«سجال المنابر» شغل اللبنانيين في الساعات الماضية، والمتتبّع لوقائعه يلمس حجم الارتباك الذي يسود كل الطاقم السياسي، وكذلك افتقادهم الى ما يمكن اعتباره مخارج الأزمة المتفاقمة التي نَبتت فجأة على حافّة سلسلة الرتب والرواتب. كأنّ مسرحية الإطاحة بسلسلة الرتب والرواتب استكملت بهذا النوع من السجال، الذي بَدا محكوماً بمحاولة الهروب الى الأمام عبر التبرؤ من ضرائب «السلسلة» من جهة، وعبر تعمّد كل طرف سياسي تقديم شهادة حسن سلوك أو حسن أداء عن نفسه في مقاربة موضوع السلسلة من موقع الحريص الحصري عليها، وبالتالي إلقاء المسؤوليات في هذا الاتجاه أو ذاك.
تعددت المؤتمرات الصحافية من مؤتمر وزير المالية علي حسن خليل، الى مؤتمر رئيس لجنة المال والموازنة النائب ابراهيم كنعان، الى رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، وغيرها الآتي.
والخلاصة انّ هذا النوع من السجال لم يقدّم الصورة الواضحة للناس، بل انّ كلّ أولي الأمر السياسي وغير السياسي يوهِمون الناس بالبحث عن المخارج فيما الحقيقة انّ البحث المطلوب هو عن «راجح».
«راجح» الذي عطّل السلسلة، «راجح» الذي عطّل ولا يزال إمكانية الوصول الى قانون الانتخاب، «راجح» الذي أثار علامات استفهام وتشكيك بالتحرّك المدني حول السلسلة وما زال، «راجح» الذي لبس الأقنعة وسعى الى بلبلة وفوضى في الشارع الذي يقف أصلاً على حافّة السقوط.
الأكيد أنّ العثور على هذا الـ«راجح» هو ضرب من المستحيل، وإن كان هناك من يراه مُعشّشاً في أذهان كثيرين، سياسيين واقتصاديين ونقابيين وغير ذلك، وهو جاهز لإطلاقه من القفص ليرتدي كل يوم قناعاً ويفعل فعله التعطيلي أو التوتيري.
المُتتبّع لهذا السجال يقف على حقيقة انّ السياسيين لم يأتوا بأكثر من كلام مُستهلك سبق استخدامه حول العناوين والشعارات والأفكار ذاتها، فيما الشارع يتورّم أكثر فأكثر وينذر بانفجار في ايّ لحظة، الّا اذا تمّ وضع السلسلة على مشرحة عقلانية تنزع منها الالغام الضريبية التي ستنفجر حتماً اذا بقيت صواعق التفجير قائمة فيها على ما هي عليه الآن.
لقاء «بيت الوسط»
في هذه الاجواء، ما زالت الاتصالات الانتخابية تدور في المربّعات الاولى، في وقت بدأ حديث الغرَف المغلقة يظهر الى العلن ليضع التمديد للمجلس النيابي في صدارة الاحتمالات المقبلة.
وتردّد، في سياق البحث الانتخابي، «انّ لقاء عقد في «بيت الوسط» خلال الساعات الـ 48 الماضية، وجمع الحريري والوزير جبران باسيل والوزير علي حسن خليل وممثّلاً عن «حزب الله»، واستعرضت فيه أفكار انتخابية جديدة، من دون أن تشير مصادر المعلومات الى ماهيتها وما اذا كان تمّ التوافق عليها أو على بعض منها».
كما عقد لقاء مساء أمس الأول في «بيت الوسط» جمع الحريري ورئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع يرافقه وزير الإعلام ملحم رياشي في حضور وزير الثقافة غطاس خوري ونادر الحريري. وتناول مشروع قانون الانتخابات ومشروع الموازنة وسلسلة الرتب والرواتب، والأوضاع العامة في البلاد.
مراجع رسمية
وتبعاً لذلك، توقفت مراجع رسمية عند كلام وزير الداخلية نهاد المشنوق، بعد زيارته رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب نبيه بري، عن عدم إمكانية حصول انتخابات في ظل عدم الوصول الى قانون جديد. وعكست انّ هذا الكلام مَردّه الى فشل إمكانية دعوة الهيئات الناخبة مجدداً على نحو ما سبق وأعلن وزير الداخلية.
إلّا انّ هذه المراجع اعتبرت انّ المشهد الانتخابي صار محصوراً بين الذهاب الى قانون الستين، وهذا معناه أن يوافق رئيس الجمهورية على هذا الأمر، وبين الذهاب الى التمديد ولفترة زمنية لا تقلّ عن 6 أشهر. (وزير الداخلية أشار الى تمديد تقنيّ حتميّ) بمعنى أنه طالما الستين صعب فإنّ التمديد هو الخيار الأسهل.
برّي
في هذا الوقت، قال برّي أمام زوّاره انّ السلة التي طرحها مجدداً مع أولوية قانون الانتخاب هي الوسيلة الأسلم للخروج من الأزمة الراهنة، سواء الانتخابية او المعيشية.
وإذ لمس برّي إيجابية من حركة المشنوق في الشأن الانتخابي، قال: «هذا القانون كان وما زال أولوية، ولكن مع الأسف هناك من بقي يماطل حتى الآن حتى طيّرت المهَل. ومع ذلك المطلوب مجدداً هو القانون الجديد، وما زال الوقت متاحاً أمامنا على رغم انّ المهل قد طارت».
ولدى سؤاله اذا كان للنسبية حظ بعد؟ أجاب: «النسبية هي أساس القانون الذي يجب ان نصل اليه في أقرب وقت ممكن، إن كانت نسبية بصورة كلية او جزئية، لكنّ الأهمّ من كل ذلك الآن هو أن نصل الى الاتفاق على قانون جديد أولاً».
وعن سلسلة الرتب والرواتب وما استجدّ حولها، كرّر بري أنها حق لأصحابها، ملاحظاً انّ الكّل صار ضد الضرائب، ملمّحاً في هذا السياق الى انّ بعضهم كان متحمّساً لها.
وأشار الى انّ الأساس في تعطيل السلسلة هو التحريض الذي قام به البعض، وكذلك بعض المؤسسات المالية.
وأشارت مصادر سياسية الى انّ لبري في الفترة القريبة خطوات وصفت بالملموسة على صعيد الدفع في اتجاه الوصول الى قانون جديد.
وتوقفت عند أهمية اللقاء بين بري والحريري في عين التينة مساء أمس، الذي تخلله عشاء في حضور الوزير علي حسن خليل ونادر الحريري، وكان الملف الانتخابي الطبق الرئيسي على الطاولة، إضافة الى الاوضاع السياسية والمعيشية والمالية، بما في ذلك السلسلة.
عون والحريري
وسبق هذا اللقاء نهاراً لقاء مماثل للحريري مع رئيس الجمهورية ميشال عون في القصر الجمهوري، وامتدّ لتسعين دقيقة. ووصفت مصادر اللقاء بالإيجابي، والبحث فيه كان شاملاً كل القضايا المطروحة ولا سيما ما أحاط سلسلة الرتب والرواتب والحراك الشعبي رفضاً لسلّة الضرائب.
وثَمّنَ الرئيسان دور الجيش والقوى الأمنية في ضبط الوضع، وأكدا على ضرورة الأخذ بعين الاعتبار ردّة الفعل الشعبية بمعزل عن المواقف السياسية التي رافقتها.
كما بحث الرئيسان الموضوع الانتخابي، فتوقّفا بإيجابية عند نتائج الاجتماع الليلي الذي عقد أمس الأول في وزارة الخارجية وضمّ ممثلين عن «التيار الوطني الحر» و«المستقبل» و«أمل»، وكان توافق على أهمية تقديم السعي الى قانون الانتخاب قبل الملفات الأخرى، وينتظر ان تشكّل عودة وزير الخارجية من واشنطن تفعيلاً لهذه الاتصالات.
حمادة لـ«الجمهورية»
وقال الوزير مروان حمادة لـ«الجمهورية»: «هناك اتصالات تجري حول الموضوع الانتخابي ونحن نتابع هذا الأمر، علماً أننا قدّمنا وما زلنا كل التسهيلات في سبيل الوصول الى قانون انتخابي جديد».
ولدى سؤاله هل هو متفائل بإمكان الوصول الى قانون جديد؟ أجاب: «مجرد حصول الاتصالات هو أمر إيجابي، لكن بما يعنينا نحن إيجابيون. قدّمنا أفكارنا الى الرئيس بري وما زلنا ننتظر».
عون
وأكد النائب آلان عون لـ«الجمهورية» أنّ «تصريح وزير الداخلية بعد لقائه رئيس الجمهورية حول أن لا انتخابات نيابية في ظلّ القانون الحالي، لا يعني تطيير الانتخابات بل هو مجرّد تسليم بأنّ مفاعيل القانون الحالي انتهت قانونياً بعدما كانت انتهت سياسياً، وهو بمثابة جزم على لسان السلطة التنظيمية الأعلى لتنظيم الانتخابات، بأنها ستجري على أساس قانون جديد وفي شهر أيلول على الأرجح».
على صعيد آخر، قال عون: «أصبحنا في الأمتار الاخيرة في مسيرة إنتاج قانون الانتخابات بعدما أثمرت الاجتماعات الأخيرة تقليص الفوارق ومعالجة الملاحظات على اقتراح «التيار الوطني الحر» الأخير».
«الحزب»
وقالت أوساط قريبة من «حزب الله» لـ«الجمهورية»: «إنّ الكل يستشعر الخطر، فطالما انّ التمديد للمجلس النيابي أمر مرفوض، وطالما انّ الفراغ أمر شديد السلبية بتداعيات أكثر من خطيرة على مُجمَل النظام السياسي، فإنّ إمكانية الوصول الى قانون جديد هي أكبر من عدمها، ونعتقد انّ الكلّ في النهاية سيصل الى الإقرار بالسير الى قانون جديد على أساس النسبية».
ورداً على سؤال، قالت الاوساط: «نعتقد انّ الاتجاه في النهاية سيذهب الى إقرار قانون يقوم على النسبية الموسّعة، وقد يكون في اتجاه الدائرة الانتخابية الواحدة. وما يجعل هذه الفرضية هي الأقوى، سقوط كل الصيَغ التي طرحت على بساط البحث الانتخابي بما فيها صيغة باسيل».
الحوار الثنائي
في هذه الأجواء، انعقدت مساء أمس الجولة 41 من الحوار بين «حزب الله» و«تيار المستقبل»، في مقر الرئاسة الثانية في عين التينة، بحضور المعاون السياسي للأمين العام لـ«حزب الله» حسين الخليل، الوزير حسين الحاج حسن، النائب حسن فضل الله عن الحزب، ومدير مكتب الرئيس سعد الحريري السيد نادر الحريري والوزير نهاد المشنوق والنائب سمير الجسر عن تيار «المستقبل». كما حضر الوزير علي حسن خليل.
وورد في بيان بعد الجلسة، انّ المجتمعين استكملوا النقاش حول التحضيرات لقانون الانتخابات، وأكدوا ضرورة إقراره بالسرعة الممكنة ورفضهم القاطع الوصول الى الفراغ في المجلس النيابي لِما له من تداعيات خطيرة على الأوضاع، ودعوا كل القوى الى استمرار التشاور للوصول الى قانون جديد.
كما تطرّق البحث الى الملفات المالية والمعيشية وضرورة مشاركة القوى السياسية والاجتماعية في نقاش هادئ وموضوعي للوصول الى حلول تجنّب ذوي الدخل المحدود أيّ أضرار، وتساعد على قيام الدولة بواجباتها المالية.