ملفّان يستأثران باهتمام كلّ المنطقة، وربّما العالم: الاتفاق-الإطار النووي، وملفّ اليمن، وذلك في ظلّ اعتقاد راسخ بأنّ هذين الملفّين قد يبدّلان وَجه المنطقة التي دخَلت في تحالفات وأحلاف وحروب وتسويات مؤجَّلة ربطاً بمؤدّيات النووي والحرب اليمنية، وتشهَد استنفاراً قلَّ نظيرُه بين مختلف الدوَل وعلى كافّة الجبهات، وعلى وقع توازنٍ دقيق واستراتيجي لم تعرفه المنطقة منذ سنوات. وفي موازاة هذا المشهد الذي يؤشّر بوضوح إلى دخول المنطقة في مرحلة جديدة ستبَدّل في معالمِها وتوازناتها وترسيماتها السياسية، وربّما الجغرافية، بدأت واشنطن وطهران حراكاً لتسويق النووي في الداخلين الأميركي والإيراني وخارجَهما، في محاولةٍ لتظهير الصورة الحقيقية للاتفاق بعيداً من التخويف والتضخيم والتشويه، والأهمّ في سبيل إعطاء التطمينات اللازمة بأنّ هذا الاتفاق لا يستهدف أحداً، وأنّه لن يكون على حساب أيّ دولة أو محور أو جماعة، وأنّ الهدف منه أرساء السلام، لا التأسيس لحرب أو حروب جديدة.
في موازاة «استمرار عملية «عاصفة الحزم» العسكرية في اليمن واستعداد مجلس الأمن الدولي للتصويت اليوم على مشروع قرار خليجي بشأن هذا البلد، ارتفع منسوب الحراك الدولي والإقليمي في كلّ اتّجاه، ولفَتت زيارة الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان إلى إيران أمس، للمرّة الأولى منذ اندلاع الأزمة في سوريا، وقد أعلنَ الرئيس الإيراني حسن روحاني أنّه توافقَ مع نظيره التركي على ضرورة إنهاء الحرب ووضعِ حدّ لإراقة الدماء في اليمن في أسرع وقتٍ ممكن.
تسويق الاتفاق
وفي وقتٍ يستضيف الأردن اليوم اجتماعاً للمجموعة المصَغّرة لدوَل التحالف الدولي ضد «داعش» على مستوى كبار المسؤولين، يستمرّ السعي الأميركي في تسويق الاتفاق النووي على أنّه خطوة مهمّة نحو حلّ الأزمة النووية الإيرانية، وقد رفضَ الرئيس باراك أوباما أن يتضمّن أيّ اتّفاق مع طهران حول برنامجها النووي اعترافاً إيرانياً «بحقّ إسرائيل في الوجود، مؤكّداً في الوقت نفسه أنّ الاتفاق لن يحلّ العديد من خلافات واشنطن مع طهران، «فهُم ما زالوا يموّلون «حزب الله»، وما زالوا يدعمون (الرئيس السوري بشّار) الأسد الذي يُلقي البراميلَ المتفجّرة على الأطفال، وما زالوا يرسِلون السلاح للحوثيين في اليمن، ممّا أدّى إلى زعزعة الاستقرار في البلاد».
بلينكن في الرياض
في غضون ذلك، أجرى نائب وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في الرياض، المحطة الثانية في جولته بعد لبنان، محادثات أمس مع وليّ وليّ العهد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز ووزير الخارجية السعودي سعود الفيصل، تناوَلت آخر المستجدّات على الساحتين الإقليمية والدولية، بالإضافة إلى الملف النووي الإيراني. كذلك التقى بلينكن في الرياض الرئيس اليمني عبدربّه منصور هادي.
وأكّد الموفد الأميركي أنّ واشنطن تكثّف عملية تبادل معلومات المخابرات مع التحالف، مشيراً إلى أنّ السعودية تبعث «برسالة قويّة إلى الحوثيين وحلفائهم بأنّه لا يمكنهم السيطرة على اليمن بالقوّة».
موفد إيراني
بدورها، تسَوّق إيران اتّفاق لوزان، وقد أكّد وزير خارجيتها محمد جواد ظريف الذي يتوجّه اليوم الى باكستان وسلطنة عمان للبحث في الأزمة اليمنية، أنّ بلاده ستنفّذ التزاماتها بعد صدور قرار من مجلس الأمن الدولي تحت الفصل السابع.
وفي السياق، يَحطّ النائب الأوّل لوزیر الخارجیة الإیرانی ومبعوث الرئیس حسن روحانی مرتضی سرمدي في بيروت اليوم، محطته الخامسة في جولةٍ شَملت سلطنة عمان والعراق وتونس والجزائر، وصولاً إلى موسكو الاثنين المقبل.
ويلتقي سرمدي في زیارته التي تستمرّ یومین رئیسَ مجلس النوّاب نبیه بری ورئیسَ الحكومة تمّام سلام ووزیرَ الخارجیة والمغتربین جبران باسيل وشخصیات سیاسیة وروحیة وحزبیة لإطلاعهم علی أجواء المفاوضات النوویة والبحث معهم فی سُبل تطویر العلاقات الثنائیة بین البلدين، وتبادل الآراء حول التطوّرات الجارية فی المنطقة والعالم، خصوصاً في الملفّین الیمني والسوري، وسُبل مكافحة الإرهاب.
مرجع كبير
وعلمَت «الجمهورية» أنّ زيارة سرمدي للبنان تندرج في إطار إطلاع المسؤولين اللبنانيين على أجواء الاتفاق النووي بين إيران والدوَل الغربية، وتأتي في موازاة التحرّك الديبلوماسي الأميركي الذي يقوده بلينكن.
وقال مرجع كبير «إنّ الحراك الأميركي لتسويق الاتفاق النووي في الداخل الأميركي، والحراك الإيراني المماثل في الداخل الإيراني، هو حراك ناجح ويمهّد الطريقَ للوصول إلى اتّفاق نهائي في حزيران المقبل.
وعندما سُئل المرجع: «هل إنّ هذا الاتفاق بدأ يشيع مناخاتٍ تساعد على انتخاب رئيس جمهورية في لبنان»، أجاب: «إنّ أيّ تطوّر لم يحصل حتى الآن في هذا الاتّجاه، ولكن ينبغي انتخاب رئيس جمهورية جديد في معزل عن أيّ اعتبارات».
وإذ قيل لهذا المرجع: «هل إنّ كلام الموفد الاميركي عن الشأن الرئاسي هو عبارة عن نفضِ يدِِ أميركية من الاستحقاق الرئاسي؟، قال إنّ زيارة بلينكن كانت مهمّة، وهي في إطار جولة على المنطقة، وما قاله عن الشأن الرئاسي صحيح، إذ لا ينبغي أن ننتظر ما سيؤول إليه الاتفاق الايراني الغربي، فهذا الاتّفاق ومستلزماته ومتمّماته قد تمتد إلى ما بعد حزيران، وبالتالي ليس هناك من ضرورة أن ننتظر كلّ هذه الأشياء حتى ننتخبَ رئيساً».
وقال المرجَع إيّاه: إذا كانت هناك صعوبة في انعقاد هذا الحوار في الرياض فإنّ في الإمكان عقده في سلطنة عمان أو في لبنان الذي سيستضيف في وقتٍ لاحق من الشهر الجاري مؤتمرَ الإتحاد البرلماني العربي، أو في الجزائر أو أيّ بلد عربيّ آخر، خليجي أم غير خليجي.
العسيري عند برّي
وفي هذه الأجواء، استقبلَ رئيس مجلس النواب نبيه بري أمس السفير السعودي في لبنان علي عواض العسيري، وجرى عرض للأوضاع والتطورات الراهنة في المنطقة.
وعلمَت «الجمهورية» أنّ اللقاء خاضَ في كلّ القضايا والتطورات التي تشهدها المنطقة، خصوصاً في ما يتعلق بالأزمة اليمنية، وقد شدّدَ بري على ضرورة حلّ هذه الأزمة بالحوار، لأنّ في هذا الحوار مصلحة حيوية للمملكة العربية السعودية وللأطراف المتقاتلة في اليمن.
… ويتلقّى اتّصالاً من جرَيج
وكان العسيري قد تلقّى اتّصالًا هاتفياً أمس من وزير الإعلام اللبناني رمزي جريج، أعربَ فيه عن اعتذاره لمَا تخَللته المقابلة التي نَقلها تلفزيون لبنان الرسمي أمس الأوّل مع الأمين العام لـ»حزب الله» من إساءةٍ إلى المملكة العربية السعودية، ومواقف لا تُعبّر عن الإعلام اللبناني الرسمي الذي يُمثّله تلفزيون لبنان.
وأكّد جريج للسفير السعودي حِرص المؤسسات الإعلامية اللبنانية الرسمية على تقدير المملكة العربية السعودية واحترام قيادتها ومسؤوليها، ووعدَ بإجراء تحقيق داخليّ لمحاسبة المسؤولين ومنع تكرار مثل هذه الأمور.
كما تلقّى العسيري عدداً من الاتصالات المماثلة من وزراء في الحكومة اللبنانية ومسؤولين سياسيّين وإعلاميين استنكروا خلالها خطوةَ تلفزيون لبنان الرسمي، مؤكّدين أنّ الإعلام والإعلاميين اللبنانيين يقدّرون عالياً المواقفَ النبيلة التي اتّخذَتها المملكة تجاه لبنان وشعبه، ولا زالوا ويرفضون أيّ إساءة توَجَّه لها من أيّ جهة.
فتفت
وتوَقّف عضو كتلة «المستقبل» النائب أحمد فتفت عند الهجوم المتكرّر لـ«حزب الله» على السعودية، وأكّد لـ«الجمهورية» أنّ تيار «المستقبل» ليس صامتاً أو يعضّ على الجرح في هذا الموضوع، والردود على كلّ المستويات، وبالتالي لا هدنة إعلامية مع «حزب الله»، لكن في الأساس هذا الأمر خارج إطار الحوار بين «المستقبل والحزب، وما نخشاه هو مدى تأثير هذا الهجوم على العلاقات اللبنانية ـ السعودية وعلى اللبنانيين الذين يعمَلون هناك، وكيف ستنظر دوَل الخليج لدورها الاقتصادي تجاه لبنان، هذا ما يخيفنا أكثر، وهنا يتحمّل السيّد نصر الله مسؤولية كبيرة.
وأضاف: «لكن ما لفتني في كلامه أكثر، هو أنّ حديثه الذي دام نحو ساعتين خلا من كلمة عرَب أو عروبة، حتى إنّه تجاهَل الصراع العربي-الإسرائيلي، ووضعَه في إطار الصراع بين المسلمين والصهاينة. هناك تغيير كبير في طريقة تفكيره السياسي، لكن أتفهّمه لأنّه فوجئ بالدور الذي تؤدّيه السعودية ودوَل الخليج، ولم يكن يتوقّع أبداً مستوى ردّة الفعل هذه، وهو يحاول جَبه التغيير في المسار الاستراتيجي بعدما شعرَ به.
وعن مدى تأثير هذا الهجوم على الحكومة، أجاب: «في الأساس الحكومة ماذا تفعل؟ في أسوأ الأحوال تصبح حكومة تصريف أعمال وتظلّ هي نفسها، لا مشكلة في الحكومة لأنّه أساساً لا سلطة لكي تستقيل أمامها، إنّما الحوار مستمر، ولا نرى أنّه يجب أن يتوقّف إذا كان يستطيع أن يُهدّئ اللعبة في لبنان قدر الإمكان، إلّا إذا كان الحزب لا يريد الحوار، فهذا موضوع آخر».
واعتبَر فتفت أخيراً أنّ نصر الله «اندمجَ كلّياً في المشروع الفارسي، وكلّ حديثه تبرير لدَور إيران في المنطقة، وقد تناسى كلّ الجرائم التي ارتُكِبَت في سوريا».
الجيش والإرهاب
وفي ظلّ تسارُع الأحداث الأمنية والحركة الديبلوماسية، واصَل الجيش حربَه الاستباقيّة على طول السلسلة الشرقيّة، ويُباغِت المسلحين بأساليب قتال جديدة، حيث كانت تلّة المخيرمية على الموعد مع وحدات الجيش.
وفي هذا السياق، روى مصدر عسكري لـ «الجمهورية» تفاصيلَ الإغارة قائلاً إنّه: «بناءً على معلومات توافرَت للجيش عن نيّة المجموعات المسلّحة في جرود عرسال الهجومَ على مراكزه في المنطقة، نَفّذت وحدات من الجيش صباح أمس عملية استباقية نوعية على تلّة المخيرمية الاستراتيجية، وسبقَ العملية غطاءٌ ناريّ كثيف نفّذته المدفعية التابعة للجيش والمتمركزة في المنطقة، الساعة السابعة صباحاً، واستهدفَت تجمّعات المسلّحين، لإعاقة تقدّمِهم أو إمداد المسلّحين المتمركزين على التلّة بالسلاح والذخيرة.
بعد ذلك، نَفّذت وحدات من فوج المجوقل عملية برّية دارَت خلالها اشتباكاتٌ مباشَرة مع المسلحين، استُخدِمت فيها مختلف أنواع الأسلحة، قبل أن ينجحَ الجيش في السيطرة على التلّة ويعودَ إلى مراكزه، موقِعاً عدداً كبيراً من القتلى والجرحى في صفوف المسَلّحين».
هذه العملية، تُعتبَر نوعيةً لأسباب عدّة، حيث أشار المصدر، إلى أنّ «مجرّد دخولِ الجيش إلى نقطة يتمركز فيها المسلحون، وهدمِ مرابض المدفعيات والتحصينات فوقَ رؤوسِهم، وانسحابِه من دون وقوع إصابات، فهذا إنجاز نوعيّ، خصوصاً في منطقة مكشوفة»، لافتاً إلى أنّ «هذه العملية تدلّ على القدرة القتالية الجديدة والتقدّم المستمرّ في تخطيط قيادة الجيش وأداء العناصر على الأرض». (التفاصيل ص 9)
التعيينات الأمنية
وعشيّة جلسةِ مجلس الوزراء التي تُعقد اليوم، أثارَ تكتّل «التغيير والإصلاح» مجدّداً ملفّ التعيينات الأمنية، فأكّد في بيانه الأسبوعي أنّ التسامح لا ينسَحب على كلّ المواضيع، إذ لا تسامحَ بموضوع التعيينات العسكريّة والأمنيّة.
فإنّ الحكومة التي أقدَمت على تعيين أعضاء لجنة الرقابة على المصارف ورئيس اللجنة، وأخيراً على تعيين أمينٍ عامٍ لمجلس الوزراء، لا يعصى عليها أيّ تعيين عسكري أو أمني في أيّ مركزٍ حسّاس. ودعا «التكتّل» وزيرَي الدفاع والداخليّة «إلى احترام النصّ القانوني، فالموضوع ليس عفوياً، بل يستوجب التفاتةً جدّية ومسؤولة».
الراعي إلى باريس
على صعيد آخر، يستعدّ البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي لزيارة باريس للقاء الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، وذلك لاستكمال المساعي التي تقوم بها البطريركية المارونية مع الدوَل المؤثّرة والصديقة للبنان، لانتخاب رئيس للجمهورية. وتأتي زيارة باريس بعد زيارة بلنكين إلى لبنان والكلام عن تحريك واشنطن للملفّ الرئاسي.
وفي هذا السياق، لفتَ راعي أبرشية بيروت المارونية المطران بولس مطر لـ«الجمهورية» إلى أنّ زيارة الراعي إلى فرنسا «أتت بناءً لدعوةٍ مِن هولاند ومنظّمة الأونيسكو». وأشار إلى أنّ «الراعي سيبحث مع هولاند في انتخاب رئيس الجمهورية، وإمكان المساعدة على إنجاز هذا الاستحقاق».