يتحرّك الواقع اللبناني على إيقاع عناوين مقلِقة؛ أوّلها عنوان الفلتان وتنامي ظاهرة زعران الشوارع وتجّار الموت وقتلِ الأبرياء، الذين يعيثون في كلّ مكان، ويزرعون الحزن والأسى في بيوت اللبنانيين، وهو ما يفرض بالحدّ الأدنى إعلان حالة طوارئ أمنية سريعة وصارمة لوقفِ هذه الظاهرة التي يهدّد تَفاقُمها بجعلِ كلّ لبناني مرشّحاً لأن يكون ضحية للقتَلة والمجرمين في أيّ وقت. وثانيها العنوان الأمني الذي عاد ليطلّ برأسه مجدّداً من خلال ما تَكشّفَ عن كمائن جديدة تنصبها المجموعات الإرهابية لنسفِ الاستقرار الداخلي، ويسجَّل للأجهزة الأمنية الإنجاز الأمني الذي أنقَذ لبنان من كارثةٍ كان تنظيم «داعش» الإرهابي على وشك إيقاعها عبر هجومات وتفجيرات انتحارية في أكثر من مكان. وثالثها عنوان العلاقات اللبنانية ـ العربية وموقع لبنان في الأزمة المستجدة بين بعض الدول العربية، والتي فرَضت تأكيد لبنان على موقع الصديق الحريص إلى حلّ المشكلات بالتلاقي والحوار، ورابعُها العنوان الانتخابي الذي ما يزال يتخبّط في حلبة التعقيدات والافتراق في وجهات النظر بين القوى السياسية.
في الفلتان، تعالت أصوات اللبنانيين لمواجهة القتَلة وزعران الشوارع، بتدابير حازمة وعقاب صارم، بحيث لا يمرّ يوم إلّا ويسقط بريء هنا أو هناك بدمٍ بارد لا يَعرف الرحمة، وهو ما دفعَ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون إلى رفعِ الصوتِ والتأكيد بأن «لا مجرم إلّا وسيُحاكم، ولن يكون هناك أيّ غطاء لأحد، لا في الأمن ولا في القضاء».
وكان اللافت للانتباه ذهاب وزير الداخلية نهاد المشنوق الى الدعوة الى إعادة العمل بقانون الإعدام «بحقّ من يَقتل عمداً» بوصفِه «الحلَّ الوحيد لمواجهة تفلّتِ العقلِ في استخدام السلاح».
وأمّا في الأمن، فلعلّ التفاصيل التي كشفَ عنها الأمن العام بالأمس، تشكّل حافزاً للقوى السياسية المتصارعة على الحلبة الانتخابية لأن تدركَ مخاطر ما تُخطّطه المجموعات الإرهابية لهذا البلد، وتنصرف إلى أولوية التحصين السياسي والامني، خصوصاً وأنّ التفاصيل التي وردت في البيان والطريقة العنيفة التي كان يُحضّرها الارهابيون، وعلى أهمّية الإنجاز الامني بإحباطها، إلّا أنّها ، وكما قال مرجع امني لـ«الجمهورية» تُشكّل غيضاً من فيض تفاصيل أكثر خطورةً ما زالت طيّ كتمان الأجهزة الامنية التي تتابع عمليات الرصد لخلايا أكثر خطورةً من تلك التي تمَّ كشفُها والقبض عليها.
وثمّة معلومات تؤكّد وجود تحضيرات لعملٍ أمني خطير جداً، الأمر الذي فرض على الأجهزة استنفار كلّ طاقتها لمنع الارهابيين من تحقيق هدفهم، وتمكّنَت من الوصول الى خيوط بالغة الاهمية من شأنها ان تمكّنَ من الإطباق على الارهابيين في القريب العاجل، والأيام القليلة المقبلة قد تشهد الإعلان عن إنجاز امني كبير.
الخلافات العربية والحوار
من جهة ثانية، وفي الموضوع العربي، أكّد لبنان ضرورة حلّ الخلافات العربية بالحوار. وكان هذا الامر محلّ بحثٍ في وزارة الخارجية بين وزير
الخارجية جبران باسيل وكلّ من سفير دولة الإمارات العربية المتحدة الدكتور حمد سعيد الشامسي، والسفير المصري نزيه النجّاري، والقائم بالأعمال بالإنابة لسفارة المملكة العربية السعودية سلطان السباعي.
وسبقَ الاجتماع موقفٌ لباسيل قال فيه «إنّ لبنان لا يسعى إلّا الى التوفيق بين اخوانه العرب، ولا يتدخّل في شؤون الدول الصديقة والدول العربية، ويتمنّى أن يحلّ الحوار والتفاهم والحلولُ الديبلوماسية بدل الصراع، لأنّ مبتغانا في النهاية هو محاربة الإرهاب والقضاء على التطرّف وإحلال السلام والتفاهم وصولاً الى الازدهار بين الدول العربية الشقيقة احتراماً لميثاق جامعة الدول العربية».
الملف الانتخابي
إنتخابياً، تبدو الأمور مفرملة عند التفاصيل الخلافية التي لم تُعطّل بَلورةَ القانون الانتخابي الجديد. وتبعاً لذلك فإنّ الجلسة التشريعية المقرّرة لإقرار القانون الاثنين المقبل في 12 حزيران الجاري، صارت بحكمِ المؤجّلة الى موعد آخر يفترض ان يحدّده رئيس مجلس النواب نبيه بري ربّما اليوم، ذلك انّ تثبيتَه موعدَ الجلسة الاثنين كان ينتظر التوافق على الصيغة النهائية للقانون الجديد قبل 48 ساعة على الأقلّ من هذا الموعد، وهو ما لم يتمّ حتى الآن جرّاء الدوَران في حلقة التفاصيل التي صارت محلَّ تندُّرٍ سلبي مِن قبَل أطراف الاتصالات الجارية، الذين شكا بعضُهم من «أنّ النقاش في معظم الأحيان يغرق في تفاصيل بطعمٍ وتفاصيل بلا أيّ طعم، لا تُقدّم ولا تؤخّر بالقانون، ولم يؤدّ البحث فيها إلّا الى مزيد من تضييع الوقت».
ومع اقتراب يوم الوداع النيابي الموافق الاثنين 19 حزيران الذي صار عملياً خلف الباب، فإنّ الايام الفاصلة عن هذا التاريخ هي ايام مفصلية، يعني ذلك انّ القانون الانتخابي الجديد صار في منطقة الحسم، وأمامه طريقان لا ثالث لهما، إمّا في اتجاه اعلان ولادته الاسبوع المقبل، وإمّا في اتجاه اعلان وفاته، وبالتالي التسليم للمجهول الآتي بعد انتهاء الولاية المجلسية، من دون التمكّن من الوصول الى قانون انتخابي جديد.
وقالت مصادر مشاركة في الاتصالات الجارية لـ«الجمهورية» إنّ الاتصالات ستتكثّف في الساعات المقبلة لبَلورةِ القانون الانتخابي الجديد خلال الاسبوع، وثمّة إرادة مشتركة من مختلف القوى السياسية للانتهاء من هذا الملف بشكل يُخرج البلد من هذه الأزمة.
وأشارت المصادر الى انّ من الخطأ القول بأنّ الامور قد وصَلت الى طريق مسدود وإن كان هناك اختلاف في الرأي حول بعض التفاصيل، إنّما هناك إمكانية لحلحلةِ كلّ العقَد. وأوضَحت أنه حتى الآن، فإنّ العالق من التفاصيل التي اثيرَت على هامش القانون النسبي بالدوائر الـ15، ما زال عالقاً، سواء ما يتصل بإعادة الحديث عن نقلِ مقاعد، ولا سيّما المقعد الماروني من طرابلس، أو المقعد الإنجيلي في بيروت، وكذلك باقتراح تخفيض عدد النواب الى 108 نوّاب بدلاً من 128، وأيضاً ما يتّصل بالصوت التفضيلي، حيث لم تُحسَم بعد هويته، أكان سيعتمد مذهبياً وطائفياً على مستوى القضاء أو الدائرة أو خارج القيد الطائفي، وكذلك ما يتصل بالعتبة الوطنية والعتبة الطائفية، ونصاب الابعاد وطريقة الاحتساب وتحديد الفائزين.
والأمر نفسه بالنسبة الى المغتربين الذي رفضَ الثنائي الشيعي اعتماده في الدورة الانتخابية المقبلة، كما رَفضا حسم حصّةِ المغتربين (6 نواب) من عدد النواب الـ128. وتَعذّر الاتّفاق على موضوع الكوتا النسائية التي يبدو أنّها سقطت. وكذلك كان حال الطرح المتعلّق بإنشاء مجلس الشيوخ وتعديل الدستور من باب تثبيت المناصفة في مجلس النواب بعد إنشاء مجلس الشيوخ.
وعلى رغمِ المرواحة الراهنة، فإنّ أجواءَ القوى السياسية توحي بأنّ الساعات المقبلة حاسمة، ولا بدّ من تجاوزِ العقَد ليكون الأسبوع المقبل هو الموعد النهائي لولادة القانون، إذ إنّها الفرصة الأخيرة ولا فرَص بعدها.
وقالت مصادر مشاركة في الاتصالات لـ»الجمهورية»: إنّ هوامش المناورة ضاقت إلى الحد الأقصى، كانت واضحة في الايام الاخيرة محاولات البعض لتحسين شروطه وتحقيق ما أمكنَ له من مكاسب، وهذا الأمر هو المعطّل الأساس لولادة القانون حتى الآن.
ولكن أعتقد أنّ الجميع وصَلوا إلى قناعة أنه مع ضيقِ الخيارات وهوامش المناورة فلم يبقَ أمامهم سوى واحد من اثنين: إمّا القبول بالقانون النسبي المطروح وإمّا القبول بالقانون النسبي المطروح، لأنّ العودة إلى الستّين ستعني انتحاراً للعهد بالدرجة الأولى، ولأنّ الجميع من دون استثناء قد تبَلّغوا بأنّ هذا الفراغ ولو ليومٍ واحد هو من سابع المستحيلات».
«التيار»
إلى ذلك، وفيما عقِد اجتماع تنسيقي في وزارة الخارجية مساء امس، حضَره باسيل والنائبان جورج عدوان وابراهيم كنعان، وصَفت مصادر في «التيار الوطني الحر» ما يُحكى عن توتّر في العلاقة بين «التيار» و«القوات اللبنانية» بأنّه كلام فارغ.
وأكّدت لـ«الجمهورية» أنّ التنسيق قائم ومستمرّ، وكلّ المسائل الانتخابية تطرَح بإيجابية، والهدف واحد والهمّ مشترَك، وهو تحسين التمثيل المسيحي. ففي الاستراتيجية الهدفُ واحد، وقد أثبتنا مراراً أنّنا نعمل على سكّة واحدة، أمّا في التكتيك فلكلٍّ أداؤه وأسلوبه».
ولاحقاً، إنعقد لقاء آخر في وزارة الخارجية استمرَّ إلى ما بعد منتصف الليل وضمّ الى باسيل، الوزير علي حسن خليل والمعاون السياسي للأمين العام لـ«حزب الله» حسين الخليل، ومدير مكتب رئيس الحكومة نادر الحريري، وتركز البحث خلاله على ما تبقّى من تفاصيل تقنية في قانون الانتخاب ما تزال موضع خلاف.
كلمة لفرنجية غداً
وسط هذا المشهد، يُلقي رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية كلمةً سياسية بعد القدّاس الذي يقيمه «التيار» في باحة قصر الرئيس سليمان فرنجية في إهدن عند السادسة من عصر غدٍ الأحد إحياءً للذكرى السنوية الـ39 لمجزرة إهدن التي ذهبَ ضحيتها الوزير والنائب طوني فرنجية وزوجتُه فيرا وطفلتُهما جيهان، وعددٌ من أبناء زغرتا.
وفيما يسود الترقّب لمعرفة ما سيعلِنه فرنجية في هذا التوقيت، علماً أنّ موقفه من مسألة ترشيحِه نجلَه طوني عن مقعدِه محسوم سلفاً، قالت مصادر «المردة» لـ«الجمهورية» إنّ فرنجية سيُلقي كلمة «تضيء على مواضيع الساعة عموماً والشأن الانتخابي خصوصا، بعدما تخوّف من ذهاب الامور إلى المجهول بسبب انعدام المسؤولية لدى البعض، خصوصاً وأنه يَستشعر مخاطر التلاعب بمصير لبنان من أجل تحقيق مصالح ذاتية خاصة».
وشدّدت المصادر على أنّ «لذكرى مجزرة إهدن عند النائب فرنجية أهمّية مزدوجة: شخصية وسياسية، خصوصاً أنّها تأتي هذه السَنة في ظلّ ظروف سياسية خطرة وحسّاسة قوامُها الصراع المستمر بين الخطابات الطائفية المتشنّجة والخيارات الوطنية المعتدلة».