لم يحجب دخان معارك «عاصفة الحزم» وغبارُها في اليمن، الدخانَ الأبيض الذي تصاعدَ مساء أمس من لوزان، وتمثّلَ بالإعلان عن اتّفاق مبدئي بين الدوَل السِتّ وإيران، إيذاناً بحصول اتّفاق نوَوي نهائي، يَختتم ما وصَفه رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي بأنّه «أكبر ماراتون سياسي وديبلوماسي في التاريخ المعاصر دامَ أكثر من عشرة أعوام من المفاوضات الشاقّة، ونحو 35 عاماً مِن العقوبات والحصار على إيران. وقد سارَع الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى الترحيب بالاتفاق، وباشَر التحضيرَ للاستثمار عليه لحلّ الأزمات الإقليمية، داعياً قادة دوَل الخليح إلى قمّة تُعقَد في كمب ديفيد خلال الربيع الجاري للبحث في التعاون الأمني في المنطقة. وقال: «دعوتُ قادة دوَل الخليج السِتّ الأعضاء في مجلس التعاون… من أجل البحث في سُبل تعزيز التعاون الأمني وحلّ مختلف النزاعات التي تتسَبّب بمعاناة شديدة وعدم استقرارٍ في الشرق الأوسط».
وقال أوباما: «وصلنا إلى تفاهم تاريخي مع إيران حولَ برنامجها النووي، وهو إذا ما تمّ تنفيذه سيمنعها من الحصول على سلاح نووي». وأضاف: «توصّلنا إلى صفقةٍ لوقفِ تقدّم إيران في البرنامج النووي. كانت أطرافٌ تشكّ في نجاح الاتفاق، لكنّ طهران وفَت بواجباتها وفتحَت المجال للتحقّق من هذا الأمر».
ووصَف أوباما الصفقة «بالجيّدة التي تلبّي أهدافَنا الأساسية». وقال: قبلَت إيران بنظام مراقبة للتحقّق غيرِ مسبوق من نوعِه. وسيتمّ إنهاء تفاصيل كثيرة في الأشهر المقبلة، وإيران لن تتمكّن من تصنيع قنبلة نووية، وسيتمّ إغلاق الباب عليها لتخصيب اليورانيوم.
معظم المخزون من اليورانيوم المخصّب تمّ تخفيضه، ووفقاً للصفقة ستخفّض أجهزة الطرد المركزي بثلثَين». وأضاف: «لن يُسمح لإيران بتطوير سلاح نووي قط، وفي المقابل سنخفّف العقوبات التي فرضناها وفرضَها مجلس الأمن، وذلك على مراحل.
وإذا ما كان هناك أيّ خَرق سنعود إلى العقوبات». وأشار إلى «أنّ المفاوضات ستستمر إلى حزيران حول التفاصيل الدقيقة للصفقة، وإذا التزمَت إيران بالإطار الذي توصّلنا إليه سنعقدها، مؤكّداً أنّ المفتشين النوويين سيكون لهم نفوذٌ غيرُ مسبوق على المنشآت النووية الإيرانية، مشيراً إلى أنّ «الصفقة لن تنهيَ قلّة الثقة بين البلدين، وقلقُنا سيبقى قائماً بخصوص سلوك إيران التي تدعم هؤلاء الذين يزَعزعون أمنَ الشرق الأوسط». (التفاصيل ص 14-15).
أكبر ماراتون
وفي هذا السياق وصَف رئيس مجلس النواب نبيه برّي مفاوضات لوزان بأنّها أكبر ماراتون سياسي وديبلوماسي في التاريخ، إذ إنّ هذا الاتفاق جاء بعد أكثر من عشر سنوات من المفاوضات بين طهران والعواصم الغربية.
وقال برّي أمام زوّاره ليل أمس، ردّاً على سؤال عمّا يمكن أن يجنيَه لبنان من هذا الاتفاق، «إنّ مجرّد الاتفاق يشكّل خطوةً مهمّة، ومن شأنه أن يحرّك عجَلة الحلول لكلّ الأزمات في المنطقة، أمّا بالنسبة الى لبنان فإنّه يتوسّم خيراً ويأمَل في أن يتصاعد الاهتمام بحلّ أزمته التي يمكن القول إنّها الأقلّ تعقيداً من بقيّة الأزمات».
المشنوق
ورأى وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق أن لا اتفاق نهائياً بين الغرب وإيران «حتى الآن»، بل «إتّفاق مبدئي»، واعتبر أنّ «إدارة الرئيس الأميركي باراك اوباما لم تكن تريد أن تخرج من دون اتّفاقٍ ما، ليس بالضرورة ان يكون نهائياً أو أن يكون ناجحاً بالقدر الذي يتحدذثون عنه»، وقال إنّ «تعبيرَ أوباما أنّ الاتفاق «تاريخي» موَجَّه للإسرائيليين واليهود أوّلاً»، وأضاف: «هناك مصلحة بالاتّفاق الاميركي – الإيراني، واعتراضي ليس على الاتّفاق بل على التصرّف الايراني خلال المفاوضات وبعدَها»، وجَدّد خشيتَه «من أن يؤدي رفعُ العقوبات الى توفير المزيد من الأموال والموارد للحكومة الإيرانية لزيادة تدَخّلها ونفوذها في المنطقة».
الوليد سكرية
بدوره، وصَف عضو كتلة «الوفاء للمقاومة» الوليد سكّرية ما حصلَ بأنّه «مكسَب لإيران، لأنّها ضمنَت بقاء برنامجها النووي وعدَمَ تفكيكه وحقّها في تخصيب اليورانيوم لغايات سلميّة، وحقّها في الأبحاث وتطوير برنامجها، وهذا ما كانت تصبو إليه من الأساس، وهي تُدرك أنّ إنتاجَ سلاح نووي الآن دونَه حرب».
وقال لـ«الجمهورية» إنّ إيران حقّقت هدفَها بتثبيت برنامجها السلمي الذي كانت الدوَل الغربية ترفضه أساساً. وأضاف: «مِن جهته، ربحَ الرئيس باراك أوباما على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وتفادى الذهابَ إلى حرب في المنطقة، لأنّه لو لم يصل إلى اتّفاق لكانت الأمور ستذهب إلى الصدام وفقَ ما كان يشتهي نتنياهو».
وأكّد سكّرية أن لا علاقة لما حصَل بمشاكل المنطقة، لا بالعراق ولا سوريا ولا اليمن ولا فلسطين، ولا بالملف الرئاسي، إنّه خاصٌّ بالبرنامج النووي فقط.
سعَيد
مِن جهته، قال منسّق الأمانة العامة لقوى «14 آذار» الدكتور فارس سعيد لـ«الجمهورية» إنّ الاتفاق الأميركي – الإيراني هو مكسَب للشرعية الدولية، وهو انتصار أيضاً إذا ارتضَت إيران أن تخضَع لهذه الشرعية، والتي كانت بنَت شرعيتها على تجميع أوراق الأمن، لكنّها اليوم انتقلت من الأمن الى الخضوع للشرعية الدولية، وهذا يومٌ مبارَك».
وتوقّع سعَيد أن ينعكسَ ما حدَث إيجاباً على استقرار المؤسسات اللبنانية وانتخاب الرئيس. وهل شكّلَ توقيع الاتفاق مفاجأةً لـ»14 آذار؟ أجابَ سعَيد: «كلّا، إنّ «14 آذار» كانت تواكب كلّ الخطوات وكانت تدرِك تماماً أنّ الاتّفاق قد أُبرِم وتمّ تظهيرُه اليوم (أمس)».
علّوش
وفي السياق، قال القيادي في تيار «المستقبل» النائب السابق مصطفى علوش لـ»الجمهورية»: لو لم تكن إيران وصَلت إلى حدِّ الحاجة الملِحّة لإنجاز هذا الاتفاق لما كان حصَل، ولو لم تكن شروط الاتفاق تُعَدّ تنازُلاً لها لكانت قبلت به في السابق ولم تكن لتضطرّ أن تتحمّل العقوبات طوال هذه السنوات، لكنّ الأمور لم تنتهِ بعد، فالكونغرس لم يوافقَ على رفع العقوبات، وعلينا أن نرى ردّة فعل الحرس الثوري الإيراني، وهل سيقبَل بالاتفاق أم لا».
وعن انعكاس ما حدث على لبنان، أجاب: «طالما إنّ سلاح «حزب الله» موجود في لبنان لن يتبدّل شيء». وإذ قال علّوش إنّ أوباما يَعتبر نفسَه حقّق إنجازاً، أكّد أن لا علاقة لتيار «المستقبل» بالملف النووي الإيراني، «بل لنا علاقة على المستوى المحلّي بوجود السلاح غير الشرعي الذي تدعمه إيران».
ألن يعدّل توقيع الاتفاق في لهجة تيار «المستقبل» حيال «حزب الله»؟ أجاب: «أبداً، مطالبُنا المتمثّلة بانسحابه من سوريا وتسليم سلاحه إلى الدولة تبقى نفسها ولن يتبدّل شيء».
داخلياً، دخَلت البلاد اعتباراً من اليوم مدارَ عطلة عيد الفصح المجيد لدى الطوائف التي تتبع التقويمَ الغربي، وهي احتفَلت أمس برتبةِ الغِسل، وتحتفل اليوم برتبة دفن المسيح، وسط تدابير أمنية استثنائية باشَر الجيش اتّخاذها في محيط أماكن الاحتفالات ودُور العبادة وأماكن التسَوّق.
وكان الجيش صَدّ محاولة تسَلّل لمسلحين في جرود عرسال وأوقعَ في صفوفهم قتيلاً وعدداً من الجرحى، عُرِف منهم خالد أحمد الواوا الذي أوقفَته قوّة عسكرية ونَقلته إلى أحد المستشفيات للمعالجة.
«الحزب» في اليرزة
وفي هذه الأجواء، زار وفدٌ من «حزب الله» اليرزة أمس والتقى كلّاً من وزير الدفاع سمير مقبل وقائد الجيش العماد جان قهوجي، وضمَّ رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد ورئيس وحدة الإرتباط والتنسيق في الحزب وفيق صفا. وجاءت هذه الزيارة قبَيل الإجتماع الاسبوعي للكتلة، وقبل ساعات من انعقاد الجولة التاسعة من الحوار بين تيار «المستقبل» و»حزب الله» في عين التينة مساءً.
وقالت مصادر مطّلعة لـ»الجمهورية» إنّ اللقاء مع وزير الدفاع لم يُعقَد منذ فترة طويلة، وأشارت إلى أنّ البحث توسّعَ بعد استعراض التطوّرات الأمنية، ولا سيّما منها أحداث عرسال الأخيرة، ليشملَ حجمَ الخطط الأمنية التي جرى تنفيذها في المناطق اللبنانية كافة، ولا سيّما تلك التي شملت بيروت وطرابلس والبقاع ومناطق أخرى من لبنان، خصوصاً في المرحلة التي تلت بَدءَ الحوار بين الحزب و»المستقبل» وما جرى تنفيذه منها والمراحل المقبلة.
وفيما لم يُعرَف ما إذا كان البحث بين مقبِل وقهوجي والوفد تناوَل في جانبٍ منه ملفّ التمديد للقادة العسكريين والخطط الأمنية المقبلة في بيروت والضاحية الجنوبية، اكتفى رعد بالقول إنّ الوفد بحثَ مع مقبل «في ما يهمّ الأمن والاستقرار في هذا البلد، خصوصاً في ضوء التطورات الضاغطة التي نحرَص جميعاً على أن نحفظ بلدَنا وننأى به بعيداً من أيّ انعكاسات وتداعيات، وأبدَينا حرصَنا على الجهود التي تُبذل على هذا الصعيد».
الانتخاب إلى 22
وفي الشأن الرئاسي، لاقَت جلسة انتخاب رئيس الجمهورية الرقم 21 التي كانت مقرّرة أمس مصيرَ سابقاتها العشرين، إذ لم تنعقِد لغياب النصاب القانوني والدستوري المطلوب، حيث حضر 43 نائباً من أصل 86، وهو النصاب المطلوب لانعقاد الجلسة، ما دفعَ رئيس مجلس النواب الى تحديد 22 من الجاري موعداً لجلسة جديدة.
الحوار
وعلى وقعِ الانقسام في المواقف حيال قضايا وملفّات عدّة وليس آخرَها عملية «عاصفة الحزم» في اليمن وخطاب الأمين العام لـ»حزب الله» السيّد حسن نصرالله وردّ رئيس تيار «المستقبل» سعد الحريري عليه، إنعقدَت في عين التينة مساء أمس الجولة التاسعة من الحوار بين الحزب و»المستقبل»، في حضور المعاون السياسي للامين العام للحزب الحاج حسين الخليل، والوزير حسين الحاج حسن، والنائب حسن فضل الله عن الحزب، ومدير مكتب الرئيس سعد الحريري السيّد نادر الحريري والوزير نهاد المشنوق والنائب سمير الجسر عن «المستقبل». كذلك حضَر الجلسة المعاون السياسي لبرّي الوزير علي حسن خليل.
وبعد الجلسة صدَر البيان الآتي: «شدّدَ المجتمعون على استمرار الحوار وفقَ القواعد التي انطلقَ على أساسها. وتناوَل البحث عدداً من الموضوعات الداخلية المرتبطة بتفعيل عمل المؤسسات الدستورية، واستكمال الخطة الأمنية بما يعزّز الاستقرار الداخلي».
«الوفاء للمقاومة»
وكان سبقَ جلسةَ الحوار بيانٌ أصدرَته كتلة «الوفاء للمقاومة» تلاه ممثّل الحزب في الحوار النائب فضل الله، وجدّدَت فيه دعوتَها إلى وقف الحرب على اليمن، و»توفير رعاية محايدة لحوار يمنيّ داخلي، وصولاً إلى الاتفاق على حلّ سياسي وطني يَحفظ وحدة اليمن ويحقّق استقرارَه ويَستجيب لتطلعات الشعب اليمني في الحرّية والسيادة والاستقلال بعيداً من الوصاية والتبَعية».
وحَيَّت «الموقفَ الصريح والمسؤول» الذي أطلقَه الأمين العام لحزب الله إزاء الحرب على اليمن وشعبِه، ورأت فيه «تعبيراً صادقاً وشجاعاً وحريصاً على مصلحة العرب والمسلمين جميعاً».
جعجع
في هذا الوقت، انتقدَ رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع كلام نصرالله، سائلاً: «ما العاطلُ الذي فعَلته السعودية في حقّ لبنان؟ وأين مصلحة اللبنانيين في مهاجمة رئيس حزب لبناني للمملكة العربية السعودية؟». وقال: «إذا أضرَّت السعودية بمصلحة لبنان العليا أكون أوّلَ مَن يواجهها».
وفي الموضوع الرئاسي، أوضَح جعجع أنّ جانباً مِن الحوار مع رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» ميشال عون يتعلق برئاسة الجمهورية، «ولكن هناك ملفات أخرى عدّة توصّلنا فيها إلى تقدّم، خصوصاً بعد فترة خصومة طويلة».
واعتبَر أنّه «لا يمكن التطرّق إلى الموضوع الرئاسي قبل الانتهاء من الشقّ السياسي الذي نبحَث فيه الآن، وهو صعبٌ بسبَب التباعد في المواقف»، مؤكّداً تصميمَه وعون على الوصول إلى نتيجة والاستمرار في الحوار. ورأى «أنّ التصعيد الحاصل في المنطقة سيَدفع الفريق المعطّل للرئاسة إلى التعطيل أكثر فأكثر، ولن يقبلَ أصدقاء إيران في لبنان تسهيلَها إلّا من خلال حصول تبادلٍ ما في أمور معيّنة»
وعن التعيينات الأمنية، قال جعجع: «في ظلّ الوضع الراهن، من الأفضل إبقاء المؤسسات مستمرّة على ما هي عليه ولو أنّ التمديد ليس بحَدّ ذاته الخيار الأفضل والطبيعي، ولكن في خضَمّ هذه الظروف الاستثنائية من الأجدى والحكمة إبقاء الوضع على حاله طالما ليس لدينا رئيسٌ للجمهورية».
ملك إسبانيا يزور لبنان
على صعيد آخر، يزور لبنان الثلثاء المقبل ملك إسبانيا فيليب السادس، يرافقه وفد وزاريّ رفيع المستوى، ويلتقي عدداً من المسؤولين الكبار، ثمّ يتفقّد وحدات بلاده العاملة في إطار القوات الدولية (اليونيفيل) في جنوب لبنان.
وعُلِم أنّ الزيارة ستستمر يومين، يُخصَّص اليوم الأوّل منها للقاء المسؤولين اللبنانيين، والثاني لزيارة الجنوب، يتفقّد خلالها الملك الإسباني قوات بلاده التي قدّمت شهيداً في آخر اعتداءٍ إسرائيلي على موقعها في بلدة العباسية، والذي تَرافَق مع عملية شبعا التي ردَّ فيها «حزب الله» على غارة القنيطرة التي سقط فيها قياديّون من حزب الله وجنرال إيراني في نهاية كانون الثاني الماضي. ومن المقرّر أن يكون رئيس الحكومة تمّام سلام وعددٌ من الوزراء في استقبال الملك الإسباني والوفد المرافق على أرض المطار.
يُذكر أنّ الملك الإسباني يزور لبنان للمرّة الأولى منذ اعتلائه العرشَ في إسبانيا في 19 حزيران الماضي، بعدَ تنازُل والده عنه له، وهو نَجله الوحيد. وكان والده الملك خوان كارلوس زار بيروت في 9 و10 شباط 2010 والتقى المسؤولين الكبار وتفقّدَ وحدات بلاده في اليوم التالي للزيارة.