اليوم عيد الجيش، ولهذا العيد نكهة مميزة هذا العام؛ نكهة بطعم المعنى الحقيقي للشرف والتضحية والوفاء. نكهة بطعم الثأر من آب 2014 والتخلّص من الإرث الثقيل الذي فرضه غدر الارهاب في عرسال، نكهة تعبق منها رائحة سواعد أولئك العسكريين الذين سيرفعون شارة النصر على ما تبقى من مجموعات ارهابية تدنّس التراب اللبناني في جرود راس بعلبك والقاع، نكهة بطعم الوطن. فها هي عيون اللبنانيين، كل اللبنانيين شاخصة الى ابنائهم، وقلوبهم تنبض معهم من أدنى رتبة فيهم الى اعلاها وتمدّهم بالسلاح الاقوى؛ سلاح الالتفاف حول الجيش واحتضانه وشد أزره في ميدان الشجاعة والوطنية واستعادة الارض المخطوفة وتطهيرها من نجاسة إرهاب لا يتقن لغة الّا لغة الفتنة والتخلف والدم والذبح وقطع الرؤوس.
ها هو الجيش المرابط على الحدود وفي كل بقعة من لبنان صوناً لأمنه واستقراره، اكثر حضوراً وثباتاً، واكثر ثقة بالنفس، واكثر جهوزية وتصميماً وإرادة والتزاماً بشعار الشرف والتضحية والوفاء، وبقسمه الذي قطعه لتحقيق النصر المبين في حربه على الارهاب.
ها هو يتقدّم في معمودية النار دفاعاً عن لبنان ومنعاً لسقوطه، ويثبت انه كان وما زال يشكّل آخر معالم الحفاظ على الدولة والكيان، صمد في أخطر المراحل، ولم يسقط امام الارهاب، ولم يتراجع بل قدّم مثالاً للعالم كله بأنّه الذراع الاساس في محاربة هذا الارهاب البغيض.
وفي العيد يقف الجيش شامخاً امام إنجازات كبرى حققها بإمكانات اقل من متواضعة، وَفّرت الامن والامان للبنانيين، وعينه ما زالت ساهرة في الداخل ويَقظة على الحدود، متجاوزاً تلك المطبّات والمعوقات التي حاولت تلك الاصوات النشاذ، النافخة في نار التشكيك والتحريض أن تزرعها في طريقه، لكنها لم تحرفه عن القيام بمهامه وبما تقتضيه المسؤولية الكبرى الملقاة على عاتقه، في الوصول بلبنان الى برّ الامان الذي يتوخّاه كل لبناني، وعودته كما كان بلداً جميلاً آمناً سليماً معافى مُصاناً ولا مواطن فيه خائفاً على حاضره وقلقاً على مستقبله.
وفي العيد ترسم خريطة الانتصار المنتظر، فها هي عرسال تعود الى الوطن، وتخلع عنها ثوب الارهاب وتسقط تلك الرايات المظلمة التي استباحتها، وترفع راية الجيش، وها هي جرود راس بعلبك والقاع تنتظر تلك اليد التي ستعيدها الى أحضان الوطن، وما انبلاج الفجر الّا قريب.
في هذه الصورة، جاء «أمر اليوم» في العيد الثاني والسبعين للجيش، الصادر عن قائد الجيش العماد جوزف عون حيث قال فيه: عيون اللبنانيين شاخصة إلى شجاعتكم وبسالتكم في الميدان، تقدّمون التضحيات الجسام دفاعاً عن أرضكم وشعبكم وعلم بلادكم. أنتم من يضع الخطوط الحمر أمام كلّ من يحاول زعزعة الأمن والنظام، وضرب المؤسسات، والعبث بالحياة الديموقراطية روحاً وممارسة.
الإحتفال الرسمي
الى ذلك، وبعد غياب 3 سنوات، يحيي لبنان اليوم العيد في احتفال رسمي يقام في الكلية الحربية في اليرزة بحضور رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وأركان الدولة اللبنانية، حيث يتخلله عرض عسكري وتسليم السيوف للضباط المتخرجين البالغ عددهم 226 ضابطاً.
وسيلقي رئيس الجمهورية العماد ميشال عون خطاباً في المناسبة، يتناول فيه دور الجيش والمسؤوليات الكبرى الملقاة على عاتقه، مركّزاً على الرهان الكبير على المؤسسة العسكرية في هذه المرحلة بالذات لضبط الوضع الأمني على الحدود الشرقية والجنوبية.
كما سيتناول رئيس الجمهورية الإنجازات التي حقّقها الجيش على مستوى الأمن الإستباقي بالتنسيق والتعاون مع مختلف القوى والأجهزة العسكرية والأمنية في سبيل تحرير الأرض ودَحر الإرهاب وتفكيك الشبكات الإرهابية والرهان على تعزيز هذا الدور مع المزيد من الإنجازات المتوقعة على كل الساحات التي كلّف بأمنها. كما انه سيشدد على أهمية تضامن اللبنانيين في مواجهة الأخطار المحيطة بنا من كل جانب.
وهو سيدعو اللبنانيين ليكونوا يداً واحدة في هذه المواجهة الصعبة لحماية لبنان والحفاظ على الأمن والإستقرار والعمل ليسود القانون والنظام على كل الأراضي اللبنانية.
الـ«سيسنا» تضرب
الى ذلك، يسود منطقة راس بعلبك والقاع حال من الترقّب للعملية العسكرية المنتظرة ضد مجموعات «داعش» المتمركزة في جرودها، في وقت اكتملت فيه إجراءات الجيش وتحضيراته استعداداً لهذه المعركة.
وقد واصلت وحدات الجيش استهداف المجموعات الارهابية في تلك الجرود، بالقصف المدفعي والصاروخي. ولفت الانتباه أمس، إدخال الجيش لأسلحة متطورة تمثّلت في إشراك سلاح الجو اللبناني فيها، حيث أغارت طائرة عسكرية لبنانية من نوع «سيسنا» على أهداف لـ«داعش» في جرود رأس بعلبك والقاع واستهدفتها بخمسة صواريخ جو- ارض.
مصدر عسكري
وقال مصدر عسكري لـ«الجمهورية» انّ الغارة حققت إصابات مباشرة، وأوقعت عدداً من القتلى في صفوف «داعش». وشدّد على أنّ «استهداف «داعش» مستمرّ فهو لم يتوقّف في السنوات الماضية ولن يتوقّف الآن».
ولفت المصدر الى أنّ «الخطط النهائية لمعركة طرد عناصر «داعش» إنتهت، والحشد العسكري اكتمل، امّا ساعة الصفر فتحددها القيادة وفق تقديراتها. وبالنسبة للغارة الجوية، فهي تؤكّد مدى جهوزية الجيش، وقدرته على استخدام كافة الأسلحة بما فيها سلاح الجوّ في المعركة المقبلة».
وفي السياق قال مرجع سياسي لـ«الجمهورية» انّ التأخير الذي حصل في إنهاء ملف جرود عرسال ونقل إرهابيي النصرة وعائلاتهم من المنطقة، هو الذي أخّر المعركة، الّا انها لا بدّ حاصلة ليكتمل النصر».
عرسال
الى ذلك، أعلن الاعلام الحربي التابع لـ»حزب الله» عن تأجيل إتمام المرحلة الثانية من عملية التبادل بين الحزب و«جبهة النصرة» برعاية الأمن العام اللبناني، الى اليوم الثلثاء، لأسباب لوجستية واكتمال وصول كامل الحافلات الى نقطة وادي حميد التي ستتولى نقلهم، علماً انّ الحافلات التي وصلت بالأمس ليست كافية لنقل الأعداد الكبيرة من المسلحين والمدنيين الراغبين بالمغادرة والذين أصبحوا بالآلاف.
وفيما رجّحت مصادر مواكبة لهذه العملية ان تستغرق بعض الوقت، اي بضعة ايام نظراً للعدد الكبير للمغادرين، أعلن الاعلام الحربي انّ الاجراءات التنفيذية تتمّ وفق ما يلي:
ـ الجيش اللبناني، يبدأ بإدخال الحافلات التي تجمّعت في عقبة الجرد في عرسال إلى نقطة التجمّع الأخيرة حيث سيبدأ بإخلاء مسلحي «جبهة النصرة» مع عوائلهم.
ـ الحافلات ستسلك الطريق من جرود عرسال باتجاه فليطة السورية عبر بعض الطرقات الوعرة، حيث عمدت المقاومة الى استصلاح بعضها لتسهيل عملية المرور.
– الحافلات ستتجه من فليطة إلى طريق حمص الدولي وصولاً الى حلب.
ـ الهلال الاحمر السوري، الذي وصلت سياراته الى فليطة، سيرافق الحافلات مع الصليب الأحمر الدولي.
ـ عملية التبادل ستتم في حلب حيث يدخل مسلحو «النصرة» مقابل خروج أسرى المقاومة.
على الصعيد ذاته، أعلن الاعلام الحربي انّ عناصر «حزب الله» عثروا على وصيّة أمير جبهة النصرة في القلمون أبو مالك التلي، حيث تبيّن انه كتب فيها بخط يده آخر أوامره قبل فراره من وادي الخيل في جرود عرسال بلبنان، حيث ورد فيها: «في حال قُتلت… يتمّ تشكيل مجلس شورى ومن خلاله يتمّ تعيين أمير عام للجبهة».
السلسلة
سياسياً، عاد ملف سلسلة الرتب والرواتب الى الواجهة مجدداً مع تسلّم رئيس الجمهورية القانون المتعلق بها، بالاضافة الى قانون الضرائب الذي أقرّ معها.
وقد زاد منسوب التساؤلات في شأن مصير السلسلة والضرائب الملحقة للتمويل، بعدما اتّضح أمران:
الأول، انّ حجم الاضرار وعدد المتضررين لا يُستهان به ويستحق اعادة النظر.
الثاني، انّ رئيس الجمهورية بات مقتنعاً بضرورة إعادة درس هذا الموضوع، بدليل انه أبلغ زواره امس انه سيجري مع رئيس الحكومة سعد
الحريري والوزراء، في الجلسة التي يعقدها مجلس الوزراء عند الحادية عشرة والنصف قبل ظهر بعد غد الخميس، تقييماً للواقع الذي استَجدّ بعد إقرار مجلس النواب لسلسلة الرتب والرواتب والاحكام الضريبية الجديدة، وذلك في ضوء ردود الفعل المتفاوتة التي برزت على مختلف الاصعدة.
وأشار رئيس الجمهورية الى انّ ثمة ملاحظات طرحت في اكثر من قطاع لا بدّ من درسها برويّة ومسؤولية وبعيداً من المزايدات السياسية والاعلامية، لأنّ الأمر يتعلق بالسلامة العامة لمالية الدولة من جهة، وبالاستقرار الاجتماعي والاقتصادي من جهة ثانية، إضافة الى كون التشريعات التي أقرّها مجلس النواب على صِلة مباشرة بحقوق العمال والموظفين ومكتسباتهم، والمسؤوليات الملقاة على عاتقهم، فضلاً عمّا تُرتّبه على الدولة من موجبات.
هذا الواقع بات يسمح بالاستنتاج انّ مسألة ردّ قانون السلسلة والضرائب من قبل رئيس الجمهورية باتَ وارداً بقوة، لمعالجة الثغرات وتخفيف التداعيات التي برزت في الفترة التي تلت إقرار المشروع في المجلس النيابي. وستكون جلسة مجلس الوزراء يوم الخميس فاصلة في هذا الملف. (تفاصيل ص 11)
الجدير ذكره هنا انّ رئيس الجمهورية لم يحدد موقفه النهائي بعد من موضوع ردّ القانون أو عدم رده، وهذا ما أكدته لـ«الجمهورية» دوائر قصر بعبدا، التي تجاوزت «سلسلة التسريبات والتوقعات حول هذا الامر، وقالت: أمام الرئيس مهلة شهر للبتّ بالقانون وهو سيخضعه للدرس».
يشار هنا الى انّ الدستور في المادة 57 منه، يعطي لرئيس الجمهورية حق طلب إعادة النظر في القانون مرة واحدة ضمن المهلة المحددة لإصداره ولا يجوز أن يرفض طلبه.
وعندما يستعمل الرئيس حقه هذا يصبح في حلّ من إصدار القانون إلى أن يوافق عليه المجلس بعد مناقشة أخرى في شأنه، وإقراره بالغالبية المطلقة من مجموع الأعضاء الذين يؤلفون المجلس قانوناً (الاكثرية المطلقة 65 نائباً)، امّا في حال انقضاء المهلة من دون إصدار القانون أو إعادته يعتبر القانون نافذاً حكماً ووجب نَشره.
بري
وقال رئيس المجلس النيابي نبيه بري امام زواره أمس، ردّاً على سؤال عن إمكان ردّ رئيس الجمهورية للسلسلة وقانون الضرائب الى مجلس النواب: هذا حق دستوري لرئيس الجمهورية، وبالتالي له ان يتخذ القرار الذي يراه مناسباً.
واضاف رداً على سؤال آخر: سبق وقلنا انّ السلسلة هي حق طبيعي عمره خمس سنوات، ويجب ان يحصل عليه أصحابه ومستحقوه.
ورفض مبادرة بعض التجار والمدارس الى رفع الاسعار والاقساط، وقال: هذا امر لا يجوز ابداً ولا يمكن ان نقبل به، وهنا أؤكد انّ هذه مسؤولية الحكومة في اتخاذ الإجراء الصارم بحق هؤلاء.