مع بداية شهر رمضان المبارك، بَدا انّ الحياة السياسية دخلت في حالة صوم بحيث انها لم تسجّل أمس ايّ حدث بارز، ما خلا اجترار أحداث عَبرت، لكنّ مضاعفاتها ما تزال تتفاعل في حركة بلا بركة. وإذ ينتظر الجميع ما سيؤول اليه تروّي رئيس الحكومة تمام سلام العائد من القاهرة لاستكشاف مستقبل العمل الحكومي، فإنّ انطباعاً بدأ يسود الأوساط السياسية مفاده انّ الواقع السياسي سيدخل حالة من الجمود قد تمتدّ حتى نهاية رمضان.
شمعون لـ«الجمهورية»: «انقضَت القصة» بتمثال سيدة فاطيما ولا ندرك اذا كانوا سيدخلون غداً الى المجلس لتكسيره يخرج زوّار رئيس مجلس النواب نبيه بري في هذه الايام بانطباع مفاده انه على رغم امتعاضه من التعطيل السائد حكومياً وتشريعياً، معطوفاً على الفراغ الرئاسي الذي جعل البلاد بلا رأس، فإنه يأمل وفي لحظة ما أن يعود الجميع الى رشدهم فيتحسّسوا مخاطر هذا الواقع، وتعود الحكومة الى اجتماعاتها والمجلس الى تشريعه، خصوصاً انّ هناك استحقاقات لا يمكن تأجيلها وهي تتصِل بحياة اللبنانيين اليومية، سواء على مستوى رواتب الموظفين أو على مستوى بعض مشاريع القوانين الحيوية التي قد تكبّد لبنان خسائر في حال عدم إقرارها في مواقيتها غير القابلة للتأجيل.
وقد تلقّى بري أمس اتصال تهنئة من سلام وآخر من الرئيس سعد الحريري في مناسبة حلول شهر رمضان، لم يخلوَا من دردشة عابرة في واقع الحال السياسي وسبل الخروج منه. ويتوقع ان يحصل في قابل الايام تشاور مباشر وغير مباشر بين بري وسلام في مسألتي استئناف جلسات مجلس الوزراء وإمكان فتح دورة استثنائية لمجلس النواب.
والى ذلك حضرت الأزمة الحكومية أمس في لقاء سلام مع وزير الصحة وائل ابو فاعور، وكذلك في جولة وزير الداخلية نهاد المشنوق على المرجعيات الروحية الاسلامية.
درباس لـ«الجمهورية»
ولم يستبعد وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس ان يدعو سلام مجلس الوزراء الى الانعقاد الاسبوع المقبل. وقال لـ»الجمهورية»: «إنّ رئيس الحكومة لا يستطيع ان يرضخ لإرادة طرف واحد، بل سيأخذ في الإعتبار مواقف بقية الاطراف التي تحضّه على دعوة مجلس الوزراء».
شمعون لـ«الجمهورية»
وأبدى رئيس حزب الوطنيين الاحرار النائب دوري شمعون اعتقاده بأنّ الحكومة ستستأنف نشاطها الاسبوع المقبل، واكّد لـ«الجمهورية» انّ معلوماته تشير الى انّ هناك جلسة لمجلس الوزراء قريباً.
وقال: «انّ الشطارة التي حاول البعض القيام بها لن تنجح، لا احد يستطيع ان يسقط الحكومة ولا ان يعرقل عملها ولا يستطيعون تحمّل مسؤولية التعطيل لأنه في نهاية الامر العملية ستنقلب عليهم، والعناد والشطارة لن يوصِلا الى ايّ مكان».
واكد شمعون ان لا جديد في الملف الرئاسي، وقال: «لقد بلغ الامر باللبنانيين والمسيحيين انه «صار بَدهم تِنزَل السماء على الارض»، وتوجّهوا بتمثال سيدة فاطيما الى المجلس النيابي ورفعوا الصلوات ربما يهبط الوحي على المقاطعين وينزلوا الى المجلس وينتخبوا رئيساً للجمهورية.
لقد «انقضَت القصة» في الأمس بتمثال سيدة فاطيما ولا ندرك اذا كانوا سيدخلون غداً الى المجلس لتكسيره وتخريب ما فيه، ولا أرى مشكلة في ذلك اذا ظلّ المقاطعون على موقفهم، ربما سيفهمون عندها انّ الطريق المعوجّ الذي يسلكونه لن يؤدي الّا الى خراب البلد».
وهبي
وتحدث نائب «المستقبل» امين وهبي لـ«الجمهورية» عن إجماع كل القوى السياسية، باستثناء «حزب الله» و«التيار الوطني الحر»، على رفض التعطيل الحكومي. لكنه لفتَ الى انّ سلام «يأخذ وقته لمعالجة الامر بهدوء»، وقال: «ما يعبّر عنه الرئيس نبيه بري صحيح فلا يمكن ان نقبل بتعطيل مصالح الناس، ولكن اذا كانت هناك حاجة لبعض الوقت لكي تعالج الامور بهدوء ومسؤولية فلا ضرر في ذلك».
واضاف: «يدرك الجميع انّ عَين الرئيس سلام على مصالح الناس وهو يستهلك الوقت للمعالجة وعندما يشعر انّ مصالحهم ستتضرّر اعتقد انه سيتّخذ قراره، إذ يحسن التقدير ومعالجة الامور ونحن نثق به، لكن هناك اصراراً عند الجميع على رفض تعطيل جلسات مجلس الوزراء وتعطيل كل الدولة من اجل مصلحة شخصية. والرئيس سلام تبلّغ حرص الجميع على دعم عمل الحكومة وعدم القبول بشَلّها تاركين له تقدير الوقت المناسب لتحديد جلسة لمجلس الوزراء».
واستبعد وهبي ايّ حلحلة رئاسية، مشيراً الى انّ كلام نائب الامين العام لـ»حزب الله» الشيخ نعيم قاسم الاخير كان واضحاً، فهو قال بالعربي الفصيح: «امّا ان تقبلوا برأينا وبإملاءاتنا كما نريد، وامّا لا انتخابات ولا رئاسة».
وعندما سئل: ما الفائدة إذاً من الدعوات المتكررة التي يوجهها بري الى جلسات انتخاب الرئيس وهو ذكّر أمس بجلسة 24 حزيران؟ أجاب: «يجب ان يدعو دائماً، فنحن لا نستطيع ان نجعل الناس تعتاد على الشغور، والجلسات هي نوع من أشكال التأثير والضغط لكي يرى اللبنانيون من يتحمّل مسؤولية التعطيل».
الحريري
في مجال آخر، أفاد المكتب الاعلامي للحريري انّ «خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز استقبل لمناسبة حلول شهر رمضان المبارك في قصر السلام فجر أمس وليّ العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية الامير محمد بن نايف بن عبد العزيز، وزير الحرس الوطني السعودي الامير متعب بن عبد العزيز، مستشار خادم الحرمين الشريفين الامير خالد بن عبد العزيز، أمير منطقة المدينة المنورة الامير فيصل بن سلمان بن عبد العزيز، الرئيس سعد الحريري بالإضافة الى عدد من الامراء والمسؤولين والشخصيات الذين قدّموا التهاني اليه بحلول الشهر الكريم، وتناول الجميع طعام السحور على مائدة خادم الحرمين الشريفين».
محاكمة علنية
وعلى صعيد آخر، وفي الوقت الذي عاد فيه رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي النائب وليد جنبلاط ونجله تيمور ومعهما موفده الى أنقرة وجدة الذي وافاه الى العاصمة الأردنية، قالت مصادر واسعة الإطلاع لـ «الجمهورية» انّ التحضيرات انطلقت في بلدة «قلب لوزة» في منطقة جبل السماق في إطار التحقيقات الجارية لتحديد هوية منفّذي المجزرة التي سقط فيها 21 درزياً من أبنائها تمهيداً لمحاكمة علنية تمّ الإتفاق على إقامتها على يد لجنة شرعية سيُصار الى تشكيلها لهذه الغاية، وهي ستحقق في ظروف المجزرة وأسبابها وتنفيذ الأحكام أيّاً كانت في حق مرتكبيها في ساحة البلدة».
وكشفت المصادر انّ الضمانات التي نالها جنبلاط من أنقرة لحماية الدروز في الشمال السوري، ومن المملكة العربية السعودية والأردن وقادة الحلف الدولي في عمان في شأن الدروز في الجنوب السوري، مرهونة ببقاء السيطرة للقوات المتمركزة في البلدات الدرزية والمحيطة بها، وانّ ايّ تعديل على مواقع السيطرة في مناطق المعارضة السورية يأتي بقوات أخرى سيسقط مختلف الضمانات حُكماً.
«عين الحلوة»
وتزامناً مع الاشتباكات التي شهدها مخيم عين الحلوة عصر أمس، والتي أسفرت عن مقتل فلسطينيين واصابة 11 آخرين بجروح بينهم مدنيون، قالت مصادر فلسطينية مطلعة انّ وقفاً للنار تمّ التوصّل اليه في السابعة مساء، وتمّ الإلتزام به بنحو مقبول على رغم استمرار المناوشات داخل المخيم بين مجموعات لا يمكن التكهّن بمقصدها في هذا الوقت بالذات.
ولاحظت مصادر أمنية لبنانية انّ ما شهده مخيم عين الحلوة «مؤشر خطير يوحي بأنّ العودة الى مسلسل توتير المخيمات ستكون له نتائج وخيمة على سكان المخيم ومحيطه، والأخطر ان يكون ما حصل مزدوج الخلفيات، خصوصاً إذا ما تمّ ربطه بالخلافات الفلسطينية ـ الفلسطينية، وما أنتجَته المبادرات لتشكيل حكومة وحدة وطنية في الضفة وغزة من جهة أو من نتائج الأزمة السورية التي تزداد تعقيداً من جهة ثانية، وفي الحالتين لن يقبل لبنان أيّ توتير في المخيمات ومحيطها أيّاً كان الثمن، فالمنطقة لم تنته بعد من ترميم العلاقات بين الأطراف السياسية المقاتلة في سوريا على خلفية مقتل اثنين من «سرايا المقاومة» على تخوم المخيم لجهة حارة صيدا.