كان اللافت خارجياً أمس استقبال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في «الكرملين» المرشحة للرئاسة الفرنسية وزعيمة «الجبهة القومية» واليمين المتطرّف الفرنسية مارين لوبان، ودعا خلال اللقاء إلى «توحيد الجهود في مجال مكافحة الإرهاب»، مؤكداً قبل شهر من الدورة الأولى للإنتخابات الرئاسية الفرنسية في 23 نيسان المقبل أنّ «بلاده لن تتدخّل في السياسة الفرنسية». أما داخلياً فإن جملة عناوين طرَحت نفسَها دفعةً واحدة على سطح المشهد الداخلي، وكلّها عناوين ساخنة تضع أهلَ الدولة أمام امتحان قدرتِهم على احتواء هذه العناوين وإطفاء شراراتها قبل أن تتفاقم وتتحوّل عبوات ناسفة تهزّ الكيان اللبناني، المثقَل أصلاً بما لا يُحسَد عليه من أزمات مزمِنة، تُفرّخ من بعضها البعض أزمات أكبر.
العنوان الأوّل، قانون الانتخاب الذي يبقى الشغلَ الشاغل للطبقة السياسية، لكن من دون بروز تقدّم ملموس حوله، ما خلا مناخات إيجابية يجري إسقاطها على سطح المشهد السياسي، مقرونةً بتأكيدات سياسية بأنّ ساعة الحسم الانتخابي قد دنَت، وثمَّة مفاجآت قد تظهر قريباً.
ويُنتظر أن تتبلور تلك المفاجآت في الاجتماعات المنتظَر أن تتكثّف في الأيام القليلة المقبلة، في وقتٍ صار التمديد لمجلس النواب أمراً حتمياً، ولكن ليس التمديد المديد لسَنة وأكثر، بل تمديد تقني موَقّت لبضعة أشهر مشروط بالوصول إلى قانون جديد، وهذا هو الخيار الأفضل، أو بالتفاهم على قانون جديد.
القوى السياسية على اختلافها باتت في هذه الصورة، وبدأت تتصرّف على هذا الأساس. وهذا الأمر سيكون بنداً أساسياً في جدول أعمال اللقاءات المقبلة بين الرباعي: تيار «المستقبل»، و«التيار الوطني الحر»، و«حزب الله» وحركة «أمل». والتي ستنطلق فور عودة الوزير جبران باسيل من سفرته الأميركية.
برّي : التفاهم أوّلاً
وسُئل رئيس مجلس النواب نبيه بري عن المناخات الإيجابية التي تحوط الملف الانتخابي، فأجاب: «لن أقول فول حتى يصير بالمكيول. لكنّ الجميع بات مقتنعاً بوجوب الوصول إلى قانون انتخابي جديد، ويبدو أنّهم تهيّبوا الأمر بعد كلام رئيس الجمهورية ميشال عون عن القانون والفراغ، لذلك القانون الجديد بات حتمياً، وبالتالي يفترض أن تنطلق الاتصالات بوتيرة سريعة قريباً، وأنا هنا أعود وأؤكّد بضرورة الوصول إلى قانون خلال أسابيع قليلة وليس خلال أشهر، لأنّ الوقتَ داهمَنا».
وأشار بري إلى أنّ «النسبية» ستكون حاضرةً في القانون الجديد، سواء أكانت على مستوى لبنان دائرة واحدة أو تكون بصورة جزئية، والكلّ صاروا مقتنعين بهذا الأمر، علماً أنني لمستُ إيجابيات من الأطراف حيالها، وعلى سبيل المثال من النائب وليد جنبلاط الذي قدّم صيغةً لنسبية وسطية».
وردّاً على سؤال قال بري: «التمديد لمجلس النواب لمجرّد التمديد هو أمرٌ مرفوض جملةً وتفصيلاً، ولن أسير به على الإطلاق، قد يوجب القانون الجديد الذهابَ إلى تمديد لفترة، أي تمديد تقني ليس لسَنة كما يُطرَح هنا وهناك، بل لستّة أشهر كحدّ أقصى أي من 20 حزيران 2017 إلى 20 كانون الأول 2017 ، لكنّ هذا التمديد التقني هو مشروط بالوصول إلى قانون، أو بالتفاهم المسبق على قانون، إذ بمجرّد التفاهم على قانون خلال الأسابيع المقبلة، نذهب إلى التمديد التقني. أي قبل كلّ شيء هو التفاهم أوّلاً على القانون الانتخابي، هذه هي «ألف باء» التمديد التقني. أمّا التمديد لأجل التمديد فلا مكان له».
النفط البحري
وأمّا العنوان الثاني، فهو النفط اللبناني مع ما استجدّ حوله في الأيام القليلة الماضية، لجهة إعلان إسرائيل عزمَها على طرح قانون على الكنيست الإسرائيلي لترسيم الحدود البحرية من جانب واحد وضمِّ المنطقة البحرية الغنية بالنفط والغاز المتنازَع عليها مع لبنان الذي يؤكّد أنّها حقّ له، وتأتي ضمن حدوده الاقتصادية.
ولقد فرَضت هذه الخطوة الإسرائيلية استنفاراً لبنانياً سياسياً وديبلوماسياً، مقروناً بتساؤلات من مستويات سياسية رفيعة عن مغزى هذه الخطوة الإسرائيلية والهدف الذي تسعى إلى تحقيقه من خلالها، ولماذا في هذا التوقيت بالذات.
وقد سُجّلت في الساعات القليلة الماضية حركة اتّصالات من الجانب اللبناني في اتّجاه الأمم المتحدة، أرفِقت برسالة من وزارة الخارجية وصَفها مرجع كبير بالشديدة الأهمية، إلى مجلس الأمن، تلفتُ إلى ما تقوم به إسرائيل، وتُحذّر من خطورته على كلّ المستويات، وتؤكّد على أنّ هذه المنطقة البحرية التي تسعى إسرائيل إلى قرصنتِها هي منطقة لبنانية وضمن الحدود الاقتصادية الخالصة. وتشير في هذا السياق إلى الوثائق والمستندات التي بَعث بها لبنان إلى الأمم المتحدة والتي تُثبت هذا الأمر.
كذلك جرَت اتّصالات لبنانية في السياق نفسِه مع واشنطن، بوصفها الوسيط الذي ساهمَ في السنوات الماضية في محاولة إيجاد حلٍّ وسط بين لبنان وإسرائيل حول هذه النقطة، وتوصّلت واشنطن في مرحلة معيّنة إلى شِبه اتّفاق، إلّا أنّها لم تستطع إلزامَ إسرائيل به.
على أنّ اللافت للانتباه في هذا السياق، هو أنّ الإعلام الإسرائيلي، وتحديداً صحيفة «يديعوت احرونوت»، كشفَ في الأيام القليلة الماضية أنّ الذريعة الإسرائيلية للإقدام على هذه الخطوة، مردُّها إلى فشلِ جهود الوساطة الأميركية بين لبنان وإسرائيل.
لكن ما أثارَ الانتباه هو ما ذكرَته صحيفة «معاريف» الإسرائيلية من أنّ تل أبيب طلبَت من واشنطن الضغط على لبنان لسحبِ المناقصة الخاصة بالتنقيب عن النفط والغاز في مناطق نفطية في البحر المتوسط، مقابل توقّفِ إسرائيل عن الاستمرار بدفع مشروع القانون إلى الكنيست».
في هذا السياق، قال مرجع كبير لـ«الجمهورية»: «إنّ لبنان لم يتلقَّ أيَّ طلب من الولايات المتحدة، علماً أنّنا سبقَ وأكّدنا حقَّنا في هذه المنطقة البحرية، لواشنطن والأمم المتحدة.
والواضح أنّ إسرائيل تمارس خطوةً ابتزازية للبنان، ومحاولة تخويف وثنيِ الشركات الأجنبية عن المشاركة في هذا الأمر، والبديهي أن نكون حذِرين ولا نرضَخ لها، بل على العكس، هذا الأمر يَجعلنا مصمِّمين أكثر من أيّ وقتٍ مضى، ليس في التأكيد على حقّنا فحسب، بل في الدفاع عنه وأيضاً في المضيّ بعملية التلزيم».
«السلسلة» والمطالب
في هذه الأجواء، وفيما رَحّل مجلس الوزراء أمس مشروع الموازنة إلى جلسة جديدة تُعقد يوم الاثنين المقبل، بقيَ عنوان سلسلة الرتب والرواتب متصدّراً واجهة المتابعات الداخلية، وأساساً في الحركة النقابية والمطلبية. وما استجدّ حول هذا الموضوع يحمل إشارات إيجابية بَعثتها وعود جدّية تلقّتها شرائح وظيفية بأنّ الأمور ذاهبة حتماً إلى إقرار السلسلة في مجلس النواب خلال الشهر المقبل.
وهو ما أدّى في الساعات الأخيرة إلى تعليق إضراب أساتذة التعليم الثانوي بعد لقاءَين مع برّي ومع رئيس الحكومة سعد الحريري، أشيعَت بعدهما أجواء عن توافق على إعطاء الأساتذة خمس درجات.
وكشفَت مصادر متابعة لهذا الملف لـ«الجمهورية» أنّ الفصل بات محسوماً بين السلسلة بما هي نصّ قانوني يثبت هذا الحقَّ المزمِن لمستحقّيه من الموظفين، وبين كِلفتها ومصادر تغطيتِها التي على الحكومة أن تُرفقها ضمن مشروع الموازنة العامة.
وقال برّي أمام زوّاره: «العمل جارٍ على قدمٍ وساق في موضوع السلسلة، وقد حصَلت خطوات مهمّة على هذا الصعيد».
وأكّد أنّ المجلس النيابي «لا علاقة له بالضرائب والرسوم، هذه مسؤولية الحكومة. نحن لا نَقبل أن نعمل ضمن سقفٍ محدّد، ويُقيّدونا بأرقام 1200 مليار أو غير ذلك، هذا ليس شأننا، ما يهمّنا كمجلس نيابي هو أن نقرّ السلسلة كحقّ للموظفين، أي إقرار السلسلة بمعزل عن الضرائب».
ورفضَ بري الإفصاح عن موعد جلسة السلسلة، إلّا أنّه أوحى أنّه لن يكون بعيداً، وقال: «قبل كلّ شيء، السلسلة حقّ لأصحابها، ويجب أن تُقرّ».
الأمن
أمّا العنوان الأكثر سخونةً فهو الأمن؛ فالمراجع الأمنية اللبنانية تؤكّد أنّه في غرفة العناية الفائقة وفي دائرة التحصين، إلّا أنّها تقرّ في الوقت ذاته، أنّ «الغرف السود» ما انفكَّت يوماً عن السعي لاستهدافه، وبالتالي اغتيال أمن لبنان واستقراره.
والشرارات تُطلَق في كلّ اتّجاه لتحقيق هذا الهدف، وها هي النار تشتعل مجدّداً في مخيّم عين الحلوة، في توقيتٍ مريب يَبعث على الخشية من أن تكون خلف الأكمة محاولات دؤوبة من جهات كامنة داخل المخيّم لجرِّ الأمور إلى ما هو أبعد من اشتباك داخلي بين فصائل فلسطينية معيّنة، وبالتالي تَمدُّد الشرارة إلى خارجه.
هذا الأمر، تُحذّر منه المراجع الأمنية التي لا تستبعد هذا الاحتمال، خصوصاً في ظلّ الإصرار على التوتير والانتقالِ به تارةً إلى هذا المخيّم وتارةً إلى مخيّم آخر، على ما جرى قبل أسابيع قليلة في مخيّم عين الحلوة، وبَعده في مخيّم برج البراجنة وما أحاطه من مناخ توتيري واستنفار تخطّى حدود المخيّم إلى محيطه.
أخطرُ ما في هذا الأمر، بحسب المراجع الأمنية، هو توافُر معلومات أمنية تؤكّد وجود نيّات خبيثة، وعلى وجه التحديد لدى المجموعات الإرهابية، لتحضير الأرضية لملاقاة أيّ تطوّرات خارجية محتملة، وتحديداً في الميدان السوري، ومن شأن هذا الأمر أن يفتح الوضعَ على شتّى الاحتمالات السلبية.
علماً أنّ لبنان لا يعيش الاسترخاءَ الكلّي حيال الوضع الأمني الذي يعيش حالاً من الاستقرار النسبي حالياً، والمعلومات الأمنية المتوافرة، معطوفةً على تقارير أمنية شِبه يومية محلّية وخارجية، تتخوّف من تحضيرات إرهابية لتفجيرات وعمليات خطيرة وغير ذلك، وهو ما استدعى رفعَ درجةِ الجهوزية لدى مختلف الأجهزة الأمنية والعسكرية تحسُّباً لأي طارئ.
قراءة عسكرية
إلى ذلك، وفي قراءة عسكرية لـ«الجمهورية» لاحظت مصادر مواكبة للملف الفلسطيني «تزامُن التوتير في المخيّم مع بدء القوّة الأمنية المشتركة تنفيذَ مهمّاتها، إضافةً إلى ارتباطه باستحقاقات داخل قيادة «فتح» في رام الله، وربّما ضرب الاتفاقِ الذي أنجزته الدولة مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس. أمّا ما هو أخطر فيَكمن في إشعال هذا التوتّر عشية انعقاد القمّة العربية.
وأكّدت المصادر «التخوّف الأمني ممّا يَحدث، وسط حديث عن تمويل بعض الدول الإقليمية لبعض المجموعات لتتحرّك لإرسال رسائل إقليمية لتصفية حسابات على الساحة اللبنانية. من هنا يكمن الخطر من استخدام ورقة الإسلاميين المتشدّدين والملف الفلسطيني في هذا الإطار»
إبراهيم
ولفتَ في هذا السياق، ما قاله المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم، خلال حفلٍ تكريمي على شرفِه في بيروت، حيث اعتبَر أنّ «أيّ سقوط أمني في أيّ مخيّم سواء أكان فلسطينياً أو سورياً، يعني محاولةً لتفجير الوطن، لن تمرّ مهما كانت الذرائع ومهما عظمت التضحيات، وعلى من يتوسّل الدم من أجل مناكفات سياسية، أن يعرف أنّ زمن لبنان الساحة ولّى، وأنّه ممنوع المساس بالأمن اللبناني، وأن لا شيء يبرّر إيواءَ إرهابيين وانغماسيين أو السكوتَ عنهم، بل على العكس من ذلك تماماً، فمصلحة السوريين أو الفلسطينيين تكون بإدراكهم أنّ أمنَهم من أمن لبنان واللبنانيين».
وقال ابراهيم: «إنّنا كلبنانيين معنيّون بالالتفاف حول الدولة ومؤسساتها العسكرية والأمنية لتحصين لبنان بوجه التطوّرات المتسارعة دولياً وإقليمياً، وبوضعِ الحوار كآليةٍ وحيدة لا بديلَ عنها لمعالجة الاختلافات والخلافات السياسية».