بين إرهاب «داعش» المستمرّ وليس آخره خطف ما لا يقلّ عن 90 شخصاً من أبناء الطائفة الأشورية المسيحية شمال سوريا، وتنامي القلق الإسرائيلي مع الحديث عن قرب التوصّل إلى اتّفاق بين إيران والغرب، يراقبُ لبنان الوضعَ برُمَّته حابساً أنفاسَه، في انتظار مؤشّر ما ينعكس حلّاً لشغوره الرئاسي المستمرّ بفعل عدم التوافق على الرئيس العتيد، ما انعكسَ تعَثّراً حكومياً بفعل عدم حَسمِ مسألة آليّة اتّخاذ القرارات في مجلس الوزراء، وتطييراً متتالياً لجلسات مجلس الوزراء على الرغم من تكثيف المشاورات والاتصالات السياسية بين الأفرقاء كافّةً، لإيجاد مخرج لعقدة الآليّة. وشكلت هذه الملفات مجتمعة وفي مقدمها الإستحقاق الرئاسي والحوارات الجارية محور اللقاء بين الرئيس سعد الحريري ورئيس مؤسسة الإنتربول نائب رئيس مجلس الوزراء السابق الياس المر في «بيت الوسط» مساء أمس.
في الوقت الذي تُستَكمل اللقاءات بين «التيار الوطني الحر» و»القوات اللبنانية» بعيداً من الإعلام، تحضيراً للّقاء المرتقب بين رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون ورئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع، قالت أوساط ديبلوماسية فاتيكانية لـ«الجمهورية»: «إنّ المسيحيين المشرقيين يشكّلون أولوية لدى دوائر عاصمة الكثلكة، خصوصاً في هذه المرحلة التي تشهَد محاولات لاقتلاعهم من جذورهم».
وكشفَت «أنّ الاتصالات مع عواصم القرار تجري على قدَم وساق لتأمين الحماية اللازمة لِما تبقّى من مسيحيين، على أن يليَ ذلك تأمين عودة سليمة وآمنة للمسيحيّين الذين تمَّ تهجيرهم».
وأكّدَت هذه الأوساط «دعمَها للمواقف والمساعي التي يتولّاها البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، إنْ بالضغط لانتخاب رئيس جمهورية جديد يبدّد هواجسَ المسيحيين ويستعيدون عبرَه دورَهم وشراكتَهم على المستوى الوطني، أو بجمعِ الأقطاب المسيحيين بغية توحيد رؤيتِهم ونظرتهم».
وفي هذا السياق، قالت الأوساط «إنّها تعوّل على الحوار بين «التيار الوطني الحر» و»القوات»، ليس فقط لانتخاب رئيس جديد، بل لكي يشكّلا معاً قوّةَ دفعٍ ودينامية جديدة داخل الوسط المسيحي، تؤسّس لمرحلة مستقبلية عنوانُها تثبيت المسيحيين في الجغرافيا اللبنانية وضمن هيكل الدولة».
وأشارت إلى أنّها تنظر بعينِ الأمل إلى هذا الحوار الذي سيطوي صفحة الماضي، ويُعيد ثقة المسيحيين بأنفسِهم، ويوحّد نظرتهم حيال القضايا الوطنية، كما يوحّد جهودهم للحفاظ على النموذج اللبناني الذي يجسّد عنوان الشراكة المسيحيّة – الإسلامية في العالم».
سلام
وعلى الجبهة الحكومية واصَل رئيس الحكومة تمّام سلام اتصالاته لحلّ مسألة آلية اتّخاذ القرارات في مجلس الوزراء، وعلمَت «الجمهورية» أنّه سيتحدّث قبل ظهر اليوم في افتتاح «المنتدى العربي لسلامة الغذاء والجودة» في مقرّ الاتحاد العام لغرَف التجارة والصناعة والزراعة للبلاد العربية، وسيؤكّد مجدّداً الثوابت التي التزمها منذ أن تولّى رئاسة حكومة «المصلحة الوطنية»، خصوصاً المرحلة التي تلت الشغور الرئاسي وانتقال صلاحيات رئيس الجمهورية إلى الحكومة وكالةً.
وسيكرّر الدعوة إلى استعجال انتخاب الرئيس العتيد، في اعتبار ذلك مدخلاً لتجنّب كثيرٍ من الأزمات التي تعانيها الحكومة والمؤسسات الدستورية، خصوصاً تلك التي اتّخذَت من آلية العمل الحكومي عنواناً.
وكانت الأزمة الحكومية حضرَت في كلام سلام أمس أمام مجلس نقابة الصحافة برئاسة النقيب عوني الكعكي الذي نقلَ عنه تأكيدَه وجودَ «خلل جوهري في المسار الديموقراطي يتمثّل في الشغور الرئاسي»، ودعوتَه إلى معالجة هذا الشغور بما لا يتعارض مع تلبية حاجات اللبنانيين وتسيير شؤونهم، ولا يؤسّس في الوقت نفسه لحالة جديدة خارجَ إطار النظام الديموقراطي. وذكّر بأنّ الحكومة الحاليّة «تألّفَت في ظروف صعبة وكان يُفترَض أن تكون مؤقّتة، لكنّها استمرّت بفعل التعثّر الذي تمَثّلَ في الشغور الرئاسي وعدم حصول انتخابات نيابية».
وأوضحَ سلام أن لا رغبة لديه «في أن يعتقد أحد أنّني أريد ممارسة حكومية تثبّت الشغور»، مؤكّداً «أنّ المطلوب هو عدم تعطيل الدولة وعدم التصرّف وكأنّ تعطيل عمل الحكومة هو بديل من انتخاب رئيس للجمهورية».
وتمنّى «لو أنّ الجهود التي بُذلت في الفترة الماضية لتعطيل عمل الحكومة بُذِلت لانتخاب رئيس لكُنّا اليومَ نعيش في ظروف سياسية أفضل». ودعا القوى السياسية إلى «أن تذهب إلى انتخاب لتريحَنا من هذا الوضع الشاذ».
وقال سلام :»دستورُنا واضح، وليس فيه ضعف. إنّ الضعف موجود في الممارسة. وليس علينا سوى تطبيق الدستور للوصول إلى حلول». وشدّدَ على «أنّ طبيعة لبنان والحياة السياسية فيه لا تحتمل أن ينتصر فريق وينكسر فريق آخر. ولذلك يجب اعتماد التوافق دائماً. وهذه الروحية يجب أن تُعتمَد في انتخاب رئيس للجمهورية».
وتساءَل سلام: إذا كان التعطيل والعرقلة والمشاكسة هي سيّدة الموقف، فما الجدوى من عقد جلسات غير منتِجة؟». وأوضحَ أنّه لمسَ «على مدى الأشهر السبعة الماضية أنّ الأجواء داخل الحكومة لا تساعد كثيراً على الإنتاج». واعتبر «أنّ التوافق الذي نحرص عليه يتحمّل وجود تباينات في الرأي تحت سقفه. ولقد فهمَ بعض الوزراء التوافق على أنّه فرصة للتعطيل».
دوفريج
وخيّمَت آليّة العمل الحكومي على لقاءات سلام الوزارية، فالتقى وزير المال علي حسن خليل، ووزير الدولة لشؤون التنمية الإدارية نبيل دوفريج الذي أعلنَ معارضته الآليّة المعمول بها، داعياً للعودة إلى الدستور والسير بما يقوله، مشدّداً على وجوب أن يُسيّر مجلس الوزراء قضايا الناس، مؤكّداً أنّه لا يجوز تعطيلها إذا كان الزعماء السياسيون يضعون رئاسة الجمهورية في الخارج.
والتقى سلام أيضاً وزير الصحة وائل أبو فاعور الذي اعتبرَ أنّ الآليّة المعتمدة غير دستورية، لافتاً إلى «التمسّك بالطائف والدستور، والقضايا الخلافية تعالج بالحوار السياسي» ومشدّداً على أنّ الدستور يُعلن أنّ اتّخاذ القرارات العادية يتمّ التصويت عليها بالنصف زائداً واحداً، والقرارات الميثاقية والوطنية بالثلثين.
الهراوي
ومساءً التقى سلام الوزيرَ السابق خليل الهراوي الذي أوضحَ لـ»الجمهورية» أنّ زيارته «شخصيةٌ بناءً على موعد سابق، وليس بصفته أحدَ المشاركين في «لقاء اليرزة»، وأنّه طرحَ مع سلام «قضايا تعني أبناء زحلة والبقاع، ولم يكن مكلّفاً بأيّ مهمّة كما أشِيع».
وقال الهراوي إنّ سلام سَأله «عمّا جرى في «لقاء اليرزة»، فأجابه «أنّ ما عبّر عنه هذا اللقاء كان واضحاً ولا يحمل أيّ لبسٍ سوى مَن أراد أن يحمّله ما لا يتحمّل».
«لقاء اليرزة» في «سن الفيل»
ويلتئم «لقاء اليرزة» ظهر اليوم في منزل رئيس حزب الكتائب أمين الجميّل في سن الفيل، بحضور الرئيس السابق العماد ميشال سليمان الذي عاد أمس من الإمارات العربية المتحدة والوزراء الثمانية، لاستكمال البحث في ما بدأه وتوضيح الأهداف والغايات من هذا اللقاء.
وسيناقش المجتمعون خطّة تحرّكٍ للمرحلة المقبلة وإمكانَ القيام بجولة على رئيس الحكومة وبعض المرجعيات السياسية والحزبية.
المر عند الحريري
سياسياً، واصلَ الرئيس سعد الحريري لقاءاته في «بيت الوسط»، واستقبلَ مساء أمس نائب رئيس مجلس الوزراء السابق ورئيس مؤسسة «الإنتربول» الياس المر، وعرضَ معه للأوضاع السياسية العامّة. وكان التقى السفيرَ الأميركي في لبنان ديفيد هيل.
جعجع
رئاسياً، توجّه جعجع عبر «تويتر» إلى رئيس مجلس النواب نبيه برّي، ردّاً على كلامه الأخير، قائلاً: «إنّ تأثير العوامل الخارجية في الانتخابات الرئاسية يُصبح صفراً حين تستجيب الكتَل المقاطِعة لدعواتك المتكرّرة إلى انتخاب رئيس للجمهورية». وأكّد لاحقاً «أنّ انتخاب رئيس جمهورية جديد هو أولوية مارونية ووطنية وباتَت الحاجة الآن مُلِحّة كثيراً إليه».
ونقلَ رئيس المجلس العام الماروني الوزير السابق وديع الخازن عن جعجع ارتياحَه إلى التقدّم الذي أُحرِز في اللقاءات بين «القوات» و»التيار الوطني الحر» في شتّى المواضيع التي تساهم في تعزيز الحضور المسيحي في الدولة وتأمين المناصفة الحقيقية عبر قانون انتخابيّ جديد.
الأمن
وعلى الصعيد الأمني، واصلَ الجيش اللبناني استهدافَ تحرّكات المسلّحين وتجمّعاتهم في جرود رأس بعلبك المقابلة لتلّة الحمرا وفي جرود عرسال بالمدفعية الثقيلة.
توازياً، حضرَت الاتفاقية اللبنانية – الفرنسية لتسليح الجيش اللبناني، في إطار الهبة المقدّمة من السعودية، في لقاءٍ عُقد في اليرزة بين قائد الجيش العماد جان قهوجي والسفير الفرنسي باتريس باولي يرافقه الملحَق العسكري العقيد أوليفيه لابروس.
إصدار اليوروبوند
ماليّاً، أعلنَ وزير المال علي حسن خليل أمس «أنّ لبنان سَجّل أكبر إصدار لليوروبوند بقيمة 2200 مليون دولار». وأكّد وجود «مؤشّر إيجابي على الثقة بالسندات اللبنانية وقدرة لبنان على التزام واجباته الدولية»، مشيراً إلى «أنّنا نشهد نوعاً من الاندفاع للدخول إلى الأسواق اللبنانية».
وكان خليل قد عَقد مؤتمراً صحافياً خَصّصه للحديث عن عملية إصدار سندات خزينة بالعملة الأجنبية Eurobonds . وأعقبَ المؤتمر توقيع على المستندات الخاصة بالإصدار.
وأشار خليل إلى «أنّنا استنفدنا 95% من القوانين المتاحة لدينا، ولم نعُد قادرين على إصدار سندات إلّا بحدود 300 مليون دولار، وهذا لا يكفي أساساً للقيام بمسؤولياتنا. أتمنّى على القوى السياسية والكتَل النيابية أن تعيَ جيّداً مسؤولياتها وتنزلَ إلى مجلس النواب لإقرار قانون يسمح لنا، قبل أن نصلَ إلى حزيران، لنكونَ مستعدّين لمثل هذا الإصدار.
قانون التعاقد
إلى ذلك، لم يمرّ أمس اقتراح القانون الرامي إلى إفادة المتعاقدين في الإدارات العامّة من نظام التقاعد وتقديمات تعاونية موظفي الدولة، في اجتماع اللجان النيابية المشترَكة برئاسة فريد مكاري، بسبَب تضارب الأرقام حول عدد المتعاقدين المُفترَض أن يستفيدوا من القانون، وتراوحَت الأرقام بين 2989 متعاقداً، وفقَ لائحة مجلس الخدمة المدنية، و4089 متعاقداً، وفق لائحة وزارة المال.
بعد الجلسة، أوضحَ النائب ابراهيم كنعان أنّ اللجان كلّفَت المدير العام لوزارة المال وممثّل مجلس الخدمة المدنية تقويمَ عدد المستفيدين من هذا الاقتراح وإنجاز هذه المهمّة خلال أسبوع.
وقد حصلت «الجمهورية» على نسخة من اللائحة التي قدّمَها مجلس الخدمة المدنية، وتبيَّن من خلالها أنّ وزارة الصحة، وخلافاً للاعتقاد السائد، تستقطب العددَ الأكبر من المتعاقدين (651 متعاقداً)، تليها وزارة الإعلام (558)، فوزارة الداخلية والبلديات (305 متعاقدين)، فوزارة الاقتصاد والتجارة (216 متعاقدا). (راجع الجدول ص11).
خليل لـ«الجمهورية»
من جهته، أوضحَ وزير المال لـ«الجمهورية» أنّ أرقام وزارة المال تستند إلى أسماء جميع المتعاقدين الذين يتقاضون رواتبَهم وتمرّ حُكماً عبر الوزارة. وبالتالي، مِن الواضح أنّ أرقام الوزارة هي الأرقام الدقيقة التي ستُعتمَد في النتيجة. (تفاصيل ص11)