البارز أمس عودة التوتر السعودي-الإيراني من خلال اتهامات متبادلة بين الطرفين، علماً أنّ طهران والرياض كانتا قد عكستا منذ أسبوعين أجواءً إيجابية لم تعكّرها التطوّرات اليمنية، ما يؤشّر إلى دخول عوامل جديدة على خط الصراع في المنطقة، قد يكون أبرزها المخاوف الإيرانية من التدخّل العسكري التركي في سوريا والذي لا يمكن أن يتمّ، بالنسبة لطهران، من دون ضوء أخضر أميركي وتنسيق سعودي، خصوصاً أنّ هذا التدخّل، في حال حصوله، يعني بداية تحوّل فعلي في المشهد السوري، الأمر الذي دفعَ طهران إلى تهديد واشنطن بأنّ سقوط النظام السوري يعني حرباً إقليمية، ما استوجَب اتّهاماً سعودياً لإيران بأنّها جزء من المشكل في المنطقة، لا الحلّ، الأمر الذي اعتبرَت طهران أنّه يشكّل تعارضاً مع أجواء المباحثات الدبلوماسية السائدة بين البلدين. وفي موازاة التوتر السعودي-الإيراني برزَت أمس زيارة أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني إلى المملكة العربية السعودية، وهي الزيارة الثانية له خلال 3 أشهر، حيث بحث مع العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز مُجمل الأحداث والتطورات التي تشهدها الساحات الإسلامية والعربية والدولية. وتأتي هذه الزيارة غير المُعلنة سابقاً والتي رافقه فيها رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية الشيخ عبد الله بن ناصر بن خليفة آل ثاني، في وقتٍ تزداد ضبابيّة المشهد الإقليمي عموماً والسوري خصوصاً، ووسط تقارير عن تجاذب سعودي – قطري أدّى إلى إرجاء انتخاب رئيس لحكومة الائتلاف السوري المُعارضة. كذلك تأتي، في وقتٍ ينعقد لقاءٌ مهمّ في واشنطن اليوم للقادة العسكريين في الائتلاف الدولي الذي يشن غارات ضدّ مواقع «داعش» في سوريا والعراق.
بينما تتحكّم المراوحة بسائر الملفات الأساسية، وفي مقدّمها الملف الرئاسي، توزّعت الانظار أمس بين روما التي شهدت لقاءً بين البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي والرئيس سعد الحريري الذي استبقه بمواصلة هجومه على «حزب الله»، وبين جنيف التي أجرى فيها رئيس مجلس النواب نبيه بري سلسلة لقاءات على هامش مشاركته في مؤتمر الاتحاد البرلماني الدولي، ومن أبرزها لقاؤه مع نظيره الايراني علي لاريجاني، واصفاً الوضع في لبنان بأنّه دقيق، وبين بيروت، حيث أطلق رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون مواقفَ من الاستحقاق الرئاسي والتمديد النيابي والإرهاب التكفيري.
التقاطع الرئاسي
التقاطع بين الراعي والحريري بدا واضحاً على أولوية الانتخابات الرئاسية، إلى درجة أنّ البطريرك أكد أنه ورئيس «المستقبل» يتكلمان دائماً لغة واحدة، وهذا التقاطع يوفّر للحريري الغطاء المسيحي للتمديد النيابي في ظلّ رفض «القوات» و»الكتائب» تأمين هذا الغطاء، كما يوفّر للراعي التأييد السنّي لمواقفه الرئاسية، حيث خطا الحريري خطوة إضافية بعد هذا اللقاء بكشفِه أنّ المرحلة التي ستلي التمديد لمجلس النواب ستشهد تطويراً لمبادرة 14 آذار بالانتقال من مرحلة الاتفاق على مبدأ التسوية الرئاسية مع الفريق الآخر إلى إعلان مرشّحها الرئاسي، في خطوة تستعيد عبرَها سيناريو العام 2007.
فما أعلنه الحريري يؤشر إلى اتفاقه والراعي على خريطة طريق لإنهاء الفراغ الرئاسي، تبدأ بالتمديد النيابي وتُستكمل بتسمية 14 آذار لمرشحها بالتشاور الضمني مع البطريرك. وهذا الاتفاق لن يكون معزولا عن الاتصالات الدولية والإقليمية، حيث وضع رئيس «المستقبل» البطريرك في صورة اللقاء مع الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند الذي سيجدّد مساعيَه لكسر حلقة الفراغ. ومن هنا فالأكيد أن لا انتخابات رئاسية قبل التمديد، إنّما باب انتخاب رئيس جديد سيُفتح جدّياً بعد هذا التمديد.
في روما
وقد زار الحريري فور وصوله إلى روما مساء أمس الراعي، في مقرّ البطريركية المارونية في العاصمة الإيطالية، وعقد معه اجتماعاً حضرَه المعتمد البطريركي لدى الكرسي الرسولي المطران فرنسوا عيد ونائبه المونسنيور طوني جبران ومدير مكتب الرئيس الحريري نادر الحريري والنائب السابق غطاس خوري ومستشار الرئيس الحريري داوود الصايغ. وأعقبَ اللقاء الموسّع خلوة بين الحريري والراعي، تحدّث قبلها البطريرك للصحافيين مكتفياً بالقول: «الرئيس الحريري وأنا نتكلم دائماً لغة واحدة».
وبعد انتهاء الخلوة التي استمرت ساعة كاملة، تحدّث الحريري إلى الصحافيين قائلاً: «تحدثنا بكل صراحة وبشكل أساسي في موضوع الفراغ الرئاسي الذي يواجهه البلد، كما تحدّثنا عن استحقاق الانتخابات النيابية. الجميع يعرف موقف تيار «المستقبل» بأنّه طالما لم تتمّ الانتخابات الرئاسية فإننا لا نشارك في أي انتخابات نيابية، ونحن على موقفنا، لأننا نرى أنّ رأس الدولة ورأس السلطة هو رئاسة الجمهورية، والأساس في البلد هو انتخاب رئيس للجمهورية».
وردّاً على سؤال قال الحريري إنّ «موضوع التمديد كأس مرّة لا بدّ من تجرّعها، لأنّ البلد يمكن أن يذهب إلى المجهول، فإذا حصلت الانتخابات النيابية سنختلف على رئاسة المجلس وعلى رئاسة الجمهورية ولدينا حكومة ستكون حكومة تصريف أعمال، لذلك ندخل في مكان ما إلى مجهول خطِر جداً على البلد، وأنا أعتقد أنّ كلّ اللبنانيين لا يريدونه.
وكرّر الحريري أن لا فيتو على أيّ شخص، وكشف أنه بعد الحوار الذي حصل مع البطريرك وبعد التمديد، «يجب علينا كقوى 14 آذار أن نبحث عن أسماء يمكن أن يتمّ التوافق عليها من قِبل الأحزاب السياسية، تماماً كما حصل في العام 2007، حين خرجنا كقوى «14 آذار» وسمّينا الرئيس ميشال سليمان، ربّما يجب علينا أن نصل إلى هذه المرحلة الآن أيضاً بالبحث عن الأسماء التي يمكن أن تناسب الجميع»، وقال إنّه لا يظن أنّ الفريق الآخر يريد أن تبقى البلاد في فراغ رئاسي». بعد ذلك لبّى الرئيس الحريري والوفد المرافق دعوة البطريرك الماروني لمأدبة عشاء أقامَها على شرفه في دار البطريركية.
السجِلّ الذهبي
ولدى مغادرته مقرّ البطريركية، دوّنَ الرئيس الحريري الكلمة التالية في السجلّ الذهبي: «للمرّة الثالثة أزور هذا الصرح الماروني العريق في روما، وللمرة الثانية ألتقي فيه غبطة البطريرك بشارة الراعي.
أتمنّى لهذا الصرح ولما يمثله ويرمز إليه من قيم روحية ووطنية دوام العطاء في خدمة بلدنا لبنان وخدمة قضايا الإنسان في كلّ مكان».يُذكر أنّ الرئيس الحريري سيلتقي غداً في روما كلّاً من وزيرة الخارجية الإيطالية فيديريكا موغريني ووزيرة الدفاع روبرتا بينوتي.
جنيف
ومن جنيف، اعتبر برّي «أنّ ما يحصل الآن هو تقسيم المقسّم، وها هو سايكس بيكو ينتهي بين العراق وسوريا، والتركيز الآن على إنهائه أيضاً بين سوريا ولبنان، وبين لبنان وفلسطين». ورأى أنّ «الائتلاف الذي تقوده الولايات المتحدة لمحاربة «داعش» ليس جاداً في الواقع الميداني». وجدّد بري القول «إنّ المستفيد الاوّل مما يجري الآن هو العدو الاسرائيلي»، مشيراً الى انّ هناك «أهدافاً أخرى مما يحصل، لا سيّما على الصعيد الاقتصادي والنفطي».
في بيروت
ومن ضبيه، أكّد عون في ذكرى 13 تشرين «أنّ موضوع الرئاسة ليس موضوعاً فردياً، ولكنّه قضية إنصاف لخيارات طائفة يُنكَر عليها حقّها في أن تكون مثل الآخرين»، متّهِماً «الفئة التي تتمادى في رفض المسار الطبيعي للانتخابات الرئاسية بتعطيل هذه الانتخابات، ومنعِ التفاهم على ما هو حق وواجب». وسأل: «هل يجوز في هذه الأجواء أن نلتحق بمن وضع يده على السلطات ويرفض المشاركة»؟
ودعا عون الجميع «ليكونوا صفّاً واحداً في مواجهة الجماعات التكفيرية التي اقتحمَت أرضنا واعتدت على جيشنا فقتلت من أبنائنا مَن قتلت، وخطفت رهائن تبتزّ أهلَهم بعواطفهم ليأسروا بدورهم الحكومة فتستسلم لشروط لم يحدّدوها بعد، وهم يريدون تجاوز المعقول في المقبول لحلّ المشكلة».
وانتقدَ عون الحكومة السابقة قائلاً إنّها «ادّعت النأي بالنفس لكنّها لم تطبّقه فعلياً، فتركَت الحدود مفتوحة، ما سمحَ للبنانيين وللمسلحين السوريين باستباحتها، وكذلك النازحين».
«حزب الله»
في المقابل، حمل «حزب الله» بعنف على الفريق الآخر، وقال بلسان عدد من قيادييه: «إذا كنتم تنتظرون حتى تخسر المقاومة فأنتم أغبياء»، وأكّد أنّ التحالف الدولي يعجز عن وقف تمدّد «داعش» في سوريا والعراق ولكنّ الحزب وضع حداً لأيّ تقدّم لها، مُشدداً على انّ لديه «القدرة على حسم المعركة مثلما حسمها في بلدة القصير».
دعم دوليّ
وفي المواقف الدولية، أكّدت الأمم المتحدة التزامَها والمجتمع الدولي بدعم الجيش اللبناني. واستعجل ممثلها الخاص في لبنان ديريك بلامبلي من السراي الحكومي انتخابَ رئيس جمهورية جديد.
بريطانيا
وعبّرت بريطانيا عن طموحها إلى زيادة دعمها للجيش والقوى الامنية، وأوضح سفيرها طوم فليتشر أنّه ناقشَ مع وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق أموراً عدة، خصوصاً ما يتعلق بدعم استقرار لبنان والتهديدات التي يواجهها ودول المنطقة من قِبل داعش، وضرورة دعم القوى الامنية اللبنانية».
مجلس وزراء
وفي هذه الأجواء، ينعقد مجلس الوزراء عصر بعد غد الخميس في السراي الحكومي وعلى جدول اعماله أكثر من 100 بند، من بينها نحو 70 بنداً جديداً مضافين الى حوالى ثلاثين بنداً آخر أرجئت من جلسات سابقة.
وقالت مصادر رئيس الحكومة تمّام سلام لـ»الجمهورية» إنّه سيشدّد في بداية الجلسة، كما في كل مرّة، على ضرورة انتخاب رئيس جمهورية جديد لإنهاء الوضع الشاذ على مستوى المؤسسات الدستورية في البلد.
وسيناقش المجلس عدداً من الملفات التي تُبحَث منذ فترة من خارج جدول الأعمال ولم يُتخذ أيّ قرار في شأنها ينهي الحاجة الى مناقشتها في كلّ جلسة منذ اشهر عدة، ومنها الإتصالات الجارية لمعالجة قضية العسكريين المخطوفين في جرود عرسال، وصولاً الى مصير مخيمات النازحين السوريين والمشاريع المطروحة، بالإضافة الى الدعم الدولي المهدّد بالتناقص تدريجاً.
إجراءات روتينية
وفي سياق آخر نفى المكتب الإعلامي لرئيس الحكومة في بيان ما تردَّد عن «العثور على سيارة مشتبَه بها قرب منزله في المصيطبة»، وقال: «إنّ الإجراءات الامنية التي لوحِظت في محيط المنزل هي إجراءات روتينية».
نجاح «تجربة أمن» التبانة
أمنياً، تجاوزت طرابلس أمس قطوعاً مهمّاً عندما نجح وزراء المدينة ونوابها في رهانهم على دور المشايخ الذين يواكبون الخطة الأمنية الجاري تنفيذها منذ آذار الماضي بسحب المظاهر المسلحة من مسجد عبد الله بن سعود ومحيطه في باب التبانة وإخلائه واختفاء كلّ من أسامة منصور وشادي المولوي ومَن معهما من المسلحين بعد انتقالهما إلى جهة مجهولة.
وكان الجميع قد خيّروا الرجلين ومَن معهما بين الإخلاء أو أمن المدينة، بهدف سحب كلّ الذرائع التي تُرتكب على هامش حركتهم الفوضوية ووقف استغلال وجودهم في المدينة في مواجهة الجيش اللبناني الذي فك الطوق امس عن المنطقة بعد إخلائها تمهيداً لإعادة الإنتشار فيها بعد إزالة ما يعيق هذه الخطوة ولمنع الظهور المسلح فيها، وبالتالي تحاشي ايّة مواجهة.
وعلى عكس توقعات بعض المشككين بالخطوة، فقد تمّت عملية الإخلاء بالسرعة التي لم يكن يتوقّعها كثيرون، وسادت المنطقة اجواء هادئة، حيث عادت حركة السير إلى طبيعتها وفتحت المحال التجارية والمؤسسات العامة والخاصة والمصارف والمدارس والجامعات ابوابها كالمعتاد.
السلسلة
نيابياً، باشرَت اللجان النيابية المشتركة أمس دراسة ملف سلسلة الرتب والرواتب الذي أُعيد اليها من الهيئة العامة في الجلسة التشريعية الاخيرة التي عقدها المجلس النيابي.
وكان يُفترض ان تتمحور المداولات حول نقطتين: الأولى بحث ايجاد سلسلة خاصة بالاسلاك العسكرية بناءً على الطلب الذي تقدّم به وزير الدفاع الوطني في الجلسة النيابية الاخيرة. والنقطة الثانية العودة الى وحدة التشريع وإعطاء اساتذة التعليم الخاص الدرجات الست اسوةً بأساتذة التعليم الرسمي.
وقرّرت اللجان نتيجة التداولات عدم فصل الاسلاك العسكرية عن سلسلة الرتب والرواتب، على أن يقدّم وزير الدفاع خلال مهلة 10 أيام، الى اللجان المشترَكة التعديلات المطلوبة. وإلى حينه، ستجتمع اللجان مجدّداً غداً لبتّ موضوع وحدة التشريع بين القطاعين العام والخاص وإعطاء اساتذة التعليم الخاص الدرجات الست التي يطالبون بها.
بعد انتهاء الجلسة، أكّد وزير الدفاع أنّه تمّ التوصل الى الحلّ النهائي، وهو انّنا سنحضّر خلال مهلة عشرة ايام، وبالأرقام، مطالبَ العسكريين وحقوقهم، وسنجتمع مجدّداً مع اللجان المشترَكة حتى نوضح كلّ النقاط التي تحتاج الى توضيح، وبالتالي نكون بذلك قد توصلنا الى تأمين حقوق العسكريين».
من جهته، اعتبر وزير التربية والتعليم العالي الياس بو صعب «أنّ التعامل مع السلسلة ليس جدّياً. ولم نتقدّم بأيّ خطوة عمّا كنّا عليه منذ شهر. ما حصل اليوم (أمس) هو شراء وقت. كان يستطيع النواب أن يبقوا في الجلسة لننتهي من درس سلسلة المعلمين والإداريين».