بدت طاولة بعبدا التي التأمت لساعات أمس «هيئةً سياسية عليا» للإشراف على عمل الحكومة، حيث أقرّت ما يشبه «خريطة طريق» وورقة عمل لهذه الحكومة للفترة الممتدة حتى الانتخابات النيابية في أيار المقبل. وقد حظيَت هذه الورقة بما تضمَّنته في شقّيها الاقتصادي والإصلاحي بإجماع المشاركين، خصوصاً أنّها تُعنى بالمشاريع التطويرية والإنمائية. فيما نال الشقّ السياسي حيّزاً مستفيضاً من النقاش.
قالت مصادر المجتمعين لـ«الجمهورية» إنّ «الأجواء كانت إيجابية جداً على رغم اختلاف وجهات النظر في نقاط عدة بين الجالسين الى الطاولة» وأكّدت «أنّ الحوار كان واقعياً لأنّ الجميع يدرك دقّة المرحلة».
ورأت «أنّ هذا اللقاء الذي لم تُعقد أيّ لقاءات جانبية على هامشه، يمكن ان يؤسّس لمرحلة وضَعت الجميع أمام قرار الانصراف الى العمل وتنفيذ المشاريع الكبرى بعيداً من الخلافات والتجاذبات، وأن يكون مرجعية تُعتمد عند العرقلة».
وأكّدت المصادر «أنّ هذه الطاولة لن تتوسّع لتصبح طاولة حوار، لأنّ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أبلغَ إلى المعنيين أنّ الوقت هو للعمل وليس لمؤتمرات حوارية دامت سنوات ولم تصل إلى نتيجة».
7 ملاحظات
وتوقّفت مصادر معارضة عند اللقاء وسجّلت إزاءَه الملاحظات الآتية:
أوّلاً: في المبدأ مضمون البيان إيجابي، فلا أحد ضد تأمين الكهرباء والمياه والثروة البترولية وتعزيز الاتصالات والمواصلات.
ثانياً: إنّ القضايا الدستورية لا تقَرّ في ظلّ وجود فئوي ومن دون وجود كلّ المكوّنات، سواء السياسية أو الطائفية.
ثالثاً: قضايا بهذه الأهمّية، من إلغاء الطائفية السياسية الى إقرار اللامركزية الإدارية الى تثبيت المناصفة، تتطلّب عَقد اجتماعات وخلوات وتنظيم مؤتمرات، في حين أنّ الوقت الذي استغرقه لقاء بعبدا التشاوري لم يكن كافياً إلّا لقراءة البيان الختامي وتصحيحه.
رابعاً: في الوقت الذي ساد الارتياح الى وجود اتفاق وإعلان هذا البيان، بدا أنّ هذا الاتفاق مشابه لِما حصَل إبّان إعداد قانون الانتخاب الذي أعِدّ لتبرير التمديد للمجلس النيابي فيما هذا الاتفاق جاء بمثابة منحِ الحكومة ممرّاً جديداً.
خامسا: كان يمكن الوثيقة أن تكون «إعلان نيّات» خارج إطار عمل الحكومة، إذ إنّ لدى الحكومة بياناً وزارياً تلتزمه، فليس لكلّ مجموعة سياسية كلّما التقت أن تُصدر بياناً، فهناك بيان وزاري للحكومة فهل تخلّت عنه واعتمدت وثيقة بعبدا الجديدة.
سادساً: الدعوة كانت موجهة لـ«رؤساء» الوزراء الأعضاء في الحكومة، فما هو بالتالي موقف الوزراء؟
سابعاً: لقد اختصر رئيس الجمهورية جميعَ رؤساء الجمهورية السابقين، كذلك اختصَر رئيس مجلس النواب جميع رؤساء المجلس السابقين، وكذلك فعل رئيس الحكومة، واختصَرت القوى الحاكمة كلّ قوى البلاد الأخرى.
ورقة عمل
وكان لقاء بعبدا قد جَمع رؤساء الأحزاب اللبنانية لِثلاث ساعات برئاسة رئيس الجمهورية وأقرّ ورقة عمل عرضَها عون وسُمّيت «وثيقة بعبدا 2017»، بعد مناقشتها وإدخال تعديلات طفيفة وزيادة بعض النقاط عليها.
وقُسّمت ورقة العمل إلى ثلاثة أقسام: الشقّ الميثاقي، الشقّ الاقتصادي والشق الإصلاحي.
في الشق الميثاقي أكّدت «أنّ لبنان الرسالة يقتضي منّا الاتفاق على استكمال تطبيق وثيقة الوفاق الوطني، خصوصاً في «المواءَمة بين الحفاظ على نظامنا الديموقراطي التعدّدي، وبين تصوّر واضح ومحدّد زمنياً لانتقال كامل نحو الدولة المدنية الشاملة، بما في ذلك كيفية التدرّج من تثبيت التساوي والمناصفة بحسب الدستور بين عائلاتنا الروحية في حياتنا العامة، وصولاً الى تشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية».
وشدّدت على ضرورة «الحفاظ على مقوّمات الوطن اللبناني البنيوية، خصوصاً في ديمغرافيته وجغرافيته، من ضمن وحدته ونهائيته». وركّزَت على منعِ التوطين «المعلن أو المقنّع»، و«إقرار اللامركزية الإدارية في أسرع وقت ممكن».
وفي الشقّ الاقتصادي والإصلاحي ركّزت الورقة على «إطلاق ورشة اقتصادية شاملة تتضمّن أيضاً تأمينَ البنى التحتية وتحسينَها، من كهرباء ومياه، إضافةً إلى المحافظة على الثروة البترولية البحرية وتعزيز قطاع الاتصالات والمواصلات».
وفي الشقّ الإصلاحي شدّدت الورقة على ضرورة إجراء إصلاحات في السياسة والمؤسسات والقضاء والإعلام والتربية.
وشارَك في اللقاء رئيسُ مجلس النواب نبيه بري، رئيس الحكومة سعد الحريري، النائب محمد رعد ممثّلاً الأمين العام لـ«حزب الله» السيّد حسن نصرالله، رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل، رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، الوزير مروان حمادة ممثّلاً النائب وليد جنبلاط الموجود خارج لبنان، رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي علي قانصو، رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية، رئيس الحزب الديموقراطي اللبناني طلال ارسلان، الأمين العام لحزب «الطاشناق» النائب آغوب بقرادونيان.
مداخلات
وكان عون قد افتتح الجلسة مرَحّباً، وقال: «إرتأيت بعد إقرار قانون الانتخاب والتمديد التقني للمجلس النيابي وضعَ ورقةِ عملٍ لكي تكملَ الحكومة عملها، وهناك مواضيع ميثاقية من «وثيقة الوفاق الوطني» وأُخرى إنمائية مبرمجة تحتاج إلى عمل وخطة اقتصادية، وهذا التصوّر أضعُه أمامكم لنبحثَ فيه».
ثمّ تحدّثَ الحريري مشدّداً على «أهمّية التوافق والإجماع على مواجهة الفساد». ودعا إلى «التعمّق في القضايا الميثاقية، ولا سيّما منها إلغاء الطائفية السياسية وإنشاء مجلس الشيوخ».
ثمّ عرَض أرسلان لقضايا تتعلّق بحقوق الطوائف، وخصوصاً الطائفة الدرزية. وطالبَ بزيادة بند إلى الورقة حول إغلاق ملفّ المهجّرين.
وركّز حمادة على أهمّية ما جاء في الورقة ووجَد فيه «ما يُطَمئن اللبنانيين»، لكنّه اعتبَر «أنّ الشقّ الميثاقي دقيق، وأنّ موضوع مجلس الشيوخ يحتاج إلى بحث». ونادى بضرورة تحقيق اللامركزية الإدارية.
واقترَح فرنجية «جعل الورقةِ ورقتين؛ واحدة سياسية والثانية اقتصادية، على أن يبحث لاحقاً في السياسة ويتمّ التركيز على القضايا الحياتية وإطلاق ورشة لدرس سُبل زيادة النموّ».
وركّز قانصو على «أهمّية الدولة المدنية واستبدال الاقتصاد الريعي باقتصاد الإنتاج»، واقترَح الاتّصال مع الحكومة السورية للبحث في عودة النازحين. لكنّ الحريري وجعجع عارَضا هذا الاقتراح.
وأكّد بقرادونيان أن «لا خلاف على مضمون هذه الوثيقة الرئاسية وعلى حقوق الأرمن في الوظائف».
واقترَح جعجع «تأجيلَ البحث في الشق السياسي لأنه يُثير تردّدات سلبية، والأجواء غير مهيَّأة، والتركيز على الشقّ الاصلإحي وما يحقّق النمو الاقتصادي ومكافحة الفساد». وعارَض تشكيل لجنة إلغاء الطائفية السياسية.
من جهته اعتبَر رعد «أنّ الورقة الرئاسية تعكس تصوّراً وطنياً، وأنّ الشقّ الإصلاحيّ فيها مهم لأنه يحدّد أهدافاً وأولويات، ولا بدّ من وضعِ آليات لطريقة مقاربتِها».
أمّا بري فميَّز بين «الطائفية» و«حقوق الطوائف»، ووافقَ على الشقّ الاقتصادي من الورقة كلّه، وعلى مواضيع المياه وتنظيف الليطاني وإزالة التلوّث. وأشار إلى أنّ قوانين عدة صدرَت ولم تنفَّذ، وعدَّد أبرزَها، وسلّم إلى عون والحريري نُسَخاً منها، وقال «إنّ هناك قوانين في حاجة إلى مراسيم تطبيقية».
وفي الشقّ الميثاقي من الورقة الرئاسية قدّم بري مجموعة أفكار حول الهيئة التي تتولّى إلغاءَ الطائفية السياسية وتطبيقَ القوانين النافذة واللامركزية الإدارية وتفعيل هيئات الرقابة.
أمّا باسيل فعرَض تصوّرَه للشقّ الميثاقي من الورقة الرئاسية «خصوصاً وأنّ البلاد تنتقل من مرحلة إلى مرحلة».
مناقشات حامية
وعلِم أنّ نقاشاً دار بين بري وباسيل حول نقطتين: الأولى تتعلق باستحداث مجلس الشيوخ، حيث اعترض بري على ذلك مؤكّداً أنّه طرَح مجلس الشيوخ بالتزامن مع قانون انتخاب لا طائفي وعلى أساس ٦ دوائر، إلّا أنّ القانون لم يقَرّ بهذه الصيغة.
أمّا النقطة الثانية فهي حول المادة ٩٥ من الدستور، خصوصاً حول عبارة «المرحلة الانتقالية»، حيث إنّ باسيل اعتبَر أنّ المرحلة الانتقالية التي أشارت إليها المادة ٩٥ لم تَكتمل بعد ليُصار إلى اعتماد التوظيف من دون قاعدة التمثيل الطائفي في وظائف الدولة باستثناء الفئة الأولى.
في حين اعتبَر بري «أنّ المرحلة الانتقالية انقضَت، وبات من المفروض عدم الالتزام لقاعدة التمثيل الطائفي في الوظائف العامة ما عدا وظائف الفئة الاولى كما نصّت المادة ٩٥».
وفي الختام تمّ التوافق على الورقة الرئاسية بعدما أُدخِلت إليها بعض التعديلات الطفيفة والأفكار التي بَرزت خلال النقاش. وتمّ حذفُ فِقرة إنشاءِ مجلس الشيوخ.
فرنجية
وبعد اللقاء أكّد فرنجية أن «ليس هناك أيّ أمر شخصي» بينه وبين رئيس الجمهورية، وأشار إلى أنّ اتفاقاً تمّ «على تسيير أعمال الدولة، وقد كان الحوار بنّاءً وإيجابياً».
وإذ أوضَح أنه لم يحصل لقاء ثنائي بينه وبين رئيس الجمهورية، أكّد أنّه لا يمانع حصوله، مذكّراً بأنه «منذ اليوم الأوّل قلتُ إنّ رئيس الجمهورية يأمر، ويستطيع أن يأمرَنا للمجيء إلى القصر، وهذا ما حصَل. تلقّينا دعوةً ولبَّيناها. وعندما يَرغب فخامة الرئيس يأمر ونحن نلبّي».
تَجدر الإشارة إلى أنّ عون وفرنجية تصافَحا ولكن لم تُعقد خلوة بينهما، وكذلك حصَلت مصافحة بين فرنجية وجعجع.
سحور معراب
وليلاً، أقام جعجع سحوراً رمضانياً على شرف الحريري في معراب بدأ بعيد منتصف الليل، وإستمرّ حتى الفجر، وجرى خلاله تقييم لقاء بعبدا النهاري، وتركّز البحث على مجمل التطورات الجارية محلياً وإقليمياً ودولياً.