تستمر البلاد في الدوران ضمن حلقة الانتظار التي فرضتها المرحلة الانتقالية التي تعيشها المنطقة، في وقت سيستقبل لبنان غداً وزير الخارجية الايرانية محمد جواد ظريف الذي يصِل عصراً ليبدأ لقاءاته مع المسؤولين والقادة السياسيين اللبنانيين الكبار في اليوم التالي، في وقت يسود الاوساط السياسية ترقّب لِما سيؤول اليه الحراك العوني اعتراضاً على التمديد للقادة العسكريين، وذلك في ضوء المواقف التي أطلقها رئيس تكتل «التغيير والاصلاح» النائب ميشال عون السبت الماضي.
في ظل التكتم الذي يدير به «التيار الوطني الحر» المرحلة المقبلة من المواجهة المفتوحة على أكثر من جبهة حكومية وسياسية وعسكرية ومع الحلفاء و»حلفاء الحلفاء» والذين سعى الى صداقتهم في آن، قالت مصادر واسعة الإطلاع لـ«الجمهورية» انّ إبقاء الإذن بيد عون جعل الحيرة تسود بيت «التيار» قبل غيره ممّن ينتظرون شكل المواجهة التي وعد بها عون طالباً «أن تقول الأقدام كلمتها ونقطة عالسطر»!.
وأضافت: «ليس في هذه المعادلة شعر وأدب، بل اشارة واضحة الى ما يسود أوساط «التيار» على مختلف المستويات من حيرة لِما يمكن ان يقوم به للردّ على ما يسمّونه «سلسلة الهزائم» السياسية والإدارية والحكومية التي نالها الى اليوم.
فكل المناقشات التي دارت في الهيئات القيادية لـ»التيار» وتكتل «الإصلاح والتغيير» أظهرت انّ الخيارات التي طرحها عون على الحكومة وحلفائه إصطدمت بجدار سميك فتهاوَت واحدة بعد أخرى. فالسعي الى التعيينات العسكرية قبل البحث في أيّ بند آخر من بنود جدول الأعمال إنتهى بإقفال ملف التعيينات بتأجيل التسريح في المواقع العسكرية والأمنية كافة.
ومن بعدها جاء السعي الى تحديد آلية العمل الحكومي، فباتت آخر الخيارات المطروحة وتقدمت عليها ملفات أخرى ليس أوّلها ولن يكون آخرها ملف النفايات المفتوح على شتى الإحتمالات.
والنتيجة في كل الحالات واحدة يمكن اختصارها بخروج التيار بمعادلة «صفر اليدين» ومن دون حلفاء.
ورجّحت مصادر قريبة من دائرة القرار في «التيار» ان تتحدّد الساعة صفر للتحرّك في الشارع مساء بعد غد، فتبدأ التحركات الشعبية مساء من مختلف المناطق في اتجاه وسط بيروت وقد تمتد ليلاً الى محيط السراي الحكومي.
وقالت: «إنّ من بين ترتيبات التحرّك تداخل المسيرات السيّارة بالحضور الشعبي عند تقاطع بشارة الخوري ـ رياض الصلح وقد تقفل كل الطرق الى السراي، ما خَلا تلك التي تصِل اليها من جسر «الرينغ» في اتجاه مدخلها الغربي».
واستبعدت المصادر ان تشارك في التحرك ايّ قوة سياسية اخرى، خصوصاً «حزب الله» الذي طمأن حلفاءه في قوى 8 آذار، ولا سيما منهم قيادة حركة «امل»، الى انّ البلاد لا تتحمّل «تحركاً شعبياً في مناطقنا»، فالمخاوف من خروق أمنية تستغلّ الحشود الشعبية واردة في ايّ لحظة، والأمن لن يكون مستفيداً من ايّ تحرّك من هذا النوع على عكس ما يمكن حصوله في المقلب الآخر من بيروت حيث يمكن ان يتعرّف المتظاهرون بعضهم الى بعض خصوصاً إذا كانوا من لون واحد».
«الطبخ ماشي»
وقال رئيس مجلس النواب نبيه بري امام زواره، أمس، رداً على تلويح عون بالتحرك في الشارع: «من حق عون التظاهر شرط عدم تعطيل الحياة العامة».
ورداً على سؤال قال بري: «الطبخ ماشي في المنطقة، وكنّا نفترض انّ لبنان سيكون من اوائل الذين يتلقفون نتائج الاتفاق النووي، واذا بنا نتلهّى بمشكلاتنا وقشورنا والقيام بتصرفات تُنفر الآخرين منّا». ورأى «انّ التواصل السعودي ـ السوري الاخير إيجابي وكان من الافضل عدم تسريب الاخبار عنه، سواء كان من هذا الجانب او ذاك، حرصاً على نجاحه وعلى قاعدة «استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان»، ومع ذلك فإنّ هذا اللقاء مهم».
سلام
ومن جهتها قالت مصادر رئيس الحكومة تمام سلام لـ»الجمهورية» إزاء التحرّك العوني: «لكلّ يوم أحداثه وسلام ليس مسؤولاً وحيداً عن المواجهة، فالمكونات الحكومية مسؤولة بالتكافل والتضامن في ما بينها، وهناك إجماع على المواجهة يراهن عليه سلام».
وأكدت المصادر انّ سلام ماض في برنامجه لهذا الأسبوع وسيزور الاردن الأربعاء مترئساً وفد لبنان الى الاجتماعات السنوية للهيئة العليا المشتركة اللبنانية – الاردنية، ويلتقي الملك الاردني عبدالله الثاني ويعود مساء ليرأس جلسة مجلس الوزراء في اليوم التالي.
مصدر عسكري
الى ذلك أكد مصدر عسكري رفيع لـ«الجمهورية» أنّ «قرار الجيش واضح ولم يتغيّر، فهو سيحمي التظاهرات السلمية لأيّ جهة انتمَت، ويصون جميع المتظاهرين، لكنّه في المقابل لن يسمح بقطع الطرق والإعتداء على مؤسسات الدولة ومصالح المواطنين وضرب أمن البلد واستقراره».
واكد انّ «الجيش جسم واحد متضامن، ولن يؤثر التحريض على قائده في معنوياته أو يزرع الشقاق بين صفوفه، فالأولوية الآن هي لمواجهة الإرهاب وليس الدخول في المواجهات الداخلية».
مراجع أمنية
في غضون ذلك، سخرت مراجع أمنية من التحذيرات التي وُجّهت الى الجيش لعدم التدخّل مع المتظاهرين، وقالت لـ«الجمهورية»: «انّ ذلك ليس في أوانه ولا مكانه شكلاً أو مضموناً. فالجيش والقوى الأمنية لم ولن تقفل الطرق امام أحد وليست هذه مهمتها.
لكنها لن تسمح لأحد بإقفال الطرق الحيوية امام اللبنانيين وتلك المؤدية الى المقار الرسمية، والى السراي الحكومي تحديداً، لأنه مقر عام له حرمته وحصانته ومحيطه الذي يجب ان يبقى آمناً ومستقراً، وإنّ ايّ تحرّك لا يراعي السلم الأهلي وسلامة الممتلكات العامة والخاصة لا يمكن السماح به».
وعن احتمال الإعتصام على طريق اليرزة القريبة من مقرّي وزارة الدفاع وقيادة الجيش، قالت المصادر:
«هذا أمر له محاذيره ولا يعتقد أيّ مرجع أمني انه أمر وارد في أيّ لحظة ولدى أيّ شخص على الإطلاق أيّاً كان موقعه، فالتحركات المماثلة لنصرة الجيش في مرحلة من المراحل كتلك التي رافقت أحداث عرسال وطرابلس وعكار كانت محظورة وغير مرغوب بها، فكيف إذا كان الهدف خلاف ذلك؟».
ريفي
وفي المواقف، قال وزير العدل أشرف ريفي لـ«الجمهورية»: «لا يتوهمنّ أحد انه يمكن ان يربح شيئاً من خلال لعبة الشارع، خصوصاً أنّ الشارع المسيحي حساس جداً في مسألة التحركات الشارعية». وحذّر من «انّ استخدام الشارع يؤذي البلد، كذلك سيرتدّ على الداعي الى تحريكه».
درباس لـ«الجمهورية»
وقال الوزير رشيد درباس لـ«الجمهورية»: «سنذهب الى جلسة مجلس الوزراء الخميس المقبل بالروحية نفسها التي يعتمدها رئيس الحكومة دائماً وهي محاولة امتصاص الازمة، لا المجابهة ولا المواجهة».
واضاف: «اذا كان عون يضغط لإعادة الامور الى نصابها ولإلغاء قرار تأجيل التسريح لتعيين العميد شامل روكز، فإنّ النصاب القانوني لتعيينه غير متوافر وهذه مسألة سياسية تتمّ بتوافق معيّن، امّا القول انّ حقوق المسيحيين ذهبت، فهو لم يستطع إقناع الشارع المسيحي بهذا الامر ولا الشوارع الأخرى اقتنعت، بدليل انّ الشوارع ليست متصادمة».
واكد «اننا لسنا في وارد تخطّي قوة كبيرة مثل قوة الجنرال عون مع حلفائه، ولا نستطيع فرض إرادتنا عليهم، لكن لا نزال نعوّل على اننا سنصِل مجدداً الى نقطة وسط للتفاهم. موازين القوى لا تسمح لعون فرض ما يريد، وفي الوقت نفسه التفاهم السياسي غائب، ما يعني اننا مضطرون للجوء الى حلول موقتة.
ونلفت الى انّ تأجيل التسريح ليس قراراً مُنزلاً او امراً واقعاً، فبمجرد نضوج حل سياسي للتوافق يلغى بقرار من مجلس الوزراء ويعيّن البديل، امّا حين يكون التوافق غائباً فمن واجبات وزير الدفاع إيجاد الحل، وأعتبرُ انّ الخطوة التي أقدمَ عليها تسحب على الاقل ذريعة انّ قيادة المؤسسة العسكرية لم تعد للموارنة».
ولدى سؤاله هل انّ التوافق السياسي لا يزال بعيد المنال؟ اجاب درباس: «لم نعد نستطيع الاعتماد على التوافق الداخلي فالحراك في الخارج محموم، وشطارتنا ان نُبقي مريضنا، أقلّه، على قيد الحياة.
فقرار تأخير التسريح هو بمثابة جرعة دم تعطى للمريض النازف في انتظار وصول الطبيب وإجراء الجراحة. نحاول الآن إبقاء المريض على قيد الحياة، امّا ان نمنع عنه جرعة الدم بحجّة إنقاذه فنكون بذلك نقضي عليه. وعندها، بدلاً من أن نَنصرف الى معالجته نَنصرف الى تحنيط جثته ودفنها».
«المستقبل»
وتساءلت مصادر بارزة في تيار «المستقبل» عمّا «اذا كان عون يدقّ النفير الشعبي لتحريك شارعه ضد حلفائه في «8 آذار» الذين غطّوا قرار التمديد للقيادات العسكرية، من «حزب الله» إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري وصولاً الى النائب سليمان فرنجية»؟
وقالت المصادر لـ«الجمهورية»: «إنّ مشكلة عون هي مع حلفائه قبل أن تكون مع الآخرين، بحيث لا يختلف اثنان على أنّ قرار التمديد ما كان ليمرّ لو لم يبصم عليه «حزب الله»، الحليف الأوّل لعون».
أمّا عن العودة الى استخدام الشارع، فترى المصادر نفسها أنه «يحقّ لعون الاعتراض بالطريقة التي يراها مناسبة. لكنّ استخدام الشارع قد أصبح بمثابة «ورقة محروقة» بعد هزالة تحرّكه الأخير، خصوصاً أنّ الشارع العوني نفسه بات ضائعاً في ظل انفصام الشخصية السياسية لتيّاره، الذي يريد أن يحظى بجنّة الحكم والسلطة، ويريد في المقابل أن يعارض كلما سارت الرياح بما لا تشتهي سفن الرابية.
فهو عارضَ التمديد لمجلس النواب لكنه استمر مشاركاً فيه ولم يستقل نوابه منه، واليوم يعارض قرارات للحكومة ولبعض الوزراء فيها، وهو شريك في الحكومة، ووزراؤه يصدرون القرارات ويمارسون السلطة، وهنا قمة الانفصام».
«حزب الله»
وقالت مصادر مطلعة على موقف «حزب الله» لـ»الجمهورية»: «انّ الحزب الثابت على موقفه الداعم والمتضامن مع عون لن يقبل ان يتمّ التعامل مع شريك اساسي في الوطن بهذه الطريقة، فمن يُعامِل بهذه الطريقة يضع البلد على كف عفريت». ودعت العقلاء الى التحرّك، وحمّلت «الطرف الذي رفض التسوية مسؤولية كل ما يحصل». وحذّرت من «اللعب الخطير بالبلد والمصير وبالشراكة الوطنية».
وتحدثت المصادر عن «مسعى كان يُعمل عليه، ولو نجح لكان يشكّل مخرجاً مشرّفاً للجميع، وهذا المسعى لا يتناول ملف التعيينات فقط، بل كان سيفتح الباب لملفات اخرى عبر فتح أبواب المجلس النيابي وإطلاق عجلة التشريع وحلّ قضية الرواتب والقروض وسندات اليوروبوند، فقد كنّا على مشارف ان تنطلق دورة النشاط التشريعي مجدداً لكن فجأة قرّر من قرّر عدم اعطاء البلد فرصة للتنفّس». وأبدَت المصادر قلقها الشديد من «القضاء على هذه الفرصة نهائياً».
وقالت المصادر نفسها «انّ موقف الحزب من الجيش مساند في كل المحطات، والحزب يحترم قائد الجيش العماد جان قهوجي ويقدّر مواقفه وجهوده، وهو شخص كفوء وكان ليبقى على رأس المؤسسة العسكرية لكن في إطار قانوني صَلب». واكدت «انّ الحزب مع تعيين قائد جديد للجيش، لكن بما انّ التوافق غائب، فهو ضد الفراغ خصوصاً في هذا الظرف الصعب، وكان هناك مخرج يعمل عليه ويربح الجميع بنتيجته ونتفادى خلق مشكلة».
الحوت لـ«الجمهورية»
وقال نائب «الجماعة الاسلامية» عماد الحوت لـ»الجمهورية»: «انّ دعوة عون الى مناصريه «دليل على حالة اليأس التي يتخبّط بها في اطار سقف طموحات لا تتوافق والواقع ورغبات معظم اللبنانيين. من جهة اخرى تكشف هذه الدعوة شعوره تجاه الجيش اللبناني، وهو الذي كان يدّعي دوماً أنه هو صاحب الدفاع عن هذا الجيش فيهاجمه اليوم بنحو واضح ويهدده ويستهدف معنوياته، والجيش الآن على الحدود لحماية الامن اللبناني من المخاطر. فكلّ هذه الصيغ من الخطاب في وجه الجيش تكشف حقيقة اسلوب العماد عون في التفكير «أنا او لا احد» حتى لو استهدفت وأُضعفت كل مؤسسات الوطن، بما فيها الجيش اللبناني. وبالتالي، هذا دليل على انّ العماد عون يغامر بجمهوره المسيحي للوصول الى اهداف شخصية ليس أكثر».
ظريف
على صعيد آخر، قالت مصادر بارزة في قوى 8 آذار لـ»الجمهورية» انّ زيارة ظريف للبنان تأتي عقب توقيع الاتفاق النووي الذي تمّ التوصّل اليه بين ايران ودول الغرب، وهو سيشرح للمسؤولين الذين سيلتقيهم، وبينهم الامين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصر الله، حيثيات الاتفاق ودلالاته وأبعاده وانعكاساته الايجابية المحتملة».
وإذ توقفت المصادر عند الحراك الاميركي ـ الروسي ـ السعودي ـ الايراني ـ السوري ـ العماني غير المسبوق الذي تشهده المنطقة، دَعت الى عدم تحميل زيارة ظريف اكثر ممّا تتحمّل، مشيرة الى انه «من المبكر الحديث عن تسويات لأزمات لبنان والمنطقة».
ورأت المصادر»انه بعد رفع العقوبات عن ايران لم يعد أمام الطرف الآخر ذريعة، بل هو مدعو اليوم الى الإفادة من طاقات ايران وخبراتها في مجالات عدة، خصوصاً في مجال الكهرباء والمياه والسلاح»، وقالت: «لبنان يحتاج للتعاون مع الذين وقفوا الى جانبه وليس الى جانب من لم يَقفوا معه».
على خط آخر، نشرت الولايات المتحدة ست مقاتلات من طراز «اف-16» في قاعدة انجرليك جنوب تركيا «دعماً لعمليات التصدي لتنظيم داعش»، وفق ما أعلنت البعثة الاميركية لدى الحلف الاطلسي أمس. وللمرة الاولى منذ أن بدأت عمليات التحالف الدولي الذي يقصف التنظيم المتطرّف في العراق وسوريا قبل عام، ستتمكن الولايات المتحدة من إرسال مقاتلات انطلاقاً من هذه القاعدة الاستراتيجية بموجب اتفاق وقّعته واشنطن مع تركيا في تموز الماضي.