مِن النتائج الأولى لإقرار قانون الانتخاب في مجلس النواب، إشاعة جوّ من الارتياح الدولي بهذا الإنجاز، وفق ما عبّرت عنه مجموعة الدعم الدولية التي استعجَلت إجراء انتخابات سلمية وشفّافة بناءً على هذا القانون، وكذلك ارتياح داخلي لجهة طيّ صفحة التوتّرات السياسية التي سبَقت الولادة، وقد عبّر عن ذلك الرؤساء الثلاثة، فيما بَرز موقف نائب رئيس مجلس الوزراء السابق النائب ميشال المر الذي أكّد أنّه سيفوز في الانتخابات وفقاً لأيّ قانون. وقال بعد مشاركته في جلسة مجلس النواب: «سأفوز بمرّة ونصف مرّة أكثر من غيري، وأنا من مؤيّدي إجراء انتخابات بأسرع وقتٍ ممكن، ولا يجوز أن نبقى في انتظار صياغة قانون، ولغم الصياغة سنة، والشعب سيقول كلمته وليس القوانين، ونحن ننتظر كلمة الشعب». وأكّد أنّ المرشح «يجب أن يكون بتصرّف ناخبيه وأن يخدمهم، ونحن نرحّب بأيّ قانون».
ستسجّل الذاكرة اللبنانية أنّ يوم الجمعة 16 حزيران 2017 هو تاريخ انتقال لبنان من عالمٍ انتخابي ملتبسٍ حُكمُه منذ نشوئه، إلى عالم انتخابي آخر بولادة القانون الانتخابي الجديد على أساس النسبية في 15 دائرة في هذا اليوم.
بعد طول مخاض وكمٍّ هائل من المطبّات وجولات طويلة اختلطَ فيها الكيد بالمزايدات أبصَر القانون الانتخابي الجديد النور. وانتقل البلد إلى حقبة جديدة يفترض أن تنطلق فور نشرِ القانون في الجريدة الرسمية خلال الأيام الخمسة المقبلة.
وعكفَت الدوائر المجلسية على إعداد القانون وفق الصيغة التي أقرّتها الهيئة العامة لمجلس النواب، تمهيداً لإحالة القانون، ربّما اليوم، إلى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون عبر الحكومة لنشرِه.
قد لا يكون هو القانون المثالي الذي يعيد فِعلاً انتظامَ الحياة السياسية في لبنان في الشكل السليم، سواء لجهة إتاحة التمثيل الصحيح لكلّ شرائح ومكوّنات المجتمع اللبناني أو لجهة السلوك الحكومي والمجلسي الجديد، في الاتجاه الذي يؤدّي إلى إعادة بناء الدولة كدولة موفورة الهيبة وكاملة المواصفات.
فهو في نظر المتحفّظين والمعترضين عليه قانون اللحظة الأخيرة، أو قانون صيغَ على عجَل. لكنّ أهل السياسة وفي مقدّمهم الطبّاخون الأساسيون له، اتفقوا على أنّه قانون أفضل الممكن وخطوة إلى الأمام يمكن البناء عليها في اتّجاه تحقيق الطموح الكبير الذي يبدو أنّه يحتاج إلى جهود مضنية ليس الآن بطبيعة الحال بل في المستقبل.
وأهمّية هذا القانون في رأي هؤلاء لا تكمن في مضمونه بقدر ما هي تكمن في أنّه أصبح للبنان قانون انتخابي جديد على أنقاض قانون الستين وكلّ الصيَغ التي تدور في فلكه وكادت تنسف الواقعَ الداخلي.
لقد ولِد القانون في مجلس النواب أمس، وبلا أيّ مغصٍ سياسي أو آلامٍ مبرّحة كتلك التي ترافق عادةً حالات الولادة المستعصية. وبرغم الأصوات الاعتراضية بشكل قاطع التي عبّر عنها حزب الكتائب بشكل أساسي، وصبَّ جام غضبِه على القانون وكيفية إعداده والفترة الزمنية التي استغرقها، وكذلك الأصوات المتحفّظة مع ميلٍ إلى القبول التي عكسَها نوّاب «اللقاء الديموقراطي»، وكذلك بعض النوّاب المستقلين الذين سعوا إلى تصحيح بعض الخلل الذي شابَ المشروع، فقد كانت الولادة طبيعية وبطريقة انسيابية ميسَّرة أخرَجت المولود سليماً مؤيّداً بأكثرية نيابية كبيرة.
المشنوق: لا للممغنطة
وإذا كان حزب الكتائب قد حرصَ على تسجيل اعتراضه على القانون، فقد كان اللافت للانتباه أنّ وزير الداخلية نهاد المشنوق صوّتَ ضد اعتماد البطاقة الممغنطة في الانتخابات المقبلة، وهو أكّد على هذا الاعتراض لـ«الجمهورية»، حيث أشار إلى الواقع الإرباكي الذي ستَخلقه فضلاً عن أنّ عدد المسجّلين حالياً في لوائح الشطب يبلغ 3 ملايين و682 ألف ناخب، متسائلاً كيف سيتمّ توفير البطاقة الممغنظة لكلّ هؤلاء؟ مع الإشارة هنا إلى أنّ النائب بطرس حرب أعطى خلال الجلسة أمثلة عن دول أوروبية وغربية اعتمدت البطاقة الانتخابية إلّا أنّها عادت وتراجعَت عنها، كهولندا على سبيل المثال.
وكان واضحاً أنّ التفاهم السياسي الذي زَرع نطفة القانون النسبي قبل أيام في رحمِ البلد، حَكم مجريات الجلسة التشريعية بالأمس، حيث فَرزها بين أكثرية منبثقة عن هذا التفاهم شكّلت حصناً منيعاً لهذا القانون وبين أقلّية حاولت أن تعبّر عن نفسها بتسجيل اعتراضها على قانون اعتبرَته مشوّهاً بمبدأ النسبية ومفصّلاً على قياسات، فكادت الجلسة تتحوّل في لحظة معيّنة حلبة كباش، بعد الاشتباك الكلامي بين رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل ورئيس الحكومة سعد الحريري الذي انسحب من الجلسة خلال مداخلة الجميّل احتجاجاً على هجومه العنيف على الحكومة وما ورَد على لسانه حول الرشاوى وما إلى ذلك. وأيضاً بعد التوتّر الذي لوحِظ بين نواب الكتائب و«التيار الوطني الحر».
تَهانٍ… ومرحلة جديدة
واللافت مع ولادة القانون أنّ جميع من كانوا تحت قبّة البرلمان أمس، تبادلوا التهاني بالولادة الميمونة؛ كانت التهاني ضمناً، برجوع البلد عن حافة الهاوية التي كان على وشك السقوط فيها بعد 19 حزيران، وأمّا علنًا فلأنّ هذه الولادة دقّت جرسَ الانصراف إلى مقاربة مرحلة التمديد التقني حتى 21 أيار 2018، وهذا يعني تزييتَ الماكينات الرسمية والسياسية والحزبية والمدنية كلّها لتعملَ في أقصى طاقتها والتحضّر ليوم الانتخابات المقرّر نظرياً يوم الاحد 6 أيار 2018.
واللافت أنّه منذ الآن، الذي ورَد على لسان أكثر من نائب هو كيف ستجري هذه الانتخابات؟ فيما أهلُ الخبرة والاختصاص انهمكوا منذ اللحظة الأولى للتفاهم السياسي على القانون في محاولةِ استشراف النتائج التي سيَفرزها في ربيع العام المقبل من دون أن يتمكّنوا من ذلك، ولأنّ من الصعب رسم تلك النتائجِ كونها المرّة الأولى التي يدخل فيها لبنان في زمن النظام النسبي ولو بالشكل المجزّأ الذي أخرِج فيه القانون، فقد صارت تلك المحاولات أشبَه بمحاولات تنجيم لا أكثر.
ربّما هي حسنة القانون الجديد أنّه الأوّل في تاريخ لبنان الذي لا تُعرَف نتائجُه سلفاً، ولا شكلُ الخريطة النيابية التي سيتشكّل منها مجلس النواب المقبل، ولا حجمُ الأكثريات والأقلّيات التي سيفرزها، وكم سيستقبل من القوى السياسية والمجتمعية والحزبية التي كانت محرومة من دخول الندوة البرلمانية على مرّ التاريخ.
مسارُ الجلسة التشريعية أمس لم يحِد عن المتوقّع. رئيس مجلس النواب نبيه بري فتحَ باب النقاش بما هو ضروري وفي صلب القانون، وآثرَ ألّا تغرقَ الجلسة بنقاشات مستفيضة، إذ لم يعد هناك ما يُقال، فما كتِب قد كتِب وما تقرَّر قد تقرّر ولا ينفع معه الكلام، ولذلك كان لا بدّ من إقرار القانون بمادة وحيدة.
وكانت الجلسة التشريعية قد انعقدت في مجلس النواب في الثانية بعد ظهر أمس، وفي نصابٍ مكتمل حكومياً ومجلسياً، واستمرّت حتى الرابعة والدقيقة الخامسة والخمسين، وترافقَت مع تحرّكٍ اعتراضي على القانون من بعض الحراك المدني في محيط البرلمان، تخَلّله اشتباك وتلاسُن بين المعتصمين والقوى الأمنية المولجة حماية ساحة النجمة.
الحريري
إلى ذلك، قال الحريري خلال إفطار أقامه تيار «المستقبل» في جامعة رفيق الحريري في المشرف: «الاتفاق على القانون يفتح موسمَ الانتخابات، وستَسمعون مزايدات وإشاعات وحملات».
أضاف: «هناك من ليست لديهم «لا شَغلة ولا عملة» في البلد إلّا الإساءة لتيار «المستقبل» والطعن اليومي بالحريرية. هذه البضاعة ترانا أكبرَ الخاسرين في الانتخابات، وهي تُفبرك نتائجَ على قياس تمنّياتها! بكلّ بساطة، أقول للجميع: ما مِن قوّة يمكن أن تكسرَ الحريرية الوطنية، والإيام بينّنا، وسترون أنّ تيار «المستقبل» رأسُه مرفوع في الانتخابات، وأقوى الأرقام بالمعادلة السياسية. جمهور تيار «المستقبل» في كلّ لبنان أكبر من أن يُقزَّم، وأقوى من أن يُكسَر!!! وأنا شخصياً مرتاح، ومرتاح جداً.
فرنجية
ورأى رئيس تيار «المرده» النائب سليمان فرنجيه بعد إقرار القانون الانتخابي «أنّ القانون الجديد إنجاز، وليس مشوّهاً».
وردّاً على سؤال، قال: «هذا القانون سيَسمح لتيار «المرده» بزيادة عدد نوّابه».
أضاف: «القانون يحتاج لقراءة أدقّ، وفي قراءتنا الأوّلية، نحن موافقون عليه، ونحن واكبناه وكنّا معه منذ طرحِه في اجتماعات بكركي حتى التصويت عليه اليوم، في حين أنّ «غيرنا راح ورجع».
وقال: «المبدأ الذي اتّفقنا عليه في بكركي كان قانون الـ 15 دائرة، لم يتغيّر القانون منذ طرحِه في بكركي ونحن لم نتكلّم في تفاصيله حينها، وهو ليس مشوّهاً، عندما نسير بقانون يجب على كلّ الأفرقاء أن يكونوا راضين به، وكلُّ الأفرقاء لديهم هواجسُهم ويطالبون بمراعاتها».
ولفتَ إلى أنّ إصدار قانون يعتمد النسبية في هذا الظرف وبهذه الإيجابية يُعتبر إنجازاً بحدّ ذاته، ولكنْ في كلّ قانون هناك سلبية، وعدمُ احتوائه على الكوتا النسائية هو سلبية، فيما هناك 80% من الموضوع إيجابي».
وردّاً على سؤال حول ما إذا كان «المرده» سيترشّح في البترون ضدّ الوزير جبران باسيل، أجاب: «ستكون لنا لائحة مكتملة في كلّ الدائرة، حيث سيكون لدينا مرشّحون أصدقاء ومناصرون، وسنشكّل لائحةً مكتملة».
وحول احتمال مشاركته في لقاء الكتل النيابية في قصر بعبدا، قال: «بالتأكيد سنشارك إذا دعانا الرئيس ميشال عون، وهذا ما قلناه منذ اليوم الأوّل».