الترقّب سيّد الموقف في انتظار ما ستؤول إليه الأوضاع في المنطقة التي تتسارَع فيها الأحداث وتُخلط الأوراق بعد عملية «عاصفة الحزم» العسكرية في اليمن، في حين لم يتصاعد الدخان الأبيض بعد من لوزان في شأن الاتّفاق النووي المحتمَل، وأعلنَ المتحدّث باسم البيت الأبيض جوش إيرنست أنّ المفاوضين الأميركيين لن ينتظروا حتى 30 حزيران المحدّد موعداً نهائياً لكي ينسحبوا من المحادثات النووية مع إيران إذا لم يتسنَّ التوصّل إلى تسوية سياسية.
وأكّدَت المملكة العربية السعودية أنّ عملية «عاصفة الحزم» مستمرّة «حتى تُحقّق أهدافها ويعود اليمن آمناً مستقرّاً وموحّداً». وأوضح وزير الخارجية سعود الفيصل أنّ بلاده ليست من دعاة الحرب، ولكنّها جاهزة لها إذا قُرعت طبولها. واتّهم إيران بممارسة «سياسة تصدير الثورة والتدخّل السافر في شؤون دوَل المنطقة»، مؤكّداً أنّ «أمنَ اليمن جزء لا يتجزّأ من أمن المملكة والخليج والأمن القومي العربي».
في هذا الوقت، استعجَلت اليمن تدخّلاً برّياً عربياً في أسرع وقت ممكن، وأكّد وزير خارجيتها رياض ياسين وجود قائد «فيلق القدس» في «الحرس الثوري» الإيراني قاسم سليماني في اليمن «فعلاً». وقال: «إنّ تدخّل إيران ورّطنا في مشكلات كثيرة».
في هذا الوقت، أعلنَت إيران أنّ لديها مقترحاً لحلّ الأزمة في اليمن. وقال مساعد وزير خارجيتها حسين أمير عبد اللهيان لـ«رويترز» ردّاً على سؤال عمّا إذا كانت طهران تتواصل مع الرياض لحلّ الأزمة في اليمن: «نحن نحاول». ودعا كافّة الأطراف اليمنية إلى «الهدوء والعودة للحوار».
مؤتمر الكويت
وفي غضون ذلك اختُتمت في الكويت أمس أعمال المؤتمر الدولي الثالث للمانحين للمساعدة الإنسانية في سوريا بإعلان الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون عن وعود الدوَل المشاركة فيه بتقديم 3.8 مليارات دولار.
وقال رئيس الحكومة تمّام سلام في كلمته خلال المؤتمر، إنّ لبنان يستضيف حاليّاً نحو مليون ونصف مليون نازح سوري، أي ما يوازي ثلثَ عدد اللبنانيين المقيمين، معتبراً «أنّ النتيجة الأخطر للنزوح هي الوضع الأمني الذي شكّلَ ويشكّل تهديداً مباشراً للاستقرار»، مشيراً إلى «أنّ الثمن الذي يدفعه لبنان يتخطّى قدرتَه على التحمّل، ويَحتاج من كلّ أصحاب النيّات الطيّبة والحريصين على حفظ استقراره، وعدم خروج الأمور عن السيطرة فيه، إلى مقاربات جديدة تنطلق من قراءة واقعية بأنّ الأزمة السورية المسبّبة للنزوح، غير مرشّحة، للأسف، للإنتهاء في القريب المنظور».
وشدّدَ سلام على وجوب أن تقدّم المساعدات المالية إلى النازحين وأن تستهدف القضايا الإنسانية في المجتمعات المضيفة على حدّ سواء، لكنّ الأهمّ هو أنّها يجب أن تهدف إلى إحداث نموّ ملحوظ ومستدام للاقتصاد اللبناني المنهَك. وبهذه الطريقة فقط، يمكن أن نخفّف من مِحنة الشعب اللبناني ومِن التداعيات الهائلة لوجود النازحين السوريين المؤقّت في لبنان».
وقال: «إنّ العلاج المطلوب يكمن في إدارة الوجود السوري بحزمةِِ من الإجراءات العملية والفاعلة»، وقدّم «خطّة مفصّلة للحكومة اللبنانية تفوق قيمتها المليار دولار، تتضمّن قائمة برامج موزّعة قطاعياً، ومترجَمة في شكل مشاريع تنموية ضرورية. وأكّد «أنّ هذا المقترح، القابل لأيّ تعديلات، يأتي في إطار «خطة الاستجابة للأزمة» للعامَين 2015 و2016، التي وُضِعت بالتنسيق مع المنظمات الدولية والتي تبلغ قيمتُها مليارين ومئة مليون دولار».
المساعدة الأميركية
وكانت السفارة الأميركية في بيروت أعلنَت في بيان لها أنّ المساعدات الأميركية للّاجئين السوريين في لبنان بلغَت أكثر من 118 مليون دولار، ليكون مجموعها الإجمالي حتى الآن 792 مليون دولار.
وذكر البيان أنّ الولايات المتحدة الأميركية قدّرت أنّ لبنان هو أكبر مستضيف في العالم للّاجئين السوريين نسبةً إلى عدد سكّانه، وإعلان اليوم يزيد من الدعم للّاجئين والمجتمعات المضيفة. ومع التمويل الإضافي، تستطيع الأمم المتحدة والشركاء من المنظمات الدولية الاستمرارَ في تقديم المساعدات المالية المباشرة من أجل الطعام والمسكن والتعليم والعناية الصحّية وتوفير مواد الإغاثة الأوّلية مثل البطانيات وأجهزة التدفئة ومستلزمات النظافة».
وأوضحَت أنّ «التمويل الأميركي الإضافي سيدعم المجتمعات اللبنانية المضيفة من خلال تحسين شبكات المياه والصَرف الصحّي، وتوفير الدعم للمراكز والعيادات الموجودة لدى هذه المجتمعات، بالإضافة إلى تعزيز المرافق المدرسية. وقد كان لبرنامج الأغذية العالمي تأثير مباشر على الاقتصاد المحَلّي من خلال خَلق أكثر من 1300 فرصة عمل وتمكين المحلّات المشاركة من مضاعفة أرباحها».
وذكرَت «أنّ عدد اللاجئين السوريين المقيمين حاليّاً في لبنان يضمّ حوالي 45000 لاجئ فلسطيني من سوريا. ونحو نصف هؤلاء يعيشون في المخيّمات الفلسطينية التي كانت مكتظّة بالسكّان حتى قبل توافد اللاجئين من سوريا، وهم يعيشون على القليل من الموارد والفرَص المحدودة لتحسين وضعهم.
وإنّ الدعم الأميركي الإضافي لوكالة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا) في لبنان يوفّر المساعدات المطلوبة ومن ضمنها الأموال النقدية وإمدادات الإغاثة والرعاية الصحّية للّاجئين الفلسطينيين القادمين من سوريا.
حبس أنفاس
وعلى الصعيد الداخلي، بدا أنّ مرحلة حبس الأنفاس ستطول في انتظار اتّضاح مسار التطوّرات، وأنّ فترة الشغور الرئاسي ستكون مديدةً نتيجة غياب أيّ معطى إيجابي عن إمكان انتخاب الرئيس العتيد في جلسة الانتخاب الرقم 21 المقرّرة غداً. وتبقى الأنظار شاخصةً إلى جلسة مجلس الوزراء اليوم التي تُعقَد على وقع أصداء قمّة شرم الشيخ وموقف لبنان الرسمي فيها واعتراض وزراء «حزب الله» عليه.
أمّا الحوار بين الحزب وتيار «المستقبل» فهو صامد، وسينعقد في جلسة جديدة غداً على وقع السجالات وردود الفعل التي أعقَبت كلمة الأمين العام للحزب السيّد حسن نصرالله الأخيرة، وردّ الرئيس سعد الحريري عليها.
وفي هذه الأجواء، ينعقد مجلس الوزراء إستثنائياً العاشرة قبل ظهر اليوم. وعشيّة الجلسة التزمَ وزراء «حزب الله» الصمتَ من دون التراجع عن موقف وزير الصناعة حسين الحاج حسن الذي انتقدَ فيه مواقفَ سلام في القمّة العربية من موضوع اليمن و«القوّة العربية المشتركة». وقال مرجَع
سياسي في فريق
8 آذار لـ«الجمهورية» إنّ وزيرَي الحزب الحاج حسن ومحمد فنيش سيكرّران خلال الجلسة الموقف الذي يعتبر أنّ رئيس الحكومة تفرَّدَ في ما قاله أمام القمّة ولم يُطلِع عليه مجلس الوزراء مسبَقاً. وسيؤكّدان أنّ اعتراض الحزب على موقف سلام لن يذهبَ إلى حدّ تعطيل مجلس الوزراء الذي يتمسّك باستمراره في مهمّاته مهما اشتدّت الخلافات السياسية.
وقالت مصادر مطّلعة لـ«الجمهورية» إنّ الاتصالات التي جرَت في الساعات الماضية عقبَ تصريح الحاج حسن أظهرَت أنّ الحزب يصرّ على إثارة الموضوع في جلسة اليوم بالطريقة التي يراها مناسبةً وتؤدّي الهدفَ المرجوّ، وسيسجّل موقفاً في الجلسة، وهو على استعداد للمشاركة في نقاش عميق في موقف سلام تحت سقف ما هو حقّ من حقوق مختلف الأطراف، مع حِرصه الدائم على اعتبار أنّ مجلس الوزراء هو المؤسسة التي يجب أن تحتضن هذا الحوار».
من جهتها، قالت مصادر وزارية في فريق 14 آذار إنّ وزراء تيار «المستقبل» و14 آذار «مستعدّون للمناقشة في هذا الموضوع أيضاً على خلفية الموقف الذي يَحفظ مصلحة لبنان العليا، خصوصاً أنّ ما تَحقّق في مؤتمر شرم الشيخ كان إنجازاً عربياً طالَ انتظاره، وأنّ تورّط «حزب الله» في كلّ هذه الساحات العربية تجاوَز ما هو مقبول، وكأنّه لا يكفي ما جناه هذا التدخّل في الأزمة السورية ليمتدّ برعاية إقليمية وإيرانية تحديداً في ملفّات بعيدة كلّ البعد عن جغرافية لبنان».
وأوضحَت المصادر أنّ وزراء «المستقبل» سيسألون وزيرَي الحزب اليوم: «إذا كان تدخّل حزب الله في سوريا، كما أعلنَ هو، لمنعِ انتقال التكفيريين إلى لبنان وأنّه لولا هذا التدخّل في سوريا لكانوا في جونية وبيروت، فما هو المبرّر لتدخّل الحزب في اليمن والبحرين؟»
وعلى رغم الأجواء التي رَسمت معادلة واضحة بين وزراء الحزب من جهة ووزراء «المستقبل» و14 آذار من جهة أخرى فإنّه لم تتوافر أيّ معلومات عمّا سيكون عليه موقف وزراء تكتّل «التغيير والإصلاح» الذين التزموا صمتاً مطبقاً تجاه موقف الحزب من السعودية.
الحكومة والحوار
وعلى رغم هذه المعلومات التي توحي بأنّ جلسة اليوم قد تشهد مواقفَ متناقضة، فإنّ مصادر نيابية أكّدت أنّ النقاش لن يتجاوز سقوفاً مرسومة لحماية الحدّ الأدنى من التوافق والتضامن الحكوميين وسط معلومات تتحدّث عن دور يقوم به بعض الوسطاء، ومنهم رئيس مجلس النواب نبيه برّي، لإبقاء المواقف تحت هذا السقف لحماية الحكومة والحوار الجاري بين تيار «المستقبل» وحزب الله الذي سيَعقد جولته التاسعة مساء غدٍ في عين التينة.
دو فريج
وفي المواقف، أيَّد وزير الدولة لشؤون التنمية الإدارية نبيل دو فريج مواقفَ رئيس الحكومة في القمّة العربية، وقال لـ«الجمهورية»: «إنّ كلّ طرَف سيدلي بدلوه، ولا يمكن التكهّن بمسار النقاش في جلسة مجلس الوزراء، وهل ستكون الأجواء متشنّجة، أم أنّ الأمور ستمرّ على خير، لكنّنا سندافع عن الدستور والصلاحيات الدستورية المعطاة لرئيس الحكومة والحكومة».
وأضاف: «في الأساس، إنّ رئيس الحكومة لا يحتاج إلى مَن يدافع عنه، فهو يعرف جيّداً كيف يدافع عن نفسه، ويعرف صلاحياته، أمّا موقفنا فسيأخذ في الاعتبار مصلحة لبنان والحفاظ على السِلم الأهلي فيه. والرئيس سعد الحريري أكّد استمرار الحوار مع الحزب على رغم حملة التجنّي التي تعرّضنا لها وتعرّضَت لها السعودية في خطاب الأمين العام لـ «حزب الله»، كما أنّ السيّد نصر الله أعلنَ في مستهلّ خطابه استمرارَ الحوار مع «المستقبل».
ولفتَ دوفريج إلى «أنّ الأداء الشخصي لوزيرَي الحزب راقٍ، وهما يكنّان لرئيس الحكومة كلّ احترام، ولم يخطِئا مرّةً في حقّه». وأكّد «أن لا مصلحة لأحد في فرط الحكومة، لأنّ فرطَها معناه انفجار لبنان»، وقال: «في ظلّ عملية خلط الأوراق الكبيرة الجارية في المنطقة علينا فعل المستحيل لإبعاد الجحيم عن الساحة اللبنانية، والدور الأكبر والأساس هنا هو لـ»حزب الله» وفريق 8 آذار». وشدّدَ على أنّ انتخاب رئيس جمهورية بات اليوم أولوية أكثر من أيّ وقتٍ مضى».
المرفأ
وعلى وقع التردّدات التي تركها اللقاء الموسّع لممثلي الأحزاب المسيحية الخمسة في بكركي أمس الاوّل الإثنين برئاسة النائب البطريركي العام المطران بولس الصياح، كشفَت مصادر مطلعة لـ«الجمهورية» أنّ أعمال الردم في الحوض الرابع توقّفت هذه المرّة نهائياً في ضوء إعادة البحث في جدوى المشروع بعدما تعدّدت الآراء التي وصفَت العملية بـ «أكبر جريمة تُرتكب على حساب المصلحة الوطنية» وتحقيقاً لمآرب غير مفهومة، ولا تصبّ سوى في مصلحة مجموعة ترغَب في وضع اليد على المرفأ.
وأكّدت المصادر أنّه سيأتي يوم وتكشَف فيه مختلف التفاصيل ومضمون حركة الاتصالات التي جرَت في اليومين الماضيين بعدما استؤنِفت أعمال الردم نهاية الأسبوع الماضي تحت جنح الظلام بغية فرضِ أمرٍ واقع جديد، الأمر الذي شكّلَ نقطةً فاصلة في هذا الملف.
وقالت المصادر إنّ الأيام المقبلة ستشهد على وقف كلّ التحضيرات وأعمال الردم التي كانت تجري بنَحوٍ مموَّه، بعدما نقلت رسائل وصفَت بأنها واضحة وصريحة بإسم بكركي والأحزاب المسيحية الخمسة التي لن تقبلَ بالعملية الجارية بواسطة إدارة موَقّتة انتهت مهمّاتها منذ سنوات وتقوم بأعمالها وتتصرّف بمداخيل مرفق عام بنحو يثير الشكوك في نفوس الجميع.