الإرهاب يضرب فرنسا بعد لبنان، في دليل واضح على عولمة الإرهاب، وأنّ قدرته على اختراق الضاحية لا تختلف عن اختراق أيّ منطقة في العالم، بل يبقى لبنان، على رغم انعدام الاستقرار السياسي، أكثرَ استقراراً، مقارنةً مع دوَل عدّة، حيث تَعمل أجهزته بنجاح على التصدّي للمجموعات الإرهابية. وبالتالي فإنّ التضامُن الواسع الذي لقيَه من كلّ دول العالم سيتجلّى من جديد بالتضامن مع فرنسا، في موقف يوَحّد كلّ القوى العالمية ضد الإرهاب. فالتفجير الإرهابي الذي هزّ الضاحية الجنوبية وكلَّ لبنان أظهرَ التفافاً وطنياً واسعاً، وقد يكون غيرَ مسبوق شكلاً ومضموناً، فلا ربطَ سياسياً بين القتال في سوريا والتفجير، على غرار ما كان يحصل في مراحل سابقة، بل إصرار على تطوير التفاهمات السياسية من أجل إقفال كلّ الثغرات الموجودة، وبالتالي التعويل على المبادرة-السلّة التي أطلقَها الأمين العام لـ«حزب الله» السيّد حسن نصرالله الذي يطلّ مجدّداً مساء اليوم لمواساة أهالي الضاحية الذين أظهَروا قدرةً استثنائية على لملمة جراحهم وإعادةِ الحياة إلى المنطقة، كما الإشادة بالمواقف السياسية التي تؤسّس لحالة جديدة أو توفّر المناخات الملائمة لمبادرته. وفي حين تقاطعَت معظم وجهات النظر والمعلومات على أنّ ما حصل في الضاحية يمكن أن يحصل في أيّ منطقة من العالم، وأنّ الأمن تحت السيطرة، فإنّ الاهتمام السياسي بدأ ينصبّ على ما بَعد كلام نصرالله والتسوية التشريعية التي جنّبَت لبنان العزلة الدولية، وأظهرَت قدرةَ اللبنانيين على تخريج التفاهمات، إذ على رغم التباين الذي حصَل حول قانون عائدات البلديات من الخلوي، إلّا أنّ تعهّدَ رئيس الحكومة تمام سلام بإقراره عن طريق مرسوم من الحكومة أفضى إلى تمرير الجلسة الختامية على خير. ومن هنا السؤال الذي يطرح نفسَه: هل المناخات السياسية التفاؤلية التي ظهرَت في الأيام الأخيرة ستكون قابلة للترجمة السياسية من خلال تفعيل المؤسسات بالحدّ الأدنى، والذهاب إلى تسوية السلّة المتكاملة بالحد الأقصى، أم أنّ هذه المناخات ستَتبدّد، وتستفيق البلاد على استمرار التعطيل وغياب الحلول بدءاً من انتخاب رئيس جديد وتفعيل الحكومة ومجلس النواب وصولاً إلى ملف النفايات وسائر الملفّات المعلقة وآخرُها قانون الانتخاب الذي أقرّ المجلس التوصية ببحثِه وإقراره؟
علمت «الجمهورية» أنّ حراكاً عربياً ودولياً سيسجّل هذا الأسبوع تجاه لبنان للبحث مع المسؤولين في سبل تعزيز الاستقرار والحؤول دون انزلاق الوضع الامني الى دوّامة ارتدادات الحرب السورية.
وفي هذا الإطار تبقى الانظار متجهة الى اللقاء الفرنسي ـ السعودي بين الرئيس فرنسوا هولاند والملك سلمان بن عبد العزيز الذي يعقد غداً الاحد في أنطاليا التركية على هامش قمّة مجموعة العشرين G20، وكذلك الى اللقاء المرتقب بين هولاند والرئيس الايراني حسن روحاني، حيث سيكون الملف اللبناني محور محادثات الرئيس الفرنسي في هذه اللقاءات.
وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أكد لرئيس مجلس النواب نبيه بري في برقية تعزية بضحايا التفجير استعدادَ موسكو للتعاون مع السلطات اللبنانية بأوثقِ قدر ممكن، في مكافحة الإرهاب، بما في ذلك تنظيم «داعش» الإرهابي». واعتبرت موسكو أنّ الهجوم الأخير في بيروت يؤكد ضرورة تشكيل جبهة إقليمية ودولية لمواجهة الإرهاب.
بدوره، أبلغ وزير داخلية فرنسا برنار كازنوف نظيره اللبناني نهاد المشنوق «استعداده التام للبحث معه في سبل تدعيم التعاون الأمني بين فرنسا ولبنان».
كذلك عرضَ وزير داخلية الإمارات العربية المتحدة الشيخ سيف بن زايد آل نهيان على المشنوق المساعدة في تبادلِ المعلومات بالتحقيق في جريمة برج البراجنة.
مجلس الأمن
وفي بيان صَدر بإجماع أعضائه الـ 15 دانَ مجلس الأمن الدولي أمس «بأشدّ العبارات» التفجيرَين الانتحاريين، وعبّر عن «تعاطفه الكبير» مع أقارب الضحايا والحكومة اللبنانية.
وأكد المجلس «تصميمه على محاربة الإرهاب بكل أشكاله»، مشدداً على ضرورة محاسبة المسؤولين والمنظّمين والمموّلين لمِثل هذه الاعتداءات. كما أكد أعضاء المجلس «دعمَهم الراسخ لاستقرار لبنان ووحدة أراضيه وسيادته واستقلاله السياسي».
نصر الله
وفيما الضاحية الجنوبية لملمَت جراحها ونفَضت عنها غبار التفجير الإرهابي، لتستعيد اعتباراً من اليوم وتدريجياً حركتها الطبيعية وتَفتح أبواب محلاتها التجارية، يطلّ الامين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله في كلمة متلفَزة تُبثّ عند الساعة الثامنة والنصف من مساء اليوم للحديث عن العملية الإرهابية التي طاولت محلّة برج البراجنة.
وعلمت «الجمهورية» أنّ نصر الله سيتوجه في بداية حديثه الى عوائل الشهداء لمواساتهم، ولأن يلهمَهم الله الصبر والسلوان، والدعاء للمصابين بالشفاء العاجل.
وسيشيد بالروح المعنوية العالية التي أظهرَها أبناء الضاحية، والتي تجلّت في نضالهم والمسارعة الى نفض غبار الانفجار عن منطقتهم، على رغم الفاجعة التي حلّت بهم.
كذلك سيشيد بالجيش والأجهزة الامنية والتعاون والتنسيق الكبير مع بعضهم البعض وتبادل المعطيات بهدف الوصول الى نتائج سريعة في التحقيقات، والحدّ قدرَ المستطاع من ضرر الإرهاب
وسيتحدّث عن الصراع مع الجماعات التكفيرية وعلى صلابة المواجهة معها، ملقياً الضوء على خطرها الذي يتهدّد لبنان واللبنانيين جميعاً، على مختلف انتماءاتهم ومذاهبهم ومشاربهم، وليس فقط جهة معيّنة، وسيؤكد مجدداً مواصلة المعركة ضد الإرهاب حتى النهاية.
وسيشيد الأمين العام بالتضامن والالتفاف السياسي والشعبي والإعلامي إزاءَ هذه المحنة والتوَحّد في المواقف ضد الإرهاب.
وانطلاقاً من ذلك، سيدعو إلى الإفادة من هذا المناخ الوطني العام لتكريس تسوية سياسية شاملة على المستوى الوطني، والتي كان دعا إليها منذ أيام في خطاب «يوم الشهيد»، وهي تشمل رئاسة الجمهورية، الحكومة المستقبلية، رئيس الحكومة، تركيبة الحكومة، المجلس النيابي وعمل المجلس النيابي، قانون الانتخاب».
وقد دلّت ردات الفعل الاوّلية الى انّ هذه الدعوة لاقت أصداء إيجابية لدى عدد من المسؤولين تجلّت في تصريحاتهم أخيراً.
وسيشدّد الأمين العام أخيراً على أن لا خيار لنا كلبنانيين إلّا بحلّ سياسي، وعليه يجب الإفادة من هذه الوحدة التي تجلّت هذين اليومين والانطلاق منها الى حلّ سياسي يتوافق عليه الجميع.
مشعل وهنية
وتلقّى السيّد نصر الله اتصالاً هاتفياً من رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل، عبّر فيه عن إدانته للتفجيرين الإرهابيين في برج البراجنة، مقدّماً تعازيه بالشهداء، وأكّد على تعاطف ووقوف الشعب الفلسطيني إلى جانب الشعب اللبناني في مواجهة هذا المصاب الأليم.
كما تلقّى اتّصالاً هاتفياً من نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس السيّد اسماعيل هنية للغاية نفسها.
إجتماع أمني
ورغم الدعوات التي أُطلِقت لعقد جلسة طارئة لمجلس الوزراء، فقد اكتفى رئيس الحكومة تمام سلام بالدعوة الى لقاء وزاري – أمني دعا خلاله «إلى مزيد من التنسيق بين الاجهزة الأمنية ورفعِ مستوى اليقظة» وإلى «مزيد من الالتفاف الوطني حول الجيش والقوى الأمنية».
وقال أحد المشاركين في الاجتماع لـ«الجمهورية» إنّ المجتمعين عرَضوا لعدد من التقارير الأمنية، وأبرزُها التقرير الذي استُقيَ من التحقيقات الأوّلية وكشفَ محتويات كاميرات المراقبة المنتشرة في مسرح الجريمة وعلى الطرق المؤدية إليها ومجموعة من شهود عيان، ما سَمح بتكوين فكرة واضحة عن طريقة تنفيذ العملية والطريق التي سَلكها الإرهابيان بعدما ثبت أن ليس هناك منفّذ ثالث، وكلّ ما حُكي في هذا الإطار غير دقيق ومجرّد تكهّنات وسيناريوهات لا وجود لها على الإطلاق.
وكشفت المعلومات أنّ أحد منفّذي الجريمة استَخدم درّاجة نارية وسَلك الطريق المؤدي الى مسرح الجريمة انطلاقاً من طريق مقفل ببلوكّات الباطون المسلّح من جهة مستشفى الرسول الأعظم فعبَر في فجوة من فجواتها بأعصاب باردة سَمحت له بان يَعتقد البعض أنّه «ابن الحي».
ومن هذه الطريق تمكّن من الوصول إلى المنطقة المستهدفة في العملية مباشرةً في ساعة الذروة التي يتجمّع فيها الناس هناك، حيث فجّر درّاجته التي كانت تحتوي على سبعة كيلوغرامات من المتفجّرات الشديدة الانفجار. وأدّى الانفجار الى فصل جسمِه الى جزءين نتيجة العصف السطحي للعبوة، ما سَمح ببقاء القسم الأعلى من جسمه كاملاً من الرأس حتى الخصر وحافظَت جثّته على كامل شكلِه الخارجي.
وقال التقرير الرسمي والنهائي إنّ الانتحاري الثاني لاقى الأوّل من الجهة الأخرى وانتظر عملية التفجير، وهو كان على بُعد حوالى 60 متراً من مكان التفجير الأوّل وهو ما سَمح له بالتسلل بين الناس وسط ذهولِهم ليفجّر نفسه، حيث تمّت العملية بعدما تيقّنَ أنّ الجَمع بلغَ الذروة، وهو ما أدّى إلى هذا العدد الكبير من الضحايا الذي فاقَ أيّ عملية تفجير سابقة.
وقالت المعلومات الرسمية شبه النهائية إنّ التحقيقات الجارية أثبتت أنّ الأسماء التي كشفَ عنها «داعش» في بيانه عند زعمِه وتبَنّيه للجريمة هي أسماء وهميّة ولا وجود لها في الجانب الفلسطيني على الأقلّ، وخصوصاً بعدما تبيّن انّ اسم أحدِهما أو ما يشبهه يعود لشخص قتِل قبل عامين.
إلّا أنّ التحقيقات لم تَسمح بكشف الأسماء الحقيقية، وهي عملية ما زالت مستمرة بانتظار التدقيق في فحوصات الـ «دي آن آي» التي تجرى على بقايا الجثث التي جُمعت من مكان الجريمة. فإذا ثبتَ انّ هناك من بقايا لا تعود لأيّ من الضحايا أو الانتحاريين سيكون لكلّ حادث حديث، وسيبدأ البحث عن شخص غريب ثالث لم يثبت وجوده حتى التحقيقات النهائية.
وفي مرحلة لاحقة استُعرضَت التقارير الأمنية التي سَبقت الحادث، ولا سيّما تلك التي نتجَت عن توقيف إرهابي في طرابلس قبل ايام كشفَ أنه كان ينوي القيام بعملية مماثلة في بعل محسن في طرابلس وبحوزته حزام ناسف بنفسِ المواصفات المستخدَمة في تفجير الضاحية، ما جعلَ الترابط بينه ومنفّذي الجريمة منطقياً وواقعياً إلى الحدود القصوى، وهو ما ستُثبته التحقيقات المقبلة.
وحول ما يمكن أن يلي عملية أمس الأوّل الخميس، فقد تحدّثت التقارير التي استُعرضت عن احتمال أن تتجدّد في أيّ وقت بالطريقة الانتحارية عينها بعدما باتَت محسومةً صعوبة استخدام سيارات مفخّخة لأنّه تمَّ تطويق حركة مفخّخيها ومستخدميها في الداخل والخارج.
برّي
وكان بري كشف أمس في مستهلّ الجلسة التشريعية في يومها الثاني أنّ «خالد مشعل واسماعيل هنية أبلغا إليه أنّ الفلسطينيَين اللذين قيل إنّهما نفّذا عملية التفجير «ليسا من لاجئي لبنان وأنّهما ماتا أو قُتِلا منذ أكثر من سنتين في سوريا، وأنّ السوري أيضاً غيرُ مسجّل بين اللاجئين في لبنان».
الموسوي
مِن جهته، قال النائب حسين الموسوي «إنّ ما نُشر من بيان منسوب الى «داعش» يتضمن دسّاً وتحريضاً على أهلنا الفلسطينيين والسوريين من خلال إظهار هوية الانتحاريين المضلّلين، ولا نشكّك أبداً في وعي مجتمعنا ورشدِه الذي يُبطِل سحرَ السَحرة وكَيد المجرمين الفجَرة وأنّه لا تزِر وازرة وِزر أخرى»
مسؤول أمني فلسطيني
وكشفَ أمين سرّ حركة فتح وفصائل منظمة التحرير في بيروت العميد سمير ابو عفش لـ«الجمهورية» أنّ دائرة الشؤون الفلسطينية رفَعت تقريرها الذي يؤكّد أنّ أسماء الفلسطينيَين الانتحاريَين اللذين وردا في تنظيم «داعش» هي أسماء وهمية وليست من العائلات الفلسطينية اللاجئة، لا في بيروت ولا في كلّ لبنان، والتقرير الظنّي بعد التحقيق الذي أجريناه سيَصدر في خلال 48 ساعة وسيثبت هذا الأمر». وقال: «أجزم أنّهما ليسا فلسطينيَين.
عائلاتهم ليست من نسيج الشعب الفلسطيني الموجود في لبنان. وحتى الفلسطينيين اللاجئين من سوريا الذين أحصيناهم لم تكن هذه الأسماء من بينها، وبالتالي أستطيع القول إنّ إعلان داعش عن الإسمَين الفلسطينيَين بهذه السرعة وفي يوم التفجير نفسِه، وهي لا تفعل ذلك عادةً بل تكتفي فقط بتبنّيه، كان المقصود من ورائه اندلاع مواجهات مسلّحة بين أبناء الضاحية والمخيّمات الفلسطينية في برج البراجنة وشاتيلا، لكنّ الوعي اللبناني والفلسطيني كان أسرع، واستطعنا تفويتَ الفرصة على ما أرادته داعش من وراء زجّها بهذين الإسمين».
قزّي
وعلى رغم أنّ الجميع كان يتوقع أن ينعقد مجلس الوزراء بشكل عاجل، إلّا أنّه تبيّن وفق معلومات «الجمهورية» أن لا جلسة في المدى المنظور وأنّ رئيس الحكومة تمام سلام يفضّل التريّث حتى الثلثاء المقبل موعد جلسة الحوار بين الكتل النيابية، فيما تأجّلت جلسة الحوار الثنائي بين المستقبل وحزب الله والتي كانت مقرّرة مساء أمس بسبب الجلسة التشريعية إلى موعد يُحدّد لاحقاً.
وفي هذا السياق، قال وزير العمل سجعان قزي لـ«الجمهورية»: «أستغرب انّ مجلس الوزراء لم يُدعَ بعد الى الاجتماع بعد الحادث الإرهابي الذي أودى بحياة نحو 50 شهيداً، ونحن كوزراء لا نستطيع ان نتحمّل انتقادات الرأي العام الذي يتّهم الحكومة، وعن حقّ، بالعجز وعدمِ الاجتماع وحلّ المشاكل.
وإذا كان ملف النفايات الذي هو جريمة بيئية وصحّية، وإذا كان الإرهاب الذي أدّى الى هذه المجزرة لا يستحقّان انعقاد مجلس الوزراء، فماذا ننتظر لنجتمعَ بغضّ النظر عمّا سيَصدر عن هذا الاجتماع؟
فالناس لم يعودوا ينتظرون منّا معجزات، ولكن لا نقبلُ باستمرار هذا العجز المتفاقم. ولا نقبل بأن يكتفي الرئيس سلام بالدعوة الى اجتماع أمني، فالحكومة ككلّ مسؤولة، خصوصاً في مثلِ هذه الحالات».
جعجع
بدوره، استغربَ رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع عدمَ انعقاد مجلس الوزراء منذ الأمس (أمس الأوّل) في ظلّ حادث بهذه الضخامة ومأساة بأكملِها». مشدّداً على وجوب أن تجتمع الحكومة لأخذ المعطيات من الأجهزة الأمنية ومناقشتها واتّخاذ التدابير الملائمة في ضوئها لحماية اللبنانيين، خصوصاً أنّها، شاءت أم لا، مسؤولةٌ عن شؤون الناس في الوقت الراهن».