بين الصخب السياسي وردّات الفعل المتناقضة التي أثارتها مواقف الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله النارية، والتي انطوت على رسائل في اتجاهات إقليمية ودولية وحديث عن «مشروع اميركي ـ اسرائيلي ـ خليجي»، وبين الصخب الانتخابي الخافت حيناً والمتصاعد أحياناً، معطوفاً على صخب الموازنة العامة للدولة التي يواصل مجلس الوزراء البحث فيها، تبدو الساحة الداخلية مُثقلة بالتعقيدات التي تُنذر بمزيد من التأزّم في كل الملفات الداخلية والخارجية، ما يطرح السؤال: لبنان الى أين من هنا؟ في الوقت الذي بدأت تتهدّده المهل الانتخابية التي تختلف التوصيفات فيها بين «قاتلة» وقابلة للتمديد. وثمّة من بدأ يثير مخاوف على مسيرة العهد من زاوية المواقف التي يعلنها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون إزاء «ضرورة» سلاح «حزب الله» «المكمّل» لسلاح الجيش في الدفاع عن لبنان. هذه المواقف التي لاقت استحساناً لدى فريق، ومعارضة لدى فريق آخر، فيما كلا الفريقين شريكان في السلطة، ما يدفع البعض الى التساؤل هل أن هذه الشراكة ستستمر بعنوان «المساكنة» او «ربط النزاع»؟ أم أنها ستمضي قُدماً الى تناحر، ما قد ينعكس شللاً في مسيرة الوفاق التي أريد لها ان تنطلق منيعة مع انتخاب عون رئيساً، وتولّي الرئيس سعد الحريري رئاسة الحكومة؟.
ردّ رئيس الحكومة سعد الحريري أمس على السيد نصرالله من دون ان يسمّيه، فجَدّد، في مستهلّ جلسة مجلس الوزراء التي انعقدت أمس برئاسته، التأكيد «أن ما يحمي لبنان هو الإجماع الذي نعيشه والإلتفاف الذي نشهده حول الدولة ومؤسساتها. كما أنّ حصانة لبنان تصونها علاقاته الممتازة بالعالم العربي وعلى رأسه المملكة العربية السعودية التي قال عنها فخامة الرئيس العماد ميشال عون، وعن حق، إنها تقود المواجهة مع الإرهاب والتطرف».
واعتبر الحريري انّ «حماية لبنان واللبنانيين من المخاطر الخارجية تأتي أيضاً من السياسة التي ينتهجها فخامة الرئيس والحكومة القائمة على احترام المواثيق والقرارات الدولية وعلى رأسها القرار 1701.
سياستنا بالاتفاق مع فخامة الرئيس هي إقامة شبكة أمان قائمة على هذين المبدأين، وانفتاحنا على عواصم القرار في أوروبا والولايات المتحدة وروسيا والصين وغيرها». ودعا الجميع الى «التعاون مع الدولة ومع الرئيس والحكومة لكي تبقى هذه السياسة ناجحة في حماية لبنان من كل المخاطر المحتملة وللنهوض باقتصاده وتلبية حاجات الناس».
وقالت مصادر وزارية: «انّ كلمة الحريري كانت عابرة كموقف سياسي في بداية الجلسة، ولم تكن استفزازية الى درجة انها تستدعي جدلاً او نقاشاً ولم يكن أحد في وارد فَتح هذا الموضوع أو الردّ عليه». ووصفتها المصادر بأنها «كلمة سياسية عبّرت عن مبادىء تحظى بإجماع على رغم اختلاف المواقف ولم تكن مادة للسجال».
«الكتائب»
ورفض حزب الكتائب ما سمّاه «سياسة التطبيع مع سلاح حزب الله»، مؤكداً أنه «لن يتوقف عن الاشارة الى مَكمن الخلل في الحياة السياسية اللبنانية، ولن يقبل بتكريس السلاح غير الشرعي وتأثيراته على الدولة اللبنانية ومصالحها وسياساتها وشعبها كأمر واقع والرضوخ له».
وقال مصدر كتائبي مسؤول لـ«الجمهورية»: «لا ندّعي انّ الحل لهذا السلاح سيأتي غداً، ولكننا لن نتوقف عن ترداد رأينا بأنه لا يمكن بناء دولة في ظل ازدواجية السلاح وتنازل المؤسسات الشرعية عن حقها ومسؤولياتها في رسم السياسات والقرارات الاستراتيجية، ولا سيما منها تلك المتعلقة بقرارات السلم والحرب».
«14 آذار»
بدوره، قال قيادي من مستقلّي ١٤ آذار انّ كلام نصرالله «تزامَن مع قرار الادارة الاميركية إعادة النظر بالاتفاق النووي مع ايران، وهو حاولَ رسم معادلة جديدة قوامها: المفاعل النووي الإسرائيلي في ديمونا مقابل المفاعلات النووية الايرانية، وقد جعل من لبنان وأمنه القومي ورقة تفاوضية وصندوق بريد في النزاع الاميركي ـ الايراني، وهو شاءَ توجيه رسالة نيابة عن ايران الى القمة الاميركية ـ الاسرائيلية بُعَيد انعقادها، فَحواها رفض ايّ اعادة نظر في الاتفاق النووي، والاستعداد للرد على ايّ استهداف عسكري للقدرة النووية الايرانية بضرب مفاعل ديمونا».
«8 آذار»
من جهتها، إستغربت مصادر قيادية في 8 آذار «الهجمة غير المبررة على نصرالله، والتي مردّها بأنه خاطَبَ وقائع اليمن والبحرين بشفافية عالية من دون مراعاة لأيّ اعتبارات وحسابات صغيرة لدى البعض في لبنان».
وقالت لـ«الجمهورية»: «انّ نصرالله ركّز في جانب من خطابه على مسألة الموقف التاريخي الذي اتخذه الرئيس عون من المقاومة، وقد مَثّل ذروة الانسجام بين رئيس الجمهورية والمقاومة، لافتاً الى ذهاب عون الى العرب الذي تبيّن أنهم لا يريدون إنساناً يذكّرهم بعَوراتهم».
وأضافت انّ نصرالله «مارَس هوايته في الحرب النفسية على الإسرائيلي سواء بخزانات الامونيا او مفاعيل ديمونا او بقدرات المقاومة الاستراتيجية التي يمكن ان تطاول أهدافاً اسرائيلية في البحر او البر، ما يعزّز منطق الردع ويُبعِد احتمالات الحرب ويدرأ الخطر ويُشعِر الاسرائيلي بقدرات التمكّن المتطورة لدى المقاومة، وهي ردع بحري وبري، وربما جوي، في ما يمكن تسميته تكامل عناصر الردع او العناصر الكاسرة للتوازن باللغة الاسرائيلية».
دعوة الهيئات الناخبة
إنتخابياً، علمت «الجمهورية» انّ وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق سيرسل مرسوم دعوة الهيئات الناخبة الى القصر الجمهوري في خلال الساعات الـ48 المقبلة، اي قبل 20 شباط الجاري، وذلك انسجاماً مع موقفه المُعلن بتقيّده بأحكام القانون الانتخابي النافذ.
وفي المعلومات انّ المرسوم، إن أُرسِل الى قصر بعبدا، سيقف هناك ربطاً بقرار رئيس الجمهورية عدم توقيعه لارتباطه بقانون الستين الذي يرفض عون أن تُجرى الانتخابات على أساسه في عهده تحت ايّ ظرف كان، خصوصاً انّ إجراءها على أساسه سيجعل العهد كله قائماً على قاعدة الستين المرفوضة، فضلاً عن انه يوجّه ضربة قاسية، لا بل قاضية، للعهد ومعنوياته.
ولفتت المعلومات الى أنه إضافة الى قرار رئيس الجمهورية بعدم توقيع المرسوم، فإنّ المرسوم نفسه يحمل أسباب تعطيله المتمثّلة أولاً بعدم تأليف هيئة الاشراف على الانتخابات حتى الآن، وثانياً ليس هناك أيّ قرار اتخذه مجلس الوزراء بتوفير الاعتماد المالي لتغطية نفقات إجراء العملية الانتخابية، علماً انّ عون كان قد سبق له أن رفض طلب المشنوق تشكيل هيئة الإشراف على الانتخابات النيابية من خارج جدول أعمال جلسة مجلس الوزراء التي انعقدت في ٢٦ كانون الثاني الفائت وإلى حين التوصّل الى قانون انتخاب جديد، مؤكداً انه وإذا لم يكن هناك قانون جديد فإنّ الانتخابات لن تُجرى على أساس قانون الستين، ولن يكون هناك تمديد للمجلس النيابي حتى لو حصل فراغ في السلطة التشريعية.
وتضيف المعلومات انّ المرسوم «المُعطّل» ليس آخر المطاف، إذ ستَليه حتماً فترة «عَضّ الأصابع»، والعد العكسي الجدي لإعداد قانون، وهناك شهر حاسم من الآن وحتى 20 آذار المقبل لإيجاد قانون بديل من «الستين» النافذ.
عون لن يتراجع
وتؤكد مصادر قصر بعبدا لـ «الجمهورية» ثبات عون على موقفه، وتقول انه «لا يتخذ هذا الموقف بدافع استعراضي او دعائي، هو قال إنه ضد «الستين» ومع قانون انتخابي جديد، واذا كان هناك من يراهنون على أنه سيتراجع في هذا الموضوع ويقبل بإجراء الانتخابات على أساس «الستين» فإنهم سيتفاجأون وسيكونون مخطئين جداً لأنه لن يتراجع، إضافة الى ذلك لن يقبل أن تُجرى الانتخابات على أساس «الستين» في عهده، ولا يريد ان يقوم عهده على هذا الاساس، ما يعني حتمية الوصول الى القانون الجديد».
وفي المواقف أكد وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل، خلال العشاء السنوي لهيئة المهندسين في «التيار الوطني الحر»، أنّ «قوانين الانتخاب عملية حسابية تمثيلية وليس معقولاً ألّا نتمكّن من إنجاز قانون انتخاب لأنّ البعض لا يفهم في الحسابات»، لافتاً إلى أنّ «من يقول انّ الاكثرية تحفظ الأقلية وانّ النسبية تُلغيها يَحتقر عقلنا الحسابي الهندسي». وقال: «لا يستطيع مَن تمثيله 6 نواب أن يجعلهم 13 غصباً عن كل البلد… فهذا ليس لبنان وهذا ليس التعدد والتنوّع الذي نؤمن به».
الموازنة
وفي شأن الموازنة، تابع مجلس الوزراء البحث في مشروعها، وبدأ الغوص في تفاصيل النفقات بعد انتهائه على مدى جلستين من عرض السياسة المالية العامة والخطوط العريضة للمشروع.
وأكدت مصادر وزارية لـ«الجمهورية» انّ «النقاشات هادئة وبنّاءة، وكل فريق يُدلي بدلوه بحسب توجّه الكتلة التي ينتمي اليها من خارج الاصطفافات التقليدية».
وأوضحت انّ سلسلة الرتب والرواتب تخضع لطرحين داخل مجلس الوزراء: الأول، يتمثّل بإبقائها في صلب مشروع الموازنة، والثاني فصلها عنه لكي لا تشكّل عائقاً أمام إقرارها كون لا إجماع سياسياً حولها خصوصاً في ما خَصّ الضرائب التي تشكّل موارد تمويلها». مشيرة الى «انّ مجلس الوزراء سيتخذ في نهاية النقاش قراراً في شأنها».
دولياً وإقليمياً
على الصعيدين الدولي والإقليمي أعلنت المتحدثة باسم مبعوث الأمم المتحدة ستيفان دو ميستورا، يارا شريف، في إفادة صحافية أولية، أنّ المحادثات التي من المقرّر أن تبدأ في 23 شباط ستناقش «الانتقال السياسي»، لكنّ هذه العبارة فسّرتها المعارضة في الماضي على أنّها تعني إزاحة الأسد أو على الأقل تقليص سلطاته. الأمر الذي دفع شريف الى توضيح لتصريحاتها.
وقالت: «من فضلكم لاحظوا أنّ المفاوضات سوف تَسترشِد تماماً بقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 الذي يتحدث بشكل محدّد عن الحكم ودستور جديد وانتخابات في سوريا».
من جهة ثانية، وللمرة الأولى منذ وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، عقدت الدول الغربية والعربية الداعمة للمعارضة السورية، ونحو 10 بلدان غربية وعربية وتركيا، لقاء أمس في بون على هامش اجتماعات مجموعة العشرين.
ميدانياً، إرتفع عدد القتلى من المدنيين والمقاتلين الذين استشهدوا وقضوا في مدينة درعا وريفها الى 5، هم: مقاتلان اثنان و3 مدنيين استشهدوا في قصف للطائرات الحربية والمروحية على مناطق في مدينة درعا وبلدتي النعيمة وبصرى الشام.