Site icon IMLebanon

تمسُّك دولي وإقليمي ومحلِّي بالحكومة وسلام صامِد والحريري إلى الرياض

بعد 278 يوماً على الفراغ الرئاسي، يواجه لبنان تجميداً وتعليقاً للعمل الحكومي بسبَب الخلاف على الآليّة التي أقِرّت بعد الشغور واعتمدت الإجماع كصيغة تزاوُج بين تسيير شؤون الناس وبين التذكير بالوضع الاستثنائي الذي يتطلّب مواصلة الضغط لانتخاب رئيس جديد من أجل إعادة انتظام عمل المؤسسات. ولكن بعد أن أظهرت الممارسة منذ الشغور أنّ الصيغة المعمول بها غير قادرة على الصمود والاستمرار نتيجة التعطيل الذي أصابها وأدى إلى شلل العمل الحكومي، بادرَ رئيس الحكومة تمام سلام إلى فتح باب المشاورات من أجل البحث عن صيغة جديدة إنقاذاً للحكومة وما ترمز إليه في هذه المرحلة الدقيقة التي يعيشها لبنان.

أكّد سلام بوضوح أنه غير مستعد لتغطية الفراغ، وشدد على ضرورة وجود حكومة تتولى إدارة البلاد سياسياً وأمنياً واقتصادياً بغية تجنيبها مشاهد الحرب والعنف التي تشهدها دوَل الجوار. وفي هذا السياق سجّلت مساهمة بارزة للرئيس سعد الحريري في تطويق الخلافات والبحث عن حلول، وكان قد عَقدَ اجتماعات عدة للغاية وأجرى اتصالات على أكثر من صعيد ومستوى.

وغادر الحريري مساء أمس بيروت متوجّهاً إلى الرياض. إستمرار الحكومة وإنعاشها لا يشكّلان مطلباً لبنانياً فقط، بل هما مطلب دولي وإقليمي حرصاً على لبنان واستقراره، خصوصاً في ظل غياب رئيس للجمهورية، ووضع أمني دقيق على الحدود، وتطورات خطيرة في سوريا والعراق واليمن.

فتغيير الآلية لم يكن مطروحاً لولا وصولها إلى الحائط المسدود، والمخاوف كانت وما زالت من أن يؤدي التعطيل الحكومي إلى ضرب التوافق السياسي ويفتح ثغرة في الوضع الأمني.

ومن هنا الحرص على إيجاد آلية جديدة تبقي الوضع الاستثنائي الذي يذكّر بضرورة انتخاب رئيس مع فارق تطويق التعطيل وحصره والتخفيض من منسوبه. ولكنّ هذه المساعي اصطدمت بتمسّك مسيحي بالصيغة المعمول بها تحت عنوان الخوف من التطبيع مع الفراغ.

غير أنّ أصحاب هذه الهواجس أشادوا بحكمة سلام وإدارته لجلسات مجلس الوزراء وقدرته على امتصاص المشاكل وتجاوز المطبّات والعراقيل، واكدوا أنّ المشكلة لم تكن يوماً مع رئيس الحكومة الذي أظهر حرصاً استثنائياً على ضرورة انتخاب رئيس جديد، حيث يستهلّ كلّ جلسة بهذا الموضوع، ولا يخلو أيّ خطاب من خطاباته بالدعوة إلى الإسراع في إنهاء الشغور.

وقد برز في الساعات الأخيرة تصوّر لمخرج لم يعرف بعد ما إذا كان سيتمّ تسويقه، ويقضي بإعطاء فرصة أخيرة للآلية القائمة من خلال إعادة العمل بها مع التشدّد في تطبيقها من خلال التعهّد بعدم استخدام أيّ وزير لصلاحياته بهدف التعطيل.

برّي

واستعجل رئيس مجلس النواب نبيه برّي رئيس الحكومة عقد جلسة لمجلس الوزراء في أسرع وقت لتحريك عمل الدولة وفق المعيار الذي ينصّ عليه الدستور. ونقل نوّاب «لقاء الأربعاء النيابي» عنه قوله: «لا جديد على صعيد أزمة آلية عمل الحكومة». وجدّد برّي تأكيده على تطبيق الدستور في هذا المجال.

سلام

وقالت مصادر سلام لـ«الجمهورية» مساء انه لم يحدد بعد أيّ موعد محتمَل للجلسة طالما انّ ما أراده ما زال بعيد المنال. ونَفت الروايات التي تحدثت عن صيغة دعوة الى جلسة وزارية الاسبوع المقبل. وقالت انّ الإتصالات مستمرة على كل المستويات، إلّا انها لم تحمل جديداً.

وكان سلام استعجل نهاراً الإسراع في انتخاب رئيس للجمهورية، لإعادة النصاب الى الحياة الدستورية»، معتبراً أنّ «بلداً بلا رئيس هو جسم مشوّه». وأكّد في افتتاح «المنتدى العربي لسلامة الغذاء والجودة» أنّ «التعثّر الذي يطاول العمل الحكومي والجدل الذي يُثار هذه الأيام تحت عنوان الآلية الحكومية، هما نتاج هذه الخطيئة الكبرى التي لن تمحوها سوى أوراق نوّاب الأمة وقد نزلت في صندوقة الاقتراع، حاملة إسم الرئيس الجديد للجمهورية اللبنانية».

وأضاف: «بغير ذلك، نكون قد مَدّدنا للحالة الشاذة التي تفتحُ المجال أمام الاستمرار في ممارسات تعطيلية، تبتغي تحقيق كلّ أنواع المصالح، إلّا مصلحة لبنان واللبنانيين».

درباس

الى ذلك، نقل وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس عن سلام حرصه الشديد على ألّا تكون هذه الحكومة تغطية للفراغ الدستوري، وتمسّكه بانتخاب رئيس جديد يجعل المخلوق سوياً وليس مشوّهاً بلا رأس، وحرصه كذلك على أن يكون الأداء الحكومي مبنياً على الأسس الميثاقية بحيث لا تؤخذ الأمور الميثاقية بصورة غالبة على إرادة الأفرقاء الأساسيين، وحرصه على ألّا يكون التوافق سبباً لعرقلة أمور الناس.

وأكّد سلام، بحسب درباس، عدم استعداده لتغطية الفراغ الدستوري والشلل في مصالح الناس، وما عدا ذلك فهو صامد وصابرعلى هذه الأزمة التي يعيشها لبنان الى أن يأتي الفرج ويكون للبنان رئيس جديد.

اللقاء التشاوري

الى ذلك، انعقد في دارة الرئيس أمين الجميّل في سن الفيل «اللقاء الوزاري التشاوري» في حضوره وحضور الرئيس السابق ميشال سليمان، نائب رئيس الحكومة وزير الدفاع سمير مقبل، والوزراء بطرس حرب، اليس شبطيني، عبد المطلب الحناوي، رمزي جريج، سجعان القزي، آلان حكيم والوزير السابق خليل الهراوي، وغاب الوزير ميشال فرعون الموجود في البحرين.

وحافظ اللقاء على موقفه من ضرورة الإبقاء على الآلية المعتمدة في مجلس الوزراء، وان «لا حاجة لأيّ اختبارات أخرى نعرف أين تبدأ ولا نعرف متى تنتهي»، كما قال أحد المشاركين لـ»الجمهورية».

وأضاف: «انّ الثوابت التي انطلق منها اللقاء وحَظيت بمباركة بكركي ما زالت هي هي، وطالما انه لا يريد استهداف أحد، لا رئيس الحكومة الذي كان وسيبقى محطّ تقدير أطراف اللقاء جميعاً، ولا كتلاً وزارية أو قوى اخرى في الحكومة على الإطلاق، لكنه في الوقت نفسه يتوجّه الى هذه القوى جميعها ويدعوها الى التفكير ملياً بالحاجة الى الإسراع بانتخاب رئيس جمهورية جديد وعدم تبسيط الأمور، وكأنّ الأمر ليس حاجة، وانّ الحكومة قادرة على إدارة شؤون البلد بلا رئيس الذي كان وما زال ناظماً للعلاقات بين المؤسسات والسلطات الدستورية، وليس هناك من يقوم مقامه في التوجّه الى العالم الخارجي والحفاظ على موقع لبنان بين الأمم، وخصوصاً في هذه المرحلة بالذات».

وكان سليمان قد انتقدَ، من بكركي، الكتل النيابية المقاطِعة للانتخابات الرئاسية، قائلاً: مَن هو قادر على التمديد للمجلس النيابي، قادر على النزول إلى مجلس النواب لانتخاب رئيس.

بو صعب

وردّ وزير التربية الياس بو صعب على سليمان الذي كان زار الامارات منذ ايام، لكن من دون أن يسمّيه، وقال عبر «تويتر»: «مؤسف ما ردّده مسؤول لبناني من الماضي في دولة عربية صديقة، خصوصاً انّ رجالات الدولة الكبار يحرصون على وحدة اللبنانيين الداخلية خلال سفرهم الى الخارج». وأضاف: «مَن يستميت اليوم في الدعوة الى احترام الدستور فاته انّ وصوله الى حيث كان شَكّل أبرز طعنة للدستور منذ الاستقلال، فهل خانَته الذاكرة؟».

وفي تغريدة أخرى اعتبر بو صعب انّ «رجال الدولة الكبار يخرجون من السلطة كباراً، أمّا مَن يرفض الإقرار بأنه بات خارج السلطة فإنه غير مطابق للمواصفات (بالإذن من الصديق وائل)».

مكاري

وفي المواقف من الشلل الحكومي، اعتبر نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري لـ»الجمهورية» أنّ «الاسلوب الذي اختاره الرئيس سلام مع بداية العمل الحكومي هو خيار دستوري، لكنه ليس كافياً وحده، فالدستور يحدّد التصويت في مجلس الوزراء إمّا بالإجماع ، وإمّا بالثلثين على مواضيع أساسية نَصّ عليها، أو بالنصف زائداً واحداً للمواضيع العادية».

ورأى مكاري أنّ «الأسلوب المُتّبَع حالياً لم ينجح على رغم دستوريته، لأنّ كل وزير بات يستعمل الصلاحية التي أعطيَت له، لمعارضة زملائه في موضوع ما لسبب سياسي، أو لممارسة ضغط لتمرير بعض المواضيع التي تناسبه فتصبح العملية نوعاً من التمرير والمبادلة». ولاحظ مكاري أنّ «هذه الصيغة أثبتت انها غير مُنتجة في الوقت الحالي، والحل الوحيد هو التقيّد بالدستور».

وطمأن إلى أنّ «رئيس الحكومة، بالعقلانية المعروفة عنه، وبما اننا نمرّ في ظروف استثنائية، سيحرص على أن يستشير مختلف الأطراف في بعض المواضيع قبل طرحها على المجلس، أو قد لا يطرحها كونه يدرك انها تتسبّب بحساسية على الصعيد الوطني. أمّا في تسيير سَير قضايا الناس بالحدّ المقبول، فحكمته تكون هي الميزان في طرح الامور».

وأوضح مكاري انّ «الاتصالات الجارية هي بهدف الوصول الى التقيّد بالدستور»، لافتاً الى انّ «بعض الاطراف في الحكومة تعتبر انّ الظرف اليوم غير عادي ويجب ان لا تسير الامور وكأنّ لا شيء حاصل في البلاد وكأن لا غياب لرئيس الجمهورية».

وأضاف: «لا أحد ينكر انّ هذا الكلام صحيح، انما في الواقع عندما تحدث الدستور عن الظروف الاستثنائية في موضوع انتخاب الرئيس وعن الشغور الرئاسي أشار الى انّ مجلس الوزراء يتولى صلاحياته، لكنه تحدث عن فترة وجيزة ولم يَكن المُشترع يعلم انّ مدة الشغور ستكون طويلة. لذلك، ثمّة حاجات مُلحّة تتطلب اتخاذ قرار. والقول إنّ ذلك تطبيع للفراغ، اعتقد انه رأي في غير محله، لأنّ الظروف تختلف».

وإذ اعتبر مكاري أنّ «مَن عطّل الانتخابات الرئاسية ليس مهتماً اذا تعطلت أمور الدولة»، قال: «إذ لم تتم معالجة الأمور، سيصبح لدينا فراغ رئاسي وفراغ في الحكومة وفراغ الى حدّ ما في المجلس النيابي كونه لا ينعقد إلّا للقضايا الملحّة، وهذه اشارة سيئة جداً للرأي العام الداخلي والخارجي بأنّ هذا النظام لا يعمل جيداً».

وعن تشكيكه بوجود نية لدى البعض لتفجير الحكومة أجاب مكاري: «لا اعتقد انّ لدى أحد من المعترضين توجهات سيئة لكنّ مفهومهم لحلّ الفراغ الرئاسي عن طريق الضغط الحكومي هو مفهوم في غير محله».

وعن محاذير استمرار الشلل الحكومي وتالياً انفراط عقد الحكومة، أجاب: «يجب ألّا يغفل عن بال احد انه في النهاية هناك رغبة لدى بعض الاطراف اللبنانية في اعادة النظر بالنظام اللبناني والعودة الى مقولة المؤتمر التأسيسي. قد لا يكونون جاهزين له اليوم، ولكن يجب ان لا نفسح في المجال لأن تتبلور هذه الفكرة أكثر وتأخذ مداها، بل يجب قطع الطريق عبر تفعيل العمل الحكومي وانتخاب رئيس جمهورية».

الحوت

وقال نائب «الجماعة الإسلامية» عماد الحوت لـ»الجمهورية»: «الواضح انّ الهدف الأساس من تعطيل الانتخابات الرئاسية هو إمّا القبول بشروط الفريق المعطّل وإمّا إبقاء البلاد في حال من الجمود والإرباك المؤسساتي. لكنّ ذلك لا يبرر ان ينسحب التعطيل على الاداء الحكومي، لأنّ المواطن في نهاية الأمر يحتاج الى مَن يدير ملفاته ومعيشته اليومية.

لا شك في انّ وجود رئيس الجمهورية أمر له الاولوية القصوى والاساس، لكننا نحن بحاجة لتسيير قضايا اللبنانيين من خلال الحكومة على الاقلّ. لذلك، فإنّ مبدأ سحب ممارسة التعطيل على الحكومة هو أمر مُضرّ في هذا الظرف بالذات».

ولدى سواله: هل من قرار إقليمي بتفجير الحكومة ام انّ قطوع التعطيل سيتمّ تجاوزه؟ أجاب الحوت: «في اعتقادي انّ الحكومة باقية وليس هناك ايّ فرصة لفكفكتها او إقالتها، فالجميع مُدرك في نهاية الامر انه باستقالتها نذهب الى فراغ كامل في المؤسسات، وبالتالي الى مؤتمر تأسيسي، حتى انّ المعطّلين لا يستطيعون تحمّل نتائجه في هذه الظروف.

لذلك ليس هناك من خطر على زوال الحكومة لكن ان تبقى معطلة ايضاً وغير قادرة على الفاعلية لا أرى انه مناسب في هذه الفترة، وأناشد قسماً من القوى الموجودة في الحكومة المحسوبة على فريق 14 آذار، الفريق الذي كان شعاره في الأساس ولا يزال: بناء دولة المؤسسات، أن لا يكون مشاركاً في تعطيل الحكومة، حتى ولو سَلّمنا جدلاً انّ رئاسة الجمهورية قضية أساسية ومصيرية وجوهرية فعلاً، لكن ايضاً لا ينبغي ان يكون ذلك على حساب اللبناني في أحواله المعيشية، وبالتالي وَضع البلد في حالة فراغ كامل».