IMLebanon

«14 آذار» تستعرض مصير المبادرة وخطاب نصرالله يتفاعل «مصرفياً»

 

مع تزامن عيد المولد النبوي الشريف مع عيد الميلاد المجيد، انكفأت الحركة السياسية في كلّ الاتجاهات، بعدما رُحّلت الاستحقاقات، ولا سيّما منها الاستحقاق الرئاسي والحوارات، إلى السَنة الجديدة، وارتفعَت الدعوات إلى ملء الشغور، فيما ظلّ إقرار مجلس الوزراء خطةَ ترحيل النفايات محورَ مواقف المعترضين. وعلمت «الجمهورية» أنّ ملف الاستحقاق الرئاسي دخلَ في مرحلة سيَغلب عليها الصمت أكثر من الكلام، في ظلّ انقسام الوسط السياسي إلى فريقين: الأوّل يعتبر أنّ مبادرة الرئيس سعد الحريري الرئاسية انتهَت قبل أن تُعلَن رسمياً من دون إعلان مراسم دفنِها، وفريق آخر يقول إنّها أدخِلت إلى غرفة العناية الفائقة لإنعاشها وترميم التصدّع الكبير الذي أصابَها نتيجة سوء تصرّف المعنيين.

وتضيف المعلومات أنّ هناك مناخاً بدأ يشير إلى إمكان حصول تحركات إقليمية عموماً حول مجمل الأوضاع السائدة في المنطقة، ومنها احتمال حصول تواصل سعودي ـ ايراني في ضوء ما بدأ يَصدر من إشارات خصوصاً من إيران، لكنّ الواقع لا يشير الى انّ اجواء طهران والرياض مهيّأة حتى الآن لحصول مثل هذا التواصل في المدى المنظور.

وتفيد المعلومات أنّه، باستثناء الرياض التي تقف خلفَ مبادرة الحريري الى جانب واشنطن وباريس، فإنّ بقيّة العواصم الاقليمية المعنية، أو التي تَعتبر نفسها معنية أو مهتمة بالشأن اللبناني، لم تَصدر عنها ايّ إشارة أو موقف يُظهر أنّها تؤيّد هذه المبادرة، بل إنّ ما يرشح من هذه العواصم يشير في أحسن الحالات الى أنّها غير متحمّسة لها.

ويقول مصدر معني بالاستحقاق الرئاسي في هذا المجال لـ«الجمهورية» إنّ تراجُع الحديث عن مبادرة الحريري الى حدّ الصمت في أوساط المعنيين بها وخارجهم، يؤكد انّ الشغور الرئاسي مستمر لبضعة أشهر، والبعض يستبعد حصول ايّ تطوّر عملي وقريب فيه قبلَ انتهاء مهلة الستة أشهر الأولى المحدّدة في قرار مجلس الأمن الدولي الأخير في شأن حلّ الازمة السورية، والتي تبدأ مطلع السنة الجديدة.

رأب الصَدع المسيحي

وفي حين يستعدّ المسيحيون عموماً والموارنة خصوصاً، للاحتفال بعيد ميلاد السيّد المسيح بعد موجة التهجير التي طاوَلتهم العام الماضي في العراق وسوريا، واستهداف الأقلّيات السريانية والكلدانية والآشورية، تَحتفل بكركي بقدّاس العيد صباح الجمعة بغياب رئيس الجمهورية الماروني للسَنة الثانية على التوالي، ما يضَع الموارنة، حسب قيادات روحية مشرقية، أمام مسؤوليات تاريخية في ظلّ الظروف التي تمرّ بها المنطقة، وتطرَح علامات استفهام حول دورهم في قيادة المسيحية المشرقية وإنقاذها من التهجير.

وفي هذه الأثناء تستمرّ المحاولات لرأب صَدع التوتّر الماروني – الماروني بعد إعلان النائب سليمان فرنجية ترشيحَه، وخصوصاً بين «التيار الوطني الحرّ» وتيار «المردة».

وفي هذا الإطار علمت «الجمهورية» أنّ أحد المطارنة الشماليين يحاول جاهداً تخفيفَ الاحتقان بينهما في أقضية الشمال المسيحي، وخصوصاً في ساحل البترون، محاولاً احتواءَ الغضب العوني وعدمَ تحويل السخونة السياسية مواجهات وتوتّرات وإشكالات في الشارع، وقد نجَح في تبريد الأجواء على الأرض، في حين يقود البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الاتّصالات السياسية بين قيادة التيّارَين».

عسيري عند الراعي

وفي إطار الاتّصالات الرئاسية والمشاورات، برزَت زيارة السفير السعودي علي عواض العسيري الى بكركي أمس ولقاؤه الراعي، حيث حضَر الملف الرئاسي في صلب المحادثات.

وقال عسيري إنّه «مع الاستعداد لبدء سَنة جديدة يتطلّع محِبّو لبنان، وفي طليعتهم قيادة المملكة العربية السعودية وشعبُها، إلى أن يَعبر هذا البلد العزيز الى وضع أفضل على المستويات كافّة من خلال التمكّن من إجراء الانتخابات الرئاسية واستتباعها بالاستحقاقات الدستورية واستعادة حيوية المؤسسات وإنهاض الاقتصاد وتنشيط قطاع الاستثمار والسياحة عبر تعزيز الخطط الأمنية وتحصين الساحة الداخلية ليجتذب لبنان مجدّداً السياح العرب والأجانب ويعود الى سابق عهده المتألق». إلى ذلك، يوجّه الراعي، في التاسعة من صباح غدٍ رسالةَ الميلاد إلى اللبنانيين عموماً والمسيحيين خصوصاً.

وأكّد الراعي أمس أنّ «العيد الذي ننتظره في لبنان هو انتخاب رئيس للجمهورية»، مشيراً إلى أنّه «ما دام لا رئيس فلا معنى للعيد عندنا. بوجود الرئيس، المجلس النيابي يشرّع والحكومة تعمل والمؤسسات تستعيد دورَها وتعود الحياة الى المجتمع، فعبثاً يقنِعنا أحد أو نُقنع أنفسَنا بأنّ لبنان يسير من دون رئيس للجمهورية».

وأضاف: «هذا هو العيد الحقيقي الذي نتمنّاه، ونحن خاطَبنا أكثر من مرّة الكتل السياسية والنيابية لانتخاب رئيس، وحتى الآن رفضوا ذلك، وأنا أسألهم هل تعيشون في حالة عيد؟ أنا لا أعتقد ذلك، لأنّ من يعيش العيد هو الذي يصنعه».

«14 آذار»

وشكّلت التطورات الأخيرة وما هو متوقّع منها في الأيام المقبلة محورَ الاجتماع الذي عَقدته قوى 14 آذار ليل امس في «بيت الوسط» وحضَره ممثلون عن مختلف الأطراف. وقالت مصادر المجتمعين لـ«الجمهورية» إنّ اللقاء شكّلَ تقويماً للتطورات بخطوطها العريضة وهي قضايا ما زالت إيّاها مطروحة للبحث وستنسحب على السَنة المقبلة.

واستمع المجتمعون الى تقرير مفصّل عرضَه الرئيس فؤاد السنيورة عن جلسة هيئة الحوار الوطني الأخيرة، آملاً في ان يتطور العمل من خلال هيئة الحوار السَنة المقبلة، بحيث تتحول جلسات منتجة تتناول القضايا التي تَعني اللبنانيين، خصوصاً إذا ظلّ الشغور مستوطناً في قصر بعبدا، ومتمنياً أن تنجح مساعي رئيس مجلس النواب نبيه برّي لإعادة الحكومة الى عملها الطبيعي في السَنة المقبلة.

وبعد ذلك عرضَ المجتمعون لِما آلت إليه مبادرة الحريري الرئاسية، ولفتَ السنيورة إلى «أنّ الطرح لم يصل الى منزلة المبادرة، ولو كان الأمر كذلك لكانت المواقف منها أكثرَ تشدّداً، على الأقلّ من تيار»المستقبل»، لافتاً إلى «أنّ الحريري قصَد الإسراع في مواجهة الشغور الرئاسي وسعى إلى إنهاء الحال الشاذّة».

وقال: «طالما لم تصل الطروحات الى مستوى المبادرة فهذا يعني أنّها ما زالت مطروحة للبحث الجدّي، متمنياً «أن تكون المقاربة من باب البحث عن مصلحة البلد في إنهاء الشغور».

ثمّ تحدّث وزير الداخلية نهاد المشنوق مجدِداً تفسيرَ المبادرة الحريرية، ومصِرّاً على إبقائها قيد البحث «من باب الواقعية والجدّية المطلقة في مقاربة المخارج للوضع المجمّد على كلّ المستويات».

وتوقّف المجتمعون عند طرح نائب رئيس حزب «القوات اللبنانية» النائب جورج عدوان الذي كرّر تأكيد موقف «القوات» الرافض المباردة شكلاً ومضموناً وتوقيتاً، مشكّكاً «في الأهداف لا في النيّات التي تقف وراءَها».

ثمّ تحدث عدد من ممثلي الأحزاب وأعضاء الأمانة العامة لقوى 14 آذار، فجدّدوا رفضهم هذه المبادرة متمنّين «أن يكون كل ما يتصل بهذا الموضوع من الآن وصاعداً مدار نقاش مستفيض في إطار قوى 14 آذار قبل المضيّ فيها، لأنّها قد تشكّل سبباً للتباعد في ما بينها، وتقدّم خدمةً مجانية لخصومها».

وتناوَل المجتمعون بالبحث ما طرحَه بري حول سَعيه الى تفعيل العمل الحكومي انطلاقاً من المبادرة التي أطلقَها رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل في جلسة الحوار، وتمنّى الجميع ان تصل مساعيه الى ما يُحيي العمل الحكومي ومعالجة مطالب معرقلي عودتها الى العمل الجدّي لتلبية مطالب الناس ومقاربة الملفات العالقة في «أدراج» الأمانة العامة لمجلس الوزراء والتي باتت تُعَدّ بالمئات، خصوصاً أنّ بينها قضايا حيوية.

وأكّدت كتلة «المستقبل» أهمية «الاستمرار في روح التواصل التي يُبديها الرئيس سعد الحريري مع مختلف الأطراف السياسية لفتحِ باب الخروج من أزمة الشغور الرئاسي الخطيرة بتداعياتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمعيشية».

وكان اللافت أمس موقف أعلنَه وزير العدل اللواء اشرف ريفي امام وفد من الفاعليات البيروتية ورؤساء الجمعيات الاهلية، حيث أكّد فيه لهذا الوفد «أنّ خط الرئيس الشهيد رفيق الحريري لم ولن ينهزم، ومُخطئ من يظنّ ذلك، وإنّ أصحاب الاحلام الذين يسعون لانتزاع التنازلات لصالح المحاور واهِمون، وإنّ انتخاب رئيس للجمهورية ضرورة، والمطلوب رئيس لكلّ الوطن وليس رئيساً تصادمياً، وإلّا فالفراغ المؤقّت أرحَم، الى حين التوافق على رئيس يَحظى بتأييد جميع اللبنانيين».

وأضاف: «نحن مستمرّون على نهج الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وحامل الراية الرئيس سعد الحريري، ولن نفرّط بتضحيات شهدائنا، وفي مقدّمهم الشهيد وسام الحسن، الذين واجَهوا مشاريع تقويض مؤسسات الدولة وقضمها والعبث بأمنها».

تردّدات خطاب نصر الله

وفي هذه الأجواء، ظلّت مواقف الأمين العام لـ»حزب الله» السيّد حسن نصرالله الذي توَعّد إسرائيل بالردّ على اغتيال عميد الأسرى سمير القنطار، تتردّد في إسرائيل التي تترقب طبيعة الرد، كما في الأوساط اللبنانية، بعدما دعا نصرالله الدولة اللبنانية والحكومة الى «تحَمّل مسؤولية حماية المواطنين والتجّار اللبنانيين وأموالهم وشركاتهم من التدخّلات الأميركية»، مشدّداً على أن «لا داعي لأن يُصاب البنك المركزي أو مديرو المصارف بالهَلع، إذ بمجرّد أن تأتي إشارة من الولايات المتحدة لاستهداف بيئة معيّنة أو تيار سياسي معيّن، حتى تُطبَّق إجراءات المحاسبة في لبنان، ويبدأ بعض المصارف باتخاذ إجراءات»، وحذّر من «الانصياع للإرادة الأميركية».

حمادة لـ«الجمهورية»

وفي هذا السياق، قال النائب مروان حمادة لـ«الجمهورية»: «كنتُ أتمنى أن ينحصر خطاب السيّد نصرالله بالتبريكات لسمير القنطار، ما أخشاه الآن هو أن يكون السيّد حسن قد صمَّم، بعد خطفِه لبنان أمنياً وشَلّه سياسياً، أن يمدّ يده إلى ما تبقّى من الأمن المالي، ظالماً بيئتَه بالدرجة الأولى وعمومَ اللبنانيين وسائر العرب الذين بقوا على ثقتِهم بلبنان كمركز مصرفي. نصيحة واحدة بكلّ حُسن نيّة: إرفَع يدَك يا سيّد عن هذا القطاع».

سعَيد

من جهته، قال منسّق الأمانة العامة لقوى 14 آذار النائب السابق الدكتور فارس سعيد لـ»الجمهورية»: «لقد دعا الامين العام لـ»حزب الله» القطاع المصرفي اللبناني الى الالتحاق بمنظومة المقاومة الإسلامية في مواجهة التدابير الاميركية، وكأنّنا انتقلنا بذلك من مقولة: «شعب وجيش ومقاومة» الى مقولة: «شعب وجيش ومقاومة وقطاع مصرفي».

ودعا سعَيد «جمعية المصارف وحاكم مصرف لبنان وقطاع رجال الأعمال في لبنان، الذين هم أحرَص من الجميع على الاستقرار، إلى التمايز عن دعوات «حزب الله»، والالتزام حَرفياً بالقوانين التي ترعى القطاع المصرفي وعلاقاته مع الخارج، حفاظاً على أموال اللبنانيين واستقرارهم المالي، لأنّ القطاع المصرفي إذا اهتزّ ستهتزّ كلّ عائلة في لبنان». واعتبَر «أنّ القيّمين على لبنان هم أهلٌ للدفاع عن استقراره واستقرار كلّ عائلة لبنانية فيه».

«المستقبل»

وفيما استنكرت كتلة «المستقبل» ودانَت بشدّة «العدوانَ الإسرائيلي على سوريا وعملية الاغتيال الجبانة والمجرمة التي تعرّضَ لها عميد الأسرى في السجون الإسرائيلية الشهيد سمير القنطار»، قالت: «إنّ التمسّك بنقاط الإجماع الوطنية في هذه المرحلة وإعادة التذكير فيها والتأكيد عليها، مسألة ضرورية وأساسية، وعلى وجه الخصوص «إعلان بعبدا» وقضية رفض السلاح غير الشرعي الخارج عن سلطة الدولة»،

وأكّدت أنّه «بات من الضروري أن تنصرفَ الأطراف الأساسية الى مراجعة جادّة للمرحلة السابقة وتجاربِها ودروسها، وعلى وجه الخصوص تجربة حزب الله في التورّط بالقتال الدائر في سوريا، والتي جلبَت للبنان المشكلات تلوَ المشكلات، وحيث بات من الضروري أن يدرك الحزب أهمّية عودته الى لبنان بما يمكّنه من تجنيب الشباب اللبناني الخسائرَ النازلة بهم، خصوصاً الذين يموتون في سبيل مسألةٍ ليست بالقضية،

ولا هي قضيتهم على أيّ حال، وكذلك تجنّب إلحاق الضرَر بجميع اللبنانيين بسبب هذا التدخّل والانزلاق المستمر والمتوسّع، وهو الأمر الذي يجب أن يوضَع له حدّ من دون تأخير وتردّد لحصرِ الخسائر الحاليّة والمستقبلية».

ماثيو رينزي

وفي هذه الأجواء حضَر ملف النازحين السوريين إضافةً إلى الأوضاع والتطوّرات في المنطقة ودور قوّات «اليونيفيل» في الجنوب، في زيارة رئيس الوزراء الإيطالي ماثيو رينزي للبنان أمس ومحادثاته مع برّي ورئيس الحكومة تمّام سلام، كما تفقّدَ كتيبة بلاده العاملة في إطار قوات «اليونيفيل» وزارَ مدرسة بشامون الرسمية المتوسطة، حيث تَفقَّد التلامذة النازحين.

ولفتَ رينزي إلى أنّ «لبنان أصغر من إيطاليا بـ 15 مرّة، وعدد سكّانه 4 ملايين نسمة، وعلى رغم صغَره، وبفضل القيَم الإنسانية التي يتحلّى بها والحسّ بالمسؤولية، فهو يستضيف عدداً هائلاً من اللاجئين، وهذا العدد يَفوق بـ 10 مرّات عدد اللاجئين الذين أتوا إلى إيطاليا هذه السنة».