دخلت «فجر الجرود» في جرود رأس بعلبك والقاع مرحلة العدّ التنازلي إلى أن يقول الميدان العسكري كلمتَه ويعلن انتصارَ الجيش اللبناني على «داعش»، وهو أمرٌ يَلقى تقديراً مِن المجتمع الدولي، وآخرُه ما عبّر عنه وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو الذي نوّه بإنجازات القوات المسلحة اللبنانية في محاربة «النصرة» و«داعش». بالتوازي، لفتَ التزامنُ بين زيارة مساعد وزير الخارجية الإيراني للشؤون العربية والإفريقية حسين جابر الأنصاري إلى بيروت، مع زيارة وزير الدولة لشؤون الخليج العربي في وزارة الخارجية السعودية ثامر السبهان، لإجراء محادثات ليومين مع مسؤولين لبنانيين. ورَبطت مصادر سياسية الزيارتين بالتحوّلات والتغييرات في المنطقة.
باتَ انتصار الجيش قابَ قوسين أو أدنى من أن يصبح حقيقةً تُشكّل انعطافةً أساسية تَطوي صفحة القلق من الإرهاب، وتفتح على صفحة جديدة تضع السلطة السياسية أمام اختبار تحصين الانتصار وترجمتِه لاستئصالِ الخلايا الإرهابية في الداخل، ووضعِ مصالح اللبنانيين فوق الأنانيات والمزايدات. وهنا يَكمن الاختبار الأساس للحكومة.
الجيش على الحدود
وكشفَت مصادر عملانية لـ«الجمهورية» أنّ الجيش بلغ في تقدّمِه عدداً من النقاط الحدودية مع سوريا باستثناء المنطقة المحيطة بوادي مرطبيا التي يتجمّع فيها مسلّحو «داعش» من غير الذين فرّوا إلى داخل سوريا عبر معابر قديمة كانوا يستخدمونها في انتقالهم بين أراضي البلدين.
وقالت «إنّ قوى الجيش التي بلغت الحدود لم ترصد بعد أو تلتقِ بأيّ من عناصر الجيش السوري أو غيره. والجيش سيتوقف عند الحدود ولن يتقدّم شبراً في الاراضي السورية».
ونبَّهت «من محاولات البعض الإساءةَ الى صورةِ الجيش وهيبته وطريقة تعاطيه مع المسلحين ومحاولات الزجّ به في مهامّ لم يقم بها، واستخدام آلياتِه في صورٍ تتحدّث عن أحداث سابقة لن تمسّ من هيبته ومعنوياته لكنّها في الوقت ذاته تعبّر عن نفسها بطريقة غير سليمة».
وأكّدت مصادر عسكرية لـ«الجمهورية» أنّ المرحلة الرابعة من معركة فجر الجرود هي الأخطر، حيث تشمل تحريرَ 20 كيلومتراً مربّعاً من المتوقّع أن يكون عدد من الإرهابيين لجَأوا إليها، أو أن يكونوا قد فرّوا إلى سوريا، فكلّ الاحتمالات مفتوحة، والقيادة العسكرية تضع كلّ الخطط للتعامل مع المرحلة الرابعة».
وشدَّدت على أن «لا إمكانية لأن يكون عناصر «داعش» قد هربوا إلى مخيمات النازحين في عرسال بعد اندلاع المعارك، لأنّ الجيش حاصَرهم ومنعَ أيَّ تسلّل، وكان يستهدف تحرّكاتهم، ووجودُهم كان يقتصر على جرود القاع ورأس بعلبك، فيما كانت «النصرة» تتمركز في جرود عرسال».
وأكّدت استمرارَ برامج التسليح من دول عدة للجيش، وقالت إنّ الأميركيين والبريطانيين «كفّوا ووفّوا»، وهم يقفون الى جانبه في حربه ضدّ الإرهاب فعلاً لا قولاً».
الحريري في الجرود
وزار رئيس الحكومة سعد الحريري وقائد الجيش العماد جوزف عون جرود القاع ورأس بعلبك، واستمعَ الى شرحٍ مفصّل لسير العمليات العسكرية وإلى كيفية استخدام الجيش أسلحةً جديدة متطوّرة للمرّة الاولى في المعارك، خصوصاً المتعلقة باستخدام اللايزر الموجّه للمرابض المدفعية الثقيلة، والتي أدّت إلى إصابات مباشرة في الأهداف العسكرية، ما أدّى إلى عدد كبير من القتلى.
الكهرباء
إلى ذلك، ينعقد مجلس الوزراء اليوم في بيت الدين برئاسة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، وعلى جدول الأعمال بنود يغلب عليها الطابع الكهربائي، حيث يفترض أن يعرض وزير الطاقة سيزار ابي خليل على المجلس دفترَ شروط جديداً حول استجرار الطاقة الكهربائية (من البواخر) كبديلٍ عن الصفقة السابقة التي ألغِيَت جرّاء ما اعترى دفترَ الشروط من مخالفات للقوانين المرعيّة ولأصول إجراءِ المناقصات، على ما ورد في تقرير إدارة المناقصات.
أبي خليل
وقال أبي خليل لـ«الجمهورية» إنّه رَفع إلى المجلس ملفّاً بدفتر الشروط لاستقدام معامل توليد الكهرباء وفقَ إطار أعمال تحويل الطاقة، وتضمّنَ: التعليمات الى العارضين والمتطلّبات الإدارية وملحقاتها، ونموذج عقدِ أعمال تحويل الطاقة وملحقاته والمتطلّبات الفنّية.
وأشار الى «أنّ كلّ هذه الامور وافقَ عليها المجلس سابقاً، وأضَفنا على التعليمات للعارضين الشروطَ الإضافية التي طلبها المجلس، مِن تقصير مهَل وتأمين مؤقّت 50 مليون دولار عن كلّ 400 ميغاوات، وبالتالي ليس هناك من حجّة لأحد لكي يتذرّع بالقول إنّ الملف كبير، فما اعتُمد هو النماذج المعتمَدة من الدولة اللبنانية التي يقوم المتعهّدون بتعبئتها».
وقالت مصادر وزارية لـ«الجمهورية»: «سننظر في مضمون دفتر الشروط، ونأمل أن يكون الوزير قد استفاد من تجربة الصفقة السابقة التي أحبَطتها إدارة المناقصات بوصفِها جهة رقابةٍ مسؤولة، ومِن الاعتراضات الشديدة على دفتر الشروط السابق الذي كان يحاول تمرير صفقةٍ مفصّلة على قياس شركة واحدة».
وإذ أشارت المصادر إلى «أنّ دفتر الشروط الجديد سيخضع لنقاش مستفيض لدقة الموضوع، عُلم أنّ وزراء «أمل» و«القوات» و«المردة» و«حزب الله» بصَدد التمحيص في كلّ نقطة وفاصلة فيه مع التأكيد مجدداً على الدور الاساس في هذا الملف لـ«المناقصات».
ولم تستبعد المصادر مبادرةَ وزراء الحزب والحركة الى طرحِ ضرورةِ استجرار الكهرباء من سوريا، كاشفةً أنّ مسلسل زيارات وزراء 8 آذار الى سوريا لم يتوقف، وتندرج فيه زيارة جديدة يقوم بها وزير الأشغال غازي زعيتر الى دمشق مطلع أيلول المقبل. وأكّد زعيتر أنّ الزيارة ستحصل، وبتغطيةٍ إعلامية.
الانتخابات الفرعية
وفيما قالت المصادر إنّ ملفّ الانتخابات النيابية الفرعية سيَحضر أمام المجلس، بدت الأجواء الحكومية مسترخية حيال هذا الملف، من دون ان يبرز ايّ مؤشّر نحو وضعِه على نار حامية، علماً انّ التأخير في بتّه، على ما يقول مرجع سياسي كبير لـ«الجمهورية»، يشكّل «إمعاناً في مخالفة نصٍّ دستوري مبيّن في المادة 41 من الدستور، وهذه المخالفة تضع الدولة كلّها في موقع الإحراج، والمحرَج الأوّل هو رئيس الجمهورية».
أضاف: «بحسب معطياتي، هناك قرار على مستوى رفيع بعدم الذهاب الى انتخابات فرعية في هذا الوقت، لأنّ المسألة لم تعُد تستأهل ذلك، نظراً لضيق الوقت من الآن وحتى الانتخابات التي تفصلها عنّا بضعة اشهر، وكان أحد المراجع متحمّساً لإجراء هذه الانتخابات، إلّا أنه عاد وتراجَع عن حماسته نزولاً عند رغبة مرجع آخر».
وذُكر أنّ جهات شمالية تُحضّر لحملةٍ سياسية تأييداً لإجراء «الفرعية» في طرابلس وكسروان، وأنّ الرئيس نجيب ميقاتي بصَدد إصدار موقف في حال «لمسَ تقاعساً أو مماطلة» في هذا الملف.
السبهان في لبنان
وفي خطوةٍ تحمل دلالات كثيرة، رفعت السعودية القائم بأعمال سفارتها في بيروت وليد عبد الله البخاري وعينته وزيراً مفوّضاً في الخارجية السعودية. وجاء هذا القرار قبل ساعات من وصول السبهان الى بيروت في زيارةٍ وصِفت بالمهمّة ربطاً بتطوّرات المنطقة، ويلتقي خلالها كبارَ المسؤولين.
واللافت دخول الزيارة في مدار التكهّنات، حيث لاحَظ مواكبون لها «أنّه على ابواب انتقال سوريا من مرحلة الحرب تدريجياً الى الترتيب السياسي، تكثرُ الزيارات الاقليمية الى بيروت، فبعد زيارة المسؤول الايراني الذي هو ممثّل إيران في محادثات الأستانة، وهو زائر دائم لدمشق، تأتي زيارة السبهان موفداً من السعودية، لكي تقول هاتان الزيارتان أن لا نهائيات في لبنان ولا أرجحيّات لأيّ فريق، وإنّما كلّ طرف يقرأ الترتيبَ السياسي السوري بشكل مختلف عن الآخر، وأكبر دليل الزيارات المكثّفة إلى بيروت.
فالمسؤول الإيراني طرَح وجهة نظرِ بلادِه، والمسؤول السعودي سيطرح وجهة النظرالعربية، ما يدلّ إلى أنّ هذا الترتيب لا يؤمّن أرجحيةً لأيّ من الفريقين».
أمّا الزيارة في نظر آخرين، فتتلخّص في ما يلي:
ـ «إنّ السبهان الذي التقى الحريري مساء أمس في بيت الوسط سيضع من يلتقيهم في أجواء تطورات المنطقة، إذ إنّ هناك تسوية يجري العمل عليها في سوريا وقد قَطعت شوطاً متقدّماً. وهذه التسوية لا يمكن أن تصبّ في مصلحة توسيع نفوذ إيران في المنطقة. والتوازنات الإقليمية لا تعني السماح لها بوضع يدِها على أيّ دولة عربية.
– المملكة تقوم بما عليها لضمان التوازن والحقوق العربية.
– لا صحة لأيّ معلومات عن تنازلات لمصلحة إيران لا في اليمن ولا في العراق ولا في سوريا ولا في لبنان.
– التسوية في سوريا ستكون جزءاً من لجمِ الانفلاشِ الإيراني، وهي تسير بالتوازي مع خطوات مهمّة في اليمن، أهمّها إعادة علي عبدالله صالح إلى الكنف العربي، ومساعدةُ شيعة العراق على مواجهة نفوذ ايران وإعادة إحياء المرجعية الشيعية العربية. أمّا في سوريا ولبنان فالوضع لن يكون مختلفاً، ولبنان يجب ان يستعيد سيادته، وهذا يتطلب قراراً لبنانياً بالوقوف في وجه المدّ الايراني بدل التعايشِ معه، والسعودية ستقوم بما عليها لدعمِ اللبنانيين إقليمياً ودولياً ولضمان التوازن الذي يَحول دون وضعِ إيران يدَها على لبنان.
– السعودية تُراهن على الانتخابات النيابية المقبلة لبَلورةِ موقفٍ لبناني داعِم لاستعادة الدولة اللبنانية سيادتَها. كما أنّ التسوية في سوريا يجب أن تقدّم للشعب السوري الظروفَ المناسبة لانتخابات حرّة ونزيهة تسمح له بتقرير مصيرِه، كذلك يجب ان تنتج الانتخابات النيابية خياراً لبنانياً صافياً، ما يتطلّب من اللبنانيين إحياءَ الخطاب السيادي».
واستهلّ السبهان محادثاته في بيروت بلقاء مع رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل، حيث جرى عرضٌ للتطوّرات الراهنة في لبنان وانعكاس ما يَحصل في المنطقة عليه. وشدّد الجميّل على ضرورة الحفاظ على سيادة الدولة اللبنانية على كامل أراضيها.
كذلك أثار موضوع اللبنانيين العاملين في دول الخليج عموماً والمملكة خصوصاً، وأكّد على ضرورة عدمِ تحميلهم مسؤولية سياساتٍ ومواقف لا يوافقون عليها ولا تَحظى بموافقة جميع اللبنانيين.
جنبلاط عند الحريري
سياسياً، توِّجت المصالحة بين الحريري والنائب وليد جنبلاط بزيارةٍ قام بها الأخير إلى بيت الوسط يرافقه نجله تيمور والنائب وائل أبو فاعور، في حضور الوزير غطاس خوري.
وأوضَح جنبلاط أنّ الزيارة «كان متّفقاً عليها منذ أمدٍ طويل، لكنّ ظروفي الشخصية وسفري، ومن ثمّ سفرُ الشيخ سعد إلى الولايات المتحدة، أخّرتها فقط لأسباب تقنية وشخصية.
واليوم نجتمع لتقويم الأوضاع في البلاد، وهي أوضاع تتحسّن، وهناك إنجاز بأنّ الجيش اللبناني حرَّر أكثر من ثلاثة أرباع الأرض التي كان يسيطر إرهاب «داعش» عليها من قبل وننتظر نهاية المعركة. نُعزّي الجيش بشهدائه، ونتمنّى للجرحى كلّ العافية. وهناك أمور أخرى سنناقشها مع الشيخ سعد على الصعيد الحياتي وغيره. ولا غرابة بأن أكون في «بيت الوسط».
اضاف: «كانت هناك خلافات، علينا أن ننظّمها إنْ صحَّ التعبير، أو أن نستمعَ للشيخ سعد عن طروحاته. كنّا قد بدأنا نتحدّث في بعض المواضيع، سأستمعُ إليه، فقد تكون لديه معطيات مختلفة عن معطياتي. ليس هناك إشكال، في السياسة هناك وجهات نظر متفاوتة، والآن «بَدنا ندوزِن التويت».