غداةَ التحذير الأميركي للبنان من مغبّة التنسيق مع «حزب الله» والجيش السوري، في معركته المنتظرة ضدّ «داعش» في جرود رأس بعلبك والقاع، بَرزت أمس مطالبة أميركية للأمم المتحدة بتعزيز قدرات قوات «اليونيفل» التابعة لها والعاملة في جنوب لبنان والتزامها التحقيقَ في «انتهاكات» «حزب الله» في الجنوب والإبلاغ عنها. وفي غمرة الاهتمام بالأوضاع على الحدود الشرقية والجنوبية، اتّجَهت الأنظار مساء أمس إلى كسروان، وتحديداً إلى ملعب ذوق مكايل مع انطلاق الصافرة الأولى لبطولة أمم آسيا لكرة السلّة التي يستضيفها لبنان، ويُعتبَر هذا الحدث الرياضي بمثابة إعطاء ثقة لبلدِ الأرز في غمرة المشكلات الأمنية التي تعصف بالمنطقة.
شكّلت انطلاقة بطولة آسيا لكرة السلّة في حضور رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، متنفّساً للّبنانيين وسط آمالٍ ملقاةٍ على عاتق منتخب الأرز لتحقيق الميدالية الذهبية وتتويجه بطلَ أكبر قارة من حيث عدد السكّان في العالم.
ويحتشد اللبنانيون خلف منتخبهم الوطني الذي حقّقَ فوزَه الأوّل على كوريا الجنوبية (72-66)، وخَلف جيشِهم الذي ما زال يسدّد الضربات للإرهابيين في الجرود ويلاحق الخلايا الداعشية، في وقتٍ يَحظى بدعم المجتمع الدولي، حيث تؤكّد مصادر عسكرية لـ«الجمهورية» أنّ «الذخيرة التي باتت في عهدة الجيش من دول عدّة، وخصوصاً من الأميركيين والبريطانيين، تكفي لخوضِه حرباً طويلة الأمد ستكون نهايتها النصر الأكيد، فيما معنوياته مرتفعة وهو متحمّس لخوض هذه المعركة المصيرية وتثبيت قدرته على حماية البلد من دون الحاجة إلى أحد».
الحدود الشرقية
وأكّدت مصادر واسعة الاطّلاع لـ«الجمهورية» أنّ «الخطوات العملية التنفيذية لِما وصَفتها المعركة الحتمية في جرود رأس بعلبك والقاع قد اكتملت جدّياً.
أمّا في ما خصّ بدءَ المعركة فهذا ما سيُخبر عن نفسه بنفسه». وتحدّثت المصادر عن «استياء كبير يَغمر القيادة العسكرية من بعض الكلام الإعلامي والتحليلات التي ترسم سيناريوهات وتخيّلات لا صلة لها بالواقع ومن شأنِها فقط إرباك وتشويشُ الأجواء المحيطة بهذا الأمر».
وعلى حدّ قول مسؤول كبير لـ«الجمهورية» إنّ «كلّ الكلام الاعلامي يرتدّ سلباً على الجيش وما يقوم به من تحضيرات. ومع الأسف، إنّ بعض التحليلات الإعلامية تَقدّم أصحابُها وكأنّهم أصبحوا جميعاً خبراء عسكريين، بينما أقلّ الواجب لهؤلاء أن يسكتوا ويتركوا الجيش وشأنه».
ولفتَت المصادر الى أنّ «هذه المعركة توجب بالدرجة الأولى التفافاً كاملاً حول المؤسسة العسكرية ومغادرة جميع السياسيين مواقفَ المزايدة والمكايدة، لأنّ الوقت ليس لهذا الأمر. هناك حرب ومعركة فاصلة ويجب أن تُعدَّ كل العدّة السياسية والعتادية والمعنوية دعماً للجيش لكي ينتصر في هذه المعركة».
وعن الدعوات إلى تنسيق لبناني ـ سوري في هذه المعركة قالت المصادر: «يجب أن يكون معلوماً أنّ الجيش هنا هو صاحب القرار الأوّل والأخير. هناك أرض لبنانية يحتلّها إرهاب والجيش سيتعامل معه كما يجب».
مجلس الدفاع
وفيما تكتَّمت مصادر المجلس الأعلى للدفاع عن مجريات النقاش والقضايا التي تناوَلها في اجتماعه أمس برئاسة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في القصر الجمهوري، وصَفت مصادر وزارية شارَكت في هذا الاجتماع البحثَ بأنّه «كان عميقاً ومسؤولاً وطرحت خلاله ملفّات شديدة الحساسية تتطلّب مقاربةً دقيقة وعميقة يُتوخّى منها الوصول الى النتائج المرجوّة في ترسيخ الأمن اللبناني عموماً».
وذكرَت هذه المصادر «أنّ منطقة الجرود بشقَّيها جرى تقويمُها بالتفصيل وفق تقارير حول ما جرى وما قد يَجري في جرود منطقة رأس بعلبك، وكان هناك ارتياح شامل إلى طردِ «جبهة النصرة» من جرود عرسال وتقويم جدّي لدور الجيش اللبناني في تلك المنطقة». إلّا أنّ المصادر لفتت الى أنّ أفكاراً عدة طرِحت للنقاش خلال الاجتماع ومِن ضمنِها ضرورة التنسيق اللبناني ـ السوري.
وفي السياق، عرض رئيس الحكومة سعد الحريري مع قائد الجيش العماد جوزيف عون للأوضاع الأمنية ولا سيما الوضع في منطقة القاع في البقاع الشمالي، واطلع منه على الإجراءات التي ينفذها الجيش اللبناني لمواجهة مسلّحي تنظيم «داعش» المتمركزين في جرود المنطقة.
«القوات»
وشدَّدت مصادر «القوات اللبنانية» على أنّ «التواصل مع النظام السوري مرفوض، ولن يتمّ ولن يحصل، فالنظام السوري مُدان من شعبِه قبل أيّ طرف آخر، ومُدان كذلك من الشعب اللبناني انطلاقاً من ممارساته في 3 حقبات أساسية: حقبة الحرب اللبنانية، حقبة احتلاله للبنان وحقبة محاولة عودته إليه عن طريق محاولات أمنية شهدناها بأمّ العين من خلال تفجيرات الوزير ميشال سماحة ومن خلال تفجيرات المسجدَين في طرابلس».
وقالت المصادر لـ«الجمهورية»: «شهدنا أخيراً ثلاث محاولات ترمي إلى إمرار التنسيق بين لبنان وسوريا بهدفِ إخراج النظام السوري من عزلته السورية والعربية والدولية:
• المحاولة الأولى كانت مع ملف اللاجئين السوريين، وقد قُطِعت الطريق عليها سريعاً داخل الحكومة من خلال «القوات اللبنانية» وتيار «المستقبل» و«الحزب التقدمي الاشتراكي» برفض أيّ تنسيق في هذا الموضوع، خصوصاً أنّ اللاجئين السوريين هم في معظمهم من المعارضة ويَرفضون العودة على يد النظام، فيما على مؤيّدي النظام الذين يذهبون يومياً إلى سوريا العودة اليوم قبل الغد.
• المحاولة الثانية، كانت وما زالت من خلال التنسيق بين الجيشين اللبناني والسوري في معارك الجرود للقول بأنّ الجيش اللبناني بغطاء من السلطة السياسية ينسّق مع الجيش السوري المغطّى من سلطته السياسية، الأمر الذي ردّت عليه المصادر العسكرية على اختلافها في الجيش اللبناني بالتأكيد أن لا تنسيق بين الجيشين اللبناني والسوري لا في الأمس ولا اليوم ولا غداً، الأمر الذي شدّدت عليه أيضاً السلطة السياسية بأنّ هذا التنسيق مرفوض رفضاً باتاً إنْ في جرود عرسال أو في جرود رأس بعلبك والقاع.
• المحاولة الثالثة، كانت من خلال القول إنّ هنالك موجةً جديدة من الانفتاح المستجدّ لوزراء في الحكومة اللبنانية بالذهاب الى دمشق للتعاون مع نظرائهم السوريين، وفي الواقع هذه ايضاً تندرج في سياق الترويج المتعمَّد للقول أنّ العلاقات طُبّعت بين لبنان وسوريا، الأمر الذي تنفيه كلّ الوقائع، بينما هذه المحاولة الأخيرة على حقيقتها هي تنسيق بين مكوّنات محور الممانعة، وهو تنسيق أساساً قائمٌ منذ زمن طويل ولم تَحُل دونه لا الحكومة الحالية ولا الحكومة السابقة ويندرج ضمن التحالف بين مكوّنات هذا المحور.
وبالتالي فإنّ توجُّه وزراء لبنانيين الى سوريا لا يقدّم ولا يؤخّر، وهؤلاء من خلال حضورهم في سوريا، لا يمثلون السلطة السياسية مجتمعةً بل يمثّلون أشخاصَهم وأحزابَهم، وهم لا يوقّعون معاهدات مع النظام السوري، وبالتالي حضورهم أو مشاركتهم هي بصفة شخصية من ضمن الوزارات الموكلة إليهم ولكنّهم لا يوقّعون معاهدات بين لبنان وسوريا ولا يمثّلون موقف الحكومة الرسمي، وبالتالي كلّ هذه المحاولات باءَت بالفشل».
الحدود الجنوبية
ومِن الحدود الشرقية إلى الحدود الجنوبية، وفيما يستعدّ مجلس الأمن الدولي لتجديد ولاية قوات حفظ السلام الدولية («اليونيفيل») العاملة في الحنوب نهاية الشهر الحالي بقرار ستعدّه فرنسا، وهو يتناول نطاقَ عمل «اليونيفيل» وصلاحياتها، أعلنَت الولايات المتحدة الاميركية أنّها ستواصل التركيزَ على التهديد الذي يشكّله «حزب الله» ودعَت بعثة «اليونيفيل» في لبنان الى الإبلاغ عن انتهاكاته للقرار 1701.
وأكّدت المندوبة الأميركية في الامم المتحدة نيكي هايلي في بيان أنّها تريد من قوة حفظ السلام الأممية العاملة في جنوب لبنان توسيعَ مهمّاتها والتحقيق في انتهاكات مزعومة لميليشيا «حزب الله»، وأعلنَت أنّها ستسعى لإجراء «تحسينات ملحوظة» في تفويض اليونيفيل.
وقالت: «نشارك الامين العام رغبتَه القوية لتحسين جهود «اليونيفيل» بغية منعِ انتشار الأسلحة غير الشرعية في جنوب لبنان». وشدّدت على أنّ «الأسلحة المحظورة في منطقة عمل «اليونيفيل» هي في معظمها تابعة لإرهابيي «حزب الله» وتشكّل تهديداً للأمن والاستقرار في المنطقة».
وأضافت «إنّ على «اليونيفيل» أن تزيد قدراتها والتزاماتها للتحقيق في الانتهاكات التي يسبّبها سلاح «حزب الله» للقرار 1701»، مشيرةً إلى أنّ الولايات المتحدة «ستواصل التركيزَ على التهديد الذي يشكّله «حزب الله»، فيما تساهم في تحسين عمل «اليونيفيل» عند تجديد ولايتها آخر الشهر الحالي».
وكان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش قد أبلغَ الى مجلس الأمن في رسالة أنّه يدعو «إلى نزع سلاح المجموعات المسلحة في لبنان، وإلى دعم قدرات الجيش اللبناني وسلطة الحكومة اللبنانية»، مشيراً إلى أنه «يدرس سبلَ تعزيز قدرة «اليونيفيل» لمواجهة الانتهاكات المتمثلة بوجود أسلحة وبُنية تحتية غير شرعية في منطقة عمل القوّة الدولية».
«السلسلة» مجدداً
وفي وقتٍ ما زال الانتظار هو السيّد في موضوع قانون سلسلة الرتب والرواتب، شكّلَ الموقف الذي أعلنَه تكتّل «التغيير والإصلاح» أمس، إشارةً إلى توجّهات رئيس الجمهورية إزاء هذا القانون، ويبدو أنّه سيكون أمام خيارين: إمّا توافق القوى السياسية على إجراء تعديلات في قانون السلسلة لمعالجة الشوائب بواسطة قوانين معجَّلة، وإمّا ردّ القانون بكامله لإعادة مناقشة الثغرات القائمة فيه ومعالجتها.
وكان النائب آلان عون قال بعد اجتماع «التكتل» أنْ «تبيَّنَ أنّ السلسلة بحاجة لبعض التعديلات في بعض المواد، وهناك حلّانِ، إمّا أن تُردّ السلسلة بكاملها، أو أن يتمّ البحث في التعديلات والاتفاق عليها».
وأضاف: «قد نكون اليوم بحاجة لأن تلتئمَ اللجنة التي كانت ممثّلة للكتل لتبحثَ في التعديلات بمعزل عن أيّ صيغة، ونتمنّى أن تحصل مبادرة بهذا الموضوع لخلقِ تفاهمٍ سياسي حول التعديلات التي ستجرى في قانون السلسلة وقانون الإيرادات».
برّي
وقال رئيس مجلس النواب نبيه بري العائد من طهران أمام زوّاره أمس إنّه ما زال ينتظر ما سيقرّره رئيس الجمهورية في هذا الشأن. وأضاف: «لا أصدّق أنّ رئيس الجمهورية يمكن أن يقدِم على خطوة ردّ السلسلة إلى المجلس لأنّها حقّ لمستحقّيها، هذا مع الإشارة إلى أنّ له صلاحيةً دستورية تخوّله اتّخاذَ الموقف الذي يراه مناسباً وفقَ أحكامها». وأشار إلى أنّه «في حال تمّ الردّ فإنّ المجلس سيمارس دورَه في هذا المجال وسيَدرس أسبابَ الرد ويتّخذ القرار في شأنها».
من جهة ثانية، أكّد بري أنّه في صَدد الدعوة الى جلسة تشريعية لمجلس النواب قريباً (ربّما الأسبوع المقبل) لدرس جدول الأعمال المتبقّي من الجلسة السابقة التي أقِرّ خلالها قانون السلسلة ومواردها، وقال إنّه ما زال ينتظر انتهاءَ لجنة المال من درس مشروع قانون الموازنة العامّة الذي في حال أحيلَ إليه سيَحظى بالأولوية على كلّ المشاريع الأخرى ويُطرح في الهيئة العامة لإقراره مع الأمل في أن يكون ذلك قبل نهاية الشهر الجاري.