صار العصفور في اليد، ولم يعد مهماً القيل والقال، والعصفور هو قانون الانتخاب الذي عبر حكومياً وسيُقر في مجلس النواب اليوم سواء بمادة وحيدة أو بعد نقاش، لا فارق. فرئيس مجلس النواب نبيه بري لن يحرم النواب طالبي الكلام حقهم في إبداء الرأي والملاحظات حول القانون، وقد لا يعارض الأخذ في بعض الملاحظات ـ التعديلات اذا وجد انها تحصّن القانون وتعزّزه.
سرت أمس بعض المعلومات عن احتمال جعل التمديد التقني لمجلس النواب سنة وليس 11 شهراً، علماً انّ الجميع يدركون انّ زيادة هذا الشهر ستُدخِل رمضان المقبل فيها، علماً انّ المعلن هو انّ الانتخابات ستُجرى في 6 أيار 2018، اي قبل حلول رمضان بأيام.
ويتوقع ان تتنوّع المداخلات النيابية وتتعدد خلال الجلسة التي ستنعقد في الثانية بعد الظهر، لكنها لن تطول حتى لا يلجمها مدفع الإفطار. فجميع النواب
يدركون ان لا إمكانية لإحداث تغيير بنيوي في القانون الذي جاء نتاج مخاض عسير، وأنه سينشر فور إقراره ملحقاً عاجلاً في «الجريدة الرسمية» قبل انتهاء الولاية النيابية الممددة الاثنين المقبل.
وبعد إقرار القانون ينتظر أن تبدأ وزارة الداخلية ورشة التحضير للانتخابات خصوصاً لجهة تأمين البطاقة الانتخابية الممغنطة التي تحتاج الى سبعة اشهر لإنجازها، لأنها تشبه بطاقة الهوية، في الوقت الذي سينصبّ اهتمام مجلس النواب إبتداء من الاسبوع المقبل على التحضير لدرس مشروع قانون الموازنة العامة وإقرارها، والاستعداد لدرس موازنة السنة المقبلة التي باشرت الدوائر المختصة في وزارة المال إعدادها، فضلاً عن الانطلاق في ورشة تشريعية قد تطير معها العطلة الصيفية النيابية.
امّا على الصعيد الحكومي فإنّ الحكومة، وبعدما استراحت من الهم الانتخابي، مع انها لم تحمله لوحدها، يفترض ان تنطلق هي الأخرى في ورشة تتناول معالجة كل القضايا الملحّة من قضية النازحين الى الفلتان الامني الى ملف النفايات فضلاً عن معالجة الشؤون الاقتصادية والمعيشية الضاغطة.
على انّ ملف النفط سيتصدّر كل الاهتمامات بغية الإسراع في تأمين كل مستلزمات التلزيم والتنقيب، كسباً للوقت، خصوصاً انّ هذه العملية تتطلّب سنوات، وذلك للتعجيل في استفادة لبنان من هذه الثروة لمعالجة مشاكله المالية، علماً انّ بري الذي يُبدي الحرص الدائم على الثروة، يصف لبنان إزاءها بأنه كالجائع الجالس وسط مآدب عامرة.
وفيما ينتظر البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي إقرار قانون الإنتخاب قبل ان يُدلي بدلوه، أكّدت مصادر كنسية لـ«الجمهورية» أنّ «صيغة الـ15 دائرة على أساس النظام النسبي جيّدة في هذا الوقت وتؤمّن عدالة التمثيل وتعطي كل ذي حقّ حقّه، والأهمّ أنّ القانون قد حَظي بموافقة الجميع».
لكنها اعتبرت في المقابل أنّ «النسبية على الأمد الطويل قد لا تكون ملائمة للمسيحيين، خصوصاً في المناطق المختلطة لأنّ عدد الناخبين المسلمين يتنامى بشكل أسرع من الناخبين المسيحيين إلّا إذا عادت الديموغرافيا الى توازنها».
ودعت المصادر المسيحيين الى «التصويت في الإنتخابات، فالحجّة التي كانوا يستعملونها سابقاً من أنّ أصواتهم ليس لديها قيمة قد سقطت، فهذا القانون يعطي كل صوت قيمة فعلية. وبالتالي، على المسيحيين في كل لبنان ألّا يتخلّوا عن واجبهم الإنتخابي من ثمّ يشكون لاحقاً من أنهم يغيبوننا عن اللعبة السياسية».
قيادي مسيحي
وأكد قيادي مسيحي لـ«الجمهورية» «انّ الاعتراض على الشوائب الواردة في قانون الانتخاب، ولا سيما منها تفصيل بعض الدوائر على قياس بعض الاحزاب والشخصيات والقوى السياسية، سيدفع بالمعارضين الى خوض معركة شرسة ضد المنتفعين من القانون».
وقال: «انّ تجربة المجتمع المدني اللبناني في أكثر من مناسبة إنتخابية وتجارب الانتخابات الفرنسية الرئاسية والنيابية ستشكّل حافزاً للقوى الاصلاحية لخوض انتخابات تهدف الى محاسبة مُستغلّي السلطة بقانونهم».
واكد «انّ المحاولات الالغائية التي يحاول البعض إمرارها بإسم قانون الانتخاب لن تمر وسيثبت اللبنانيون عموماً، والمسيحيون خصوصاً، تمسّكهم بالتعددية والتنوّع وسيؤكدون انهم يرفضون الثنائيات والأحاديات ويتمسّكون بالديموقراطية التي لا تستقيم من دون أكثرية تحكم ومعارضة تراقب وتحاسب وتصحّح المسارات السياسية».
«القوات»
وقالت مصادر «القوات اللبنانية» لـ«الجمهورية» انّ «التوافق الذي حصل على قانون الانتخاب هو إنجاز وطني حقيقي والأول من نوعه منذ العام ١٩٩٠، و«القوات» لم تترك مناسبة ومحطة ووسيلة إلّا ودفعت في اتجاه إقرار قانون جديد يعيد تصحيح التمثيل والشراكة والمساواة ويزخّم الحياة السياسية.
وبالتالي، فإنّ المؤتمر الصحافي الذي سيعقده اليوم رئيس الحزب سمير جعجع يندرج في هذا الإطار بالذات لجهة تظهير أهمية قانون الانتخاب في التركيبة المجتمعية اللبنانية، وكذلك تظهير الدور الذي أدّته «القوات» لتحقيق هذا الهدف الذي يعيد الاعتبار الى «اتفاق الطائف».
وأكدت المصادر نفسها انّ المؤتمر الصحافي لجعجع «يأتي تتويجاً لمرحلة نضالية طويلة حققت النتائج المرجوّة، وبالتالي سيضيء على المراحل التي اجتازتها «القوات»، ويعرض للصعوبات التي واجهتها والظروف التي دفعتها الى إطلاق مبادرتها، والإجابة عن بعض التساؤلات، والتشديد على أهمية هذا الإنجاز الذي أثبت للمرة التالية بعد انتخاب الرئيس ميشال عون انّ اللبنانيين قادرون على صنع استحقاقاتهم الوطنية من دون تدخلات خارجية من خلال تسويات تعكس التوازن القائم.
ويأتي المؤتمر ليطوي صفحة النضال تحقيقاً للقانون، ويفتح صفحة ترجمة هذا القانون تمثيلاً صحيحاً على أرض الواقع من خلال تزخيم الماكينة الانتخابية «القواتية» التي ستواصل ورشتها الانتخابية مع فارق انها تعمل هذه المرة على أساس قانون واضح وتوقيت معروف».
«الكتائب»
الى ذلك علمت «الجمهورية» انّ رئيس حزب الكتائب اللبنانية النائب سامي الجميّل سيُفنّد مشروع قانون الانتخاب، وسيضع المجلس النيابي اليوم أمام مسؤولياته تجاه الرأي العام، ويطالب بتقصير فترة التمديد والاستفادة من الفترة الفاصلة عن دعوة الهيئات الناخبة لتصحيح كثير من الشوائب التي تعتري قانون الانتخاب.
وعشيّة الجلسة التشريعية عَدّد الجميّل هذه الشوائب، معتبراً انّ القانون «شَوّه مفهوم النسبية بمجرد أن اعتمَدنا الصوت التفضيلي في القضاء». واكد أن «لا وحدة معيار في القانون الجديد»، مشيراً الى أنّ «الهدف من ضَمّ أقضية معينة هو توزيع حصص سياسية».
ورأى «أنّ حقوق المسيحيين باتت تستخدم لإمرار مصلحة خاصة وحزبية»، معتبراً «انّ صوت بعض المسيحيين ليس محترماً من خلال الصوت التفضيلي في مناطق كبنت جبيل وصور والنبطية والضنية والمنية وغيرها». وسأل: «لماذا لم يتم اعتماد «الكوتا» النسائية وما الهدف؟».
وقال: «لماذا يصرّون على فصل صوت المغتربين عن الواقع اللبناني؟ هل لأنه حرّ وغير خاضع للترهيب؟». واعتبر انه «تمّ إقرار البطاقة الممغنطة لتبرير التمديد لمدة سنة». واضاف: «منطق الصفقات ستواجهه القوى التغييرية وسنخوض الانتخابات وسنفوز بها، والناس ستحاسب».
سعيد
وقال النائب السابق الدكتور فارس سعيد لـ«الجمهورية» إنّ «إدخال النسبية الى النظام الانتخابي اللبناني خطوة تقدمية وإصلاحية بامتياز، إنما الخوف هو ان يتمسّك «حزب الله» بكتلته الشعبية والانتخابية التي هي عصيّة على الاختراق بينما هو قادر من خلال النسبية على اختراق كل الكتل الاخرى، فتنتقل الغالبية الانتخابية من يد الى أخرى».
وذكّر بأنّ 14 آذار «خاضَت عام 2005 المعركة بعنوان مواجهة رموز سوريا وانتصرت، وعام 2009 خاضت معركة مواجهة سلاح «حزب الله» وانتصرت، والخوف اليوم مع انهيار 14 آذار وتَشتّت أصواتها ككتلة انتخابية واحدة، ومع قانون النسبية، ان تنتقل الغالبية النيابية من يد الى أخرى فتشكّل ضماناً حقيقياً لبقاء سلاح «حزب الله».
وأعلن سعيد ترشيحه للانتخابات النيابية المقبلة «تحت عنوان الحفاظ على العيش المشترك في جبيل وخصوصية جبيل ـ كسروان السياسية». واعتبر انّ «وصاية حزب الله» الانتخابية والسياسية والعسكرية والعقارية على المنطقة أفسدت الشراكة الاسلامية ـ المسيحية، وعلينا مواجهتها من كل حدب وصوب».
الحريري
وقال رئيس الحكومة سعد الحريري خلال إفطار جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية في البيال: «نعم أنجزنا قانون الانتخاب ولكن مع الجميع، فأنا لست ممّن يدّعون العمل وحدهم، كلا الجميع عمل.
ربما كانت هناك تحديات كبيرة ولكنّ الجميع كان إيجابياً. والأهم بالنسبة إليّ الآن هو الاقتصاد ولقمة العيش وفرَص العمل، وهذا ما يحتاجه اللبناني في نهاية المطاف». واضاف: «نريد أن نعيد البحبوحة إلى البلد.
لذلك علينا جميعاً أن نعمل معاً لأنّ البلد يحتاج إلى ذلك ولأنّ التحديات لدينا كبيرة جداً، خصوصاً أنّ لبنان يأوي حالياً مليون ونصف مليون لاجئ سوري، هذا البلد الصغير يقدّم خدمة لكل العالم، والعالم يجب أن يعرف ذلك.
وأنا حين أسافر وأحضر المؤتمرات سأؤكّد هذه النقطة». وختم: «الانتخابات مقبلة إن شاء الله، وغداً سنذهب إلى مجلس النواب، مع الرئيسين فؤاد السنيورة وتمام سلام والنواب الكرام، وسنصوّت إن شاء الله على هذا القانون الذي أنجزناه بعد عناء طويل، وإن شاء الله مشوارنا معكم مستمر».
«حزب الله»
ومن جهته، اعتبر «حزب الله»، بلسان الوزير حسين الحاج حسن، «أنّ الحجة التي كان يمكن أن تكون في السابق أمام أيّ أحد من السياسيين في أنّ الأولوية هي لإقرار قانون الانتخاب قد انتهَت مع إقفال هذا الملف والتمديد الذي أقرّ لمدة 11 شهراً لمجلس النواب».
واكد انّ على «الحكومة اللبنانية أن تبادر من الآن وحتى الموعد الذي ستجري فيه الانتخابات النيابية سنة 2018، إلى التصدي بحزم للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة في لبنان».