فيما دخلت معركة الجيش لتحريرِ جرود رأس بعلبك والقاع من إرهابيّي «داعش» في ربع الساعة الأخير بعد إنجاز تحرير جرود القاع وبقاء بعض الجيوب في «الرأس»، كانت تدور في مجلس النواب مناقشة نيابية للحكومة توسّلَ بعضُ المتكلّمين فيها الإشادةَ بإنجازات الجيش ليخطبَ ودَّ الناخبين على رغم مسافة التسعة أشهر من موعد الانتخابات، فيما هاجَم البعض الآخر الحكومة للغاية نفسِها من دون أن يَطرح الثقة، لاستحالةِ الدخول في تغييرٍ حكوميّ في هذه العجالة.
ولم يحجب غبار معركة الجرود وتسارُع الإنجازات التي يحقّقها الجيش اللبناني، الاهتمامَ عن متابعة الملفات الداخلية وفي مقدّمها الملفات المعيشية والاقتصادية، في ضوء بدءِ تطبيق قانون سلسلة الرتب والرواتب وقانون الضرائب بَعد نشرهما في «الجريدة الرسمية» في ملحقٍ خاص.
وتجلّت أولى مفاعيل هذا التطبيق في تمديد الدوام الرسمي للموظفين حتى الساعة الثالثة والنصف يومياً، وانعكاساً سريعاً في غلاء أسعار السلع، في وقتٍ استطاع حزب الكتائب جمعَ ثمانيةِ تواقيع حتى الآن للطعنِ بقانون الضرائب أمام المجلس الدستوري. ويبقى هذا الطعن في حاجة الى توقيع نائبَين أبدَت اوساط الحزب تفاؤلَها بتأمينهما في ضوء الاتصالات المستمرة.
جبهة الجرود
وعلى صعيد عملية فجر الجرود في رأس بعلبك والقاع أكّدت مصادر عسكرية لـ»الجمهورية» أنّ «قوّة «داعش» انهارت ولم يعد هناك سوى بعض البقع التي تحتاج الى بعض الوقت»، مشدّدةً على أنّ «الجيش الذي حضَّر هجوماً برّياً وجوّياً محكماً وحشَد الآلاف من جنوده لم يكن ينتظر هذا الانهيار السريع وتقهقُر صفوف «داعش»، لكنّه كان مستعدّاً لكلّ الاحتمالات، وما حصَل يؤكّد أنّ الجيش لا يخاف المواجهة، ويقاتل لحماية كلّ لبنان وقادر على تحقيق الانتصارات وحماية الحدود والداخل».
ولفتَت المصادر العسكرية الى أنّ «الجيش سينكبُّ على تنظيف الجرود من الألغام ومخلّفات «داعش»، وسيَستكمل تحرير الـ 20 كيلومتراً مربّعاً من بقايا «داعش» بعدما حرَّر 100 كلم2، ولن يبقى أيّ بقعة للإرهابيين».
وأوضَحت أنّ «القرار السياسي الممنوح للجيش وتعاطُف اللبنانيين والدعم الدولي أمورٌ ساهمَت في تحقيق النصر»، لافتةً الى أنّ «ساعة إعلان الانتصار النهائي باتت قريبة جداً، لكنّ هذا النصر لا يكتمل قبل معرفة مصير العسكريين».
وكانت وحدات الجيش قد نفّذت، ومنذ فجر أمس، وتحت غطاء جوّي ومدفعي مكثّف، المرحلة الثالثة من عملية «فجر الجرود» على محورَين رئيسيّين، حيث تمكّنت في نهاية النهار من تحقيق هدفِها وهو إحكام السيطرة على كلّ البقعة الشمالية لجبهة القتال حتى الحدود اللبنانية – السورية، والتي تضمّ: تلة خلف (1546)، رأس الكف (1643)، رأس ضليل الضمانة (1464)، قراني شعبات الإويشل (1500)، المدقر (1612)، مراح درب العرب (1400)، قراني خربة حورتة (1621)، مراح الدوار (1455)، الدكانة (1494)، وبذلك بلغت المساحة التي حرّرها الجيش أمس نحو 20 كلم2، وبلغت المساحة المحرّرة منذ بدء معركة فجر الجرود وعمليات تضييق الطوق نحو 100 كلم2 من أصل 120 كلم2.
واستُشهد خلال العمليات العسكرية أحد العسكريين وأصيبَ أربعةٌ آخرون نتيجة انفجار نسفيةٍ مفخّخة، فيما أسفرَت هذه العمليات عن تدمير 9 مراكز للإرهابيين تحتوي على مغاور وأنفاق وخنادق اتّصال وتحصينات وأسلحة وذخائر وأعتدة عسكرية مختلفة.
من جهته، أعلنَ مدير التوجيه في الجيش العميد علي قانصو في مؤتمر صحافي عَقده في اليرزة، أن «لا موقوفين أو أسرى من «داعش» لدى الجيش، ولا معلومات حتى الآن عن العسكريين المخطوفين». وقال: «ليس هناك مدة زمنية معيّنة لانتهاء العملية العسكرية في الجرود، وعند الوصول الى الحدود اللبنانية السورية بحسب الخرائط الموجودة لدينا نتوقّف».
عون
وأكّد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون «أنّ لبنان سينتصر على الإرهاب وينظّف أراضيَه من أيّ وجود إرهابي، وأنّ الساعات القليلة المقبلة ستحمل النصرَ المنتظر».
مجموعة الدعم
ونوَّهت مجموعة الدعم الدولية من أجل لبنان بجهودِ الجيش في محاربة الإرهاب وحماية سلامةِ وأمن الاراضي اللبنانية. وتقدّم أعضاؤها بأحرّ التعازي إلى شهداء الجيش وتمنّوا الشفاءَ العاجل للجرحى. وأكّدوا «دعمهم القويّ وبالإجماع للجيش اللبناني بصفته المدافعَ عن لبنان». ودعوا «إلى استمرار الدعم الدولي بغية تقويةِ قدرات الجيش اللبناني أكثر».
وقد حضَرت معركة الجرود في المواقف الرئاسية والمداخلات النيابية في جلسة الاستماع الى الحكومة التي انعقدت أمس في مجلس النواب، حيث أجمع المتكلّمون على دعمِ الجيش في معركته ضدّ الإرهاب.
وحيّا رئيس الحكومة سعد الحريري في مستهلّ الجلسة الجيشَ اللبناني قيادةً وضبّاطاً وجنوداً، وقال: «أنحني أمام استشهاد الأبطال وأمام تضحيات أهالي العسكريين المخطوفين الذين ننتظر معهم الكشفَ عن مصير أبنائهم».
وأضاف: «الإنجاز الذي يكتبه الجيش بدماء أبطاله هو أغلى الإنجازات علينا جميعاً وهو العنوان العريض لقرار محاربة الإرهاب».
«المردة» في معراب
وعلى خط العلاقة بين «القوات اللبنانية» وتيار «المردة»، وبعد سلسلة زيارات قام بها ممثّلون عن «القوات» الى بنشعي، زار الوزير السابق يوسف سعادة معراب، والتقى رئيس «القوات» سمير جعجع في حضور ممثّل «القوات» في اللجنة المشتركة بين الحزبَين طوني الشدياق.
وعرَض المجتمعون لمسار العلاقة بينهما وتطوّرِها، بالإضافة الى البحث في أبرز المواضيع السياسيّة.
وعلمت «الجمهورية» أنه لم يتمّ البحث خلال الاجتماع في موضوع لقاءِ جعجع ورئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية، كذلك لم يجرِ الحديث عن موضوع التحالف الانتخابي بين «القوات» و«المردة».
«القوات»
وقالت مصادر «القوات» لـ«الجمهورية» إنّ زيارة سعادة إلى معراب «تأتي في سياق التنسيق المتبادل بين «القوات» و«المردة» في ظِلِّ رغبة مشتركة في طيِّ الصفحة الخلافية الماضية والتأسيسِ لعلاقة يُصار فيها إلى تحييد الملفّات الخلافية أو تعطيل تأثيرها على علاقتهما المشتركة، رغم الخلاف على عناوين كبرى تبدأ بالمسألة السورية ولا تنتهي بالعلاقة مع «حزب الله».
واعتبَرت المصادر «أنّ ما تَحقّق بين الطرفين حتى الآن مهمّ جدّاً لجهة إقفال مساحات الخلاف والتوتّر والتشنّج وعزلِ القضايا الخلافية، إلى درجةِ أنّ ملفّاً بحجم التنسيق مع سوريا بين موقف «القوات» الرافض بشدّةٍ وصرامة أيَّ تطبيع من هذا النوع، وموقف «المردة» المؤيّد العلاقة مع النظام، لم يؤثّر على التواصل بينهما».
وذكّرَت المصادر أنّه «كان قد سبق زيارة سعادة لمعراب زيارةُ نائب رئيس الحكومة وزير الصحة غسان حاصباني والوزير ملحم رياشي لفرنجية، وإقامةُ منسّقية «القوات» في زغرتا احتفالَها السنوي في إهدن، في خطوةٍ فريدة من نوعِها جَمعت حشداً «قواتياً» كبيراً، في دليل إلى عودة العلاقة وتقبّلِ الآخر في إطار التعدّدية السياسية».
وأكّدت المصادر «أنّ الإرادة المشتركة بالانفتاح والتعاون والتنسيق لا تعني بالضرورة التحالفَ الانتخابي، إنّما فتح الخياراتِ على شتّى الاحتمالات، حيث إنّ التحالف، في حال حصوله، لن يعود مصطنَعاً وغيرَ قابل للترجمة في ظلّ الانفتاح القائم، كما أنّ عدم التحالف لن يعيد العلاقة إلى مراحلها السابقة، فيما يجب الإقرار بأنّ ما تَحقّق حتى الآن غيرُ مسبوق في العلاقة بين الطرفين».
تنسيق عوني ـ قوّاتي
في سياق آخر، علمت «الجمهورية» أنّ لقاءً عقِد في مقرّ «التيار الوطني الحر» بعد ظهر أمس في سن الفيل، ضمَّ رئيس «التيار» الوزير جبران باسيل والرياشي والنائب ابراهيم كنعان، وذلك في سياق تفعيل التنسيق حول الملفات المطروحة والتي ستُطرح في الأيام المقبلة، من تعيينات وبنودٍ أخرى. ويأتي اللقاء بعد اجتماعهم أخيراً في منزل باسيل في اللقلوق.
وإذ تكتّمَ الطرفان على مضمون اللقاء، ما أوحى بالجدّية، أكّدت مصادرُهما لـ»الجمهورية» أنّ «الأجواء إيجابية والنقاش صريح وشفّاف وينطلق من ضرورة تأكيد التفاهم السياسي أوّلاً كأساس لانطلاقة جديدة تستكمل ما بدأ مع «إعلان النيّات» و»تفاهم معراب». وعُلِم أنّ لقاءات أخرى ستُعقد في الأيام المقبلة.
جلسة المناقشة
من جهةٍ ثانية، تميّزت غالبية المداخلات النيابية في جلسة المناقشة بنزعةٍ انتخابية، حيث إنّ غالبية المتكلمين حرصوا على إبراز مواهبهم الخطابية واستخدامِ تعابير دعائية يَعتقدون أنّها تُلمّع صوَرهم الباهتة امام الناخبين، علّهم يُغيّرون في المزاج الشعبي العام الناقم على هذه الطبقة النيابية التي مدّدت لنفسها ثلاث مرّات تحت ذرائع واهية.
واللافت أنّ المتداخلين انتقدوا الحكومة ولاموها واتّهموها بالتقصير والفشل، ولكنّهم لم يصلوا إلى حدِّ طرحِ الثقة بها، باستثناء النائب انطوان زهرا الذي لامسَ هذا الأمرَ بقوله: «الثقة معدومة اليوم ولم تستحقّها الحكومة بعد، وكلُّ ما يُطرح في التداول محلّ تشكيك».
فالجلسة كانت مخصّصة لمناقشة الحكومة ومساءَلتِها، لكنّ بعض المداخلات بدأت كأنّها «ضربٌ في ميت» فيما «ضربُ الميت حرام». وتَحاشى المتداخلون طرحَ الثقة بالحكومة لإدراكهم مسبَقاً أنّ هذا الامر ممنوع لدى «أولياء الشأن»، ولأنّ البلاد لا تتحمّل الدخول في تغييرٍ حكومي صعبٍ حصولُه، ما قد يضعها تحت سلطةِ حكومة تصريف اعمال، فيما هي على ابواب الانتخابات النيابية المقرّرة في أيار المقبل، وقد وجَد بعض هؤلاء المتداخلين ضالّتَهم في الإشادة والتنويه بالجيش اللبناني لخوضِه معركة تحرير جرود رأس بعلبك والقاع من الارهاب «الداعشي»، معتقدين أنّ التقرّبَ من المؤسسة العسكرية والتودّد لها يقرّبهم من الناخبين ويخفي عجزَهم وفشَلهم في تحقيق ما وعَدوا اللبنانيين به منذ العام 2009 من إنجازات مقابل الوكالة التي منحوهم إياها.
وسألَ بعض المراقبين عن جدوى مناقشةِ الحكومة طالما ليس مسموحاً إسقاطها، فيما الجميع يَعلم أنّها لم تُنجز أيّ شيء ملموس حتى الآن، فهي لا جميلَ لها في إقرار سلسلة الرتب والرواتب التي كانت تعسّ منذ أكثر من 5 سنوات، وهي أيضاً لم تقوَ حتى على مكافحة ارتفاع الأسعار الذي بدأ إثر إقرارها في مجلس النواب، وإنّ الإنجاز الوحيد لهذه الحكومة هو إقرار قانون الانتخاب الجديد الذي سُمّي «أفضل الممكن» ولم يكن القانون المنشود الذي يحقّق عدالة التمثيل وشموليتَه، والبعض يقول أن لا جميلَ للحكومة فيه لأنه أقِرّ بقوّة التوافقات والتسويات التي حصَلت بين القوى السياسية، فكانت هي في تعاطيها مع هذا القانون مسيَّرةً وليست مخيَّرة.
وفي اعتقاد مراقبين أنّ الجلسات النيابية المقبلة التي ستُخصَّص لمناقشة الحكومة لن تخدم إلّا النواب أنفسَهم، حيث سيحاولون الاستفادةَ من مداخلاتهم المنقولة تلفزيونياً بغية استمالةِ الناخبين لتأمين الفوز في الانتخابات المقبلة.
ولم تخرج جلسة أمس عن سياقها المضبوط، فتحدّث الحريري في مستهلّها عن إنجازات حكومته، ولفتَ الى «أنّها استطاعت في وقتٍ قصير تحقيقَ الكثير. إذ اتّخَذت أكثر من 1260 قراراً، وأوفت بمعظم ما تعهّدت به»، وشدّد على «أنّها مستمرّة لتحقيق المزيد، خصوصاً في قطاعَي الاتصالات والكهرباء».
وتركّزَت معظم المداخلات النيابية على ملفّ الكهرباء والبواخر والملفات الحياتية والانتخابات الفرعية، وقد اختتم الحريري الجلسة التي رفَعها بري إلى ما بعد عطلة عيد الأضحى، بكلمةٍ ردَّ فيها على المداخلات النيابية، فشدَّد على أنّ «ما يحصل في الجرود هو أكبر ثقةٍ بدور الحكومة والدولة والجيش».
وقال «إنّ البلد لديه حالياً طاقة إنتاج بمعدّل 1500 ميغاوات وهو بحاجة إلى 3000 ميغاوات، والحكومة لديها خطة على 3 مراحل للكهرباء، المرحلة الطارئة تتطلّب تأمينَ كهرباء للحدّ من العجز القائم، وتحفيض كلفة الفاتورة على المواطن تتطلّب استئجار الطاقة بأيّ وسيلة ومَن لديه اقتراح بديل للاستئجار نحن مستعدّون لدرسه.
وبعد 3 سنوات سيتمّ استخدام الغاز في الطاقة لتخفيض كلفة الإنتاج، ونحن فعلياً متأخّرون. اليوم نأتي بكهرباء بـ 14 و 16 سنتاً، وبعض الأماكن نصل إلى 19 سنتاً، واليوم إذا أخذنا التكلفة التي ينتقدها الجميع فهي 13 سنتاً عبر البواخر».