IMLebanon

أمن البقاع على نار قويّة … وفضيحة في ردم الحوض الرابع

مع بقاء ملاحقة الإرهاب في الواجهة، بعد تنقّلِه من بلد إلى آخر، وتالياً موجة التمدّد التكفيري، تشخَص الأنظار إلى فرنسا مجدّداً في ضوء عزم مجَلة «شارلي إيبدو» التي تعاود الصدور مجدّداً اليوم، بعد الهجوم الإرهابي الذي استهدفَها الاسبوع الماضي، ونشر رسم كاريكاتوري جديد للنبي محمّد، وسط تأهّبٍ دولي لمواجهة أيّ اعتداءات إرهابية محتملة، وتحذير دار الإفتاء المصرية من «استفزاز غير مبرّر» لمشاعر المسلمين في العالم.

فيما تستمرّ العمليات الاستباقية والأمنية في الداخل، يواصل الجيش إجراءاته الأمنية في مختلف المناطق عموماً، وفي الشمال والبقاع خصوصاً، نافياً إصدار وثيقة عن شخص يخطّط للقيام بعمل أمني.

المشنوق في رومية

في غضون ذلك، لاقت الخطة الأمنية في سجن رومية ترحيباً لدى مختلف الاوساط. واعتبرَ «حزب الله» أنّها «إنجاز لكلّ الوطن وضربة قاسية للبؤَر الإرهابية التكفيرية».

وتفقّد وزير الداخلية نهاد المشنوق المبنى «ب» في السجن بعد تحريره من الإسلاميين، وتلقّى اتصالات تهنئة ودعم، أبرزُها من رئيس مجلس النواب نبيه بري. وأوضح أنّ زيارته هي «للاطّلاع ميدانياً على ما يمكن القيام به في هذا المبنى لكي يعود سجناً طبيعياً يتوافر فيه الحدّ الادنى من المقومات الانسانية». وقال: «نحن دولة نحكم الناس بالقضاء ونضعهم في سجن لكي ينالوا عقابَهم فيه ولكن في ظروف إنسانية طبيعية وعاقلة وعادلة».

الأمن المركزي

وحضرَت عملية سجن رومية في صلب اجتماع مجلس الأمن المركزي برئاسة المشنوق الذي أطلعَ المجتمعين في البداية على اتصالات التهنئة التي تلقّاها وجيَّرَ التهاني إلى كلّ مَن خَطّط للعملية ونفّذها، مشيداً بالتنسيق بين مختلف الوحدات الأمنية والعسكرية، من جيش وقوى أمن داخلي، والأجهزة التي شاركت في الإستعلام وجمع المعلومات، ومنوّهاً بالقدرة على تنفيذ أيّ عملية من هذا النوع متى توافرَ القرار السياسي والسرّية المطلقة التي سمحَت بعملية «مفاجئة وخاطفة» أنهَت عصراً من الفلتان في السجن.

واعتبرَ «أنّ كلّ هذه العوامل شكّلت عنصراً مهمّاً ودافعاً إلى إجراء عملية نظيفة من هذا النوع». ولفتَ الى حجم النتائج التي ترتّبت على العملية وانعكاساتها المتوقّعة على أمن البلد للسنوات المقبلة».

وقوَّم المجلس العملية في ضوء تقارير قدّمها قادة الأجهزة الأمنية بما يمكن اعتباره جردة للمهمة وأصدائها على مختلف المستويات السياسية والأمنية. ووردَ في بعض التقارير أنّها شكّلت ضربة لمستغِلّي أحداث كثيرة خارج السجن ومَن كان يستثمر في هذا الملف منذ سنوات.

ضوء آخر لخطة البقاع

وتحدّث المشنوق في جانب من الاجتماع، فاعتبر أنّ عملية رومية جاءت في سياق مهمّ يمكن ان يقود الى مزيد من العمليات النوعية في المناطق اللبنانية كافّة.

ولفتَ الى أنّه لا يمكن فصلها لا في الأمن ولا في السياسة عن الخطة التي نُفِّذَت في طرابلس وأنهَت خطوط التماس فيها، ومعها جولات العنف بين أحيائها، بدليل أنّ التفجير الأخير في جبل محسن بقيَ محصوراً في موقعِه، وأنّها ستكون مرتبطة بالخطط الجاري التحضير لها في مختلف المناطق، خصوصاً في»البؤَر والمربّعات الأمنية « في أكثر من منطقة.

ومن هذا المنطلق، أطلقَ المجتمعون التحضيرات اللازمة لاستكمال تنفيذ بقيّة الخطط، ووُضِعَت الخطة المعَدّة للبقاع الشمالي على نار قويّة وطُلِبَ من القيادات الأمنية تحضير الخطوات والإجراءات الواجب اتّخاذها للانطلاق بها قريباً.

وكشفَ أحد المشاركين في الاجتماع أنّ خطة البقاع لن تبدأ غداً حسب توقّعات البعض، لكنّ تنفيذها بات قريباً والمضيّ فيها سيكون من ثمار التفاهمات في الحوار بين «المستقبل» و«حزب الله» بعدما أعطِيت الأولوية لها بإصرار.

وبعد مناقشات مستفيضة، طلبَ قادة الأجهزة الأمنية الوقت الكافي للاستعلام عن طبيعة المنطقة التي تداخَلت فيها الهواجس الأمنية السابقة المرتبطة بانتشار المجموعات التي امتهنَت الخطف على الهوية ولقاءَ فدية مالية وشبكات الإتجار بالمخدّرات وسرقة السيارات، بما يمكن اعتبارُه من تردّدات وانعكاسات الحرب الدائرة على طول الحدود اللبنانية ـ السورية وصولاً إلى منطقة القلمون.

مصدر عسكري

وقد أعلنَت قيادة الجيش أنّ «قوى الجيش أوقفَت في محلة المنكوبين – طرابلس، المواطن بسام حسام نابوش للاشتباه به، في محاولة تفجير نفسِه. وأوقفت كذلك على حاجز وادي حميد – عرسال، كلّاً

من المواطن زياد عبد الكريم الحجيري والسوري خالد عبدالله بدران حسب ادّعائهما، حيث كانا يستقلّان سيارة نوع «كيا» لون أبيض تحمل لوحةً سوريّة بلا أوراق قانونية، وذلك بعد محاولتهما الفرارَ في اتّجاه الجرود من دون الامتثال لأوامر الحاجز. وتمّ تسليم الموقوفين إلى المرجع المختص وبوشِر التحقيق معهم».

وفي السياق، أكّد مصدر عسكري رفيع لـ«الجمهورية» أنّ «الخطة الأمنية مستمرّة في البقاع، وهي انطلقت منذ مدّة، والجيش يقوم بأعمال قتالية وأعمال دهم دائمة عندما يَعلم بوجود عصابات إرهابية أو تجّار مخدّرات أو عصابات سرقة»، موضحاً أنّ «الجيش ينتشر في كلّ مناطق البقاع، ولا يتراخى في فرض الأمن».

وأكّد «عدمَ استدعاء ألوية وأفواج جديدة الى البقاع لأنّ الجيش ينفّذ الخطة الأمنية، ولا تعديل فيها حاليّاً». ولفتَ الى أنّ «القرار بفرض الأمن متّخَذ، وإذا قرّرت الحكومة تنفيذ أيّ خطة جديدة فإنّ الجيش على جهوزيته».

ولفتَ المصدر الى أنّ «تحقيقات مخابرات الجيش في تفجير جبل محسن مستمرّة، وأنّ الوحدات العسكرية في الجيش توقف المشتبَه بتعاملهم مع الانتحاريّين».

فِرَق متخصّصة

وكشفَت مراجع أمنية متخصّصة لـ «الجمهورية» أنّ قوى الأمن الداخلي تستعدّ للبَدء بتفتيش مختلف الغرَف وزنزانات المبنى «ب» في سجن رومية، وستكشف عناصر تقنية متخصّصة على بقايا ما ترَكه سجناء المبنى وتحديد وجهة استعمالها، خصوصاً ما يتّصل بأجهزة الإتصال والتواصل التي كانت مركّبة في السجن في الجناح الخاص بمجموعة آمري السجن من المكلّفين إدارة ما سُمّي «غرفة العمليات الإرهابية» التي كان يدير فيها القادة عمليّاتهم بمختلف المجموعات المرتبطة بهم في لبنان والخارج.

وقال مرجع أمنيّ معني لـ«الجمهورية» إنّ البحث سينطلق في الساعات المقبلة عقبَ جولة المشنوق على المبنى واطّلاعه في حضور الضبّاط الكبار على واقع الأمور كما هي، قبل البدء بالكشوفات اللازمة وتفكيك المعَدّات ووسائل الاتّصال فيه.

برّي

وقال رئيس مجلس النواب نبيه برّي أمام زوّاره أمس «إنّ عملية سجن رومية هي إحدى تداعيات الحوار بين تيار «المستقبل» و»حزب الله»، وأثبَتت أنّ هناك دولةً فعلاً، فلقد كان الأمر يتطلب قراراً سياسياً، ما إن اتُخِذ حتى نُفّذ، وأفضل ما في هذه الخطة أنّها نُفِّذت بكتمان، لكنّ هذه التداعيات ستستمرّ من خلال الخطة الأمنية في البقاع».

وردّاً على سؤال، قال برّي: «الحوار لم يدخل في التفاصيل، وإنّما وضع سقفاً هو إزالة الاحتقان، وتحت هذا السقف تُتّخذ قرارات تطبيق الخطة الامنية. والمهمّ في العملية أنّه لم تسقط خلالها قطرة دم واحدة على رغم ما أشاعه السجَناء».

وعن زيارة السفير السعودي علي عواض العسيري، قال برّي إنّ السفير السعودي علي عواض عسيري زاره ليطمئنّ الى مسار الحوار ويؤكّد دعم بلاده وتأييدها له، وتناوَل أيضاً الحوار المسيحي- المسيحي.

وتمنّى برّي خلال اللقاء ان يتكامل الحواران في اتّجاه مزيد من الاستقرار وانتخاب رئيس الجمهورية». وأشار برّي الى انّ الجولة الثالثة من الحوار بين حزب الله وتيار «المستقبل» ستُعقد بعد غد الجمعة وأنّ جدول اعمالها سيحدّده المتحاورون. وقال: «لولا الحوار ربّما كان الانفجار الذي حصل في منطقة جبل محسن شكّلَ شرارةً جديدة بين أبناء الجبل وأبناء طرابلس، وهذا يؤكّد جدّية الحوار الذي يشكّل غطاءً كاملاً لكلّ الإجراءات المتّخَذة».

الحوار

وعلى الضفّة الأخرى، وعشية الكلمة التي سيلقيها رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع بعد ظهر اليوم في معراب، في احتفال تسليم الدفعة الأولى من البطاقات الحزبية لأعضاء الهيئة العامة الفعلية للحزب لدى وزارة الداخلية، أعلنَ تكتّل «التغيير والإصلاح» تشجيعَه الحوار الجاري بين «حزب الله» وتيار «المستقبل»، والحوار الجاري بين «التيّار الوطني الحرّ» و«القوّات»، وتحدّثَ عن إيجابيات ظهرَت في الحوارين، مبدياً رغبته في «تثمير هذه الإيجابيات، لأنّ منطقَ الحوار يجب أن يسودَ في بلدٍ يعيش أزمةً خانقة».

سكّرية

وفي المواقف، قال عضو كتلة «الوفاء للمقاومة» العميد المتقاعد النائب الوليد سكّرية لـ»الجمهورية» إنّ تنفيذ العملية الامنية في سجن رومية جاء ترجمةً للموقف الدولي الرافض تمدّدَ «داعش» في لبنان، لما تشكّله من خطورة عليه وعلى مصالح الدوَل الاخرى، وللإجماع الوطني اللبناني على مواجهة الإرهاب».

وقال: «يجري حوار الآن بين «المستقبل» والحزب لتخفيف الاحتقان في الشارع وتهدئة الأمور، ونأمل في ان نصل الى تفاهمات لتثبيت وحدة وطنية حقيقية ومكافحة الإرهاب». وأكّد أنّ «المناخ الطبيعي لنموّ الإرهاب هو الفتنة وتحديداً الاقتتال السنّي ـ الشيعي، وقد حاولوا عبر تفجير جبل محسن إشعال فتنة في الشمال عبر حصول ردّة فعل فورية انتقامية من أهالي المنطقة بعد كشف هويّة الانتحاريين من منطقة المنكوبين وحصول اشتباكات وإعادة الفوضى وزعزعة الخطة الامنية، لكنّ الحكمة وُجِدت عند الجميع بعدم الانجرار الى الفتنة.

وأمام هذا الوضع جاءت ردّة فعل الدولة بوجوب ضرب هذه الجماعات، والموجودون في سجن رومية هم قادتُها يحرّكونها من داخله ويقيمون في سجن ذي خمس نجوم ولديهم كلّ وسائل الاتصالات التي يحتاجون اليها، وكانت الدولة تغضّ الطرفَ ولا تتعرّض لهم بسبب الانقسام الطائفي والمذهبي في لبنان، وبعدما رُفعَ الغطاء عنهم دولياً، تجاوَب الداخل.

فعملياً إذاً، كان لا بدّ من وضع حدّ لمقرّ قيادة العمليات الارهابية داخل السجن التي كانت تُحرّك الجماعات الإرهابية في الخارج وهي على تنسيق كامل مع المسَلحين في جرود عرسال وداخل سوريا وفي أنحاء مختلفة في العالم، فانقطعَ التواصل بين القيادة وبينهم في الخارج أينما وُجدوا، ما ينعكس تضعضعاً في صفوفهم ويُشعِرهم بحزم الدولة وقرارها بمنع الارهاب بأيّ شكل من الاشكال. فما حصلَ إذاً يشكّل ضربة موجعة للارهابيين بإجماع القوى السياسية اللبنانية ومباركةٍ وغطاء دوليَين».

واستبعدَ سكّرية حصول ردّات فعل انتقامية، وقال: «أعتقد أنّ الأولوية لدى هؤلاء المسلّحين في جرود عرسال الذين هدّدوا بإعدام العسكريين المخطوفين ليست أمن السجناء في رومية بل أمنهم هم في جرود عرسال واستمرار وصول التموين إليهم. فإذا مسّوا أيّ عسكري على الدولة أن تدخلَ في معركة معهم، أو أقلّه أن تمنعَ التموين عنهم، فلا مجالَ أمامها للسكوت عنهم بعد اليوم».

الحوض الرابع

وفي غمرة الاهتمامات بملف النفايات الصلبة والإشكالات التي رافقَته وصولاً الى بداية معالجته، طفَت على سطح الأحداث قضية ردم الحَوض الرابع في مرفأ بيروت التي تحوّلَت خلال الساعات الماضية قضيةً كبرى أجمعَت على انتقادها الأحزاب المسيحية الأربعة الكبرى والبطريركية المارونية في موقف لافت وغير مسبوق عبَّر عنه الإضراب التحذيري الذي نُفِّذ في المرفأ قبل أيام بالتفاهم بين ممثّلي الأحزاب المسيحية كافّةً.

وكشفَت مصادر مطّلعة لـ«الجمهورية» أنّ البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي لفتَ رئيس الحكومة تمّام سلام عندما زاره قبل يومين إلى خطورة «ردمِ الحوض الرابع» في المرفأ وإلقاء الضوء على ما كُشِفَ من معلومات خطيرة تحدّثت عن عملية تزوير كبرى حَكمت الإجراءات المتّخَذة لردمِه.

وعلمَت «الجمهورية» أنّ سلام سيرأس بعد ظهر اليوم اجتماعاً موسّعاً في السراي الحكومي يحضره ممثّلو الأحزاب المسيحية في الحكومة، وزراء الاقتصاد ألان حكيم، الثقافة روني عريجي، التربية الياس بو صعب، كذلك يحضره وزير الأشغال العامة والنقل غازي زعيتر، وغسان حاصباني ممثّلاً «القوات اللبنانية» والمدير العام للمرفأ حسن قريطم، وذلك للبحث في المعلومات المتوافرة حول هذا الملف وما يمكن القيام به لكشف الحقائق التي تمّ إخفاؤها عن كثير من المعنيين.

البنزين في الواجهة

وبعيداً من الهَمّ الأمني والسياسي، يستفيق اللبنانيون اليوم على خفض جديد في سعر صفيحة البنزين يتراوح بين 400 و500 ليرة. ومن المتوقّع أن يستمرّ التراجع في أسعار المحروقات في الاسابيع القليلة المقبلة، تماهياً مع هبوط أسعار النفط عالمياً.

لكنّ تراجعَ الأسعار في لبنان قد لا يستمرّ طويلاً، إذ يبدو أنّ العيون تفتّحَت على هذا الملف. وفي موازاة شركات النفط ومحطّات البنزين التي بدأت تُطالب بتعديل جعالتها (أرباحها) لرفعِها، وباشرَت مفاوضات في هذا المجال مع وزير الطاقة، ارتفعَت أصوات تطالب بتثبيتِ سعر صفيحة البنزين على 25 ألف ليرة. هذا الاقتراح يتمّ تداوله على أساس دعم الخزينة والإفادة من الظروف لخفضِ العجز في الموازنة.

واللافت في الموضوع أنّ مصدراً نفطياً قال لـ«الجمهورية» إنّ سعر صفيحة البنزين قد يتراجع الى 15 ألف ليرة في حال استمرّ تراجُع النفط عالمياً، وفي حال لم تبادر الحكومة الى تثبيت السعر.

(تفاصيل ص11) وفي انتظار ما سيُسفر عنه الحراك سيستفيد المواطن في الفترة المقبلة من خفض تعرفة النقل العام. ولهذه الغاية عُقد اجتماع برئاسة زعيتر، انتهى الى اتّفاق مبدئي على خَفض تعرفة النقل. وستُجرَى دراسة سريعة لتحديد نسبة هذا الخفض.