يكاد المشهد الداخلي لا يتّسع لسلسلة التطورات التي تتسارع على غير صعيد. في الميدان، تبدو المعركة التي يشنّها «حزب الله» على إرهابيي «جبهة النصرة» في جرود عرسال، قد وصَلت إلى خواتيمها، ومن ثمّ الانتقال إلى المرحلة الثانية بالتوجّه نحو مجموعات «داعش». وفي السياسة، بدأ رئيس الحكومة سعد الحريري محادثاته في واشنطن تمهيداً للقائه اليوم بالرئيس الأميركي دونالد ترامب. وأمّا في الاقتصاد والمال فدخَل قانون سلسلة الرتب والرواتب المحطة ما قبل الأخيرة قبل النفاذ، والكلمة لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون، إمّا أن ينشر القانون أو يردّه إلى المجلس النيابي لإعادة النظر فيه. وعلى حافة الملف المالي ثمَّة أزمة مرشّحة لأن تكهربَ الحكومة بعدما غرقت بواخر الكهرباء نهائياً، وفق ما تأكَّد من تقرير إدارة المناقصات حول صفقة البواخر، وجاءت نتيجة التقرير مناقضةً لِما يريد أصحاب الصفقة.
في الميدان، واضحٌ تقهقُر جبهة «النصرة» هجوم «حزب الله» لتحرير المنطقة التي يحتلها الارهابيون في الجرود، والمسألة باتت مسألة وقت قصير جداً، للقضاء عليهم. ودلَّ على ذلك بيان «غرفة عمليات المقاومة» الذي أكّد أنّ المعركة مع «النصرة» قد اصبحت على مشارف نهايتها، ودعا الارهابيين في ما تبَقّى من جرود عرسال إلى إلقاء السلاح، «فإنْ أراد من تبَقّى منهم حقنَ دمِه فليُلقِ سلاحه وليُسلّم نفسَه نضمن سلامته».
وبحسب مصادر ميدانية، فإنّ حالات فرار واسعة من صفوف «النصرة» تمّ رصدها اعتباراً من بعد ظهر أمس، حيث استخدم الارهابيون الهاربون درّاجات نارية توجّهوا بها نحو خطوط التماس مع «داعش» في شرق جرد عرسال، فيما فرّت مجموعات اخرى في اتجاه وادي حميد والملاهي حيث مخيمات النازحين قرب عرسال.
وبدا ذلك نتيجةً واضحة لتقدّمِ هجوم «حزب الله» في المنطقة والذي تصاعدت وتيرته في يومه الرابع أمس، حيث حرّر الحزب ما يزيد عن ثلثَي المساحة التي تسيطر عليها «النصرة».
وبحسب الاعلام الحربي، فإنّ مقاتلي الحزب شنّوا هجوماً واسعاً من عدة جهات باتجاه وادي الخيل وحصن الخربة. وسيطروا على كامل وادي المعيصرة وعلى مرتفع قلعة الحصن الذي يشرف بشكل مباشر على مثلّث معبر الزمراني، وعلى وادي الخيل أكبرِ معاقل «النصرة» في جرود عرسال. وكان الحزب قد سيطر على مواقع «النصرة» في وادي معروف – وادي كحيل – وادي زعرور – وادي الدم – وادي الدقايق في جرود عرسال.
ورَفع المقاتلون الرايات تحيةً إلى شهداء المؤسسة العسكرية، وحُملت صورُ الشهداء الذين ذبحتهم «النصرة»: علي السيّد – محمد حميّة – علي البزّال – عبّاس مدلج. كما رَفع مقاتلو الحزب لافتةً مشابهة على مدخل غرفة عمليات «النصرة» في جرود عرسال في مرتفع حقاب الخيل، حيث أدارَ منها أبو مالك التلّي عملياته حتى بداية معارك الجرود.
وقال قياديّ كبير في «حزب الله» لـ«الجمهورية»: «نستطيع ان نقول إنّ الحسم قد تمّ، والتحضيراتُ لجولاتٍ لوسائل الإعلام في المنطقة المحرّرة ستبدأ اعتباراً من اليوم، لكن مع هذا الحسم فإنّ المعركة لا تنتهي هنا، بل ستُستكمل قريباً جداً في الجانب الآخر من الجرود، أي الذي يحتلّه إرهابيّو «داعش» الذين باتوا أمام واحد من ثلاثة خيارات: إمّا أن يستسلموا أو يهربوا أو يُقتلوا، نحن ماضون في تحرير المنطقة وتنظيفها من أيّ أثر للارهابيين».
وإذ تكتَّم القيادي على موعد إطلاق الهجوم في اتجاه المنطقة التي يحتلها «داعش» في جرود رأس بعلبك والقاع، أكّد «أنّ المعركة هنا، أسهلُ من المعركة مع «النصرة» التي لها العدد الاكبر من الارهابيين في الجرود، ومع ذلك تمّ الإطباق عليها في فترة أقلّ ممّا قدّرنا، والإنجازات التي تحقّقت هي أكبر وأكثر ممّا قدّرنا أيضاً. مع انّ عناصر الحزب الذين يقاتلون «النصرة» ليسوا من قوات النخبة، بل هم من قوات التعبئة».
وأضاف القيادي: «لا نستغرب صراخ بعض الاصوات، ومحاولاتها تشويه العملية العسكرية، فهذا لا يعنينا. ما يَعنينا هو انّ هذه المنطقة محتلة، ونعمل على تحريرها من «النصرة» و»داعش»، هنا ينتهي دورنا، وسيتمّ تسليمها بالكامل الى الجيش اللبناني».
إجتماع أمني
وقد حضرَت التطورات الامنية في اجتماع أمني ترَأسه رئيس الجمهورية في قصر بعبدا، في حضور قائد الجيش العماد جوزف عون، الذي قدّم شرحاً مفصّلاً للواقع العسكري الراهن والإجراءات التي اتّخَذها الجيش لحماية الحدود ومنعِ تسللِ الإرهابيين منها وتأمين سلامة المواطنين اللبنانيين والنازحين السوريين. ونوَّه رئيس الجمهورية بالجيش، مؤكّداً أنّ «نتائج التطورات الميدانية الأخيرة ستكون إيجابية وستعيد الأمن والاستقرار إلى الحدود».
وسبقَ الاجتماع صدورُ تقرير اللجنة الطبّية التي كشَفت على جثث السوريين الأربعة الذين أُلقيَ القبض عليهم في منطقة عرسال خلال العملية التي حصلت في 30 حزيران الماضي، وتبيّنَ أنّ وفاتهم ليست ناتجة عن أعمال عنف بل عن مشاكل صحّية مختلفة لكلّ منهم».
برّي
إلى ذلك، أعرَب رئيس المجلس النيابي نبيه بري عن تقديره الكبير لِما يقوم به المقاومون في جرود عرسال، وكذلك ما يقوم به الجيش اللبناني، ولا سيّما في حماية الحدود ومنعِ تسللِ الارهابيين الى الداخل اللبناني.
وقال بري امام زوّاره: «جرود عرسال منطقة لبنانية محتلة، ومن واجبنا ان نحرّرها، وما تقوم به المقاومة هناك من حرب على الارهابيين، تقوم به نيابةً عن كلّ لبنان وعن كلّ اللبنانيين من دون استثناء، تماماً كما كان قتالنا لإسرائيل في الجنوب يعبّر عن كلّ لبنان واللبنانيين».
وأكّد بري «أننا اليوم في وقتٍ تُعبّر فيه الثلاثية الماسية الجيش والشعب والمقاومة عن نفسها في أعلى تعبير، اليوم كما دائماً، الشعب يقف خلف الجيش والمقاومة.
وهناك صورة مشرقة تجلّت في مبادرة أبناء دير الأحمر إلى التبرّع بالدم، هذا ليس غريباً على إخواننا المسيحيين، هم يقومون بمثلِ ما قاموا به خلال عدوان 2006 حينما فتحوا الكنائس والاديرة لاستقبال إخوانهم. إنّ الشعب اللبناني يعرف أين هو الصحّ، وما هو الصحّ، وهذا الذي يقوم به اليوم هو الصحّ بعينِه».
قانون «السلسلة»
على صعيد آخر، وقَّع بري أمس، مشروع قانون سلسلة الرتب والرواتب، ومشروع قانون الموارد اللذين أقرّهما المجلس في جلسته العامة يومَي الثلثاء والاربعاء الماضيَين. وقد أحيلَ القانونان فوراً إلى مجلس الوزراء، على طريق إحالتهما إلى رئيس الجمهورية للنشر.
وفيما أثيرَت بَلبلة نهار أمس، حول ما يمكن أن يُقدِم عليه رئيس الجمهورية، سواء لنشرِ القانونين أو ردِّهما، أو نشرِ أحدِهما وردّ الآخر، قال مواكبون لهذا الموضوع لـ«الجمهورية»:» مِن المبكر الحديث عمّا سيتّخذه رئيس الجمهورية من موقف تجاه قانون السلسلة.
فالقانون لم يصل بعد الى قصر بعبدا، وأمام رئيس الجمهورية مهلة شهر للنظر في مضمونه وإخضاعه للبحث مادةً مادة، وخصوصاً تلك التي تتناول فَرض المزيدِ من الضرائب والرسوم لتوفير موارد السلسلة المالية قبل اتّخاذ القرار المناسب بشأنها».
الحريري
مِن جهة ثانية، باشرَ الحريري أمس لقاءاته في واشنطن بزيارة مبنى الكابيتول ومقرّ البنك الدولي.
وقالت مصادر الوفد اللبناني لـ«الجمهورية» إنّ الحريري «يحمل الى العاصمة الاميركية ثلاثة ملفات: الاستقرار السياسي والاقتصادي، ومواجهة أعباء النزوح السوري، وتجنيب لبنان تداعيات فرضِ العقوبات على جهات لبنانية.
وكشفَت المصادر أنّ الحريري سيعرض على المسؤولين الاميركيين خطة استثمار رأسمالي أعدّها فريق عمل من خبراء واقتصاديين سيطلب على أساسها دعمَ واشنطن وضغطها على المجتمع الدولي لمساعدة لبنان وتحمّل المسؤولية تجاهه في إيوائه هذا العددَ الهائلَ من النازحين، لأنّ البديل هو الفوضى التي تشكّل خطراً على انفلاش الأزمة وعبور النازحين نحو بلدان أخرى».
وأكّدت المصادر أنّ الحريري «سيركّز في محادثاته على دعم الجيش والأجهزة الامنية، لأنّ لبنان يستثمر في الأمن بشكل غير مسبوق. كذلك سيُبلغ المسؤولين في عاصمة القرار التزامَ بلاده تطبيقَ العقوبات مع ضرورة التنبُّه لئلّا تطبّق بطريقة تؤثّر على الاستقرار المالي والسياسي».
طارت صفقة البواخر
على صعيد آخر، وفي تطوّر لافِت، أبحرَت مناقصة بواخر الكهرباء بعيداً، وربّما إلى اللا رجعة، بعدما انتهت إدارة المناقصات من إعداد تقريرها عن استدراج العروض المالية المتعلقة باستقدام توليد الكهرباء العائمة (البواخر)، وانتهت فيه الى عدم جواز أو قانونية فضِّ العروض، بسبب وجود عارضٍ وحيد أو بالأحرى شركة واحدة، وهي الشركة التركية (karpowership).
علماً أنّه، قانوناً، تنتفي المنافسة مع وجود عارض واحد، ولا يعود هناك مبرّر لفتحِ العرض المالي الوحيد، بحسب مصادر متابعة لعمل إدارة المناقصات، التي أشارت الى ثغرات سَجّلها تقريرُها المحالُ إلى وزير الطاقة والمياه سيزار ابي خليل، ولا سيّما لجهة عدم انطباق ما اتّخِذ من إجراءات لاستدراج عروض البواخر على النظام المالي لمؤسسة كهرباء لبنان، لا على قانون ديوان المحاسبة، ولا على قانون المحاسبة العمومية، ولا على الأسُس المنصوص عليها في نظام المناقصات.
وعلمت «الجمهورية» أنّ إدارة المناقصات أحالت تقريرَها إلى وزير الطاقة الذي بات عليه ان يُعدّ بدوره تقريراً مفصّلاً ويَرفعه الى مجلس الوزراء للبتّ به بأسرع ما يمكن، وفق ما نصَّ عليه قرار المجلس الذي أحال ملفَّ البواخر الى إدارة المناقصات، ما يعني أنّ الكرة باتت في ملعب أبي خليل. فهل سيُعِدّ تقريرَه وفق تقرير إدارة المناقصات، أم سيتريّث؟ علماً أنّ هناك من يتحدّث عن ضغوط ما زالت تمارَس من أجل تمرير هذه الصفقة مهما كلّف الأمر!