جونية هي الحدث، سماؤها تنبض بالفرح. ليلها نهار، بيوتها تزيّنت بالأهل والزوّار، شوارعُها وساحاتها والمقاهي والمنتجعات، سلسلةٌ بشرية رقصَت وهلّلت امتداداً مِن البرّ إلى البحر. هو مشهد يتكرّر للسنة السادسة على التوالي احتضَن لبنان، وكلُّ لبنان من أدناه إلى أقصاه تفاعلَ مع هذا الحدث. هي صورةٌ عن لبنان النابض بالحياة، رسمَتها أسهمٌ ناريّة تحدَّت عِقَد السياسة وبحرَ الأزمات التي يعانيها البلد، وعتمة الإرهاب القاتل الذي يريد أن يتسرّب في شرايينه ويغتالَ هويتَه وجوهرَه كواحةِِ للعيش الواحد بين كلّ مكوّناته. هي أسهمُ محبّةٍ، أصابَت كلَّ اللبنانيين بالفرَح والتفاؤل، وبالأمل بالغدِ الآتي، وبرَجاءِ القيامة من الظُلمة إلى النور.
مهرجان جونية كان الحدثَ الأبرز، وأمّا السياسة فظلّت مراوحة موصوفة في كلّ الملفّات. الحوار السياسي مربِك بتبايناتٍ لا حدود لها، النفط معقّد في البرّ والبحر الى أن يثبت العكس، والوضع الماليّ عالق، حتى إشعار آخر، في اشتباك بمفعول رجعيّ بين حركة «أمل» وتيار «المستقبل» برغم محاولات وقفِ القصف السياسي ما بين الرئيس فؤاد السنيورة ووزير المال علي حسن خليل، والقانون الانتخابي يَغلي على نار «الستّين»، وأمّا رئاسة الجمهورية فيتجاذبها الإيقاع الداخلي والخارجي بكثير من الروايات والسيناريوهات، فيما عقاربُ الساعة الرئاسية ثابتة مكانها بلا حراك، ولا سقفَ زمنياً للانتظار.
هذه المراوحة خرقَتها رسالة سياسية تطمينية أطلقَها رئيس مجلس النواب نبيه برّي أمس، فجدّد الالتزام باتّفاق الطائف بكامل مندرجاته. ودعا إلى السير بخارطة طريق الحلّ التي حدّدها للتوافق على انتخاب رئيس للجمهورية وإقرار قانون للانتخابات النيابية ثمّ إجراء الانتخابات على أساسه مع تشكيل حكومة اتّحاد وطني. وقال: لا أحد يفكّر، بأن أحداً يفكّر، أو مسموح له أن يفكّر بشيء تأسيسي (مؤتمر تأسيسي).
مجلس الوزراء
وسط المراوحة السياسية، عَقد مجلس الوزراء جلسةً عادية خرقَتها مناوشات سياسية على أكثر من محور. وعلمت «الجمهورية» أنّ طرح بندِ التمديد لشركتَي الخلوي، والذي اقترَح تأجيله رئيس الحكومة تمّام سلام إلى نهاية الجلسة، أدّى الى مشادة كلامية تقنية بنيّات سياسية مناطقية بين كلّ مِن الوزيرَين جبران باسيل والياس بوصعب من جهة والوزير بطرس حرب من جهة ثانية، خصوصاً عند البحث في دفتر الشروط للمناقصة ، إذ اتّهم حرب باسيل من دون أن يسمّيه بأنّه أفشلَ المناقصة السابقة عبر مواقفِه الإعلامية وزَعمِه أنّ الوزارة خالفَت قرار مجلس الوزراء، إضافةً الى الحراك الشعبي الذي رافقَ أزمة النفايات، ما حدا بـ 4 شركات من أصل 6 تقدّمت للمشاركة بالمناقصة، إلى الانسحاب منها.
ورفضَ باسيل هذه التهمة معتبراً أنّ الشروط الصعبة وغيرَ المنطقية التي وضَعها حرب في دفتر الشروط نفّرَت الشركات، واتّهمه بمخالفة قرارات المجلس ودفتر الشروط.
وتدخّلَ أكثر من وزير واحتدمَ النقاش، فرفعَ سلام الجلسة وحدّد جلسة خاصة للخلوي والإنترنت غير الشرعي الأربعاء 27 الجاري.
«أوجيرو»
وشهدَت الجلسة جدلاً آخر، وذكرَت أوساط وزارية أنّه لدى طرح بند رقم 13 لدفعِ ما قضى به مجلس الشورى من حقوق لموظّفي أوجيرو الفنّيين، دار جَدلٌ بين كلّ مِن الوزيرين محمد فنيش وباسيل من جهة، وحرب من جهة ثانية حولَ توجّب دفعِ حقوق الموظفين الفنّيين في الوزارة.
وطلبَ باسيل التريّثَ وعدمَ الموافقة على الموضوع إذا لم يقترن بفتحِ ملفّات الاتّصالات بكاملها، مطالِباً سلام بإدراج الملفّات المتعلقة بالوزارة على جدول أعمال مجلس الوزراء مع بندِ تنفيذ أحكام مجلس الشورى التي قضَت بدفع حقوق الموظفين الفنّيين لأوجيرو. وتحفّظَ فنيش على البند لأنّه سيفتح مجالاً لكلّ العاملين الفنّيين في الدولة للمطالبة بشكل مماثل.
فطالبَ حرب بإقرار البند لأنه يأتي تنفيذاً لأحكام قضائية لا يجوز لمجلس الوزراء رفضُها، لأنّ ذلك يُسقط أحد أهمّ مهمّات الحكومة وهو تنفيذ أحكام القضاء، وإنّ الغمزَ من قناة عدم تنفيذ الحكم الصادر لمصلحة آل فتّوش بالأحكام التي تنصِف الموظفين وعائلاتهم غيرُ مقبول وفي غير مكانه، لأنّ قضية آل فتوش تختلف كلّياً عن قضية الموظفين ولا مهربَ مِن إنصافهم، كما لا يجوز ربط تنفيذ هذا الحكم بملف الاتصالات وبملاحظات بعض الوزراء غير الصحيحة على هذا الملف.
باسيل
وقال باسيل: «موقفُنا مع التمديد لشركتَي الخلوي لعدمِ وجود حلّ آخَر، لكنّ المشكلة هي في المناقصة ومخالفة ما اتّفِق عليه داخل المجلس. ودفتر الشروط الذي وضَعه وزير الاتصالات لا يستقطب الشركات، وسبقَ ونبّهنا من هذا الأمر لمَّا اطّلعنا عليه، لكنّ الوزير أصرّ آنذاك على أنّ 20 شركة ستتقدّم إلى المناقصة، والنتيجة تقدّمت شركتان، انسحبَت واحدة منهما في ما بعد… كيف يمكن ان تدخلَ الى المناقصة شركة تحت بند جزائي إذا انخفضت مداخيل الخلوي ونَعلم أنّ المداخيل الى انخفاض ولا يمكن أن تقبل الشركات بهذا الشرط إضافةً إلى شروط تقنية يمكن اعتبارها تعجيزية؟»
وقال باسيل لـ«الجمهورية»: «جلُّ ما نطلبه هو احترام مرجعية مجلس الوزراء في اتّخاذ قراراتٍ تحتاج إلى مراسيم وتُعتبر من اختصاصه، فكيف يحقّ لوزير أن يُبرم عقداً مع أوجيرو بقيمة 176 مليار ليرة وهذا العقد يحتاج إلى مرسوم من المجلس ؟
ثمّ إنّنا نطالب منذ 5 أشهر بأن يدرج ملفّ الإنترنت غير الشرعي ومخالفات أوجيروعلى طاولة المجلس، ونواجَه بالتأجيل، من تأجيل إلى آخر، وهنا لا أتحدّث بالسياسة بل بالأصول الدستورية والمواضيع التقنية».
بوصعب
وقال بوصعب لـ«الجمهورية»: «نطالب أن يجاوبنا وزير الاتصالات بالأمور التقنية تقنياً، فهو مَن يصرّ على تسييس كلّ الملفات التي نطرحها معه، وهذا ما قلتُه له داخل الجلسة وذكّرته بأنّه عندما طلبنا تقريراً أحضَر لنا قصاصات جرائد».
قزّي
وكان الوزير سجعان قزي قد أثارَ من خارج جدول الأعمال موضوع تلكّؤ مجلس الإنماء والإعمار في تنفيذ مشروع إعادة تأهيل معمل الزوق الحراري، على رغم أنّ مجلس الوزراء أقرَّه منذ أكثر من سنة، وهناك تلوّث بيئي متزايد وأمراض تتفشّى. واستعجَل وضعَ قرار المجلس منذ 3 أسابيع بشأن استملاكات أوتوستراد جونية موضع التنفيذ، لكي لا يصبح في خبرِ كان.
تلوّث الليطاني
وأثيرَت قضية تلوّث الليطاني من خارج جدول الأعمال بطلب من وزراء «حزب الله» و»أمل»، مشدّدين على ضرورة اتّخاذ إجراءات فورية لإنقاذ هذا النهر.
واستحوَذ هذا الأمر على نقاش مستفيض حوله، جرى خلاله عرضُ صوَر وخرائط، وعلمَت «الجمهورية» أنّه تقرّرَ في نهاية النقاش أن يعدَّ وزراء الطاقة والداخلية والبيئة والسياحة تصوّرات للحلّ في جلسة الخميس المقبل. إلّا أنّ وزير المال رفضَ التأجيل وأصرَّ على البدء بإجراءات طارئة، خصوصاً في المرامل وأماكن غسله. أمّا المعالجة البيئية الطويلة فيمكن أن تنتظر إلى الخميس المقبل.
وساندَ فنيش خليل، لافتاً إلى أنّه في هذه الفترة الفاصلة يمكن للمدّعي العام المالي أن يأخذ قرارات، ويمكن لوزارة الداخلية أن تقفل المرامل، وكلّ وزير يستطيع من موقع صلاحياته ومسؤولياته أن يتّخذ إجراءات مناسبة ريثما يتمّ التوصّل الخميس إلى قرارات حاسمة.
فنَيش لـ«الجمهورية»
وقال فنَيش لـ«الجمهورية»: «أثرتُ كارثة الليطاني من المنبع إلى المصب. فالتلوّث أصبحَ بنسبة عالية جداً، ويتوزّع بين عكارةٍ وطميٍ (بقايا الرمل والأتربة). الليطاني نهر يحتضر بدءاً مِن القرعون مروراً بالقاسمية.
وحتى القاسمية هذا النهر المعروف عنه أنّه يجدّد ماءَه بشكل موسمي يغلب عليه الآن الوحلُ والصرفُ الصحّي وغسيل الرمول، وأراضٍ زراعية عدة تستفيد من هذا النهر، ولا يجوز المماطلة بمعالجته».
وفي ملفّ الخلوي، ذكر فنَيش أنّ دفتر الشروط الذي أقرّه المجلس في هذا الملف كان يتضمّن بنداً يتيح لكلّ شركة شغّلت عشرةَ ملايين خط في أيّ بلد خلال 5 سنوات إمكانية الدخول بالمناقصة.
لكنّ وزير الاتّصالات أصرّ على تعديل هذا الشرط بنحو يشترط على كلّ شركة أن تكون شغّلت 10 ملايين خط ولكن خلال كلّ سنة من السنوات الخمس، وهذا الشرط أحجمَ الإقبال فغابت المنافسة، ما أفشلَ المناقصة، إذ لا يجوز وضعُ شروط تعجيزية وصعبة أمام الشركات إذا أردنا استقطابَ المزيد منها حتى تحصل الدولة على العرض الأفضل.