بعد حسمِ الاتفاق السياسي على قانون النسبية في الدوائر الخمس عشرة، انتقل هذا القانون تلقائياً إلى المرحلة التالية المتمثلة بتوليده، وهذا يتطلب سلوك معبرَين إلزاميَين: الأول عبر الحكومة التي يفترض أن تقارب الصيغة النهائية للقانون النسبي في جلسة تعقدها منتصف الأسبوع المقبل، والثاني عبر مجلس النواب الذي يفترض أن يجتمع بهيئته العامة في جلسة خلال الأسبوع المقبل (السبت 10 حزيران)، وهذا رهن بالتقدّم على خط بتِّ بعضِ التفاصيل الأساسية في القانون، أو في جلسة تعقَد في الأسبوع التالي، تحديداً يوم الإثنين 12 حزيران الجاري.
الأجواء الرئاسية والسياسية مريحة بشكل عام، تؤشّر إلى أنّ كلّ الأطراف السياسية التي كانت عالقة في حلبة الاشتباك في الايام القليلة الماضية، قد خرجت من خلف متاريسها، وانتقلت من ضفّة التباين الى ضفة التهدئة والتفاهم، تَجمعها نظرة واحدة الى القانون الجديد كإنجاز وطني لا ربحَ فيه لطرف على آخر، ولا لفئة على أخرى، بل إنّ الكلّ رابحون، والرابح الاساس هو البلد الذي بات على عتبة قانون يعيد انتظام الحياة السياسية والنيابية ويركّزها على أسُس سياسية وتمثيلية سليمة.
بكركي تُبارك
ونالَ هذا القانون بالصيغة التي اتفِق عليها مباركة بكركي، ولقد ابلغَ ذلك البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة الراعي الى وزير الخارجية جبران باسيل الذي زار بكركي امس.
وأكّدت مصادر بكركي لـ«الجمهورية» أنّ «باسيل عرض للراعي كلّ ما تمّ التوصّل إليه في قانون الانتخاب وقرب إقرار النسبية على أساس 15 دائرة، فما كان من البطريرك إلّا أنّ أعطى بَركته للقانون وتأييده له لأنّه حظيَ أولاً بإجماع القوى المسيحية التي اجتمعت في بكركي، من ثمّ حاز على رضى جميع الأطراف والشركاء في الوطن، وبالتالي فإنّ بكركي تدعم القانون الذي خرج من صرحِها، وعبَّر الراعي عن فرحته بهذا الأمر نظراً لما يترك من ارتياح على صعيد الوطن».
ولفتت المصادر الى أنّ «باسيل قدّم للراعي شرحاً مسهباً عن الاتصالات الأخيرة وما رافقها من تحدّيات وصعوبات، وبعد كلّ الجولات تصاعَد الدخان الأبيض. كما ناقش الرَجلان أهمية هذا القانون الجديد الذي يَمنح المسيحيين قدرةً على التأثير ويقرّبهم من المناصفة، فيما أكّد باسيل أنّ هذا القانون هو حلّ لفترة أبعد من الانتخابات المقبلة، لكن عندما نجد قانوناً أفضل بعد مدّة سندعمه».
وأثنت مصادر بكركي «على الجهود التي بذِلت لإقرار القانون، وعلى رأسها جهود رئيس الجمهورية العماد ميشال عون»، مشدّدةً على أنّ «العلاقة بين بكركي وبعبدا تعيش عصرَها الذهبي، والرئيس أعاد تفعيلَ عملِ المؤسسات ويقوم بواجبه على أكمل وجه ويتّخذ القرارات المصيرية والمواقف الشجاعة، لذلك فإنّ البطريرك يدعمه إلى أقصى حدود».
وأشارت مصادر بكركي الى أنّ «البحث بين باسيل والراعي تطرّقَ لمواضيع أخرى، مِثل عمل الوزارات ومؤسسات الدولة، وبشكل خاص وزارة الخارجية، حيث تمَّ التطرّق إلى موضوع استعادة الجنسية وأهمية أن يحصل اللبنانيون المنتشرون عليها».
وكان باسيل قد أوضح أنه اعترَف للبطريرك بما «فشلوا في إحقاقه وبما نجحوا بتحقيقه». وقال إنّ «قانون الدوائر الـ ١٥ مع النسبية انطلقَ من بكركي وكان الخيار الثاني مع الأرثوذكسي»، مؤكداً أنّ كلّ القوانين التي «عملنا عليها اعتمدت معايير واحدة ولا قوانين إلغائية». وأوضح أنه «لم نتحدّث بنقلِ مقاعد، ونَرفض نقل النفوس، ويجب إعطاء المسيحيين في الأطراف ضمانات».
تفاصيل القانون
إلى ذلك، تؤشّر الأجواء التفاهمية السائدة على الخط الانتخابي إلى أنّ القانون الجديد اقترب جداً من أن يكون في متناول اليد، وثمّة استعجال من قبَل كلّ الأطراف في ترجمة هذا التفاهم سريعاً بعد تجاوزِ التفاصيل التقنية التي يفترض أن تُحسم سريعاً، علماً أنّ الساعات الماضية شهدت اتصالات مكثّفة على مختلف الخطوط ويُفترض أن تُستكمل في الساعات المقبلة مع مباشرة اللجنة الوزارية المصغّرة التي سيدعوها رئيس الحكومة سعد الحريري إلى الاجتماع، وتضمّ ممثلين عن الفرقاء المعنيين بهذا الملف، لبتِّ التفاصيل المتبقّية في القانون، وبشكل أساسي كيفية احتساب الأصوات وحسم فترة التمديد التقني للمجلس النيابي، التي يفترض أن يتطلّبها القانون للتعريف به والتدريب عليه وإجراء الانتخابات على أساسه بعد ان يصبح مكتملاً بشكل كامل من حيث الجهوزية التقنية واللوجستية.
وتعزّزَت تلك الأجواء خلال اللقاء الرئاسي الثلاثي الذي عقِد في قصر بعبدا بين الرؤساء ميشال عون ونبيه بري وسعد الحريري على هامش الإفطار الرئاسي الذي أقامه رئيس الجمهورية أمس الأول، حيث علمت «الجمهورية» أنّ اللقاء كان ودّياً وعلى أتمّ وئام، وعكسَ هذا الجوّ عون والحريري، وكذلك بري الذي أبدى ارتياحَه الكبير إلى لقاء بعبدا، وقال أمام زوّاره: «العلاقة الرئاسية جيّدة، وأنا من جهتي لا توجد أيّ مشكلة على الإطلاق، وقد كان لقاء بعبدا خيرَ دليل على أنّ العلاقات الرئاسية كانت على أحسن ما يرام، فقد كنّا متفاهمين، لدرجة أنّ كلّ النقاط التي طرحتُها شخصياً حول قانون الانتخاب لقيَت الصدى الإيجابي والتفهّم من قبَل الرئيسَين عون والحريري».
وبنتيجة الجو الإيجابي الذي حَكم لقاء بعبدا، تمّ الاتفاق بين الرؤساء الثلاثة على القانون النسبي على أساس الدوائر الـ15 كخيار نهائي، وأمّا التفاصيل الأخرى فتمَّ استعراضها جميعها، بحيث حُسِم موضوع الصوت التفضيلي بأن يُعتمد في القضاء وخارج القيد الطائفي، كما حسِمت عتبة الفوز بأن تكون نسبتها 10% على مستوى الدائرة.
علماً أنّ مبادرة رئيس الجمهورية إلى توقيع مرسوم فتح الدورة الاستثنائية لمجلس النواب اعتباراً من 7 حزيران الجاري تمّ التفاهم المسبَق عليها بين عون والحريري وبعِلم بري.
وبحسب المعلومات، فإنّ الرؤساء الثلاثة بَحثوا في الفترة التي سيَستغرقها القانون ليَجهز لوجستياً وتقنياً، وبدا أنّهم في حاجة إلى فهمِ القانون وتقنياته، مع تأكيدهم جميعاً على أهمّية هذا القانون وأنه إنجاز كبير للبلد ويشكّل نقلةً نوعية تَطوي كلَّ الصفحات السابقة من القوانين المشوّهة، سواء قانون الستين أو القوانين الأخرى التي اعتُمدت منذ الطائف وحتى اليوم.
وتضيف المعلومات أنّ رئيس الجمهورية أبلغَ بري والحريري بأنّ وزير الداخلية نهاد المشنوق قدّم له دراسة يقول فيها إنّ جهوزية القانون تتطلّب نحو سبعة أشهر لتُجرى الانتخابات على أساسه، وهنا أشار بري إلى أنه سيلتقي المشنوق الجمعة وسيبحث هذا الأمر معه.
وفي خلاصة النقاش حول هذا الأمر تمّ التوافق مبدئياً على أنّ التمديد التقني تحصيل حاصل، أمّا الفترة التي سيَستغرقها فقد اقترح بري أن يترك هذا الامر للّجنة الوزارية برئاسة الحريري لتحدّد الوقت الذي سيتطلّبه ذلك.
ولقد كان هذا الموضوع محلَّ نقاش بين بري ووزير الداخلية في عين التينة، حيث أكّد المشنوق وجود حاجة الى فترة ستة أشهر إلى سبعة أشهر ليصبح القانون جاهزاً، وعلِم أنّ رئيس مجلس النواب أبلغَ المشنوق أنه على جهوزية تامة للعمل بالقانون الجديد في أيّ وقت، وقال له: «إنْ أردتم إجراءَ الانتخابات بعد يومين فأنا جاهز، وإذا بعد شهر أنا جاهز أو شهرين أنا جاهز وبعد سنة أنا جاهز، المهم هو أن ينجَز القانون في أسرع وقت ممكن، خصوصاً وأننا أصبحنا في سباق مع الوقت».
إلى ذلك، باتت الجلسة التشريعية التي حدّدها رئيس مجلس النواب يوم الاثنين المقبل في 5 حزيران بحكمِ المؤجّلة، وقد يعلن بري تأجيلها اليوم، بحيث إن وجَد أنّ الإيجابيات غلبَت على كلّ شيء فسيؤجّل الجلسة إلى موعد آخر قبل نهاية الأسبوع المقبل، وإنْ وجَد أنّ التفاصيل المتبقّية في القانون بحاجة إلى درس إضافي فسيؤجّل الجلسة إلى الاثنين 12 حزيران، لتعلَن في هذه الجلسة ولادة القانون الانتخابي الجديد. وقال بري: أستطيع أن أقول إننا أصبحنا في أسبوع الحسم النهائي.
الحريري
وفي مقابل الإيجابية الانتخابية، لوحِظ أنّ الحريري واصَل توجيه السهام باتّجاه النائب وليد جنبلاط من دون أن يسمّيه، حيث قال في الكلمة التي ألقاها خلال إفطار رمضاني في طرابلس أمس، نسمع كثيراً هذه الأيام نظريات، وهناك شخصيات سياسية جديدة هبَط عليها الإلهام، تعطينا دروساً بالنظافة، وتاريخُها معروف بالفساد. وجدّد وعده بأنّ الكهرباء ستتوفّر في لبنان خلال أشهر، وقال: «ما يهمّني شخصياً أن تتمّ التغذية بالكهرباء، وإنّ هذه الحكومة وضَعت خطة وستنفّذها».