Site icon IMLebanon

المشهد مُوزَّع بين لاهاي وجنيف ولا أموال لـ «داعش» في لبنان

الحدث انتقلَ من لبنان إلى لاهاي لمتابعة وقائع شهادة الرئيس فؤاد السنيورة الذي عرضَ بشكل تفصيلي ودقيق للوقائع المتصلة بالتدخّل السوري في الشؤون اللبنانية، وتحديداً لجِهة التضييق على الرئيس الشهيد رفيق الحريري وعَرقلةِ كلّ مشاريعه الإصلاحية، والتدخّل بتسميةِ النوّاب على لوائحه، وتحديد حصّتِه الوزارية بثلاثة وزراء، وصولاً إلى «بَهدلتِه وشَتمِه وإهانته» في اللقاء الذي جمعَه مع الرئيس السوري بشّار الأسد في كانون الأوّل 2003. ولعلّ الجديد في كلام السنيورة في اليوم الأوّل هو إسقاطه لنظرية أنّ يدَ الحريري كانت مطلَقة في الاقتصاد، كما كان يروّج على قاعدة أنّ الحريري يتولّى الإنماء، والنظام السوري يتكفّل بالأمن، فأظهرَ بالملموس والتفاصيل أنّ يدَ الحريري كانت مكبّلة، والعقبات التي تعترضه كانت مبَرمَجة، من أجل إبقاء لبنان في غرفة العناية الفائقة، ومنعِه من التقاط أنفاسه واستعادة توازنِه وحضوره، وذلك لتبرير الوصاية، ليس فقط من الجانب السياسي بتصوير اللبنانيين قبائلَ غير قادرة على التوافق، بل أيضاً من الجانب الاقتصادي، بأنّه معرّض للانهيار في أيّ لحظة، لولا تلك الوصاية. وفي سياق آخر لفت أمس تلويح السعودية بإجراءات لحماية اليمن في موقف نوعي وجديد عبر عنه وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل بقوله: «إذا لم يتم إنهاء الانقلاب الحوثي في اليمن سلميا سنتخذ الإجراءات اللازمة لحماية المنطقة». ويأتي هذا الموقف عشية استئناف المفاوضات النووية مع إيران، وقبل أيام من القمة العربية، ويؤشر إلى عمق الأزمة، ومدى الاهتمام السعودي باليمن إلى درجة استعداد الرياض للتدخل العسكري.

إستمعَت غرفة الدرجة الأولى في المحكمة الخاصة بلبنان الى الرئيس فؤاد السنيورة في أوّل جلسة استجواب لفريق المدّعي العام. وتطرّقَ السنيورة الى جملة معطيات واكبَت اغتيال الحريري موضِحاً دور النظام الأمني السوري اللبناني في التضييق على الحريري وفي عرقلة الإصلاحات التي أطلقَها، فضلاً عن تهديد هذا النظام للحريري ولبنان.

وأكّد السنيورة أنّ الرئيس السوري بشّار الأسد هدّدَ الحريري وأهانَه في اللقاء الشهير بينهما أواخرَ العام 2003، ما تركَ أثراً سلبياً كبيراً لدى الحريري ودفعَه الى البكاء قائلاً للسنيورة عن الأسد: «بهدلني وشتمني وأهانَني».

وأعلنَ السنيورة بأنّ «النظام السوري كان لديه هاجسٌ من كلّ عملية إصلاح كانت ستؤدّي الى المزيد من الانفتاح والحرّيات والكفاية والجدارة بديلاً عمّا يسمّى بالولاء والاستتباع للنظام السوري والنظام الأمني اللبناني».

وأوضح السنيورة أنّ النظام السوري كان يسعى للتضييق على الحريري، وكشفَ بأنّ الحريري رجّح بأن يكون النظام الأمني وراء محاولة اغتيال النائب مروان حمادة من دون أن يجزم بالأمر، ولفتَ الى أنّ الحريري اعتبَر هذه الجريمة رسالةً له. وشدّد على دور النظام السوري في التدخّل في الحياة العامّة في لبنان وفرض وزراء، رغماً عن إرادة الحريري.

إدانة «حزب الله»

وفي موازاة شهادة السنيورة التي خطفَت الأضواء، برَز أمس تحرّك الديبلوماسية اللبنانية لدى «مجلس حقوق الإنسان» في الأمم المتحدة لنزع صِفة الإرهاب عن «حزب الله» من مشروع القرار المطروح حول الأزمة السورية بفقرة مستقلّة تدين تدَخّله العسكري في القتال السوري.

ويبدو أنّ هذا الموضوع سيثتأثر باهتمام واسع في الأيام الفاصلة عن الدورة الـ 28 لـ»مجلس حقوق الإنسان» يوم الاثنين المقبل، حيث يسعى وزير الخارجية جبران باسيل لمَنع إدانة الحزب، في ظلّ تمسّك سعودي وقطري بهذه الإدانة. وفيما اعتبرَت أوساط في 8 آذار أنّ أيّ قرار من هذا النوع هو مسيء للبنان على رغم أن لا تأثير له، لم يُعرَف بعد موقف الحكومة من هذه القضية.

المصري

وفي هذا السياق سألت «الجمهورية» الأستاذ في القانون الدولي الدكتور شفيق المصري عن أبعاد ذِكر الحزب في بيان «مجلس حقوق الإنسان» ورفض لبنان الرسمي، فأجاب: «أوّلاً، في التصنيف العالمي غير الرسمي لـ«حزب الله» إنّ الجناح العسكري منه هو منظّمة إرهابية، وبالتالي هذا التوصيف الأوروبي عموماً هو الذي اعتمده الاتّحاد الاوروبي، ولكنّ الولايات المتحدة أطلقَت على الحزب كلّه هذا التوصيف.

اليوم «مجلس حقوق الإنسان» إذا صنّفَ هذا الحزب في عداد القوى غير النظامية التي تشارك في الحرب ضد سوريا، يعني أنّه مِن جملة التنظيمات الإرهابية الأخرى، أي يُساويه في تصنيفه بالفئات الأخرى كـ«داعش» و«النصرة» الناشطين في سوريا، وطبعاً لبنان الرسمي حريصٌ على أن لا يدخلَ الحزب على المستوى ذاته مع هؤلاء».

وأضاف: «لبنان الرسمي يريد أن يكتفي «مجلس حقوق الإنسان» بشَجب التدخّل الخارجي في سوريا، من دون تسمية الحزب، خصوصاً أنّ هذا المجلس يؤثّر بصفته المعنوية أكثر من صفته الرسمية، لأنّه يرفع التوصيات إلى الجمعية العامة فقط، ولكنّ حِرص لبنان الرسمي على هذا الأمر يعني أوّلاً حِرصه على عدم تساوي الحزب مع الميليشيات الأخرى الإرهابية في سوريا، وثانياً عدم دفع الأمور الى ما يسبّب اضطراباً أمنياً داخليا».

السفير الروسي

من جهته، قال السفير الروسي ألكسندر زاسبكين بعد زيارته وزيرَ الخارجية جبران باسيل إنّه عند الكلام عن التدخّل في سوريا» من الصعب ان نختار من كلّ أجناس الذين يقاتلون مِن القوى الخارجية في سوريا، الجانب الذي يتعاون مع النظام الشرعي ليكون أوّل مستهدف بالاتّهام».

واعتبَر أنّ هذا الأمر غير منطقي على الإطلاق، لأنّ «حزب الله» يقف الى جانب النظام الشرعي ولا يحاربه»، معتبراً أنّ المشكلة الأساسية «أنّ الأنظمة الشرعية تقف في وجه الجماعات الإرهابية، وهذه الأطراف معروفة أنّها «داعش» و»النصرة»، لكنّ وضعَ «حزب الله» مختلِف، إذ إنّه يقف الى جانب النظام السوري».

التوافق لاختيار رئيس

ومع غياب أيّ معطى جديد في الملف الرئاسي وبقاء الوضع على ما هو عليه، أعلن «حزب الله» أنّه» مع المؤسسات الدستورية، ومع انتخاب رئيس جمهورية في أسرع وقت، ومع أن ينعقدَ المجلس النيابي ويُشرّع، ومع أن تعمل الحكومة ولا تتوقّف».

وقال نائب الامين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم «إنّ تَسرية التعطيل من مؤسسة الرئاسة إلى مجلس النيابي ومن ثمّ بعض الذين يحاولون تعطيل الحكومة، لن يؤدّي إلى انتخاب رئيس للجمهورية، وأكّد أنّ الجميع «يعلم كيف يمكن أن يُنتخَب، والجميع يعلم أنّ التوافق مطلوب لاختيار رئيس قادر، وأنّ المراهنات التي استمرّت لعشرة أشهر حتى الآن على تطوّرات الخارج لم تنفَع، ولن تؤدّي إلى نتيجة، ومَن سينتظر سينتظر عشرة أشهر إضافية وأكثر ولن يجد حلّاً إذا لم يتحرّك».

وشدّدَ على أنّ «الحلّ من الداخل اللبناني باتّفاق الأطراف لإنهاء هذا الأمر من دون تسرية التعطيل من الرئاسة إلى غيرها، بل بمحاولة البحث عن المخارج الملائمة للوصول إلى نتيجة».

لا دور للأسد

وكانت المواقف السعودية والبريطانية تقاطعت أمس على أن لا دور للرئيس السوري في مستقبل سوريا. وقال وزير الخارجية السعودي الفيصل بعد لقائه نظيرَه البريطاني فيليب هاموند في الرياض أن «لا دور للأسد، ومَن تلطّخَت أيديهم بالدماء في ترتيبات المرحلة الانتقالية، ونحن نتمسّك بالحلّ السِلمي للأزمة السورية عبر تشكيل هيئة حكم انتقالية».

ورأى «أنّ إيران تمارس سياسات عدائية، وتتدخّل في دول المنطقة، وامتلاكُها للسلاح النووي يهدّد أمنَ المنطقة والعالم، موضِحاً أنّه من «غير الممكن منح إيران صفقات لا تستحقّها».

وشدّدَ على أنّه «إذا لم يتمّ إنهاء الانقلاب الحوثي في اليمن سلمياً سنتّخذ الإجراءات اللازمة لحماية المنطقة» (ص 16). من جهته، قال هاموند: «لا يمكن أن يكون هناك دور للأسد في سوريا المستقبل، وأعلنَ دعمَ بلاده التعزيزَ الدائم للمعارضة المعتدلة».

مجلس وزراء

حكومياً، يعقد مجلس الوزراء جلستَه في العاشرة قبل ظهر الخميس المقبل، وعلى جدول أعماله 54 بنداً عاديّاً. وقالت مصادر وزارية لـ«الجمهورية» إنّ الوقت ليس للنقاش في ملفات خلافية تثير الإنقسامات بين الوزراء، خصوصاً تلك التي لا تتّصف بصفة العجَلة».

وأوضحَت أنّ البند الأوّل من جدول الأعمال تناوَل إحالة جريمة بتِدعي على المجلس العدلي بعدما أرجِئ بَتُّها أكثرمن مرّة لاعتراض البعض على عدم الحاجة الى مثل هذه الإحالة طالما إنّ القرار الظنّي صدرَ في شأنها عن القضاء العادي المختَص.

ومن أبرز ما يتضمّنه جدول الأعمال: طلبُ الموافقة على العقد الخاص مع المطبعة الوطنية الفرنسية لتحقيق جوازات السفر ومتمّماتها، نقلُ اعتماد بقيمة 4 مليارات و85 مليون ليرة، طلبُ الإذن بتطويع 500 مأمور متمرّن إلى جهاز الأمن العام، طلبُ بَتّ دفتر الشروط الخاص بإطلاق المناقصة الدولية لتجهيز مراكز المعاينة الميكانيكية ونقلُ اعتمادات ماليّة إلى وزارات الأشغال، الدفاع، العدل، الخارجية، الإقتصاد، الجمارك، الزراعة ورئاسة الحكومة وفقَ القاعدة الإثني عشرية، وطلبُ بَتّ قبول بعض الهِبات لوزارة الدفاع. وأرفِقَ جدول الأعمال بـ 8 مشاريع مراسيم عادية تحتاج إلى تواقيع الوزراء لإصدارها عن مجلس الوزراء.

هيئة مكتب المجلس

تشريعياً، تعقد هيئة مكتب مجلس النواب اجتماعاً اليوم لتحضير جدول أعمال الجلسة التشريعية التي يَنوي رئيس مجلس النواب نبيه برّي الدعوة إليها قريباً، عِلماً أنّه لن يدعوَ إليها قبل منتصف نيسان المقبل بسبب تأخّر اللجان النيابية في بَتّ مشروع قانون سلسلة الرتب والرواتب، وتالياً بسبب حلول عطلة عيد الفصح.

وعلمَت «الجمهورية» أنّ اتّصالات حثيثة تجري في اتّجاهات عدّة على مستويات رفيعة من أجل الاتفاق على صيغة لمشروع السلسلة، حتى إذا حصلَ اتّفاق عليها يبادر برّي وهيئة مكتب المجلس إلى إدراجها على جدول أعمال الجلسة النيابية.

وعُلِم أنّ مِن بين المواضيع المصنّفة في إطار تشريع الضرورة، مشروع قانون السلسلة، مشروع قانون سلامة الغذاء، مشاريع قوانين تتعلق بمكافحة تبييض الأموال، ومطلوب من لبنان دولياً أن يقرّها ويلتزمَها.

لا أموال لـ«داعش»

ماليّاً، نفى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وجودَ أيّ أموال لـ»داعش» في القطاع المصرفي اللبناني، «بفعل الإجراءات التي تمنَع دخولَ أموال غير شرعية الى القطاع المصرفي، ومَن يخالف سيعاقَب، وواشنطن تُدرك أنّ دورة الأموال التي تموّل «داعش» لا تمرّ بلبنان».

كذلك نفى ما ترَدّدَ عن سحب أموال شيعية من المصارف اللبنانية خوفاً من أن تطاولَها العقوبات الأميركية، «لأنّ مصرف لبنان وهيئة التحقيق الخاصة يعملان على أساس محاسبة أيّ مخالف للقوانين اللبنانية من قبَل أيّ عميل مهما كانت طائفته أو مذهبه».

وطمأنَ سلامة اللبنانيين إلى متانة الليرة اللبنانية واستقرار سِعر صرفِها الذي توفّره قوى السوق من دون تدخّل مصرف لبنان، مؤكّداً أنّ الوضع النقدي متين ومستقرّ، وتمنّى على مجلس النواب إقرارَ سلسلة قوانين تتيح للبنان الإنخراط في العَولمة المالية.

واعتبَر سلامة، أمام وفد من نقابة المحرّرين اللبنانيين، أنّ عدمَ انتخاب رئيس الجمهورية انعكسَ سَلباً على الاستثمار في لبنان، لأنّ موقع رئيس الجمهورية أساسيّ لتحريك عجَلة كلّ المؤسسات، مؤكّداً أنّ رئيس الجمهورية هو عنوان ثقة العالم بلبنان المحترم لدستوره وقوانينه وديموقراطيته.

الهِبة الفرنسية للبنان مهدّدة

ومن جهة أخرى، عقدَت وزيرة الدولة لشؤون التنمية والفرانكوفونية الفرنسية أنيك جيراردين مؤتمراً صحافياً في قصر الصنوبر عند الأولى من بعد ظهر أمس، في حضور سفير فرنسا باتريس باولي، في ختام زيارتها للبنان ولقائها سلام وباسيل.

وأعلنَت أنّ زيارتها تأتي «لمساندة لبنان في معاناته في استقبال اللاجئين السوريين والأزمة السورية». وقالت: «نقلتُ للحكومة اللبنانية تمسّكَ فرنسا بسيادة لبنان واستقلاله، وهي توَدّ أن تكون الى جانب لبنان اليوم لكي لا تنتقلَ عدوى الأزمة السورية إليه.

وأضافَت: «هناك مساعدة ماليّة للبنان مِن وكالة التنمية الفرنسية، وهي قروض ميسّرة يبلغ قدرُها نحو 166 مليون يورو عالقة في انتظار أن يؤمّن لبنان ترتيبات مؤسّسية كافية لتلبيةِ المعايير المختلفة لتحريك هذا الدعم المالي بما في ذلك استعادة عمل المؤسسات، وانتخاب رئيس للجمهورية الذي نتمنّى أن يحصل سريعا».