تطوّران مفصليان في أسبوع واحد: تحالف عربي-سنّي عريض بدأت أولى ترجماته العملية في «عاصفة الحزم»، وشكّل استباقاً للاتفاق النووي، ومِن أبرز أهدافه إعادة التوازن إلى المنطقة، حيث اختلّ في السنوات الأخيرة لمصلحة طهران. والتطوّر الثاني تمثّلَ في التوقيع على اتّفاق-إطار نووي، سيطوي في حال تحوّله في 30 حزيران إلى اتّفاق نهائي، صفحةً طويلة من الصراع بين الغرب وإيران التي بدأت تستعدّ لمرحلةٍ جديدة اقتصادياً وسياسياً وديبلوماسياً. ففي أسبوع واحد تبدّلَ المشهد في المنطقة رأساً على عقِب، فخرجَت من الجمود والمراوحة والصورة النمَطية التي طبَعت المشهد نفسَه لسنوات. والأهمّ في التطوّرَين المذكورين أنّهما فتحَا الأفق على مرحلة جديدة تختلف جذرياً عن المرحلة التي سبقَتها، حيث تجدّدَ الأمل بتحقيق خروقات وتسويات تُخرِج المنطقة من أزماتها المتفجّرة إلى الاستقرار والسلام المنشودَين، ولكنّ التفاؤل لا يعني أنّ تردّدات ما حصل ستبدأ بالظهور تباعاً، حيث إنّ التعقيدات الموجودة تستلزم وقتاً طويلاً لتفكيكها والتوافق على حلول تُرضي الجميع وتجسّد الواقع، غير أنّ الأكيد أنّ ما تحقّقَ هو بدايةٌ إيجابية جداً، وفي لبنان من يتوسّم خيراً ليس بالوصول إلى حلول جذرية، بل من منطلق تثبيت الاستقرار وتحصينه من خلال انتخاب رئيس جديد للجمهورية يُعيد انتظامَ المؤسسات الدستورية واللعبة السياسية بانتظار نضوج التطوّرات الخارجية.
قراءتان لبنانيتان للحدَث النووي: القراءة الأولى تتوقّع مزيداً من الاستقرار، ولكن من دون تحقيق أيّ اختراق سياسي أو رئاسي، ما يعني استمراراً للفراغ والجمود والستاتيكو إلى حين بروز مؤشّرات حَلحلة في الأزمة السورية، وبالتالي يصعب تقدير الفترة التي يمكن أن تستغرقها المفاوضات الإقليمية قبل مقاربة الملف اللبناني.
والقراءة الأخرى تتوقع حصول اختراق رئاسي بعد التوقيع النهائي على النووي في آخر حزيران، وأن يشهد الصيف المقبل انتخاب رئيس جديد يعزّز الهندسة التي أرسَت استقراراً من خلال الحكومة والحوار، وذلك في خطوة حُسن نيّة ورسائل متبادلة عن استعدادات إيجابية ستجد ترجماتها رئاسياً على الساحة اللبنانية باعتبارها المساحة الأقلّ سخونةً والأكثر قابلية لتحقيق خطوة سياسية.
ولكنّ المشترَك ما بين القراءتين، أنّ لبنان الذي كان السبّاق في تحييد نفسه عن الصراعات المتفجّرة، سيستفيد من المناخات الإيجابية المستجدّة لتحصين استقراره.
إيران
وفي المواقف، أكّد الرئيس الايراني حسن روحاني أنّ الاتفاق النووي سيفتح صفحةً جديدة بالنسبة لإيران والعالم، وقال: «إذا احترم الطرف الآخر وعودَه، سنحترم وعودَنا» من أجل التوصّل إلى اتفاق «متوازن».
إسرائيل
وعارضَت إسرائيل الاتفاق معتبرةً أنّه «سيشكّل خطراً حقيقياً على المنطقة والعالم أجمع، وأنّه سيهدّد أمن إسرائيل بل وجودَها». وقال رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو «إنّ إيران تسعى الى تدمير دولة اسرائيل وتدعو علناً إلى تحقيق هذا الهدف»، وطالبَ بأن يشملَ أيّ اتّفاق نهائي مع ايران «اعترافاً إيرانياً واضحاً بحقّ إسرائيل في الوجود».
«الحزب» و«النووي»
وفي معلومات لـ«الجمهورية» أنّ «حزب الله» الذي يَعتبر ما جرى «انتصاراً كبيراً لإيران، بعد سنوات من العقوبات والضغوطات والتطويق والتهديد الإسرائيلي ـ الأميركي المتواصل، وانتصاراً للقضايا المحِقّة في المنطقة، يؤكّد أنّ أكثر الدوَل المنزعجة ممّا تحَقّق هي بعض الدول العربية وإسرائيل التي تَعتبر الاتفاق النووي قوّة جديدة للمحور المقاوم في المنطقة في مواجهتها.
وإذ يرفض الحزب الغوصَ بعيداً في أبعاد هذا الاتفاق أو اعتبار أنّه يشكّل بداية صفحة جديدة في العلاقة بين الولايات المتحدة الاميركية وإيران، يَحرص على التذكير برفض إيران الدائم إدخالَ أيّ ملف الى جدول أعمال المفاوضات مع الغرب خارج الإطار النووي، على رغم محاولات دوَل الغرب المتكررة إدراج ملفات المنطقة.
لكنّ الحزب يرى أنّ إيران باتت بعد توقيع الاتفاق جاهزةً لبَدء البحث في مواضيع المنطقة، وبالتالي فإنّ ما تحَقّق سينعكس حتماً على المنطقة وعلى تفاهمات جديدة فيها.
وفيما سترتسم التساؤلات بعد توقيع الاتفاق عن علاقة واشنطن مع الحزب، يُسارع الأخير الى التأكيد أنّ معادلة جديدة ستُرسَم عالمياً وأنّه بطبيعة الحال يدخل فيها، وأنّ الأولوية في هذه الفترة انتقلت من تصنيف حركات المقاومة بالإرهاب، الى تصنيف جديد مفادُه أنّ الخطر الإرهابي يتمثّل في القوى التكفيرية عموماً و«داعش» خصوصاً، فباتت بالتالي أولوية العالم مواجهة هذا الإرهاب المستجدّ، ومن هنا بدأ التعديل في لهجة التصريحات الأميركية والأوروبية تجاه «حزب الله»، وتحوَّلت من سلبية الى إيجابية.
8 آذار لـ«الجمهورية»
وقال مصدر قيادي مسؤول في 8 آذار لـ«الجمهورية»: «لا سيّئات للاتفاق، فهو أوّلاً ثمرة صمود إيران وصبرها لسنوات طويلة وتصميمهاعلى انتزاع حقوقها بالبرنامج السِلمي، واليوم يأتي العالم كلّه ليعترف ويقرّ بحقّها في برنامج نووي سلمي، وليفتح ذراعيه لها لأنّها دولة لا يمكن تجاوزها.
فلم تكن يوماً من الأيام من دعاة الحرب أو من دعاة إثارة الاضطرابات أو تجاوز الشرعية الدولية، وهذه النتيجة، حتى الذين كانوا في الأمس على خصومةٍ معها، يَعتبرون أنّ ما حصل إنجازٌ لصالح السلم والأمن الدوليين والاستقرار في المنطقة، ويكفي أن نرى مَن هم السعَداء المبتسِمين ومَن هم الحزانى والمتجهّمين لندركَ قيمة هذا الاتفاق.
وعن انعكاس هذا الاتفاق على ملفّات المنطقة، قال المصدر: «حرصَت إيران على ان لا يكون التفاوض النووي مرتبطاً بأيّ موضوع آخر، لكنّ الانفراج في هذا الملف سينعكس بصورة إيجابية من دون ان ندخل في تفاصيل الملفّات الأخرى. وهو مؤشّر لانفراج في العلاقات الدولية، وهو في
الأساس
انبثقَ عن جهود مضنية وتعاوُن وحوار مورِسَ فيه الصبر الكبير من كلّ الأطراف، وتحديداً الأطراف الأساسية المعنية، أي إيران وأميركا.
والاتفاق يُعَدّ أيضاً إنجازاً كبيراً لأوباما في مقابل دعاة الحرب على ايران ومواصلة الحصار عليها، وهذا سيساعده غداً في الانتخابات، حيث سيكون أهمّ إنجاز يقدمه للشعب الاميركي، ويكفي الإشارة الى انّ استطلاعات الرأي في اميركا خلال الايام الماضية أظهرَت أنّ 80 بالمئة من الاميركيين يدعمون هذا الاتفاق.
وهل سيصوّت الكونغرس على رفع العقوبات؟ أبدى المصدر اعتقادَه بأنّ العقَد الأساسية تفَكّكت، في معزل عمّا سيفعله الكونغرس، والمهلة المتبقّية حتى حزيران هي مهلة صَوغ الاتفاق النهائي، لكنّ السقوف الاساسية للاتفاق تمّ الاتفاق عليها وتوقيعها.
ولفتَ الى أنّ البعض سيقول إنّ إيران قدّمت أثماناً باهظة مقابل الاتفاق النووي، والبعض سيقول إنّها ستعمد الى مزيد من الشغب في المنطقة للتعويض عمّا خسرَته في الملف النووي، وبعض آخر سيقول إنّها ستضحّي بحزب الله، وهذا من الأثمان التي اتُّفِق عليها سرّاً، لكنّ كلّ ذلك «كلام بلا طعمة». وسألَ المصدر أخيراً: «عدا الاستقرار الأمني، لمَن يمثّل لبنان فعلاً أولويةً؟ لا للاميركي ولا للفرنسي، لبنان على اللائحة لكنّه ليس أولوية».
درباس
وقال وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس لـ«الجمهورية»: إنّ «مَن يبحث في التوقّعات حالياً بعد الاتفاق على الملف النووي يكون متسرّعاً، لأنّ تأثيرَه قد يكون سلبياً أم إيجابياً، إذ هناك مَن يعتبر أنّ هذا الاتّفاق قد يعطي لإيران حرّيةً أكبر وقدرةً على التحرّك أوسع، فيما يتوقع البعض الآخر أن يؤدّي إلى استرخاء الوضع في المنطقة، ولذلك المطلوب انتظار أن تصبح المؤشرات أكثر واقعية وجدّية»
الجرّاح
ولم يرَ عضو كتلة تيار «المستقبل» النائب جمال الجرّاح أنّ «الإتفاق سيؤثّر على المنطقة بأكملِها ومعها لبنان، إذ إنّه جاء نتيجةً لإنجاز وثيقة أو مناخ من علاقات الفترة السابقة، ما يَفتح المجال أمام إنجاز ملفّات أخرى عالقة في المنطقة، ومنها ملف انتخاب رئيس جديد للجمهورية».
وقال لـ«الجمهورية» إنّ «الكلام عن إنجاز الملفات الأخرى العالقة في المنطقة ما زال مبكراً، ولكن يُمكن أخذه في الاعتبار كمؤشّر من مؤشرات الحَلحلة».
داغر لـ«الجمهورية»
وقال العميد المتقاعد ريشار داغر لـ«الجمهورية إنّ «الاتفاق نوعٌ من التسوية أو إدارة المشكلة النووية الايرانية، فالإدارة الاميركية لم تنهِ المعضلة الاساسية التي يمثّلها المشروع النووي الايراني، بل توصّلت الى إطار عام لإدارة المشكلة ومنعها من التفاقم توصّلاً إلى بناء سلاح نووي، فما حصلَ تجميدٌ للمشكلة النووية بدون تفكيكها من أسُسها.
وعن انعكاس الاتفاق على ملفات المنطقة عموماً وملف لبنان خصوصاً، إعتبَر داغر أنّ إيران حقّقت انتصاراً نوعياً في هذا الاتفاق على مستويات عدة: إنتصار معنوي، وقد رأينا الاحتفالات في شوارعها، فالملف النووي بمثابة رمز من عنفوانها الوطني، وقد استطاعت ان تحافظ على معظم مكوّنات هذا المشروع، وانتصار استراتيجي حيث اعترفَت الدوَل بها كقوّة نووية شئنا أم أبينا، وانتصار اقتصادي حيث سيفتح الاتفاق الباب في حزيران امام رفع العقوبات التي انهكَت اقتصادها، والأهم انتصار سياسي لأنّ الاتفاق لم يترافق مع أيّ بحث في الملفّات الساخنة وقضايا المنطقة المتفجّرة، والتي تضطلع فيها ايران بأدوار مركزية، وهذا ما يجب التوقف عنده، ونرى ماذا بعد.
وأضاف: «بعد الاتفاق، باتت الصورة السياسية في المنطقة واضحة: إيران أنجزَت اتّفاقاً يَحفظ لها مشروعها النووي بنسبة كبيرة مع الدوَل الغربية، وهي في الوقت نفسه لا تزال تمارس سياساتها التوسعية وتمديد نفوذها من دون البحث في هذا الموضوع. هذه الصورة بلا شكّ ستشكّل عامل ازدياد للتوترات الاقليمية في منطقة الشرق الاوسط. اليوم إسرائيل مستنفرة للتصدّي للاتفاق والبحث عن السبل الكفيلة بالرد.
كما أنّ الدوَل العربية والخليجية تشعر بالاستياء، وهذا ما دفعَ الرئيس باراك اوباما الى تحديد قمّة مع القادة العرب في كامب دايفيد الشهر المقبل. إذن الاتفاق سيعزّز مكانة إيران وصورتها في المنطقة ودورها، لأنّه لم يترافق مع أيّ وعود بالبحث في سياستها ودورها في المنطقة وفي تهديداتها الجيوبوليتيكية.
أمّا كيف سينعكس ذلك على لبنان، فأعتقد انّ مشهد التأزّم الحالي والحرب السياسية الباردة سيستمرّان في لبنان الى أمد غير معروف حتى إشعار آخر، فليس في استطاعتنا حتى الآن تحديد مسار الأمور في المنطقة وفي لبنان. التوتّر العربي ـ الإيراني سيستمر على رغم التطمينات الاميركية، إلّا إذا أقدمَت الادارة الاميركية على خطوة سياسية أخرى بعد التفاهم مع ايران وبناء الثقة معها، بمعنى أن تتدخل مع ايران لمعالجة الملفات الساخنة في المنطقة ولبنان، وهذا مرهون بالادارة الاميركية وبقدرتِها، وطبعاً لبنان لا يَحظى هنا بالأولوية.
تداعيات النوَوي على الاقتصاد
إلى ذلك، استأثرَ الاتفاق النووي أمس باهتمام ومتابعة من قبَل الاوساط الاقتصادية التي حاولت أن تقرأ في التداعيات المحتملة على الوضع الاقتصادي اللبناني.
وفي هذا السياق، ذكرَت مصادر مصرفية لـ«الجمهورية»، أنّ الخطوة الاساسية في هذا الاتجاه تتمثل في احتمال توسّع المصارف اللبنانية في اتّجاه ايران، على غرار التوسّع الذي تنفّذه المصارف في دوَل المنطقة. إذ بعد رفع العقوبات عن ايران يصبح السوق الايراني هدفاً مشروعاً للمستثمرين اللبنانيين، ومن البديهي ان تواكب المصارف هذا التوجّه. (تفاصيل ص11)
زيارة بلينكن
وعلى المستوى السياسي، قالت مصادر ديبلوماسية مطّلعة لـ«الجمهورية»: «إنّ الموفد الأميركي نائب وزير الخارجية الاميركي لشؤون الشرق الأوسط توني بلينكن الذي يصل الى لبنان مساء غد الأحد في زيارة تستمرّ يومين، يلتقي خلالها كبار المسؤولين، لن يتناولَ في زيارته أيّاً من الملفات اللبنانية الداخلية، خصوصاً ملف انتخاب رئيس الجمهورية، وأنّ الحديث عن هذا الموضوع خارجَ جدول أعمال الزيارة، وهو ليس من مهام السيّد بلينكن، وهناك مسؤولون آخرون في الإدارة الأميركية يهتمّون به».
وأضافت المصادر: «على اللبنانيين اعتبار هذه الزيارة استطلاعيةً وربّما إستقصائية، ليقف على رأي المسؤولين اللبنانيين في بعض ملفات المنطقة، ويضع خلالها المسؤولين في النتائج التي أفضَت إليها مفاوضات لوزان النوَوية، وما يمكن ان تعكسَه من نتائج على مستوى ملفات المنطقة وتطوّراتها المقبلة».
وكشفَت مصادر مطّلعة لـ«الجمهورية» أنّ بلينكن ألغى بعض المواعيد المُعلَن عنها من جدول لقاءاته، من بينها موعد مع البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي ومفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، لضِيق الوقت، ولذلك ستقتصر لقاءاته على كلّ مِن رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة تمّام سلام وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة وقائد الجيش العماد جان قهوجي.
مجلس الوزراء
إلى ذلك، يَعقد مجلس الوزراء جلستَه الأسبوعية عند العاشرة من قبل ظهر الأربعاء المقبل في السراي الكبير، وعمَّمَت الأمانة العامة في المجلس الوزراء أمس الجمعة جدولَ أعمال الجلسة، ويتضمّن 81 بنداً، من بينها 47 بنداً مرجَأً من جلسات ماضية، و24 مرسوماً عادياً، طالِبةً مِن الوزراء الاطّلاع على مضمونها قبل توقيعِها، تطبيقاً للمادة 62 من الدستور في ظلّ الشغور الرئاسي.