تقترب لحظة الحسم وتحديد وجهة سير البلد، إن في اتجاه قانون انتخابي جديد، وإن في اتجاه الأزمة المفتوحة ونذرها الاول الفراغ المجلسي بعد 19 حزيران، وبدء الحديث عن العودة – ولو بصعوبة تقنية – الى قانون الستين وإدخال البلد معه في نفق التخلّف من جديد.
غداً الاربعاء، موعد جلسة مجلس الوزراء، لكنّ تثبيته رهن بالوصول الى اتفاق بين القوى السياسية على القانون الجديد بكل تفاصيله، والتعويل الجدي لترسيخ هذا الاتفاق كان على الاجتماع المفصلي الذي عقد في «بيت الوسط» مساء أمس، برئاسة الرئيس سعد الحريري وحضور كل من الوزير علي حسن خليل، الوزير جبران باسيل، الحاج حسين خليل والنائب جورج عدوان والسيد نادر الحريري.
وعلمت «الجمهورية» من مصادر المجتمعين أنّ النقاش استمرّ حتى ما بعد منتصف الليل في كل التفاصيل الخلافية المتعلقة بقانون الإنتخاب، ولم يكن توصّل إلى أي توافق حتى ساعة متقدمة، وذكرت المصادر أنّ بعض الأطراف كرّر طرح ترك المواضيع الخلافية للتصويت عليها في مجلس الوزراء، الأمر الذي عارضه آخرون مشدّدين على إقرار القانون بالتوافق.
وكان سبق هذا الاجتماع جو من التفاؤل الحذر، عَبّر عنه الرئيس نبيه بري بقوله إنّ الاجتماع حاسم ولم يعد هناك من وقت، وكذلك عن رئيس الحكومة الذي بَدا جازماً حين قال انّ قانون الانتخاب سيولد في جلسة مجلس الوزراء الاربعاء، فيما نقل عن أجواء بعبدا امس انّ رئيس الجمهورية ميشال عون لم يقدّم اي تعهّد بالتدخل لتذليل العقبات من طريق قانون الانتخاب.
بري
وقال بري أمام زواره انه ينتظر نتائج الاجتماعات الحاسمة التي تحصل، والتي يفترض في ضوء نتائجها أن يبنى على الشيء مقتضاه. وأمل في «أن نَصل الى توافق على قانون، وكما قلت هذه الاجتماعات حاسمة ومفصلية، وبالتالي لم يعد لدينا وقت».
وحول موقف رئيس الجمهورية بعدم التدخل، قال بري: «رئيس الجمهورية حكم، ولا يتدخل، وانا مثله، لا اتدخل، لأنّ المسألة في يد الحكومة وفي يد الرئيس الحريري إذ عليهم ان يفعلوا شيئاً».
وعن جلسة الاربعاء وما اذا كانت ما زالت قائمة، قال: علمتُ من رئيس الحكومة انه سيتشاور في شأن الجلسة مع رئيس الجمهورية. وفي ايّ حال انا انتظر، والكرة كما قلت في يد الحكومة».
وحول إمكان فشل الاتصالات، وبالتالي فشل الاتفاق، أمل بري «أن نصل الى اتفاق، وإن لم نصل فساعتئذ لا حول ولا وقوة الّا بالله».
وكما انّ الملف الانتخابي مهمّ في نظر بري، فإنّ ثمة ملف يضاهيه أهمية ويتمثّل بالملف الامني وظاهرة الفلتان والفوضى والاعتداءات التي يتعرض لها المواطنون. وقال بري: «ليكن معلوماً انّ العودة الى تطبيق عقوبة الاعدام ليس مئة في المئة بل مئتين في المئة، هذا الامر لا يمكن ان يستمر وليس مقبولاً ابداً ان يستمر، يجب اتخاذ الاجراءات كلها لرَدعه».
ورداً على سؤال، قال: «بصرف النظر عمّا قد يقال من جهات وجمعيات وتجمّعات وما الى ذلك عن حقوق إنسان، انا اتفق معهم انّ هناك حقوقاً للانسان، ولكن يجب أولاً ان نسأل عن حقوق الضحايا وعائلاتهم».
الحريري
واذا كان رئيس الجمهورية يؤكّد رفضه الستين في كل مناسبة ويشاطره بري في ذلك، فإنّ الحريري ذهب باعتراضه على الستين الى حدّ محاولة قطع الطريق نهائياً على العودة اليه، وقال في إفطار أقيم في السراي الحكومي: «كل الأنظار تتجه نحو ما إذا كان سيكون هناك قانون انتخاب أم لا. وأنا قلت منذ البداية، نعم سيكون هناك قانون انتخاب وأؤكد ذلك. فلا مجال أمام الأفرقاء السياسيين سوى أن يكون هناك قانون انتخاب جديد.
موضوع قانون الـ60 بالنسبة إليّ صفحة طُويت، وقانون الدوائر الـ15 والنسبية والصوت التفضيلي والاحتساب وكل هذه الأمور سننتهي منها بين اليوم والغد إن شاء الله. فبإذن الله الأمور متجهة بهذا الاتجاه، ولا أظن أنّ هناك أيّ مشكل في هذا الخصوص ولا أعتقد أنّ هناك أحداً يريد أن يعطّل هذا المسار».
وتابع: «إذا اعتقد أحدهم في عقله الباطني أنني أريد أن أذهب باتجاه قانون الستين، فإني أقول له: أنا سعد الحريري لا أترشح إلى الانتخابات بقانون الستين، ولا حتى تيار المستقبل. هذا موقفي الذي قلته في السابق لكل الأفرقاء، واليوم لأوّل مرة أقوله في الإعلام».
الى ذلك، علمت «الجمهورية» انّ المشروع الانتخابي صار شبه مُنجز من حيث الصياغة التي تنتظر بَتّ بعض التفاصيل العالقة، وهي كانت مهمة الاجتماع المسائي، بحيث انّ إنجاز هذه التفاصيل سيمكّن من توزيع المشروع بصيغته النهائية على الوزراء قبل جلسة الغد، او في خلال الجلسة اذا ما تطلّبت بعض التفاصيل درساً اضافياً.
عدوان
وقبل الاجتماع المسائي عكس النائب عدوان تفاؤلاً جدياً بإمكان ولادة القانون، وقال لـ«الجمهورية»: «بعكس كل ما يُقال من هنا وهناك، فلا خيار أمامنا سوى الوصول الى قانون جديد، لأنّ كل الخيارات الاخرى مدمّرة للبلد، وللاقتصاد وللاستقرار، وبالتالي ليس أمامنا سوى خيار وحيد وهو الوصول الى قانون جديد».
واضاف: «يخطىء من يعتقد انّ هناك خيارات اخرى، او من يعتقد أنّ هناك خياراً بين الوصول الى القانون الجديد وبين الفراغ، ذلك انّ العقل يفرض علينا جميعاً ان نذهب الى القانون الجديد، لأننا على يقين بأنّ لا أحد يستطيع ان يترك الامور تذهب الى هذا المنحى، فالفراغ معناه ان لا وجود لمجلس نواب ولا لحكومة، ومعنى ذلك لا يوجد اقتصاد ولا مال، فأيّ عاقل يملك ذرة عقل يعمل في هذا الاتجاه؟ هذا هو موقفنا، ومن جهتنا سنمضي قدماً في اتجاه ايصال الامور نحو التوافق على القانون».
ورداً على سؤال، قال: «القانون سيقرّ لأنّ التراجع اصبح مستحيلاً، لا يزال هناك نقاط تقنية أساسية لكن لن نسمح لها بعرقلة ولادة القانون لأنّ الشوط الاكبر قطعناه وأعددنا قانوناً عصرياً من 200 مادة ستوزّع على الوزراء بدءاً من اليوم لمناقشتها داخل مجلس الوزراء. اما اذا لم يُصر الى الاتفاق على هذه النقاط التي لا تتجاوز عدد اصابع اليد، فسيترك لمجلس الوزراء اتخاذ القرار بطريقة تحاكي التصويت بين أكثرية وأقلية. نحن عالجنا بالجوهر اموراً كانت مستعصية ولن نستسلم في الامتار الاخيرة».
الى ذلك، علمت «الجمهورية» أنه تمّ في الساعات الماضية تحضير قانون الانتخاب ليصبح نصاً جاهزاً، وأُخضع للمسات الاخيرة في اجتماعات متواصلة من بينها اجتماع عقد امس الاول في وزارة الخارجية بين باسيل و»الخليلين» ونادر الحريري، في الموازاة كان يعقد اجتماع في «بيت الوسط» بين الرئيس الحريري وعدوان.
ما قبل الاجتماع
الساعات السابقة للاجتماع سادَتها بلبلة لعدم وضوح الصورة، وقالت مصادر عاملة على خط الانتخاب لـ«الجمهورية»:» لم تشهد الساعات الـ24 الماضية، السابقة لاجتماع «بيت الوسط» ايّ تبدل حيال مواقف الاطراف، ولا حيال التفاصيل المطروحة من جانب «التيار الوطني الحر»، فكلّ طرف ما زال متمسكاً بمواقفه، وهناك تفاصيل كثيرة ومنها ما بَدا خلال البحث انه شديد التعقيد».
وتجاذبت المشهد الداخلي احتمالات تمّ التداول بها على غير صعيد، والاقوى فيها هو الاتفاق على قانون جديد، الّا انه مهدّد بالاصطدام بحائط التفاصيل التي لم تكن عُقدها أمس قد حُلّت بعد، خصوصاً ما يتعلق بموضوع المغتربين وكذلك ما يتصل بالعتبة وطريقة الترشيح واحتساب الاصوات، وبنقل المقاعد وتحديداً المقعد الماروني في طرابلس الى البترون، وهو أمر يرفضه الثنائي الشيعي وقيادات سياسية شمالية، حيث اكد الرئيس نجيب ميقاتي من عين التينة أمس رفضه نقل هذا المقعد الى ايّ مكان.
وبقيت العقدة الاساس في المدة التي سيستغرقها التمديد التقني للمجلس بعد الاتفاق على قانون النسبية، والتي ما زالت عالقة بين عدم رغبة الرئيس عون وفريقه السياسي بأن تكون المدة واسعة وتزيد عن 3 أشهر أو 4، فيما المنطق الآخر يبدأ من اقتراح التمديد التقني لـ6 أشهر او 7، كما حدّد وزير الداخلية نهاد المشنوق.
امّا الاحتمال الأسوأ الذي بقي قيد التداول، فهو الفشل في التوافق على قانون، ما يعني الدخول في الازمة الكبرى عبر الذهاب الى فراغ مجلسي بعد 19 حزيران، مع ما لهذا الفراغ من تداعيات على الواقع اللبناني، فيما بقي احتمال بذات القدر من السوء، وهو العودة الى الستين.
قيادي مسيحي
وأكد قيادي مسيحي لـ«الجمهورية» انّ المسألة «لم تعد تفاوضاً سياسياً لاستعادة حقوق المسيحيين ولكنها تحوّلت مقامرة بهذه الحقوق ومغامرة على حساب الاستقرار، ومجازفة بمصير المؤسسات الدستورية من اجل ان يضمن البعض مقعده النيابي».
وسأل القيادي: «كيف يدعون انهم يسعون لإيصال اكبر عدد ممكن من النواب المسيحيين وهم يتمسكون بالصوت التفضيلي على اساس القضاء لا الدائرة، وهم بذلك يحرمون ألوفاً من مسيحيي الضنيه من استعمال صوتهم التفضيلي لنائبين مسيحيين في طرابلس؟ وكيف يحرمون ألوف المسيحيين في صور والنبطية وبنت جبيل ومدينة صيدا من استعمال صوتهم التفضيلي لنائب مسيحي في دائرتهم»؟
وختم القيادي المسيحي: «ما يجري هو عملية إضعاف لتأثير الصوت المسيحي على النتائج، بعدما اكتشفوا صعوبة فوزهم الشخصي بالصوت التفضيلي على مستوى الدائرة».
رعد
وقال رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد: «علينا أن ننجز ما تبقّى من قانون الإنتخاب ونقفل النّقاش حوله، وطالما حدّدنا الإطار الذي توافقنا عليه وهو النسبيّة مع 15 دائرة إنتخابيّة فيجب أن نختصر في التّفاصيل»، مؤكداً أنه «ليس بالإمكان الهروب إلى الوراء ولا قلب الطاولة على الإطار العام الذي حدّدناه لقانون الإنتخاب. الوقت ليس لمصلحة أحد، ولا يظنّن أحدٌ أنه يستطيع فِعل ما يريده لوحده».
أزمة قطر
على صعيد آخر، وبعد زيارة وزير الخارجية، عرض سفيرا دولة الإمارات العربية المتحدة حمد سعيد الشامسي ومصر نزيه النجاري والقائم بأعمال سفارة المملكة العربية السعودية بالإنابة سلطان السباعي، لرئيس الحكومة موقف بلادهم «الرافض لسياسة قطر المزعزعة للاستقرار في المنطقة»، وأبدوا حرصهم على «إطلاع القيادات اللبنانية على أسباب ودوافع قرارنا المشترك المتّخذ بعد صبر طويل، وذلك في ضوء العلاقات الوطيدة التي تربطنا بلبنان الشقيق والمصلحة المشتركة معه في استقرار المنطقة، ويهمّنا أن تكون السلطات اللبنانية على اطّلاع كامل ومنتظم بموقفنا وتطوراته، آملين أخذها في الحسبان وفقاً للرؤية والمصالح اللبنانية».