المنطقة دخلت عملياً في مرحلة ما بعد الاتفاق النووي في ظلّ قراءات متعددة ومختلفة للمنحى الذي ستَرسو عليه الأمور أو الاتجاه الذي ستسلكه الأحداث، خصوصاً لجهة ما إذا كان هذا الحدث الكبير سيؤدي إلى فتح صفحة جديدة بذهنية جديدة تساهم في إطفاء الحروب الساخنة والمتنقلة بين سوريا والعراق واليمن تمهيداً لاجتراح تسويات تُعيد الاستقرار إلى هذه الدول، فيما هناك قراءات تشاؤمية تعتبر أنّ هذا الاتفاق سيُطلق يد طهران في المنطقة التي ستستفيد من رفع العقوبات الاقتصادية، غير أنّ التوقيع النهائي يعني بالمحصّلة دخول طهران في شراكة مع واشنطن والعواصم الغربية مع كل ما يفرض ذلك من تحوّلات إيديولوجية وسياسية. ولكنّ الملف النووي لم يحجب الاهتمام عن الملفات الداخلية، وفي طليعتها الأزمة الحكومية بعد التحرّك العوني، حيث تتوجّه الأنظار إلى ما سيصدر عن تكتل «التغيير والإصلاح» بعد اجتماعه الأسبوعي اليوم لجهة تجاهله أو تلقّفه الرسائل الإيجابية التي أطلقها رئيس تيار «المستقبل» سعد الحريري بتأكيده أن لا فيتو رئاسياً، ودعوته إلى ترحيل ملف التعيينات العسكرية إلى أيلول. وفيما لم تنسحب التهدئة في خطاب الحريري مع «التيار الوطني الحر» على «حزب الله»، حيث رد ّعلى المواقف الأخيرة لأمين عام الحزب السيد حسن نصرالله، مجدِّداً التذكير بثوابت «المستقبل» و14 آذار من حصرية السلاح بيد الدولة والالتزام باتفاق الطائف ودعوته للخروج من المستنقع السوري، شَكّلت جلسة الحوار أمس مناسبة للتطرّق إلى كل هذه الملفات من الأزمة الحكومية واستخدام الشارع والمعالجات المفترضة إلى خطابَي نصرالله والحريري.
قاسم: «حزب الله» لن يغيّر شعاراته ومن ضمنها الموت لأميركا طالما تحمي «إسرائيل» وترعى الإرهاب التكفيري خطفت فيينا الأضواء أمس ونَشط المفاوضون في وضع اللمسات الاخيرة على النص النهائي للاتفاق حول برنامج ايران النووي. وعليه، تطول فترة حَبس الانفاس على أمل تصاعد الدخان الابيض اليوم.
وقد طمأن «حزب الله»، بلسان نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم، إلى أنّ الحزب «سيبقى كما هو بعد الإتفاق، سواء أنجز أو لم ينجز، ولن يغيّر مساره أو قناعاته أو شعاراته ومن ضمنها الموت لأميركا طالما تحمي «إسرائيل» وترعى الإرهاب التكفيري».
وفي غمرة انشغال العالم، ومعه لبنان، بالملف النووي لِما له من انعكاسات على ملفات المنطقة، نعمت الساحة الداخلية بهدوء نسبي، وتراجعت لغة التصعيد، وعاد الحوار ليتصدّر المشهد السياسي من جديد.
برّي
وشدّد رئيس مجلس النواب نبيه برّي على ضرورة «إنجاز الاستحقاقات الدستورية، وفي الطليعة ملء الشغور الرئاسي وإطلاق التشريع لإنجاز الاستحقاقات المالية المطلوبة وإقرار سلسلة الرتب والرواتب وقانون للانتخابات والقوانين الوطنية المطلوبة وفي الطليعة إقرار الشرعة الوطنية لحقوق الانسان. ودعا، في بيان، بمناسبة الذكرى التاسعة لحرب تموز «الى اصطفاف الجميع خلف الجيش لحماية حدودنا، والعمل لإبعاد الأخطار المترتبة على تهديدات الإرهاب العابرة للحدود».
سلام
في هذا الوقت، جدد رئيس الحكومة تمام سلام دعوته الى الهدوء والابتعاد عن المناكفات حماية للاستقرار، مؤكداً انه سيكون في الجلسة المقبلة لمجلس الوزراء منفتحاً على الحوار حول مقاربة العمل الحكومي على ان يتمّ ذلك تحت عنوان عدم تعطيل عمل مجلس الوزراء.
وقال سلام: «أنا لن أساهم في التعطيل، وانا على استعداد في الجلسة المقبلة لإعطاء مساحة لبحث موضوع الآلية. الوضع اليوم هو أمانة في اعناقنا جميعاً، والمطلوب الهدوء خصوصاً اننا مقبلون على موسم اصطياف ومن غير الممكن زعزعة الوضع بخلافاتنا ونقل صورة مغلوطة عن البلد».
«حزب الله»
في الموازاة، اكد «حزب الله» مجدداً حرصه على بقاء الحكومة، وقال قاسم إنّ الحزب متمسّك بالحكومة وحريص على بقائها، وقَدّم وسيقدّم حلولاً عدة للحفاظ على تماسكها، مشيراً إلى أنه عندما يؤيّد «حزب الله» العماد ميشال عون وتياره فهذا من منطلق المظلومية التي يعانونها وضرورة إعادة حقوقهم المشروعة، داعياً النائمين إلى أن يستيقظوا، ومَن يضعون العراقيل للتوقّف عن هذا الأمر والسير بالحل عبر الحوار.
واعتبر انّ عون لجأ إلى الشارع بعد أن نَكث تيار «المستقبل» بوعوده والتزاماته تجاهه، وقال: «نحن في مرحلة إعادة الحقوق إلى أصحابها وتعزيز المشاركة لنخفّف من تداعيات ما يحصل في المنطقة على لبنان».
واعتبر قاسم أنّ مجلس الوزراء معنيّ باتّباع الدستور من خلال إقرار التعيينات الأمنية، وهناك آلية معتمدة تمّ تَخطّيها، والمطلوب إعادة البوصلة إلى الصواب ومكانها الصحيح عبر الحوار والنقاش. وأمِل في «التوَصّل إلى قواسم مشتركة قبل الجلسة المقبلة للحكومة».
من جهته، قال رئيس المجلس التنفيذي في الحزب السيد هاشم صفي الدين: «إننا مع بقاء الحكومة بآلية معتمدة مبنية على التوافق»، وقال: «إنّ التجربة في لبنان تدلّ الى أنّ أيّ أزمة يسارع إلى علاجها تكون كلفتها قليلة أو عادية أو تُحتمَل». واضاف: «إنّ ترك هذه الأزمة لتتفاقم بالمنطق الأعوج والتسويف والمماطلة والعزل والإقصاء ستكون كلفته أغلى بكثير، ولا اعتقد أنّ هناك طرفاً في لبنان يمكن أن يحتمل النتائج حينئذ».
الدورة الإستثنائية على نار حامية
وعلى صعيد آخر كشفت مصادر وزراية ونيابية لـ«الجمهورية» انّ الإتصالات بشأن فتح الدورة الإستثنائية تجري على نار هادئة، وسيكون المرسوم موقعاً من اكبر عدد ممكن من الوزراء بعدما تمّ التفاهم على اعتبار انّ توقيع الوزراء الـ 24 على المرسوم ضروري وليس مُلزماً.
ولذلك، يسعى مَن ينادي بفَتح الدورة الى اكبر عدد ممكن من هذه التواقيع سيجري جمعها في مهلة لن تتخطى الأسبوع الأخير من الشهر الجاري لعله يُصار الى عقد جلسة تشريعية قبل نهاية الجاري، وأخرى مطلع آب المقبل إذا سمحت الظروف بذلك.
وقالت المصادر انّ من بين الوزراء المرشحين للتوقيع على المرسوم وزراء الرئيس ميشال سليمان الثلاثة الذين يبحثون الأمر في الكواليس في انتظار ان ينالوا تطمينات محددة مطلوبة من الرئيس بري، وكذلك وزراء حزب الله وبعض الوزراء المسيحيين المستقلين، وإن لم يوقع وزراء الكتائب المرسوم فهم لن يقفوا حجر عثرة امام إقراره وإصداره.
وقالت مصادر نيابية انّ حماسة بري للجلسة قد تؤدي الى إلغاء عطلة آب النيابية، في اعتبار انّ المجلس في عطلة تشريعة منذ سنوات ولن يفيد في شيء تحديد شهر آب كعطلة سنوية درج عليها المجلس منذ سنوات.
إبراهيم الى قطر
وفي جديد ملف العسكريين المخطوفين لدى «جبهة النصرة»، توجّه المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم بعد ظهر أمس الى الدوحة، للقاء نظيره القطري مدير المخابرات غانم الكبيسي وفريق عمله المكلّف بمهمة االتفاوض ولاستكمال البحث في مصير المفاوضات الجارية مع مسؤولي النصرة من حيث انتهت اليه قبل فترة غير وجيزة، تمهيداً لتحديد مواعيد وآلية العمل في المرحلة المقبلة بما سيؤدي الى الإفراج عن العسكريين.
وقالت مصادر مطلعة لـ«الجمهورية» انه، وقبل زيارة اللواء ابراهيم الى قطر أمس، لم يطرأ على الملف اي جديد بانتظار ما سيتبلّغه ابراهيم من المسؤولين القطريين ليُبنى على الشيء مقتضاه. فسلسلة الروايات التي تناولت الموضوع في الفترة الأخيرة كانت مليئة بالسيناريوهات الوهمية، لأنّ التفاوض متوقف منذ شهرين وأكثر، ولا جديد في انتظار ما هو متوافر لدى القطريين من معلومات جديدة.
وحول النيّة بزيارة تركيا بعد الدوحة، قالت مصادر معنية بالملف لـ«الجمهورية» انّ الزيارة الى أنقرة لم تكن للقاء المسؤولين الأتراك بل للقاء القطريين الذي يلتقون عادة بمسؤولي «النصرة» على الأراضي التركية، وطالما انّ القطريين أرادوا ان تكون اللقاءات في الدوحة، كانت زيارة الأمس إليها.