IMLebanon

الملفات الخلافية تُحاصِر الحكومة وإتصالات لتدارُك الوضع

 

الأنظار إلى مجلس الوزراء اليوم من باب عرسال، حيث تضاربَت المعلومات والتسريبات في الساعات الأخيرة بين اتّجاهين: إتّجاه يتحدّث عن انفجار أو أزمة حكومية تؤدّي إلى تعليق جلسات مجلس الوزراء، واتّجاه آخر يرفض تحميل المسألة أكثر ممّا تحتمل، ويَعتبر أنّ الأمور لن تتجاوز الإشكالات الوزارية الطبيعية تحت السقف الحكومي. ويَستند هذا الاتجاه إلى مجموعة عوامل واعتبارات، أبرزُها: الموقف الدولي المتمسّك ببقاء الحكومة، استمرار تحييد السعودية وإيران للبنان عن صراعهما، دعوة أمين عام «حزب الله» السيّد حسن نصرالله إلى تأجيل الملفات الخلافية، مصلحة الحزب في الاستقرار لمواصلة معاركِه خارج لبنان، كون معركة عرسال ما زالت بعيدةً نسبياً، الخشية الكبرى من أن تؤدّي الأزمة الحكومية إلى أزمة وطنية وتُشَرّع الباب على التوتّرات الأمنية. ولكن أقصى ما يمكن توقّعه على هذا المستوى هو تضامن 8 آذار مع رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون من أجل الاحتواء، غير أنّ الأمور لن تذهب أبعد من ذلك، بل ستبقى تحت السيطرة، بمعنى أنّ التصعيد سيبقى مضبوطاً. وأمّا الملف الخلافي الآخر فهو ملف الوزير السابق ميشال سماحة الذي إذا نجحَت الحكومة في تجاوز إشكالية عرسال فسَتصطدم بإحالة ملف سماحة على المجلس العدلي في ظلّ إصرار معظم مكوّنات الحكومة باستثناء 8 آذار على رفض هذه الخطوة. وفي ما يتعلق بالتعيينات الأمنية، فمِن المستبعَد طرحُها اليوم بعد إعلان وزير الداخلية نهاد المشنوق أنّه لن يطرحَها إلّا بعد استكمال جولتِه على كافة القيادات لاستمزاج آرائها في هذه القضية.

فُتِحَت الاتصالات على مصراعيها طيلة يوم أمس، وظلت قنواتها مفتوحة ليلاً، خصوصاً بين رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة تمام سلام والنائب وليد جنبلاط، لمنعِ تفاقم الوضع الحكومي اليوم، كذلك أجرى رئيس حزب الكتائب أمين الجميّل مروحة اتصالات واسعة في هذا الإطار.

مجلس وزراء

ويبدو أنّ مجلس الوزراء قد اقترب من المحظور، ووصَل الى الاستحقاقات الكبيرة التي تهدّد مصير جلساته، فما كان يؤجّل أكثر من مرّة الى حينه، استحقّ توقيتُه. وإلى زنّار نار تعيين قادة الاجهزة الامنية، دخلت الحكومة من باب عرسال ولم تكن جلسة الموازنة امس سوى اختبار لما ستكون عليه جلسة اليوم.

فالمجلس تابعَ مناقشةً خجولة للموازنة وصَفها بعض الوزراء بأنها لزوم ما لا يلزم. فالعين على مصير الجلسات برُمّتها بعدما تعهّد رئيس الحكومة تمام سلام بطرح ملف عرسال على النقاش أمام مجلس الوزراء اليوم. ويبدو أنّ عرسال بجرودها لن تكون النجمة الوحيدة، فالملفّات كلها هبّت مرّةً واحدة .

وعلمَت «الجمهورية» أنّه في بداية الجلسة الثامنة لمناقشة الموازنة طلبَ وزير الخارجية جبران باسيل بحثَ ملف عرسال للمرّة الثالثة، فساندَه وزير «حزب الله» حسين الحاج حسن، في اعتبار أنّ الموضوع لم يعُد يَحتمل، كما أيّدَ رأيه وزير العمل سجعان قزّي، معتبراً أنّه آنَ الأوان لنقاش الملفات السياسية الخلافية.

تدخُّلٌ سريع سَجّلته وزيرة المهجّرين أليس شبطيني، بدا محَضّراً عندما قالت: «إذا كنتم تريدون إثارةَ عرسال فنحن نريد مناقشة كلّ معركة القلمون وأسباب تدَخّل «حزب الله» في هذه المعارك وتداعيات التدخّل».

فردّ باسيل بالقول: «إذاً، لنناقش كلّ الملفات الخلافية، ونحن نريد بحثَ ملفّ تعيين قادة الأجهزة الأمنية مع اقتراب انتهاء ولاية المدير العام لقوى الأمن الداخلي».

الكلام أثارَ حفيظة المشنوق الذي رفضَ التعدّي على صلاحياته كونه الوزير المعني، وقال: «هذه صلاحياتي ويعود لي طرح الملف عندما أرى الوقت مناسباً».

وتدَخّلَ الوزير بطرس حرب وقال: «أنا أريد مناقشة ملفّ الاستحقاق الرئاسي». دار نقاش محدود استشهد فيه وزير التربية الياس بوصعب بكلام النائب وليد جنبلاط حول مسؤولية الحكومة باستقرار البلاد، فرَدّ وزير الزراعة أكرم شهيّب قائلاً له: «أهَنّئك باستشهادك بكلام وليد بك، لكنّني لا أهَنّئك بسوء تفسيره».

مصادر وزارية لـ«الجمهورية»

وقالت مصادر وزارية لـ«الجمهورية» إنّ مصير جلسات مجلس الوزراء مهدّدة بالتعليق، لأنّ فريقاً مِن الوزراء قرّر ربط هذه الجلسات بالاتفاق على ملفات خلافية وعدم القفز فوقَها، والرئيس سلام بحسب طريقة نهجِ إدارته للجلسات، سبقَ وعَلّق عملَ مجلس الوزراء لمرّتين في انتظار حلّ الخلاف ولقَطعِ الطريق أمام تحَوّل مجلس الوزراء حلبةَ صراع تهَدّد مصير الحكومة. وقالت المصادر إنّ المجلس الذي يعمل حالياً بمحرّك بطيء بات يحتاج الى صيانة لكي يستعيد نشاطه».

وسألت المصادر: هل تعليق عمل مجلس الوزراء يشَكّل مخرجاً لكلّ مكوّنات الحكومة في ملفات يَصعب التوافق عليها، وهي إضافةً الى عرسال والتعيينات الأمنية والعسكرية، الموازنة التي لم يتوفّر القرار السياسي لإقرارها، كما أنّ هناك استحقاقاً يتعلق بتعيين حصّة الحكومة من أعضاء مجلس القضاء الأعلى، وتلوح حوله بوادر خلافات كبيرة؟» وأكّدت أن لا قرارَ بتطيير الحكومة، لأنّ الجميع يدرك أهمّية الحفاظ عليها، فما يمكن ان يحصل هو تفاقُم المشاكل السياسية وليس تطيير الحكومة».

إتّصالات لإحتواء الوضع

وعلمَت «الجمهورية» أنّه بعد انتهاء الجلسة مباشرةً باشَر سلام مروحةَ اتصالات بغية الاتفاق على تمرير بعض البنود الملِحّة التي لا تحتمل التأجيل قبل الدخول في المواضيع السياسية التي قد تؤدّي الى تعليق الجلسات، ومنها ملف النقل البحري لمنتوجات لبنان الزراعية بعد إقفال المعابر البرّية بين سوريا والأردن والخليج العربي، وهو ما قد يؤدّي الى خسائر جسيمة في الاقتصاد اللبناني إذا لم تقَرّ الآلية التي وضعَتها «إيدال»، إضافةً إلى ملفات أخرى لا تقلّ أهمّية.

المشنوق

وعشية جلسة مجلس الوزراء، زارَ وزير الداخلية رئيسَ مجلس النواب نبيه برّي وعرض معه «موضوع الجيش والأمن والحدود والوضع العربي في كلّ مكان»، وقال المشنوق إنّ موقفَه النهائي من هذه المواضيع سيعلنه في الوقت المناسب وفي المكان المناسب. وردّاً على سؤال، أشار الى أنّ هناك جلستين لمجلس الوزراء قبل موعد إحالة المدير العام لقوى الأمن الداخلي الى التقاعد وأنّ المشاورات قائمة.

قزّي

وقال وزير العمل لـ«الجمهورية»: «نتمنّى ان لا تكون جلسة مجلس الوزراء غداً (اليوم) الاخيرة، لأنّ هناك من سيثير قضايا، إنْ كانت قضية عرسال أم قضية التعيينات، وهو يدرك سَلفاً أن لا إجماع على التدابير التي يمكن ان تتّخذ، وإن كان هناك إجماع على ضرورة معالجة قضية الأمن في البقاع الشمالي والشرقي، أو ضرورة حصول تعيينات لقيادة الجيش والمديرية العامة لقوى الامن الداخلي، والمؤشرات الأوّلية لا تشي بحصول توافق اليوم، ولكن نتمنّى أن تبقى النقاشات في إطار ما هو ممكن، كما اتّفقنا منذ ان تألّفَت الحكومة.

أمّا إذا أراد هذا الطرف أو ذاك الخروجَ عن التقليد المتّبع فسيعَرِّض الحكومة لخطر الجمود من دون ان يقدّم بديلاً، وتعليقُ أعمال الحكومة يعني في المرحلة الحالية تعليق تسيير شؤون الناس وحلِّ مشاكلهم اليومية، وهذا ما لا نتمنّاه».

بوصعب لـ«الجمهورية»

وفيما تردّدت معلومات امس انّ وزراء «التيار الوطني الحر» سيثيرون في جلسة اليوم ملف عرسال والتعيينات العسكرية والامنية وأنّ وزيرَي «حزب الله» سيتضامنان معهم إذا قرّروا الاعتكاف، قال بوصعب لـ»الجمهورية»: لم نقل إنّنا سنعتكف أو سنستقيل، بل أكّدنا أنّ أولوية المناقشة لبَندي عرسال والتعيينات، وسنواجه الاستحقاقات ولن نرضى بالتأخير أو التأجيل بعد اليوم، أو أن نكون غائبين عن الوعي في الحكومة في مواضيع اساسية حسّاسة تعني لبنان والمؤسسة العسكرية. فلن نقبل التأجيل ولا الانتظار، بل سنصِرّ على ان يكون هذان الموضوعان أوّلَ بندين في المناقشة:

موضوع التعيينات الأمنية وموقف الحكومة ممّا يحصل على الاراضي اللبنانية من السلسلة الشرقية، ودور الحكومة في الحفاظ على أراضيها ودور الجيش في حمايتها. لذلك نحن سندخل الى الجلسة بعقلٍ منفتح كي يكون هناك شراكة في القرارات، لكنّنا نقول في نفس الوقت إنّنا لا نذهب بخيارات مسبَقة: إعتكاف أم استقالة أو البقاء في الحكومة، إنّما في الوقت نفسه لا حدودَ إلى اين يمكن ان نذهب.

واعتبر انّ مطالبتنا بأن تناقش الحكومة ماذا يَجري في السلسلة الشرقية في جرود عرسال لا يستفزّ أحداً، بل يجب ان يكون حوله توافق من الجميع، خصوصاً أنّنا نسمع منهم ان لا أحد يقبل ان تحتلّ «داعش» أو «النصرة» الاراضي اللبنانية أو تدخل الى ايّ قرية لبنانية.

وقد اعتبَر النائب وليد جنبلاط انّ هذا قرارٌ يعود للحكومة، وعندما قيل للوزير أكرم شهيب انّني استشهدت بكلام جنبلاط أجاب: «جيّد أن استشهد بكلامه إنّما أسأت فهمه»، أنا لم أسِئ الفهم، قرأتُ كلامَ جنبلاط الواضح بحرفيتِه كما هو مكتوب، نحن نؤيّده في ما قاله.

وأضاف: كنّا نوَدّ مناقشة هذا الموضوع في جلسة اليوم (أمس) لكن رئيس الحكومة تمنى علينا تأجيله الى الغد (اليوم)، واتّفقنا عَلناً بأن يكون الموضوع على جدول جلسة اليوم والبند الثاني سيكون مناقشة التعيينات.

مصادر سلام

وكانت مصادر رئيس الحكومة تمام سلام قالت صباحاً لـ»الجمهورية» إنّ سلام لا يعارض في ايّ شكل من الأشكال إثارةَ ما يسمّونه «قضية عرسال»، فهذا هَمّ يوميّ من هموم رئيس الحكومة شَغله أكثر من 365 يوماً من أصل 365 يوماً قضاها في السراي منذ ان شغَر موقع رئيس الجمهورية في قصر بعبدا قبل عام ويومين، وليس في إثارته ما يُقلق رئيس الحكومة حتى اليوم.

وأضافت المصادر: ماذا سيخبروننا عن عرسال؟ فالملف بين أيدينا بمختلف تشعّباته الأمنية والعسكرية وما يختص بوجود عشرات الألوف من النازحين السوريين في المنطقة وقضية العسكريين المخطوفين لدى الجماعات المسلّحة.

وبالمناسبة فإنّنا لم نقصّر في أيّ جانب من جوانب هذه القضايا لمعالجتها بالتي هي أحسن وبما امتلكنا من قدرات، ونحن مطمئنّون الى الترتيبات التي اتّخذَتها وحدات الجيش اللبناني في المنطقة وعلى طول الحدود الممتدة من عرسال حتى رأس بعلبك، وسبقَ له ان تمركزَ على التلال التي تحمي القرى اللبنانية وأراضينا.

وأكّدت المصادر انّ مهمة الجيش حماية الأراضي اللبنانية على الحدود وفي الداخل، وليس من مهامه الخروج منها الى أيّ أراض سوريّة أو غير سوريّة. وسألت: «بالمناسبة هل هم حَريصون على مصير أبناء عرسال أكثر منّا؟ وهل هم مهتمّون بملف العسكريين أكثر منّا ومِن خلية الأزمة الوزارية والمدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم؟

وختمَت: يطالبوننا اليوم بالبحث في ملف عرسال، في وقتٍ كنّا نناقش الملف وهم يجولون في أصقاع العالم ويشاركون في احتفالات في بعض الجامعات العالمية، ورغم ذلك سنَستمع إليهم ولكلّ سؤال جواب.

باولي في الرابية

وعلمَت «الجمهورية» أنّ رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب العماد ميشال عون الذي استقبل في الرابية أمس السفيرَ الفرنسي باتريس باولي، في حضور المسؤول عن العلاقات الدبلوماسية في «التيار الوطني الحر» ميشال دي شادارفيان، سيواصل مسارَه التصعيدي، وسيتجلّى ذلك في كلامه يوم السبت المقبل أمام هيئة «التيار» في كسروان.

وهو كرّرَ أمام باولي المواقفَ التي أعلنَها في مقابلته المتلفَزة امس الاوّل مجدّداً التأكيد انّه سيقف ضد التمديد، وعلى الحكومة تحَمّل مسؤولياتها في ملف التعيينات.

وعلمت «الجمهورية» أنّ باولي لم ينقل أيّ طرح أو أيّ مبادرة فرنسية، وكرّرَ موقف بلاده بضرورة وضع حدّ للشغور الرئاسي وانتخاب رئيس في أسرع وقت.

عرسال وجرودها

ميدانياً، تحَدّث الإعلام الحربي في «حزب الله» عن رصد عناصره بواسطةِ طائرةِ استطلاعٍ مسيرةَ مجموعةٍ تكفيريةٍ من «جبهةِ النصرة» كانت تنوي تنفيذَ عملٍ إرهابيٍ في جرودِ عرسال لجهةِ جرودِ نحلة الواقعة على سلسلةِ لبنانَ الشرقية فاستهدفَتها وقتلت كاملِ أفرادِها بينهُم قائد ميداني، ودمّرت آليّة عسكرية وغرفةَ اجتماعاتهم.

مصدر عسكري

وأكّد مصدر عسكري رفيع لـ«الجمهورية» أنّ «الجيش اتّخذَ كلّ التدابير لمواجهة الخطر في عرسال إذا ما قرّر المسلحون مهاجمة البلدة»، مشدّداً أنّ «الإحتياطات هي بحجم التحديات».

ونفى نفياً قاطعاً أن «يكون «حزب الله» أو أيّ فصيل آخر قد دخلَ المناطق التي يسيطر عليها الجيش، وعبر الحواجز نحو الجرود»، لافتاً إلى أنّ «المعارك هي في الجهة السورية من عرسال وليس في منطقة انتشار وحدات الجيش».

وردّاً على سؤال عن إمكان قيام «حزب الله» بهجوم وفَرض الأمن داخل عرسال واندلاع معارك بين عرسال وجوارها، أكّد المصدر أنّ «الجيش يتولى أمنَ عرسال ولا يقبل أحد أن يشاركه في أمن هذه البلدة أو الأمن الداخلي لكلّ لبنان، فالجيش وحدَه يمارس سيادته على أراضيه، وهو ينفّذ سياسة الحكومة اللبنانية».