومة المترنحة منذ مدة».

وفي هذا السياق، تبلّغت المراجع الحكومية العليا «أنّ باسيل عازم على تسجيل موقف من الوضع الحكومي، في حال استمر توجيه الاتهام إليه بتدبير فتنة في الجبل وتحميله مسؤولية الأحداث».

وذكرت مصادر سياسية مطلعة، أنّ اتصالاً حصل بين رئيسي الجمهورية والحكومة قبيل تأجيل جلسة مجلس الوزراء، وإتُفِقَ خلاله على إطلاق يد المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم لإيجاد مخرج يتمحور حول ترتيب تسليم مطلقي النار من جميع الأطراف التي تورطت في حوادث قبرشمون والبساتين. وفي هذا الإطار، أبدى الجانب الجنبلاطي تجاوبًا مع مساعي إبراهيم، فيما اعتبر الأمير طلال إرسلان أن ليس لديه مطلقي نار وأنّ الضحايا هي من صفوف حزبه وليسوا من صفوف «الحزب التقدمي الاشتراكي».

ولفتت مصادر مطلعة، الى أنّ الاتصالات أظهرت أمرين أساسيين: الأول، عدم وجود اتجاه، على الأقل حاليًّا، لتحويل القضية إلى المجلس العدلي، لأنّ هناك أطرافًا سياسية ترفض الرضوخ للمزايدات لكي لا تكون سابقة، ولأنّ التحقيقات القضائية الجارية تسير جيداً وسريعاً، ما ينفي ضرورة اللجوء إلى المجلس العدلي. وقد تبلّغ الحريري مواقف أطراف أساسية في البلاد ترفض الخضوع لمطالب أرسلان ومَن يقف وراءه.

اما الامر الثاني، فهو انتفاء الإقتناع لدى السلطات القضائية والأمنية بأنّ ما جرى كان محاولة مدبّرة لاغتيال الوزير الغريب، وبالتالي، إنّ مسؤولية الأحداث تقع على عاتق الفريقين. وقد تعزّز هذا الاقتناع مع تقديم «الحزب التقدمي الاشتراكي» شكوى في حق الغريب وإبراز وثائقي يكشف أنّ مرافقيه كانوا البادئين بافتعال الإشكال الأمني.

 

غسل قلوب

وفي الاجتماع الذي حصل في دار الطائفة الدرزية بين الحريري وجنبلاط، جرت عملية غسل القلوب ووعدٌ بإحياء العلاقة بين الرجلين على أسس واضحة. لكن هذا لم يمنع جنبلاط من البوح للحريري بما يشعر حيال وجود «مشروع واضح لا لعزله فقط بل لتخطيه». ويعتبر «أنّ هذا المشروع ليس وليد البارحة وليس وليد قرار داخلي بل خارجي لكن بأدوات محلية». وأكّد جنبلاط أنّه «لا يريد الشر لكنه لن يسمح لهذا المشروع أن يمرّ». واتفق الرجلان على متابعة اللقاءات الثنائية قريبًا.

 

عون

وكان رئيس الجمهورية قد الغى امس معظم مواعيده، متفرّغاً لمعالجة ذيول احداث عاليه والشحار الغربي، وتنفيذ القرارات التي اتخذها اجتماع المجلس الأعلى للدفاع اول من امس.

وقال عون أمام زواره أمس، ان «لا عودة بالوضع في الجبل الى الوراء، وخصوصاً الى ما كان عليه ابّان أحداث العقدين الأخيرين من القرن الماضي. فكل ما يمكن تأكيده أنّ تلك الصفحة قد طُويت الى غير رجعة والمحطات التي تلتها كانت تاريخية ومهمة ولا يجوز التفريط بما كرّسته من تفاهمات ومصالحات». وأضاف: «انّ وحدة الجبل ليست مسؤولية طرف واحد، وهي مهمة جميع ابنائه بلا استثناء، وجميعهم لهم الحق والحرية التامة والكاملة في التعبير عن حرّية المعتقد والحرص على حق الاختلاف، ولهم الحرية الكاملة في الرأي والتعبير عن الرأي بإقرار الجميع». ولفت الى «انّ الترتيبات التي اتُخذت ستكون فعّالة، وما يُنفذ من إجراءات سيثبت ذلك، وعلى من يحاول لعب دور الطابور الخامس والاصطياد في الماء العكر للمس بأمن ابناء المنطقة والتأثير على العيش المشترك الواحد في الجبل لن يتمكن من ذلك، وبالتأكيد سيفشل. وانّ من يتحدث عن مشاريع الفتنة او السعي اليها في السر او العلن سنكون له جميعاً بالمرصاد وبالقوة حيث يجب، ولاسيما من موقعي كرئيس للجمهورية المؤتمن على الدستور ومصالح اللبنانيين، ومن أقسم اليمين الدستورية لممارسة مهماته وصلاحياته».

واكّد عون، انّه «طالما انّ الجميع اعلنوا انهم سيحتكمون الى القضاء، فعليهم إقران القول بالفعل، وليتركوا للقضاء ان يقوم بدوره كاملاً استناداً الى ضرورة حماية الوفاق الوطني، وهو امر لا يستقيم ما لم يُبدأ بتسليم المتورطين والمشتبه فيهم في كل ما حصل والتحقيق معهم. لأنه وبهذه الطريقة وحدها يمكن تحديد المسؤوليات».

وبعدما تبلّغ عون نتائج التحقيقات التي اجراها القاضي قبلان، اعتبر «انّ الكلام التحريضي الذي يصدر عن البعض مرفوض ومدان. وهو صادر عن مجموعة من المتضررين من وحدة الجبل والساعين للإساءة الى الوحدة الوطنية». واكّد انّ هذه الكلام «لن يكون له أي صدى عند الشعب اللبناني، وانّ كل موقف للتهدئة وكل صوت عقلاني هو الصحيح والمطلوب في الوقت الحاضر، كما في كل أزمة او انتكاسة. وانّ كل كلام تحريضي ليس خطأ انما خطيئة يرتكبها مطلقوها بحق لبنان واللبنانيين». وشدّد على «انّ الاجراءات الرادعة المُتخذة ستفوّت الفرص على جميع الساعين الى ضرب الاستقرار وزعزعة السلم الاهلي».

في هذه الأجواء علمت «الجمهورية»، انّ عون تلقّى امس سلسلة من التقارير من مختلف الاجهزة الأمنية المعنية، في الإطار الذي رُسم اول من امس في المجلس الأعلى للدفاع، على خلفية المعالجة من الزوايا الثلاث، بالتزامن في ما بينها دفعة واحدة وهي: الأمن والقضاء والسياسة.

وتبلّغ عون كل الاجراءات التي اتخذها الجيش اللبناني وقوى الامن الداخلي والأمن العام والاجهزة الامنية في منطقة الحادث، وامتداداتها من عاليه والشحار الغربي الى ساحل بعبدا والشوف. كذلك تلقّى تقريراً مفصلاً من قيادة الجيش بحصيلة اعمال الدهم والتعقّب، والتي افضت الى توقيف عدد من المشتبه فيهم في حادثة قبرشمون.

 

جولة ابراهيم

وقالت المصادر، انّ المعالجة السياسية لما حصل استُكملت في اطار من التكتم الشديد على ما طُرح في بعض اللقاءات للوصول الى النتائج المرجوة. وربطت المصادر آلية العمل بنتائج اللقاء الذي عقده عون على مدى ساعتين مع ارسلان والغريب، واستُكمل أمس مع ما جرى مع المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم، الذي وضعه في اجواء الاتصالات واللقاءات التي أجراها، قبل ان يجول على الحريري وارسلان، وذلك بعدما تسلّم الامن العام ثلاثة من المشتبه فيهم، بالتزامن مع ما عبّر عنه جنبلاط من تعزية بالضحايا ودعوة الى التهدئة واللجوء الى القضاء ليقول كلمته.

 

كرم

وفي المواقف، قال أمين سرّ تكتّل «الجمهورية القوية» النائب السابق فادي كرم لـ«الجمهورية»: «لا شكّ في أنّه كان هناك تهوّر، من دون تحديد المسؤوليات، وهذا التهور دفع البلد إلى اتجاه لا أحد يتمناه، ولا حتى الأطراف المعنية بما حصل». وأشار إلى «أننا نمرّ في أصعب الظروف، ونحاول إنقاذ أنفسنا بموازنة «ماء الوجه» وببعض الخطوات التي تساهم في تأخير الإستحقاقات الداهمة، وتأتي هذه الحادثة لتفرض نفسها أولوية قبل الموازنة والأمور الأخرى، سواء على مجلس الوزراء أو مجلس النواب. ومن هذا المنطلق يجب الخروج من هذا المأزق وهذه الحادثة سريعاً، فإذا تعمّقنا أكثر في المواجهة ولم نعالج الذيول سنندم جداً».

وأكّد كرم أنّ «القوات» عمّمت على قاعدتها الشعبية «التخفيف من التوترات والتشنجات والعمل على تهدئة الأجواء وعدم اللجوء إلى ردّات الفعل».

 

ساترفيلد وبارلي

وفي ظل هذه الاجواء، زارت وزيرة الدفاع الفرنسية فلورانس بارلي لبنان لإجراء محادثات هدفها إحياء التعاون العسكري مع الجيش اللبناني وتعزيزه، فيما وصل الوسيط الأميركي ديفيد ساترفيلد في ملف ترسيم الحدود البحرية والبرية بين لبنان وأسرائيل.

وقد جال ساترفيلد، ترافقه السفيرة الأميركية في لبنان أليزابيث ريتشارد على بري والحريري وباسيل ولم يدلِ بأي تصريحات.

فيما وُزعت معلومات رسمية، أفادت انّ لقاءه مع الحريري تخلّله «تبادل وجهات النظر وعرض لآخر المستجدات والأوضاع في لبنان والمنطقة». كذلك وُزعت معلومات في وزارة الخارجية، اشارت الى انّ ساترفيلد «أطلع باسيل بالتفصيل على الخطوات التي قام بها في الاسابيع الماضية سواء في اميركا او في إسرائيل».

 

لا اتفاق

وعلمت «الجمهورية»، انّ اللقاء بين بري وساترفيلد لم يكن هذه المرة ايجابياً، حيث لم يتمّ الاتفاق بينهما على النقاط الجوهرية في ملف الحدود بين لبنان واسرائيل، لا بل انّ ساترفيلد جاء بمواقف ومقترحات تنسف بعض ما كان متفقاً عليه سابقاً، حيث كان اللافت انّ ساترفيلد تراجع عن فكرة رئاسة الامم المتحدة ورعايتها المفاوضات بشخص منسقها الخاص في لبنان يان كوبيش، حيث اقترح ان تجري هذه المفاوضات بضيافة الامم المتحدة ولكن من دون رعايتها، ما يعني تلقائياً انّ الوسيط الاميركي هو من يترأس هذه المفاوضات، ما يبدو انها مفاوضات مباشرة بين لبنان واسرائيل.

واللافت، على ما قالت مصادر معنية لـ«الجمهورية»، انّ ساترفيلد طرح ان يصار الى توافق لفظي على بعض آليات المفاوضات، إلاّ انّ بري رفض ذلك وقال له: «أنا لا أثق أصلاً بأي أمر مكتوب مع اسرائيل، فكيف ان لم يكن هناك شيء مكتوب». وشدّد بري على «انّ الامم المتحدة هي التي تستضيف المفاوضات وترعاها وتترأسها، ولا نقبل بغير ذلك على الاطلاق». (كان كوبيش قد سافر الى الامم المتحدة منذ مدة وتمّ تكليفه رئاسة المفاوضات بين لبنان واسرائيل).

وقال بري حول ما طرحه ساترفيلد في هذا المجال: «هيدا مش وارد عنّا ابداً». واشارت المصادر الى أنّ الاميركيين في هذه الجولة يعكسون في وضوح انّ هناك محاولة اقتناص للنيل من الموقف اللبناني، ما يعني ان نية الاميركي ليست طيبة.

واكّد الجانب اللبناني، ان تنفيذ اي توافقات تحصل حول موضوع ترسيم الحدود البحرية والبرية ينبغي ان يتم في وقت واحد براً وبحراً، واكّد لبنان «انّ الاسرائيلي موجود في البر ويماطل بنا على البحر بشروطه».

وعمّا اذا كان ساترفيلد سيذهب الى اسرائيل ثم يعود الى لبنان، قالت المصادر انّ ساترفيلد اعلن انه سيُبلِغ اسرائيل، مشيراًَ امام بري الى انه بناء على الموقف اللبناني الذي سمعه سيعلن «أننا بذلنا جهداً كبيراً ولكن لبنان لم يستجب»، عندها قال له بري: «وانا من جهتي إن بادرت الى هذا الأمر سأُصدر بياناً واضحاً أُعلن فيه أنكم ماطلتم وتماطلون».

 

خط إئتمان فرنسي

وبالنسبة الى محادثات الوزيرة الفرنسية، علمت «الجمهورية» أنّها حملت عرضاً للحكومة اللبنانية بفتح خط ائتمان جديد للبنان من أجل تزويد الجيش اللبناني معدات فرنسية حديثة. وسيتوجّه وفد عسكري من الجيش اللبناني في وقت لاحق إلى باريس لمتابعة الموضوع، خصوصًا أنّ الدولة الفرنسية سبق لها أن فتحت في التسعينات مثل هذه الخطوط الائتمانية، قبل أن تبادر الولايات المتحدة إلى تقديم معدات مجاناً إلى الجيش.

 

صندوق النقد ينصح ويحذر

على الصعيد المالي والاقتصادي إعتبر صندوق النقد الدولي، أنّ «مصرف لبنان المركزي حافظ على الاستقرار المالي لسنوات لكن التحدّيات التي يواجهها في ذلك قد نمت»، مطالباً «مصرف لبنان بالتراجع عن شراء السندات الحكومية، وأن يدع السوق تحدّد العائد على أدوات الدين الحكومية، لأنّ «شراء السندات المنخفضة الفائدة المقترحة سيؤدي إلى تدهور ميزانية مصرف لبنان وتقويض مصداقيته».

وتوقّع الصندوق في بيان أصدره ليل أمس أن «تؤدي تدابير ميزانية لبنان العامة لعام 2019 إلى خفض العجز المالي إلى نحو 9.75 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي»، مشدّداً على أنّه «من المهم أن يبدأ لبنان بعملية تعديل مالي وإصلاحات هيكلية كبيرة لاحتواء الدين العام وزيادة النمو».

وأوضح الصندوق، أنّ «المخاطر وأوجه الضعف ما زالت قائمة بالنسبة للبنان، وعدم تحقيق الأهداف وإحراز تقدّم في الإصلاحات قد يؤدّي إلى تآكل الثقة. وبناءً على المعلومات الحالية، فمن المرجح أن يتجاوز العجز المتوقع بكثير المستوى المستهدف الذي أعلنته السلطات في لبنان».