فيما يتمدّد عمر الشغور الرئاسي يوماً بعد آخر من دون تحديد أيّ موعد ينهيه، ينصرف المسؤولون إلى متابعة الملفات الفضائحية الكبرى التي تظهر تباعاً، من ملف الإنترنت غير الشرعي، إلى ملف الدعارة والإتجار بالبشر، فملف اختلاس أموال عائدة لقوى الأمن الداخلي. وقد نشَطت الاتصالات السياسية أمس لتأمين أجواء ملائمة لجلسة مجلس الوزراء اليوم، التي ستحضر هذه الملفاتُ على طاولتها، إضافةً إلى الملفّين المتفجّرين: المديرية العامة لأمن الدولة والتجهيزات للمطار. وعلى خط موازٍ، يَدفع رئيس مجلس النواب نبيه بري بالتشريع قدُماً، ويدعمه «حزب الله»، فيما تحافظ الكتَل المسيحية على مواقفها المعارضة للتشريع في غياب رئيس الجمهورية.
قالت مصادر واسعة الاطّلاع لـ«الجمهورية» إنّ المخاوف من أن تكون جلسة مجلس الوزراء عاصفة موجودة على أكثر من مستوى، فهناك مشاريع عدة مطروحة للبحث، ومن شأنها أن تثير الخلافات بين الوزراء، ولا سيّما منها ملف المديرية العامة لأمن الدولة، بالإضافة إلى ملف المشاريع المخصّصة لتجهيز مطار بيروت.
وقالت مصادر وزارية لـ«الجمهورية» إنّ بعض الوزراء سيطلب في بداية الجلسة البحث في ملف أمن الدولة، التزاماً بالوعد الذي قطعه رئيس الحكومة تمام سلام في الجلسة السابقة بأن يكون في أولوية الملفات المطروحة على جدول الأعمال.
بوصعب
وعشية الجلسة، قال وزير التربية الياس بوصعب لـ»الجمهورية»: «لم نقُل مرّة إننا لن نشارك، بل قلنا إننا لا نستطيع أن نستمر إذا لم يكن مجلس الوزراء منتجاً». وأضاف: «نحن لا نزال في المنطق نفسه، فهناك مواضيع ضرورية وجدّية يجب التحدّث فيها، فإذا كانت العقلية ستظلّ على ما هي عليه في السابق فمعنى ذلك أنّنا سنَدخل الى مجلس وزراء هُم أرادوه مُعرقَلاً.
مثلاً، مجلس الإنماء والإعمار طلبَ تمويلاً لمشاريع عدة وأغفَل التمويل الإضافي لجسر جل الديب، على الرغم من أنّ هناك قراراً ثانياً لمجلس الوزراء بذلك.
نحن لن نقبل بإعطاء تمويل لأيّ مشروع آخر إذا لم تُعطَ الأهمية نفسها لجسر جل الديب، وهذه إحدى العوائق. نريد توازناً في القرارات، وإذا لم يحصل ذلك فمعناه أننا لسنا مقتنعين بأنّ هذا العمل سيسير، فالمطلوب التعاطي مع كلّ الملفات بتوازن كما يجب، وإلّا ستكون هناك عوائق».
أبوفاعور
وكان وزير الصحة وائل ابو فاعور قال أمس «إنّ مجلس الوزراء مدعوّ غداً (اليوم) إلى تناول هذه القضايا بمنتهى الشفافية، واتّخاذ قرارات وإجراءات فعلية على أيّ مستوى كان، بدءاً مِن الوزراء وصولاً إلى الموظفين، وذلك بحق الإداريين المتورطين، سواءٌ في الأجهزة الأمنية أم الإدارات المدنية، وإلّا فلن تفقد الحكومة صدقيتها وحسب، بل إنّ الدولة ستفقد موقعَها في ذهن كلّ مواطن لبناني.
وقد آنَ الأوان لأن تسقط الحمايات السياسية عن المتورطين. فمِن غير المعقول أن نسمع كلاماً يومياً عن مسؤول إداريّ متورّط في الدولة ويبقى في موقعه بلا عقاب. وكيف تطبّق الدولة القانون على المواطن الضعيف، فيما تَرتعد فرائصُها عندما يصل الموضوع إلى أحد عليّة القوم».
تجهيزات المطار
وحاولَ رئيس الحكومة تفكيكَ أحد الألغام من أمام طاولة مجلس الوزراء اليوم، لكن محاولته باءت بالفشل. فبَعد اجتماع ضمَّ وزير الداخلية نهاد المشنوق ووزير الأشغال العامة غازي زعيتر ووزير المال علي حسن خليل، على مدى ساعتين أمس، لم يتوصّل المجتمعون إلى تفاهم على الملف الخاص بتجهيزات المطار الفنّية والأمنية.
وعلمت «الجمهورية» أنّ العقدة بقيَت في طريقة إدارة العقود، حيث أصرّ المشنوق على أنّ العقود الأربعة الموقّعة مع الشركات على أساس الهبة السعودية هي عقود قانونية وخضعَت لاستدراج عروض ولا تشوبها شائبة.
أمّا زعيتر فأصرّ بدوره على أن يتّخذ مجلس الوزراء قراراً بتسويتها لأنه كوزير معنيّ لا يمكنه قبول عقود آليتُها معمول بها على أساس أنّها تعود لمشيئة الواهب، وهو بالتالي يحتاج إلى شرعنة هذه العقود بحسب الأصول من طريق استدراج عروض وإشراف إدارة المناقصات مباشرةً مع وزارة الأشغال.
وظلّ هذا الخلاف في وجهات النظر على أن يُطرح اليوم مجدّداً على مجلس الوزراء لاتّخاذ قرار في شأنه.
وقالت مصادر المجتمعين لـ»الجمهورية»: «إنّ المشكلة ليست في التمويل، لأنّ وزير المال أبلغَ إلى المجتمعين أنّ مجلس الوزراء عندما يتّخذ قراراً بتأمين نواقص ومستلزمات تجهيز المطار ويطلب التمويل بطريقة قانونية فإنّه جاهز لتأمينها، والخلاف هو حول آليّة إدارة العقود».
التشريع
وفي ملف تفعيل العمل النيابي، أكّد برّي أمس أنه سيدعو إلى جلسة تشريعية بعد جلسة الحوار الوطني المقرّرة في 20 نيسان الجاري، ولدى جهوز وتوافر المشاريع والقضايا الضرورية للبنان واللبنانيين.
وقال بري بحسب ما نَقل عنه نواب «لقاء الأربعاء» النيابي، إنّ «على الجميع تحمُّل مسؤولياتهم تجاه مصالح الناس التي هي من أساس أيّ ميثاقية، مع تأكيدنا الالتزامَ بما تقتضيه الأصول ومصلحة الشعب».
«حزب الله»
في الموازاة، أيَّد «حزب الله» موقفَ بري من التشريع، خلافاً لموقف حليفه تكتّل «الإصلاح والتغيير» الذي كان أكّد أمس الأوّل، بعد اجتماعه الأسبوعي، رفضَه «اختراع ظروف استثنائية للتمديد لحالة معينة بما تحمله من فساد وخروج عن القانون، والأخطر لحالة الخروج عن الميثاق».
وقال نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم: «ما الذي يَمنع أن ينعقد المجلس النيابي ويقيم اجتماعاته من أجل إقرار القوانين التي فيها مصلحة للناس؟ يقولون: إنّ المشكلة في عدم وجود رئيس جمهورية، هذه المشكلة مستمرّة منذ سنتين، وهل مِن أجلها نعطِّل مؤسسة كبرى ونفوِّت مصالح كبرى على الناس؟
يفترض أن نجعل التشريع قائماً ونعمل بنحو دؤوب لانتخاب رئيس للجمهورية من دون أن نعطِّل مصالح الناس، ورأيُنا أن يكون التشريع في كلّ شيء وليس بمقدار الضرورة الذي يتحدّث البعض عنها ولا في اشتراطات مختلفة، لأنه لا يوجد في الدستور ما يَمنع من انعقاد المجلس النيابي من أجل التشريع، وهذه مسؤولية على الجميع».
زيارة هولاند
على صعيد آخر، وقبلَ زيارة الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند للبنان في بداية النصف الثاني من نيسان الجاري، بدأ السفير الفرنسي في بيروت ايمانويل بون جولة على القيادات السياسية والحزبية، فزارَ أمس رئيسَ حزب الكتائب النائب سامي الجميّل في البيت المركزي في الصيفي. وقالت مصادر المجتمعين إنّ بون رغبَ القيام بهذه الجولة لاستطلاع الأجواء اللبنانية التي ستواكب زيارة هولاند وما يريده اللبنانيون منها وتقديرهم للملفّات التي يجب أن يتناولها جدول أعمالها.
ولم يظهر بون أنّه يملك عناوين أساسية حول الزيارة وما يريده الرئيس الضيف، لكنّه كان حريصاً على توجيه أسئلة واضحة إلى مضيفه، فسمعَ أجوبة واضحة من رئيس الكتائب تناولت مختلف التطورات على الساحتين الإقليمية والمحلية ورؤية الكتائب إزاءَها بالتحديد، وخصوصاً من موضوع انتخاب رئيس جمهورية جديد والتحذير من التمادي في الشغور الرئاسي الذي انعكس شللاً تاماً على المستويات الإدارية والمؤسسات، وبات السبب الذي قد يكون وحيداً لمجمل المشكلات التي تعانيها البلاد على كلّ المستويات.
كذلك سمعَ السفير الفرنسي من الجميّل رأياً واضحاً في أسباب الأزمة السورية، وتشديداً كتائبياً على تكرار الدعوة مرّة أخرى إلى الحياد عمّا يجري هناك لمنع أيّ تأثيرات للأزمة على الداخل اللبناني وتعزيز قدرات الجيش اللبناني والمؤسسات الأمنية الأخرى لمواجهة الأوضاع الطارئة على الحدود اللبنانية ـ السورية والتهديدات التي تطاول الساحة الداخلية والتي يمكن اعتبارها نتيجة تدخّل اللبنانيين في الأزمة السورية.
بالإضافة إلى ملف النازحين السوريين ومساعدة لبنان على تجاوز كلفة النزوح ومواجهة سلبياته على كلّ المستويات الأمنية والسياسية قبل الاقتصادية والاجتماعية.
وذكرت المصادر أنّ جولة بون على القيادات الرسمية بدأت قبل أيام، منذ أن زار رئيس الحكومة نهاية الأسبوع الماضي، مؤكّداً أنّ الترتيبات في شأن الزيارة جارية على قدم وساق توصّلاً إلى البحث في كلّ تفاصيلها في وقتٍ قريب، بعد ترتيب جدول أعمال الزيارة ووقائعها كاملة والتي حُدّدت مبدئياً بعد 15 نيسان الجاري تاريخ عودة رئيس الحكومة من اسطمبول، حيث سيشارك في الدورة الرابعة عشرة لقمّة الدوَل الإسلامية.
يوم أمني
وعلى الصعيد الأمني، نظّمت قوى الأمن الداخلي يوماً أمنياً أمس في مناطق: بيروت، جبل لبنان، زحلة، صيدا، صور وطرابلس، حيث واكبه الإعلام بهدف تذكير المواطنين بأنّ قانون السير ما زال يُطبّق. وفي هذا الإطار ضبَطت عدداً من المخالفات التي تنوّعت غالبيتُها ما بين عدم وضعِ حزام الأمان واستعمال الهاتف، إضافةً إلى أوراق السيارة غير الشرعية. (التفاصيل ص. 10)