إذا ما صدقت وعود ما قبل عطلة عيد الفطر، يفترض أن تنطلق العجلة الداخلية الحكومية والسياسية بالزخم الموعود ومقاربة زحمة الملفات المُدرجة على بساط المتابعة الحكومية، بما تتطلّبه من عناية فائقة ومعالجات جذرية بعيداً عن لغة المسكّنات والحلول السطحية. ومع الإطلالة الفرنسية على الملف اللبناني، عبر زيارة وزير الخارجية جان مارك آيرولت الى بيروت اليوم، تتراكم الأسئلة حول مغزى الزيارة، والغاية منها في هذا التوقيت وماذا يحمل الوزير في جعبته؟ في وقت تمنّى رئيس الحكومة تمام سلام أن تتمخّض زيارة ايرولت عن أفكار وحلول، إلّا أنّ مراجع سياسية كشفت عن تلقّيها إشارات غربية تنصح بعدم الافراط في التفاؤل أو بناء آمال غير واقعية على زيارة لا تنطوي على أيّ أفكار او اقتراح حلول سياسية او رئاسية، وهدفها الاستماع والاستفسار.
من المقرّر أن يصل ايرولت الى بيروت ظهر اليوم، بعدما كان قد سبقه اليها منذ اسبوع رئيس فريق الأزمات في وزارة الخارجية السفير باتريس باولي. مع العلم انّ زيارة الوزير الفرنسي كان من المقرّر حصولها في أيار الماضي، وتمّ إرجاؤها لأسباب فرنسية.
إلّا أنّ اللافت للانتباه في هذه الزيارة حالياً، هو حصولها على مسافة قصيرة من لقاءات رسمية فرنسية جرت مع وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف ووليّ وليّ العهد السعودي الامير محمد بن سلمان ووزير الخارجية السعودي عادل الجبير، ولكن من دون ان يرشح ما يؤكد او ينفي إن كان الملف اللبناني قد احتلّ جانباً من تلك المحادثات.
وتستمر زيارة ايرولت يومين، يُخصّص الاول للقاءات مع كبار المسؤولين اللبنانيين الرسميين والحزبيين، والثاني لجولة في الجنوب يتفقّد خلالها كتيبة بلاده العاملة في إطار قوات «اليونيفيل»، كما يتفقّد مخيماً تُديره إحدى المؤسسات الدولية التي تعنى بشؤون اللاجئين.
وقالت مصادر السفارة الفرنسية إنّ ايرولت سيجول على المسؤولين الرسميين، حيث يلتقي في مقرّاتهم الرسمية كلّاً من رئيس مجلس النواب نبيه برّي، رئيس الحكومة تمام سلام، وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل، ثم البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي.
وأشارت الى انّ اللقاءات الأخرى ستتمّ في مقر السفارة في قصر الصنوبر، وتشمل كلّاً من رئيس تيار «المستقبل» الرئيس سعد الحريري، رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية، رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون، رئيس حزب الكتائب اللبنانية النائب سامي الجميّل، رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد ورئيس الحزب التقدمي الإشتراكي النائب وليد جنبلاط، وممثلة المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ميراي جيرار ومسؤولين أمميين ودوليين في بيروت، ومجموعة من قادة المجتمع المدني.
سلام… تفعيل الحكومة
على صعيد آخر، يعود مجلس الوزراء الى الانعقاد مرتين هذا الأسبوع، الاولى في جلسة تعقد عصر غد ومخصّصة للوضع المالي، والثانية عصر الخميس المقبل للبحث في جدول أعمال عادي من 59 بنداً.
وقالت أوساط رئيس الحكومة تمام سلام لـ»الجمهورية» إنّ مرحلة ما بعد العيد يفترض أن تكون فاعلة وكثيفة، وهذا يفترض تَحلّي الجميع بالمسؤولية عبر الشراكة في تفعيل عمل الحكومة وإنتاجيتها، خصوصاً أنّ الاوضاع ليست مقبولة والوضع المالي دقيق، وسيعرض وزير المالية هذا الوضع بتفاصيله امام مجلس الوزراء».
ونقلت الاوساط ارتياحه لزيارته الاخيرة الى السعودية ولقاء الملك سلمان بن عبد العزيز، وتشديده ايضاً على أنّ الوضع اللبناني سيبقى يراوح في السلبية والتعقيدات وبعيداً عن الحلول الحقيقية ما دام الشغور الرئاسي قائماً، وهذا يتطلّب التعجيل في الانتخابات الرئاسية بما يُعيد البلاد الى السَّير بشكل طبيعي.
بري: النفط… والسلة
من جهة ثانية، يفترض أن يدخل الملف النفطي في هذه الفترة غرفة العناية الحكومية، مع المبادرة المنتظرة من سلام الى وَضعه على السكة، عبر دعوة اللجنة الوزارية الى الانعقاد لوضع الأسس الآيلة الى إصدار المراسيم التطبيقية، وكذلك التشريعات الضريبية المرتبطة بهذا الملف.
وأعرب رئيس مجلس النواب نبيه برّي أمام زوّاره، عن الامل في أن يتصاعد الدخان الابيض قريباً من المدخنة النفطية، وأن تسلك الامور المسار الطبيعي وصولاً الى الخواتيم السعيدة في هذا المجال.
من جهة ثانية، يدخل القانون الانتخابي الاسبوع الحالي جولة جديدة من الأخذ والرد في اللجان النيابية المشتركة، وسط أجواء توحي باستمرار طبخة البحص الى ما لا نهاية في ظلّ الافتراق الحاد في مواقف القوى السياسية حول شكل القانون الانتخابي وماهية الدوائر الانتخابية.
وجَدّد الرئيس بري التأكيد أمام زوّاره على الحلول التي اقترحها في السلّة المتكاملة، التي تشكّل المخرج الملائم لكلّ المشكلة التي يعانيها البلد.
وأمل بري أن تتمخّض الجلسات الثلاث في آب المقبل عن حلول، خصوصاً أنّ البلد لم يعد يحتمل لا مماطلة ولا مزايدة أو أي تعطيل، فلنستفِد من الوقت ولندخل الى الحلول بكل مسؤولية. وكما سبق وأكدت أنه لن يكون هناك تمديد لمجلس النواب تحت ايّ ظرف، لذلك ما علينا الّا أن نعجّل بالحل لإجراء الانتخابات.
فيّاض لـ«الجمهورية»
الى ذلك، قال عضو كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب علي فيّاض لـ«الجمهورية»: «إنّ مشروع الرئيس بري هو الأكثر توازناً وحيادية»، مؤكداً تفضيله «النسبية الكاملة». مضيفاً: «النقاش الانتخابي معقّد وصعب، ولكن اذا صَفَت النوايا سنتّفِق على قانون».
حوري لـ«الجمهورية»
وقال عضو كتلة «المستقبل» النائب عمار حوري لـ«الجمهورية»: «النقاش لا يزال مفتوحاً، ومن المُبكر الحكم على أيّ شيء». وأكّد التضامن مع «القوات» و»التقدمي الاشتراكي» ومحاولة مناقشة القانون المختلط مع سائر الافرقاء عبر اللجان المشتركة»، مضيفاً: «نتمنى ان تجري الانتخابات في وقتها ونحن نبذل كل جهودنا لتحقيق ذلك، لكنّ النتيجة غير مضمونة».
بزي لـ«الجمهورية»
ولفت عضو كتلة «التنمية والتحرير» النائب علي بزي، عبر «الجمهورية»، الى أنه مع تَعذّر الوصول الى قانون «لبنان دائرة واحدة» على أساس النسبية، اعتمدنا القانون المختلط الذي قدّمَته رئاسة المجلس النيابي ليؤكّد على التوازن السياسي وصحة التمثيل وخصوصاً عند المسيحيين، إضاقة الى إدخال النسبية للمرة الاولى في القوانين الانتخابية».
«القوات»: «المختلط»
وأكّد مصدر قواتي متابع لـ«الجمهورية»، أنّ «القوات» تقوم باتصالاتها اللازمة مع الكتل النيابية للبحث والاتجاه نحو القانون المختلط»، منوّهاً بأنه «ليس هناك تمديد للمجلس النيابي الحالي، وفي حال لم يتّفق على صيغة قانون، ستجري الانتخابات المقبلة وفق القانون الحالي».
«التيار الحر»: المناصفة
في المقابل، أشارت مصادر نيابية متابعة «للتيار الوطني الحر»، الى «تمسّك التيار بالقانون النسبي الذي لا يلعب بمصير اللبنانيين وينتهك حقوقهم»، مضيفة: «لو أنّ المناصفة لم ينصّ عليها الدستور لَما كان هناك شيء إسمه اتفاق الطائف، والخَلل بهذا الاتفاق أدّى الى إنتاج 5 قوانين انتخاب جديدة»، لافتة الى أنّ «أي قانون يوصِل النسبة والتمثيل الصحيح، سنكون أوّل المؤيّدين له».
«الكتائب»: الدائرة الفردية
وقال مصدر كتائبي لـ«الجمهورية»: «الكتائب طرحت قانون الدائرة الفردية، 128 دائرة فردية على الانتخابات، وانّ عدداً من الاطراف أبدوا تأييدهم لهذا القانون، مثل رئيس حزب «التقدّمي الاشتراكي» وليد جنبلاط والنائب أحمد فتفت»، مشيراً الى أنّ «محاولة البعض حصر النقاش بمشروعين يعتمدان القضاء كدائرة انتخابية في النظام الأكثري، يُغلق المجال أمام مناقشة القوانين الاخرى التي وضعت على جدول اعمال اللجان المشتركة».
«14 آذار»: تشكيك
في سياق متصل، شَكّكت مصادر نيابية في «١٤ آذار» بإمكان إجراء الانتخابات النيابية في موعدها الدستوري، متوقعة أن تلقى مصير الانتخابات الرئاسية التي لم تُنجز في موعدها.
وقالت لـ«الجمهورية» إنه لن يتمّ الاتفاق على قانون انتخابي جديد، متخوّفة من ان لا تجري الانتخابات في موعدها الدستوري على رغم تأكيدات رئيس المجلس النيابي نبيه بري ووزير الداخلية نهاد المشنوق. وفي حال جَرت فإنها ستتمّ على أساس الستين.
ووصفت المصادر أخيراً جلسات الحوار الوطني العام والخلوات الحوارية مطلع آب بأنها مضيعة للوقت وتَحايل على الدستور.