الأنظار ستتّجه إلى المحكمة الدولية مجدّداً مع الشهادة التي سيقدّمها رئيس كتلة «المستقبل» الرئيس فؤاد السنيورة عن الظروف والأسباب والاعتبارات والخلفيات التي قادت إلى اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري. وأهمّية شهادة السنيورة تكمن في اعتبارَين: الأوّل، علاقته الوثيقة بالشهيد الحريري التي جعلته حاملاً أسرارَه ومطّلِعاً على تفاصيل وخفايا المرحلة الممتدّة من مطلع التسعينات إلى لحظة اغتياله. والاعتبار الثاني يتصل بأنّ المحكمة الدولية أقِرَّت إبّان رئاسته للحكومة وخوضِه أشرسَ المواجهات السياسية من أجل أن تبصِر هذه المحكمة النور. فالسنيورة سيشهَد عمَلياً للتاريخ، وإنصافاً لصديقِ عمرِه، ومن أجل إظهار الحقيقة وتحقيق العدالة. وفي سياقٍ آخر، كان لافتاً لقاءُ رئيس الحزب التقدّمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط مع رئيس الجمهورية الفرنسية فرنسوا هولاند في الإليزيه، والذي أشّرَ إلى مدى اهتمام الرئاسة الفرنسية بالوضع اللبناني، حيث قدّمَ جنبلاط شرحاً تفصيلياً للواقع في لبنان من كلّ جوانبه، وتبيَّنَ له مدى اطّلاع هولاند على التفاصيل اللبنانية وحِرصه على أمن لبنان واستقراره. ونَوَّه جنبلاط بالموقف الفرنسي الثابت والمبدئي من الأزمة السورية لجهة رفضِه الحوارَ مع النظام السوريّ، واعتبارِه أنّ موقفَ وزير الخارجية الأميركي جون كيري أحرجَ فرنسا والإدارة الأميركية، ونفى أيّ تعاونٍ مخابراتي فرنسي مع هذا النظام كما يروَّج بين الحين والآخر، وأبدى قلقَه من الدور الإيراني. وأهمّيةُ زيارة جنبلاط في هذه اللحظة تكمنُ في أنّ باريس تلعب دوراً مهمّاً على مستوى الدفع نحو انتخاب رئيس جديد للجمهورية من خلال موفدِها إلى المنطقة جان فرنسوا جيرو، وإصرارِها على إنهاء الشغور، ودعمِها للجيش اللبناني الذي سيبدأ بتسَلّم الأسلحة الفرنسية ضمن الهِبة السعودية.
المناخات السياسية المتشنّجة التي رافقت شهادة السنيورة لم تكن في محلها، لأنّ الفريق الآخر يدرك تماماً أنّ رئيس الحكومة السابق لا يخضع للضغط والتخويف، وذلك انطلاقاً من تجربته اللصيقة معه في العقد الأخير بأقلّ تقدير، فضلاً عن أنّ المحكمة لا تعمل بتوقيت لبناني، ومحاولة الضغط لتليين الشهادات لا تمرّ لدى قوى 14 آذار التي تعلّق آمالاً كبرى على هذه المحكمة الكفيلة بتبيان الحقيقة ووقف الجريمة السياسية.
وأمّا ربط الشهادة وغيرها من الملفات السياسية بالحوار واحتمالات انهياره، فهو في غير محلّه، لسبب بسيط عائد إلى المعادلة التي حكمَت تأليف الحكومة والدخول في الحوار وهي الآتية: «المستقبل» يُحيّد قتال الحزب في سوريا وسلاحه في الداخل ورفضه التعامل مع المحكمة عن ضرورات الجلوس في حكومة واحدة والحوار، و»حزب الله» بدوره يُحيّد موقفَ «المستقبل» المبدئي من هذه القضايا عن التعاون الحكومي والحوار.
ومن ثمّ يشكّل الحوار حاجة للطرفين ولكلّ البلد، لا بل الحزب سيكون أكثر المتضررين من انهياره، وبالتالي على رغم الوقع السياسي المهم لكلام السنيورة، لن يكون له أيّ تداعيات على الحكومة والحوار، لأن المعادلة الدولية-الإقليمية-المحلية التي قضَت بالتواصل وتحييد لبنان لم تتبدّل، بل هناك إصرار على تثبيتها وترسيخها وتحصينها.
السنيورة أمام المحكمة
وفي هذه الأجواء، غادر السنيورة بيروت متوجّها الى العاصمة الفرنسية لينتقل منها الى لاهاي اليوم للوقوف على منصّة الشهود امام قضاة المحكمة الدولية الخاصة المكلفة التحقيق في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري والجرائم المرتبطة بها.
وفي حين اكّدت مصادر مطلعة أهمية وقوفه امام قضاة المحكمة وما سيكشفه من حقائق، رفضَت مصادر قريبة منه الدخول في تفاصيل الإفادة التي سيقدّمها، وقالت لـ«الجمهورية» إنّه سيجيب عن أسئلة المدّعين العامين والقضاة في المحكمة، ولن يكون له محاضرة يقرّر ما سيقول فيها مسبَقاً.
ولفتَت المصادر الى انّ السنيورة سيقول ما لديه من حقائق في كثير ممّا يعرفه عن أدقّ الأمور والوقائع التي سبَقت «جريمة العصر»، وسيقول ما يجب قوله بكل صدقية وشفافية.
تجدر الإشارة الى انّ السنيورة سَبق له ان اعتذر من تقديم شهادته امام المحكمة في موعد سابق حُدّد له بداية العام الجاري بسبب وعكة صحّية ألمَّت به.
مجدلاني
وعشية شهادته امام المحكمة، ذكرَ النائب عاطف مجدلاني لـ»الجمهورية» أنّ موضوع المحكمة الدولية يندرج ضمن نقاط ربط النزاع مع «حزب الله» وخارج بنود الحوار معه، وأهمّية شهادة الرئيس فؤاد السنيورة اليوم تكمن في أنّها شهادة رجل كان الى جانب الرئيس الشهيد رفيق الحريري لسنوات، ومن المؤكّد انّ لديه، عبر تعاونهما الطويل، معلومات تضاف الى المعلومات التي وضعَها امام المحكمة كلّ من الوزير السابق باسم السبع والنائب غازي يوسف اللذين كانت إفادتهما مهمة من أجل فهم الواقع السياسي في لبنان قبل الاغتيال.
وأعتقد انّ شهادة الرئيس السنيورة ستضيء للمحكمة اكثر على الظروف التي أحاطت بلبنان قبل الإغتيال وظروف الاغتيال وبعده. وهناك ايضاً شهادة النائب وليد جنبلاط، لذلك علينا التروّي. لكن الخوف، أنّ البعض بدأ هجومَه على الرئيس السنيورة واتّهمه بالعمالة قبل أن يدليَ بشهادته، أي إنّنا نرى مجدّداً الظروف نفسَها التي سبقت اغتيال الرئيس الحريري».
وأكّد مجدلاني انّ الرئيس السنيورة هو رجل الحوار ولديه قناعة تامة، ليس بضرورة الحوار فحسب بل بأن لا سبيل إلّا الحوار للوصول الى نتيجة سلمية للتفاهم مع حزب الله على كيفية إدارة البلد».
وردّاً على سؤال فيما إذا كانت شهادة السنيورة ستؤثّر على مصير الحوار أم أنّ ربط النزاع سيستمر، أجاب مجدلاني: «ربط النزاع سيبقى مستمراً لأنّ هناك إرادة، سواءٌ لدى تيار «المستقبل» أو لدى «حزب الله» بأن يستمر هذا الحوار، لوجود ظروف موضوعية عند الحزب تجعله يقتنع بأنّ الحوار الآن هو افضل سبيل له للمحافظة على الواقع الحالي.
حزب الله يمرّ في ظروف صعبة ليست خافية على أحد، خصوصاً ظروفه في سوريا وأعداد القتلى لديه من دون القدرة على تغيير المعادلة على الأرض، حيث تحوّلت سوريا «فييتنام» بالنسبة إليه. وبالنسبة الى تصريحات الحزب في شأن الادّعاء أنّه يحقّق المزيد من الانتصارات، وأنّ الوضع في سوريا يتحسّن، فإنّني أتساءل اين هذه الانتصارات؟ أنا لا أراها.
إنّ دخول الحزب الى سوريا كان من أجل حماية نظام بشّار الأسد، ولكن من الواضح أنّ هذا النظام لم يعُد يملك شيئاً. وإذا سحَبت إيران ميليشياتها سينهار النظام في لحظات، فأين الانتصارات؟ هل استرجَع المساحات الشاسعة التي خسرها؟ النظام السوري يتواجد اليوم على مساحة لا تتعدّى الـ30 في المئة من مساحة سوريا الإجمالية».
حوري
بدوره، أعلنَ النائب عمّار حوري «أنّ المحكمة الدولية هي لحماية مستقبل الحياة السياسية في لبنان، والتعويل مستمرّ على ان تكشفَ الحقيقة».
وأكّد حوري لـ«الجمهورية»: «أنّ الحوار مع «حزب الله» سيستمر في كلّ الظروف، ونحن في الأساس دخلنا إلى الحوار وحجم الخلافات معه معروف، فجزء كبير منها ليس على طاولة النقاش، وسنستمر في البحث في بندَي جدول الاعمال الى ان نجد حلّاً.
أمّا النقاط التي ربطنا النزاع فيها، كالمحكمة وسلاح «حزب الله» ومشاركته في القتال في سوريا، فهذه مواضيع خارج النقاش، ومواقفُنا منها ستستمر إلى يوم القيامة». ولفتَ الى أنّ مجرّد حصول الحوار عكسَ ارتياحاً في الشارع».
واعتبَر حوري أنّ سبب الشغور الرئاسي في لبنان هو إيران التي تحتفظ بهذه الورقة على طاولة المفاوضات وتمنَع من خلال «حزب الله» وحلفائه النصاب ان يتأمّن في مجلس النواب.
فتفَت لـ«الجمهورية»
من جهته، قال النائب أحمد فتفت لـ«الجمهورية»: «إنّ المحكمة الدولية تكتب اليوم تاريخ لبنان، الذي يُعيد تذكير اللبنانيين بالحقائق، فللمرّة الأولى يُكتَب تاريخ موضوعيّ في صفحات المحكمة.
وتعيد تذكير اللبنانيين بالحقائق، والناس يعتبرون شهادة الرئيس السنيورة مفصلية، نتيجة الهجوم الذي شُنّ عليه، وبالطبع المحكمة جزء من خلفية هذا الهجوم، لكنّ هناك جزءاً مرتبطاً بالسياسة الموضوعية الحالية. فالحزب يحاول رفعَ وتيرة هجماته وبعض الأبواق المأجورة لفرض هدنة إعلامية يطالب بها منذ فترة، وهذا الأمر ليس وارداً عندنا.
قلنا إنّ هناك مواضيع عليها ربط نزاع، أي تركناها خارج الحوار، وبالتالي نحن مستمرّون في المعركة السياسية حولها. نعتبر أنّ الحوار جزء من المواجهة السياسية، فلسنا في حالة سِلم مع الحزب بل في حالة مواجهة سياسية حقيقية معه».
ورأى فتفت أنّ الحزب لا يجرؤ على ان يوقِف الحوار، فهو في حاجة له ويسعى لفرض هدنة إعلامية، فإذا أوقف الحوار فهذه مشكلته وليتحمّل المسؤولية، وهو يحتاج للحوار أكثر منّا، نحن نرى الحوار مصلحة وطنية ونصِرّ عليه، لكن في موضوعَي إزالة التشنّج السنّي ـ الشيعي والملف الرئاسي، فهل يريدون منّا مثلاً اليوم ان نسكتَ عن تصريح قائد «فيلق القدس»في الحرس الثوري الايراني قاسم سليماني؟ مستحيل».
سليماني
وكانت وكالة «إيسنا» للأنباء شِبه الرسمية نَقلت عن سليماني قوله في ندوة تحت عنوان «الشباب والوعي الإسلامي» إنّ إيران حاضرة في لبنان والعراق، وإنّ هذين البلدين «يخضعان بشكل أو بآخر لإرادة طهران وأفكارها»، واعتبَر أنّه في إمكان إيران التحَكّم في هذه الثورات لتوجّهَها نحو العدوّ، وأنّ هذه الإمكانية متوافرة في الأردن».
وأكّد سليماني دعمَ إيران الكامل لنظام الرئيس السوري بشّار الأسد، وقال إنّ «الشعب السوري موالٍ للحكومة بالكامل، ومؤيّدو المعارضة لم يستطيعوا تنظيمَ تجَمّعٍ مليوني واحد ضدّ الحكومة».
زوّار سلام
ونَقلَ زوّار رئيس الحكومة تمّام سلام لـ»الجمهورية» عنه قوله إنّ الحكومة ماضية في عملها من أجل تسيير أمور اللبنانيين وتلبية حاجاتهم في ظروف غير عادية، ومتابعة الملفّات التي تعني لبنان واللبنانيين على كلّ المستويات.
وأكّد مجدداً أهمّية الوصول الى مرحلة انتخاب رئيس جمهورية جديد لينتظم العمل على مستوى المؤسسات الدستورية. وأوضحَ أنّه لا يوفّر جهداً لإمرار المرحلة بأقلّ الخسائر الممكنة على لبنان.
وشدّد سلام أمام زوّاره على أهمية القمّة العربية الدورية التي ستُعقد نهاية الشهر الجاري في شرم الشيخ، نظراً إلى حجم الملفات العربية المطروحة عليها، متمنّياً أن ينجح العرب في تجاوز الأزمات التي تعصف ببلداننا. كذلك لفتَ الى أهمّية المؤتمر الدولي المخصّص لملف إغاثة النازحين واللاجئين السوريين، متمنّياً أن يحظى لبنان بما يستحقّه من دعم نظراً الى حجم الضغوط التي يتعرّض لها على أكثر من مستوى.
وأكّد سلام انّ الدعم الدولي يعزّز قدرات لبنان للإستمرار في رعاية النازحين واللاجئين السوريين وتوفير الحدّ الأدنى ممّا يمكِن توفيره لمواجهة المصاعب التي يعانون منها.
الاستحقاق
ومع دخول الشغور الرئاسي أسبوعاً جديداً، صَلّى البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي من أجل المسؤولين السياسيين «لكي يرَوا بقلوبِهم وضمائرهم ما آلت إليه ممارستُهم غيرُ المطابقة لطبيعة العمل السياسي وغايتِه، كفَنٍّ لخدمة كلّ مواطن والخير العام»، ولكي يرَوا جسامة فراغ سدّة الرئاسة منذ عشرة أشهر ونتائجَها الوخيمة على المؤسّسات الدستوريّة والعامّة، وعلى البلاد ككل».
المشنوق
ومِن واشنطن، أكّد وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق أنّ «الحوار مع «حزب الله» متقدّم، لكنّ موضوع انتخاب رئيس للجمهورية هو موضوع إقليمي»، معتبِراً أنّ «الحوار لا بدّ أن يشكّل مدخلاً لمنطق التسوية، ولكن يجب أن يواكبَه وضع إقليمي».
وقال المشنوق إنّ «فريقنا السياسي استطاع أن يضعَ حدّاً لمسألة انتشار الفكر الإرهابي في المجتمع السنّي، والحديث-الأسطورة عن بيئة حاضنة لم يعُد موجوداً، فنحن ننطلق من تجربة شهيد الاعتدال، والرئيس سعد الحريري بالرمزية التي يمثّلها كابنِ شهيد الاعتدال بإمكانه مواجهة كلّ هذه التحدّيات».
«حزب الله»
أمّا «حزب الله» فقال بلسان رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد «إنّ المقاومة ليست طرفاً يمكن أن يملأ الشغور أو يتوقف على رأيه ملء الشغور، فهناك معادلة في البلد تستوجب التفاهم الوطني حتى يُملأ الشغور، وهذا التفاهم نحن قدّمنا وجهة نظرنا به، وطرَحنا مرشّحنا الذي نفترض أنّه يخدم المسار الوطني للمقاومة والنهوض وللأمن والاستقرار الداخلي، والصمود والسيادة والحرّية والإستقلال في بلدنا، وبقيَ على الطرف الآخر أن يتأمّل ويتدبّر ويفكّر ويقرّر».
جنبلاط
وكان رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط أملَ من العاصمة الفرنسية، بعد لقائه الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، «في ألّا تحلّ الخلافات البيزنطية اللبنانية في باريس»، وقال: «علينا نحن اللبنانيين أن نحلّ مشاكلنا بأنفسِنا». وأوضح أنّه بحثَ مع هولاند الدعمَ الفرنسي لسلامة لبنان والجيش اللبناني.
وعن تطوّرات الأوضاع في المنطقة، قال: «إنّها حرب أخَوية طويلة بين العرب، إنّه انهيار الهلال الخصيب ودماره، ولا أرى أيّ انفراج، بل أرى معاناة رهيبة للشعوب العربية».
السفير السعودي في بيروت
وكما أشارت «الجمهورية» يوم السبت الماضي، فقد عاد سفير المملكة العربية السعودية علي عواض عسيري مساء أمس إلى بيروت آتياً من العاصمة السعودية الرياض. ومِن المقرر أن يبدأ الأسبوع الجاري سلسلة من الاتّصالات على أوسع مروحة سياسية.