تفاءلت مراجع رسمية وسياسية بسَريان قرار رفع العقوبات الأميركية والغربية عن إيران أمس، متوسّمة منه ان يجعل ايران قابلة للبحث مع الآخرين في حلول للأزمات الاقليمية ومن بينها الازمة اللبنانية التي ينتظر ان تكون بنداً أساسياً في المحادثات المنتظرة نهاية الشهر الجاري في باريس بين الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند ونظيره الايراني الشيخ حسن روحاني. وفي هذه الأثناء ما يزال ملف رئاسة الجمهوريّة في صدارة اهتمامات القوى السياسية، في وقتٍ لم يرشح أيّ جديد عن اللقاء الباريسي بين الرئيس سعد الحريري ورئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية والذي ادرجَه البعض في سياق اتفاقهما على الاستمرار في التواصل. وستتّجه الانظار الى معراب اليوم حيث سيعقد رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع مؤتمراً صحافياً السادسة والنصف مساء اليوم وصَفته مصادر قريبة منه لـ«الجمهورية» بأنّه «مفصليّ» كونه سيتناول مواقفَ من كلّ القضايا المطروحة ومنها الاستحقاق الرئاسي. فيما رجّحَ البعض إمكانية ان يستقبل جعجع رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون ويَخرجا بمواقف مهمّة من الاستحقاق الرئاسي، وتكهَّن بعض آخر بأن يعلنَ جعجع ترشيحَ عون اليوم.
على وقع ملاحقة التطورات الاقليمية والدولية والتي كان ابرزها سَريان مفعول رفع العقوبات على ايران وما ستكون له من انعكاسات على لبنان والمنطقة، ومع تأكيد قوى «14 آذار» والحزب «التقدمي الإشتراكي» الذهابَ الى النهاية في مواجهة قرار إطلاق الوزير السابق ميشال سماحة، تواصَلت الاتصالات في عطلة نهاية الاسبوع في شأن التعيينات العسكرية.
وأكدت مصادر وزارية لـ«الجمهورية» أنّ هذه الاتصالات ستنشط اليوم وسط استمرار الاجواء الايجابية للوصول الى تفاهم على هذه التعيينات قبل جلسة مجلس الوزراء المقبلة. ورأت المصادر أنّ الموقف الاخير لقائد الجيش العماد جان قهوجي الذي قال فيه إنّ أحداً لم يعرض عليه اسماء يندرج في اطار الانفتاح ونيّة الوصول الى تفاهم.
وقالت مصادر مطلعة انّ المشاورات الجارية ابعدت نهائياً البحث في تعيين قائد جديد للجيش بقبول جميع الأطراف وإنّ الموضوع لم يعد مطروحاً للنقاش في انتظار انتخاب رئيس للجمهورية يكون حسب الدستور القائدَ الأعلى للقوات المسلحة الخاضعة لسلطة مجلس الوزراء.
فالمعادلة التي فرضَت التمديد في المواقع القيادية لقائد الجيش ورئيس الأركان ما زالت هي هي ولن تتغيّر لا بل إنّ كل ما يجري في الداخل والخارج يعزز استمرار التمديد للقيادة العسكرية.
برّي
ونقل زوار رئيس مجلس النواب نبيه بري عنه قوله انّ اسمَي الضابطين الارثوذكسي والكاثوليكي المرشحين لعضوية المجلس العسكري باتا في حوزته، امّا اسم الضابط الثالث الشيعي فلا مشكلة فيه حتى ولو شاء عون تسميته.
وأشار بري الى انه سيلتقي وزير الدفاع سمير مقبل الذي طلب موعداً لزيارته، وكذلك سيعالج موقفاً يتخذه حزب الكتائب من هذه التعيينات.
وفي ضوء ذلك ستشهد الايام المقبلة اتصالات سيكون محورها برّي لبلورةِ اتّفاق نهائي على التعيينات العسكرية.
علماً أنّه كان لرئيس المجلس اتصالات في هذا الشأن خلال عطلة نهاية الاسبوع شَملت عون وقهوجي، وكانت أجواؤها إيجابية تصبّ في اتجاه إنجاز هذه التعيينات في اوّل جلسة سيعقدها مجلس الوزراء بعد عودة سلام من الخارج، بحيث يكون الاتفاق على هذه التعيينات الإيذان بعودة طبيعية لمجلس الوزراء الى جلساته الاسبوعية وكلّما دعت الحاجة.
من جهة ثانية يُنتظر ان تنتهي المهلة المحددة للّجنة النيابية المعنية بإنجاز مشروع قانون الانتخاب الجديد نهاية الشهر الجاري. ونَقل زوار بري عنه تأكيدَه انّ هذه اللجنة تقدّمت في عملها عمّا كانت عليه قبل اسابيع، وقال «إنّ النيات إذا صفَت وصدقت يمكننا ان نتوصل الى قانون انتخاب قد لا يكون المثالي ولكنّه افضل من قانون الستين النافذ حالياً، ويمكنه ان يضع البلاد على سكّة الوصول الى القانون الانتخابي الذي يحقق صحة التمثيل النيابي وعدالته».
لا مجلس وزراء
وفي هذه الأجواء قالت مصادر نيابية وحكومية لـ«الجمهورية» انّ سَفر رئيس الحكومة الى بروكسل بعد غد الأربعاء للمشاركة في إجتماعات الإتحاد الأوروبي المخصّصة للبحث في ملف النازحين واللاجئين السوريين والفلسطينيين من الأراضي السورية أعطى فرصة إضافية للبحث في مخارج للأزمة الحكومية، وتحديداً بما يتصل بالتعيينات في المجلس العسكري. وسيَعقد سلام لقاءً مع وزير خارجية الاتحاد الاوروبي فيديريكا موغيريني.
ثمّ ينتقل من بروكسل الى سويسرا للمشاركة في منتدى دافوس الاقتصادي، على ان يعود الى بيروت مساء الجمعة. وعليه، لن يكون هناك ايّ جلسة لمجلس الوزراء هذا الأسبوع، وإلى ان تتوافر المخارج التي يعمل لها رئيس مجلس النواب وأكثر من مرجعية سياسية وحزبية فإنّ البحث في جلسة أخرى للمجلس لن يفتحَ النقاش في شأنها قبل عودة سلام من بروكسيل.
وفي حين يستعدّ لبنان للمشاركة في مؤتمر لندن للنازحين في 4 شباط المقبل، تعالت الأصوات المحَذّرة من خطورة هذه الأزمة، وبَرز موقف لافت للبطريرك الراعي، أكد فيه أنّه «لا يمكن أن يتحمَّل لبنان أن يكون نصفُ سكّانه من النازحين السوريين واللاجئين الفلسطينيين. فنحن نَشعر إنسانياً معهم وبأوضاعهم المذِلّة مادياً ومعيشياً، ونتضامن معهم ونطالب بمساعدتهم. ولكن، لا يمكن أن يكون استقبالهم على حساب اللبنانيين اقتصادياً وسياسياً».
«النووي» الإيراني
وفيما تَفاعل رفع العقوبات الاميركية والغربية عموماً عن ايران داخلياً وإقليمياً ودولياً. أوضح عضو كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب كامل الرفاعي لـ«الجمهورية» أنّ «رفع العقوبات الأميركية عن إيران سيؤثر أوّلاً على الشعب الإيراني الذي عانى طوال السنوات الماضية من العقوبات الغربية والاميركية، وبالتالي ستكون نتائجها الإقتصادية إيجابية».
وأشار الرفاعي الى أنّ «هذا الأمر سيعود أيضاً بنتائج إيجابية على لبنان، لأنّ الجمهورية الإسلامية الإيرانية كانت دائماً الى جانب بلدنا ودعمَتنا في مشاريع إنمائية عدّة، وبالتالي ستستمرّ في مساعدتنا في الخطط التنمويّة».
وعن التأثير السياسي على لبنان، أكّد الرفاعي أنّ «هذه الخطوة سيكون لها مفعول إيجابي في كلّ المنطقة، ولبنان جزء من هذه المنطقة، وبالتالي سيتأثّر بالتقارب الأميركي – الإيراني، ونأمل أن يثمر ذلك حلولاً على مستوى المنطقة ولبنان».
الجرّاح
من جهته، نظر عضو كتلة «المستقبل» النائب جمال الجرّاح بسلبية الى انعكاس رفع العقوبات الأميركية على لبنان والمنطقة، وأكّد لـ«الجمهورية» أنّ «هذا الإجراء سيمنح طهران مكاسبَ إقتصادية ومالية، وبالتالي ستصرفها على دعم حلفائها في البحرين واليمن وسوريا والعراق ولبنان».
ولفتَ الى انّ «هذا الأمر سيؤدي الى إستكمال المشروع الإيراني وحلمِ السيطرة على المنطقة العربية، لأنّ طهران تريد الفتنة»، معتبراً أنّ «رفع العقوبات لن يؤدي الى إنعكاسات إيجابية على الملف اللبناني لأنّ لبنان ليس في أولويات طهران وواشنطن بل إنّ الأولوية للعراق وسوريا، وأميركا غير مهتمة للملف اللبناني وانتخاب رئيس للجمهورية».
وقال الجرّاح إنّ «الملف اللبناني وانتخاب رئيس يهمّ أوروبا أكثر، وهذه القارّة بإمكانها ممارسة ضغوط على ايران من اجل تسهيل الإنتخاب لكن الأخيرة لا تستجيب»، موضحاً أنّ «الإهتمام الأوروبي ينتج عن التقارب الجغرافي والديني مع لبنان والعلاقات التاريخية بين فرنسا والفاتيكان والموارنة».
قضية سماحة
إلى ذلك، استمرّت مضاعفات الإفراج عن سماحة في التفاعل، خصوصاً على جبهة فريق 14 آذار والحزب التقدمي الاشتراكي. وفي هذا الإطار أوفد وزير العدل اللواء اشرف ريفي مستشاره القانوني القاضي محمد صعب الى سجن رومية حيث إجتمع بلجنة الموقوفين والسجناء الإسلاميين في المبنى «ب». وقد تمّ الإتفاق على تعليق الإضراب المفتوح عن الطعام موقّتاً لإفساح المجال امام جهود وزيرَي العدل والداخلية لوضع حدٍّ لهذه التصرفات وإعادة الأمور الى نصابها.
وفي السياق، سأل رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع: «إذا كان الذين يدافعون عن إطلاق سماحة يقولون إنّهم يريدون العدالة والقانون فقط لا غير، فما الذي يضيرهم إذا صوّتوا داخل مجلس الوزراء على إحالة هذه القضية إلى المجلس العدلي لأنه أرفعُ سلطة عدلية في لبنان؟».
وطالبَ جعجع عبر «تويتر» «وزيرَ العدل بأن يذهب قدُماً في تحضير مشروع مرسوم لتحويل قضية سماحة الى المجلس العدلي»، مناشداً «رئيسَ الحكومة أن يطرح في أول جلسة وزارية من خارج جدول الأعمال مشروع المرسوم لإقراره».
محاكم متخصّصة
وإلى ذلك، سيقدّم ريفي اليوم مشروع قانون لإنشاء محاكم متخصّصة بقضايا الارهاب أنجزَت دوائر وزارة العدل طبع 300 نسخة منه ستوزّع على النواب والوزراء ورؤساء الكتل وجمعيات حقوق الانسان والاعلام، على أن تطلب قوى 14 آذار إدراجَ هذا المشروع على جدول اعمال مجلس الوزراء لإقراره، كونه يحدّ من صلاحيات المحكمة العسكرية ويلزمها فقط حصرَ مهامّها في القضايا العسكرية وعدم مثول ايّ مدني أمامها.
وسيرسل ريفي كتاباً الى مجلس الوزراء ليعاود التشديد على إحالة ملف سماحة الى المجلس العدلي، إذ سَبق له ان قدّم في 14/5/2015 وفور صدور قرار المحكمة العسكرية بسجن سماحة 4 سنوات ونصف سنة طلباً بإحالة الملف الى المجلس العدلي ولم يوضَع على جدول الأعمال.
الراعي
ومن جهة ثانية، وفي وقتٍ تكاثرَ الكلام عن نيّة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي زيارة السعودية قريباً للبحث في الاستحقاق الرئاسي، نفَت مصادر بكركي عبر «الجمهورية» هذا الكلام، مؤكدةً أن «لا شيء من هذا الموضوع حتّى الآن».
الى ذلك، من المقرّر أن يزور عدد من الشخصيات والمسؤولين السياسيين بكركي هذا الأسبوع، وأن يستكمل الراعي إتصالاته معهم لمتابعة المشاورات الرئاسية. ومن المفروض إذا لم يحصل أيّ مفاجأة، أن يستقبل الراعي الرئيسَ فؤاد السنيورة الذي سيزوره للبحث في مختلف الملفات المطروحة على أكثر من مستوى، سواءٌ تلك المتصلة بالاستحقاق الرئاسي او الأوضاع الأمنية.
من جهة ثانية، واصَل الراعي دعوته المسؤولين في لبنان الى إدراك أنّ الأزمة السياسية المتفاقمة بسبب الخلافات بين الكتل السياسية والنيابية المؤدية إلى عدم الاتفاق على مرشّح أو مرشّحين لرئاسة الجمهورية، من صفوفها أو من خارجها، وإلى عدم انتخاب رئيس للجمهورية منذ سنة و10 أشهر، وإلى تعطيل المجلس النيابي وعمل الحكومة، قد شلّت الحياةَ الاقتصادية والتجارية والسياحية في لبنان».
«الحزب» و«الكتائب»
وعلى صعيد الحوار الذي استؤنِف الأسبوع الماضي بين الكتائب وحزب الله بلقاءٍ عُقد بين رئيس كتلة الكتائب النائب ايلي ماروني وعضو كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب علي فياض، قالت مصادر معنية لـ»الجمهورية» إنّ الحزبين اتّفقا على توسيع لجنة الحوار بينهما بحيث تضمّ مجموعة نواب منهما. ولفتت الى انّ الهدف من هذا الحوار هو إبقاء التواصل قائماً.
فليس من السهل التوافق على الملفات والعناوين المطروحة للبحث، لكن القبول بمناقشة كلّ شيء من دون الحظر على ايّ ملف يبقي الحوارَ قائماً في ظروف هي الفضلى الى ان تتغيّر الظروف التي يمكن من خلالها النفاذ الى ايّ منها ولا سيّما ما يتصل بالإستحقاق الرئاسي الذي ما زال البندَ الثابت منذ ان انطلقَ الحوار بينهما قبل عام ونيّف.
مبادرة برّي لمواجه العقوبات
من جهة ثانية، شهدَت أزمة العقوبات الأميركية المفروضة على حزب الله، تطوّراً جديداً من خلال دخول المجلس النيابي على الخط بمبادرة أطلقَها رئيسه من خلال تشكيل لجنة نيابية مهمّتها التواصل مع العالم لشرحِ موقف لبنان الملتزم القوانين المالية الدولية، وفقَ ما شرح لـ»الجمهورية» النائب ياسين جابر، والمكلّف التحدث باسم اللجنة.
ورغم انّ جابر أكد أن «لا علاقة للمبادرة بملف العقوبات الاميركية على حزب الله، وأنّ الهدف يتجاوز هذا الموضوع الى فكرة تلميع صورة لبنان في الخارج»، أفادت مصادر مطلعة انّ الضغوط الاميركية بواسطة القانون الجديد الذي استهدف حزب الله، وتداعياته المحتملة على القطاع المالي، هي السبب الرئيسي الذي استدعى إطلاقَ مبادرة بري.
ووصَفت المصادر اللجنة بأنّها «نواة خلية أزمة نيابية مهمّتها البحث عن سبل التعايش مع القانون الاميركي الجديد، وتخفيف مفاعيله السلبية المحتملة في المرحلة المقبلة».
من جهته، أوضَح جابر «انّ عمل اللجنة لا يهدف الى إيجاد حل لمشكلة العقوبات الاميركية المفروضة على حزب الله لأنّها قرارات صادرة عن الكونغرس الاميركي ولا يسعنا شيء حيال ذلك».
وقال إنّ اللجنة التي ستجتمع مجدداً بعد ظهر اليوم «ستضَع خطة عمل وتعدّ لحملة في الخارج تُظهر الخطوات التي نقوم بها التزاماً منّا بالقوانين الدولية، وسنرَكّز على لقاءات مع المجالس النيابية، ولكنّ هذا لا يمنع عَقد لقاءات مع جهات اخرى، وحتى الساعة لم نحدّد الدول التي سنقصدها، ربّما سيتّضح كل ذلك في لقاء غد (اليوم)، بعد الاستماع الى وجهات نظر النواب واقتراحاتهم». (تفاصيل ص 13)
جمعية المصارف
وعلى المستوى الإقتصادي والمالي، قالت مصادر مالية لـ«الجمهورية» إنّ وفداً مِن جمعية مصارف لبنان يتقدّمه رئيسُها الدكتور جوزف طربية سيسافر الجمعة المقبل الى واشنطن لعَقد لقاءات على مستويات عليا مع مسؤولي وزارتَي التجارة والمالية ولجنتَي الشؤون المالية والعلاقات الخارجية في الكونغرس الأميركي للبحث في سلسلة القوانين التي أقرّها الكونغرس والعقوباتِ التي فرضَت على قيادة حزب الله وتداعياتها الداخلية على القطاع المصرفي في لبنان وامتداداته الدولية والخارجية.
كذلك سيناقش الوفد في سُبل تطبيق مشاريع القوانين المالية التي تؤكد أهمّية انخراط لبنان في العولمة المصرفية بعدما أكدَ لبنان التزامَه الدائم القوانينَ الدولية التي أقِرّت في الولايات المتحدة والمؤسسات الدولية تحت عنوان تمويل الإرهاب وتبييض الأموال ونقلها عبر الحدود، متسلّحاً بسلسلة القوانين التي أقرّها مجلس النواب في الجلسة التشريعية التي عُقدت تحت عنوان الضرورة.
ومن المقرر ان يلتقي وفد الجمعية مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة خلال الساعات المقبلة في حضور رئيس وأعضاء لجنة الرقابة على المصارف للبحث في قرار الكونغرس الأميركي ضد «حزب الله» وتداعياته على القطاع المصرفي.